الفصل 15: نخب للمَلعونين

كانت النجوم تتلألأ فوق ميستيك فولز تلك الليلة بوضوح مبالغ فيه—ساطعة أكثر مما يناسب المزاج الذي حمله هؤلاء الأربعة.

خلفهم، كان قصر آل سالفاتور لا يزال ينبض بأصداء الحفلة الأخيرة. ضحكات متلاشية في ذاكرة بعيدة، والآخرون إما خلدوا للنوم، أو انسحب كل منهم إلى ركنه الخاص في هذا العالم الممزق. لكن هؤلاء الأربعة... لم يغادروا.

جلسوا خارج القصر، قرب حافة الأرض الممتدة نحو الغابة، حيث تنحدر التلال وتتلاشى الأضواء، تاركةً الظلال خلفهم طويلة، كأن ماضيهم الثقيل لا يزال يُلقي بثقله على العشب.

نار صغيرة كانت تتراقص داخل حفرة الحجر. زجاجات متناثرة على الطاولة التي جمعتهم—معظمها من مشروب البوربون، وبعضها أقدم بكثير، جلبه كلاوس من أعماق الأماكن التي يخبئ فيها الأصليون أسرارهم.

اتكأ ألكسندر إلى الوراء في الكرسي الخشبي، تراقصت ظلال اللهب على وجهه مرسومةً خطوطًا عميقة من التعب.

"تعرفون..." تمتم، "ما كنت لأتخيل يومًا أنني سأجلس وأشرب مع رجل حاول التهام روحي، وأخ نسي وجودي، وآخر... على الأرجح حاول قتلي ذات مرة."

رفع دايمن زجاجته بتحية ساخرة:

"لم تُخطئ."

قال ستيفان وهو يحتسي مشروبه بهدوء:

"قاسٍ."

ضحك كلاوس بخفة:

"ومع ذلك، ها نحن هنا. مربوطون بجنون مشترك."

"أو بصدمة نفسية جماعية"، قال ألكسندر بنبرة جافة.

"كلاهما وجهان لعملة واحدة"، أجابه كلاوس دون مبالاة.

سكن الصمت بينهم لحظة، ثقيلاً لكنه لم يكن عدائيًا.

كان دايمن أول من كسر ذلك الهدوء:

"هل تساءلتم يومًا كيف كانت ستكون الحياة لو لم يكن كل هذا الهراء الخارق للطبيعة قد حدث؟ لا مصاصي دماء، لا سحرة، لا لعنات؟"

أمال ألكسندر رأسه قليلاً وهو يفكر:

"كنت أتساءل... لكن لم أعد أفعل. ذاك العالم ما كان ليحمل أمثالنا."

قال دايمن:

"كنت سأظل ثملًا على الأرجح."

وأضاف ستيفان بهمس خافت:

"وأنا... ربما كنت سأكون ميتًا."

ابتسم كلاوس ابتسامة واثقة وقال:

"وأنا على الأرجح كنت سأكون ملكًا على شيء ما. لكنني أتساءل أحيانًا... هل كنا سنكون سعداء فعلًا؟"

"لا"، قال ألكسندر بثبات. "السعادة ليست مما صُنعنا لأجله. ليس في هذه الحياة."

نظر إليه ستيفان، وسأل بهدوء:

"هل تؤمن بالخلاص؟"

حدق ألكسندر في ألسنة اللهب المتراقصة.

"أنا أؤمن باللحظات. لا يمكنك أن تمحو ما كان. لكنك تستطيع اتخاذ خيارٍ واحدٍ صحيح... ربما اثنين. وهذا كل ما نملكه."

تنهد كلاوس من أنفه.

"تبدو وكأنك إيلايجا."

ردّ ألكسندر، ناظرًا إلى الجمر:

"بل أبدو كمن سئم من الغضب."

رفع دايمن زجاجته وطرق بها على زجاجة ألكسندر:

"هذه بداية جيدة."

صمت آخر مرّ، ثم مال كلاوس للأمام، والنار تتوهج في عينيه:

"تعجبني يا ألكسندر... لأنك لا تتذمر. بل تثور، وتتحطم، لكنك لا تتوسل."

ابتسم ألكسندر ابتسامة ساخرة:

"لقد توسلت من قبل... فقط لمن لم يستحقوا ذلك."

أنهى ستيفان كأسه، وصبّ لنفسه آخر.

"هل تكرهنا؟"

نظر ألكسندر إليه طويلًا، بعينين تحملان أوزانًا لا تُقال:

"أردت ذلك. حاولت. لكن كراهيتكم كانت ستعني أنني لم أعد أكترث... وما زلت أفعل."

تصلب فك ستيفان. وأشاح دايمن بنظره.

رشَف كلاوس من كأسه.

"ها نحن ذا... اللعنة زالت، لكن الألم باقٍ."

انحنى ألكسندر للأمام، مرفقاه على ركبتيه.

"هل لا زلت تهتم، يا ستيفان؟ أم أنك عدت فقط لأنك شعرت بالذنب؟"

أجاب ستيفان دون تردد:

"عدت لأنك أخي. ولأنني لم أتوقف يومًا عن البحث عما فقدته."

"حتى ولو أصبح ذاك الشيء... شيئًا لا يمكنك التعرف عليه؟" سأل ألكسندر بصوت خافت.

أومأ ستيفان.

"بل خصوصًا حينها."

رفع دايمن يده قائلاً:

"حسنًا، قبل أن تتحول هذه الجلسة إلى جلسة علاج جماعي... كلاوس، عليك أن تروي لنا قصة."

رفع كلاوس حاجبه باهتمام:

"أوه؟"

قال ألكسندر متحديًا، وهو يميل فجأة إلى الأمام، نظراته حادة:

"أسوأ شيء فعلته في حياتك."

تبسم كلاوس ببطء:

"ستحتاج لأن تكون أكثر تحديدًا."

"دون حِيَل. قصة واحدة. لحظة واحدة فقط"، قال ألكسندر بنبرة منخفضة.

تأمل كلاوس ألسنة اللهب، ولأول مرة، تذبذب تعبيره قليلًا.

"كانت هناك قرية... منذ مئات السنين. أحرقتها بالكامل. ليس بدافع الحاجة. ولا حتى انتقامًا. فقط... لأنني كنت غاضبًا. ولأنني كنت أستطيع."

لم يتكلم أحد. لم يكن هناك داعٍ للكلام. فهموا.

كسر دايمن الصمت أخيرًا:

"حسنًا، حسنًا. أنا ذات مرة جعلت رجلاً يظن أنه قط لمدة أسبوع كامل. أصاب عائلته بالجنون. هل هذا يُحتسب؟"

ضحك ألكسندر بخفة:

"لماذا؟"

"كنت أشعر بالملل."

حتى كلاوس ضحك على ذلك.

رفع ستيفان رأسه نحو السماء.

"أحيانًا أتساءل... هل الكون يبقينا لأننا مُسلّون؟ أم لأننا عقاب على خطايا لم نرتكبها نحن؟"

قال ألكسندر بصوت منخفض:

"لا يهمني السبب... أنا فقط ممتن لأنني لا زلت هنا."

ازدادت حدة صوت النار، كأنها تستمع هي الأخرى.

رفع كلاوس زجاجته:

"نخب الملعونين."

رفع ألكسندر كأسه:

"نخب المكسورين."

ابتسم دايمن ابتسامة جانبية وقال:

"نخب الذين كان ينبغي لهم أن يظلوا أمواتًا."

أضاف ستيفان بهدوء:

"ونخب الذين لم يفعلوا."

ثم شربوا.

ولأول مرة منذ زمن طويل... لم يشعروا بأنهم وحوش.

بل شعروا... أنهم إخوة.

......

مرّ الصباح التالي لتلك الليلة المضيئة بالنار، محمّلاً بسكونٍ ثقيل... أشبه بسلامٍ غير مريح.

كانت أشعة الشمس تتسلل بخفة عبر نوافذ قصر آل سالفاتور الطويلة، تلامس ذرات الغبار المعلقة في الهواء، كما لو كانت تضيء الذكريات نفسها. عبق القهوة كان لا يزال عالقًا في أرجاء المطبخ، خافتًا، كأنه من بقايا حلم لم يكتمل.

كان ألكسندر واقفًا عند حوض المغسلة، عاري الصدر، يحدق من النافذة نحو الغابة... نحو تلك الأرض التي كاد فيها أن يموت، وكاد معها أن يدمّر كل شيء.

لم يكن رجل سلام. لم يُخلق للصمت.

لكن هذا اليوم... كان صامتًا.

صامتًا أكثر من اللازم.

صرير خفيف صدر من الباب الأمامي وهو يُفتح. دخل دايمن بخطواته المعتادة، مرتديًا نظارات شمسية، يحمل كيسين من الدم وكوب قهوة.

"تبدو وكأنك تنتظر شيئًا لينهار في أي لحظة."

لم يلتفت ألكسندر.

"ألسنا دائمًا كذلك؟"

رمى دايمن أحد أكياس الدم لستيفان، الذي كان ينزل الدرج للتو.

"الخبر الجيد؟ لا أحد مات الليلة الماضية."

"حتى الآن"، قالها ستيفان وهو يلتقط الكيس بيد واحدة.

استدار ألكسندر أخيرًا.

"أين بوني؟"

أجاب ستيفان:

"لا تزال تعمل على التعاويذ. قالت إنها تحتاج إلى بضع ساعات إضافية لإتمامها. اللعنة قد كُسرت، لكن شظايا الروح—ما تبقى منها—لا تزال بحاجة لأن تُمتص بالكامل بداخله كليا اما ب تعويذة او طريقه اخرى "

سأل ألكسندر بنبرة حادة:

"وإن لم يحدث ذلك؟"

جاء الجواب من عند الباب، حيث ظهرت بوني يتبعها كارولاين:

"فستظل التصدعات قائمة. ستستمر في فقدان أجزاء من ذاتك، تتسرب إلى هذا العالم. وفي النهاية... ستختفي من جديد."

تلاقت أعين ألكسندر بعينيها، وقال بثقة لا تخلو من التحدي:

"فلنتأكد إذًا من أن ذلك لن يحدث."

اقتربت كارولاين من ستيفان، وعانقته من الخلف بحنان:

"لا أصدق أنك أقنعت أهل المدينة بإقامة حفلة لرجل لا يعرفونه حتى."

ابتسم ستيفان بمكر خفيف:

"سيتعرفون إليه قريبًا."

تمتم دايمن وهو يرفع عينيه نحو السقف:

"رائع. سالفاتور آخر لنادي المعجبين."

رفع ألكسندر حاجبه:

"لا تقلق، دايمن. ما زلت المفضل لديهم... كمريض نفسي، على الأقل."

وقبل أن يتمكن دايمن من الرد، دوّى صوت طرق على الباب الأمامي.

لم يتحرك أحد في البداية.

ثم تقدم ألكسندر بخطى ثابتة، وفتح الباب.

كانت تقف خلفه امرأة في منتصف الثلاثينيات، عيناها داكنتان، وهيبتها صامتة لكنها طاغية. حضورها وحده جعل الجميع داخل المنزل يتوترون دون وعي.

قالت بصوت هادئ يحمل صدى القوة:

"اسمي أفلين. أنا ابنة عم الساحرة التي أخذتم دمها مؤخرًا."

توتر الجو على الفور.

تابعت أفلين بسرعة، وقد قرأت التوتر في نظراتهم:

"لست هنا لأقاتل. لكنني هنا لأطالب بدين."

لم يرمش ألكسندر وهو يقول:

"هل هذا تهديد؟"

أجابت ببرود:

"إنه تصريح بواقع. لقد كسرتَ شيئًا مقدسًا حين حصدت حربك روحًا من أرواحنا. حين تُمحى سلالة، تهتز الأرض تحتنا."

دخل كلاوس من الممر الجانبي، وجهه جامد كالصخر:

"هل هذا تحذير، عزيزتي؟"

ابتسمت أفلين برقة تحمل شيئًا غريبًا:

"لا. إنها نبوءة."

خرج ألكسندر من الباب، مغلقًا إياه خلفه، ووقف أمامها بثبات:

"ماذا تريدين؟"

تأملته أفلين بتمعّن، ثم قالت:

"أريدك أن تفهم أن لعنتك قد انتهت... لكن تبعاتها لم تنتهِ."

حدّق فيها دون أن ينبس بكلمة.

تمتمت أفلين بكلمات بالكاد تُسمع—وبمجرد أن وصلت إليه، اختنق نَفَس ألكسندر للحظة.

وميض من ذاكرة...

لهب يتصاعد...

صرخة طفل...

وهيئة مغطاة بعباءة حمراء.

زمجر ألكسندر، صوته أشبه بالهدير:

"أنت تعرفين شيئًا."

اقتربت أفلين منه بخطوة، وهمست:

"أنت لم ترَ بعد أسوأ ما فعلوه بك يا ألكسندر... لكنه قادم.

وحين يصل إليك... تذكر فقط: ليس كل الشياطين يحملون وجوه الوحوش."

ثم استدارت وغادرت، تمشي نحو الغابة، كأنها تنتمي لها... كأنها من نسيجها.

وقف ألكسندر وحده أمام الباب للحظة طويلة.

خلفه، كان الآخرون ينتظرون—إخوته، أصدقاؤه، أولئك الذين باتوا يسمّون أنفسهم "حلفاءه".

لكن في داخله... كان شيء ما قد تغيّر مجددًا. شيء أعمق.

وأظلم.

الحرب قد تكون توقفت.

لكنها لم تنتهِ.

ولن تنتهي... قريبًا.

---

2025/05/21 · 22 مشاهدة · 1312 كلمة
نادي الروايات - 2025