الفصل 19: سقوط اللهيب
كانت الأرض تحت ميستيك فولز مغمورة بالدماء.
والعاصفة ما زالت تعصف فوق الرؤوس، تعوي مع كل صرخة، وكل لعنة، وكل تصادم بين الأنياب والمخالب.
مسح كول مايكلسون الدم عن فمه، وابتسامة مشروخة تعلو شفتيه الممزّقتين.
"ما زلت تتنفس، أيها اللقيط؟"
دفع ألكسندر جسده المتعب عن الأرض، والدم يتفجر من جرح عميق في ضلوعه.
كانت إحدى ذراعيه تتدلّى بلا حراك، ممزقة حتى العظم. أما ذراعه اليمنى—التي دمرها تعويذة كاي—فقد تحولت إلى حطام: محترقة، مشققة، ومرتعشة.
ومع ذلك... وقف.
وراءه، كان دايمن وستيفان يحاربان كوجهين لنفس العاصفة وليس العملة حقا—ستيفان بهدوء قاتل ودقة مميتة، ودايمن بعشوائية شرسة وجنون لا يرحم.
أما بوني، فقد كانت تنزف من جرح في جبينها، تواصل إلقاء التعويذات الدفاعية بينما تنهال فوقها نيران السحرة
كلاوس كان دوامة من الغضب، يمزق جنود كول واحداً تلو الآخر.
"كول!" صاح بغضب هادر. "أنت من جلب هذه الحرب. فذق مرارتها الآن!"
كول دار عليه، متفادياً ضربته، وتصادما في اشتباك عارم من غضب آل مايكلسون.
ترنّح ألكسندر وسط الدخان، أنفاسه متقطعة، وكل شبر من جسده يصرخ بالألم.
الخنجر الذي استُخدم ضده كان مغموساً في الفرفين والويلفسبين—والآن عروقه تحترق بالسم، والإصابة تتفاقم في داخله، تنهش قوته من الداخل.
ومع ذلك... لم يسقط.
ولن يسقط.
ولا يستطيع.
همس صوت آش في رأسه: "دعني... دعني أتولى الأمر. أنهيها عنك."
"لا..." تمتم ألكسندر من بين أسنانه، "ليس بعد."
ومن زاوية نظره، لمح كاي مجدداً—يردد تعويذة جديدة، يستعد لإطلاق ضربة ساحقة.
زمجر ألكسندر وانطلق.
مزّق الألم جسده الممزق مع كل خطوة، لكنه وصل—وصدم كاي في منتصف تعويذته، دافعه نحو شجرة بقوة مفاجئة.
اختنق الساحر من المفاجأة.
"ابقَ... ساقطاً"، تمتم ألكسندر بصوت مجروح.
لكن حتى وهو يقولها، ركبته خارت.
ورؤيته بدأت بالتلاشي.
والدم سال من شفتيه.
السم كان أقوى من احتماله.
سقط على ركبتيه.
ثم على الأخرى.
رآه ستيفان ينهار، فصرخ بصوت خائف:
"ألكسندر!"
كول التفت إلى مصدر الصوت، ورأى عدوه ينهار—فانفجر ضاحكاً:
"ها هي اللحظة... اللقيط قد انكسر."
نظر كلاوس بين كول وألكسندر، والغضب في صدره تجاوز حدود العقل.
"ستندم لأنك لمسته."
لكن كول لم يجد فرصة للرد.
كلاوس هجم عليه مجدداً.
وتصادما بعنف لا يُوصَف، عظمٌ يُحطم عظمًا، وغضبٌ يصطدم بغضب.
تحولت المعركة بينهما إلى وحشية بدائية—لا تخطيط، فقط ثأر.
زحفت بوني إلى جانب ألكسندر، وألقت حوله تعويذة حماية بآخر ما تبقى لديها من طاقة.
فتحت عيناه، متذبذبتان، بالكاد قادرتان على الرؤية.
"لا... أستطيع... التحرك"، همس بصوت واهن.
"الخنجر كان مسموماً..." قالت بوني بصوت مرتجف، "وتعويذة كاي... أصابت روحك."
سعل بشدة، دماء تغطي فمه، وتمتم:
"إذاً... أنهي القتال."
"لا." همست بوني، "لقد فعلت ما يكفي."
فجأة، ظهر دايمن بجوارهما، والدم يغطي وجهه، وأنفاسه متقطعة:
"لن تموت. تسمعني؟ لا أحد من آل سالفاتور يموت وأنا ما زلت حياً."
رسم ألكسندر ابتسامة متعبة على وجهه:
"أنت تنزف من أذنك."
"وأنت ذراعك شبه مفقودة."
"تعادل."
ضحكا—ضحكة قصيرة، مكسورة، ولكنها حقيقية.
كانت ساحة المعركة تغرق بالدماء، ورائحة الموت تخنق الهواء. من حولهم
ألكسندر كان ممدداً على الأرض، جسده يرتعش، وأعصابه تحترق من أثر الفرفين والويلفسبين والسحر الأسود.
كانت بوني منحنية فوقه، تحاول أن تردد تعويذة شفاء وسط ذعرها، بينما كان دايمن واقفاً بجوارهما، يحرسهما بجسده من الخطر المحدق.
ثم... حدث ذلك.
صوت.
منخفض.
غليظ
رمح خشبي—خشن، مسنن، منقوش بالرماد والحديد—اخترق صدر ستيفان سالفاتور.
ومصاص الدماء الذي غرسه كان يهمس بنشوة قاتلة، أنيابه تقطر شهوة دماء.
توقف الوتد على بُعد أنفاس من قلب ستيفان.
اتسعت عيناه، والدم يفيض من فمه، ويداه تمسكان بخشبة الوتد المرتعشة.
سقط على ركبتيه.
"ستيفان!" صرخ دايمن بألم يمزق الروح.
استدار كلاوس، عينيه تغليان بالغضب وعدم التصديق.
"لا..."
تباطأ الزمن.
رؤية ألكسندر المشوشة انحبست على هذا المشهد—ستيفان ينزف، راكعاً وسط التراب، يكافح ليلتقط أنفاسه.
أخوه.
ذلك الأخ الذي لم يتخلَّ عنه يوماً.
الذي بحث عنه، ونزف من أجله، وانكسر، وخاطر بكل شيء ليعيده.
شيء ما في داخل ألكسندر... انكسر.
ليس فقط غضبه.
ولا عقله.
بل روحه.
تحرك آش في أعماقه كما لو كان وحشاً هائجاً ينهض من قيده الأبدي.
"دعني أدخل..." همس الصوت.
ألكسندر لم ينطق.
لم يقاوم.
لم يفكر.
فقط... أومأ برأسه.
وتغيّر كل شيء.
الهواء من حول جسده تموج بطاقة مظلمة.
الرياح انفجرت خارجة منه كعاصفة غاضبة.
تعثرت بوني إلى الخلف،
غطى دايمن وجهه من هول الانفجار الطاقي.
عينا ألكسندر، اللتان كانتا خضراء هادئتين، تحوّلتا إلى سوادٍ دامس.
عظامه بدأت تصدر طقطقات بشعة.
عضلاته تشوّهت والتوت، تنمو وتتقلّص بشكل غير طبيعي.
ذراعه المكسورة... شُفيت بانفجار عظام مفزع، مع خيوط طاقة سوداء تنساب في عروقه.
الظل الكامن داخله—آش—اتحد به تماماً.
ونهض.
صامتاً.
ثم تحرّك.
بسرعة.
أسرع مما يمكن للبشر أو حتى مصاصي الدماء رؤيته.
في غمضة عين، كان أمام مهاجم ستيفان.
وفي الغمضة التالية... لم يكن هناك رأس.
وقف ألكسندر فوق ستيفان، وعيناه تتوهّجان بالغضب والموت.
"المسْه مرة أخرى..." زمجر، "وسأجعل الجحيم يبكي."
كان صوته مزدوجاً—صوته هو، وصوت آش، يتداخلان كشيطانَين يتحدثان من حنجرة واحدة.
استدار.
وأطلق العنان للجحيم.
اندفع ألكسندر نحو جيش كول.
ولم يكن لأحد أن يوقفه.
واحداً تلو الآخر... مزقهم.
لكمة واحدة... هشمت عظام خصمه.
صرخة واحدة... خمدت حين انتزع قلباً نابضاً من صدر صاحبه.
مصاص دماء حاول الهرب... فأمسكه ألكسندر من ساقه، وارتطم به بجذع شجرة بقوةٍ جعلت الشجرة نفسها تنشطر إلى نصفين.
كانت بوني تراقب، جسدها يرتجف.
"هذا ليس فقط هو... هذا شيء آخر..."
أما كلاوس، فكان مذهولاً.
دايمن ابتسم، والدم لا يزال يسيل من فمه.
"ياللجحيم المقدّس..."
حتى كول... توقف عن القتال، يتابع الوحش الذي ساعد في إيقاظه.
استدار ألكسندر إليه، والدم يقطر من مخالبه.
"أردت حرباً، كول؟" قال بصوت ملبّد بالظلام. "الآن حصلتَ عليها."
اختفت ابتسامة كول.
ألكسندر خطا خطوة واحدة نحوه—فهرب كول.
هرب كالجبناء.
لكن ألكسندر لم يلاحقه.
بل وقف في قلب المذبحة، صدره يعلو ويهبط، عيناه تتوهجان، وجسده مغطى بالدماء.
وراءه، تأوه ستيفان—لا يزال على قيد الحياة.
ركض دايمن وبوني نحوه.
اقترب كلاوس من ألكسندر، خطواته حذرة، وتوقف على بُعد أقدام قليلة.
"ذلك لم يكن أنت..." قال، بصوتٍ خافت. "ذلك... الشيء..."
أدار ألكسندر رأسه نحوه ببطء، وصوته منخفض وبعيد:
"هذا أنا الآن."
الوحش.
اللعنة.
الظل.
آش.
أصبحوا جميعاً واحداً.
وصمتت ساحة المعركة من جديد—باستثناء أنين الناجين القلائل، والزمجرة الخافتة التي لا تزال تهدر في صدر ألكسندر.
وفي أعماقه... كان يعلم أن ما حدث اليوم لم يكن النهاية.
بل كان مجرد البداية.