الفصل 1
الظل المنسي
تسلّل الضباب بين أشجار "ميستيك فولز" كأفعى، يلتفّ حول جذور الماضي وأسرار تُركت لتتعفّن في العتمة. كانت البلدة نائمة، غافلة عن أن شيئًا أقدم من أساطيرها المضرّجة بالدماء قد استيقظ. ومع عودة الأخوين سالفاتور، بدأت تمشي مجددًا بين البلوط الهامس، هالة طالما مُحيَت من الذاكرة.
وقف ألكسندر سالفاتور عند حافة جسر ويكري، ذاك المكان الذي غالبًا ما تنتهي فيه الأمور... أو تبدأ. كانت الرياح تعبث بجلد سترته السوداء المصنوعة من الجلد، لكنه لم يتحرك، ظلّ جامدًا كتمثال. شعره الداكن، المشعث والطويل، انساب إلى عينيه الحادتين، الخضراوين، الموشحتين بشيء من الظلال. لم يكن فيهما دفء، بل عاصفة صامتة.
ألقى نظرة إلى المياه في الأسفل، ممسكًا بمذكرات قديمة بالية، كانت أطراف صفحاتها مهترئة من الزمن. الاسم المحفور في أحدث صفحاتها لم يكن يعني له شيئًا—إيلينا جيلبرت—فتاة مرتبطة بالفوضى نفسها التي استدعت شقيقيه إلى هذه البلدة الملعونة.
لم يهتم لأمرها. ليس كما يفعل الآخرون. لم يكن هناك انجذاب، ولا فضول مؤلم. كانت مجرّد قطعة على رقعة الشطرنج، لا أكثر.
ما كان يريده ألكسندر—ما كان يشتعل في داخله كنجم يحتضر—هو الحقيقة. لماذا تركه ستيفان و دايمن تلك الليلة في عام 1864؟ لماذا لم يبحثا عنه؟ لماذا صدّقا أنه مات، بينما دمه كان يصرخ باسميهما وسط ألسنة اللهب؟
---
كانت ثانوية ميستيك فولز تعجّ بصخب بداية عام دراسي جديد. الطلاب يتنقّلون بين الممرات، يضحكون، يثرثرون، يعيشون حياة ضئيلة جدًا لفهم الثقل الذي يزحف نحوهم من أطراف الظل.
إيلينا جيلبرت ابتسمت وهي تسير إلى جانب بوني بينيت، وقد أخفت حزنها خلف عينيها المتعبتين بابتسامة معتادة.
وعلى الجانب الآخر من الشارع، كان ألكسندر يتكئ على دراجته النارية السوداء، سيجارة تتوهج ببطء بين أصابعه. لم تكن عيناه معلقتين على إيلينا، بل على ذلك الظل الذي دخل باحة المدرسة للتو.
ستيفان سالفاتور.
تصلّب فك ألكسندر، واشتدّت قبضته على المذكرات.
لم يرَ شقيقيه منذ أكثر من قرن. ولم ينطق باسميهما منذ عقود. وها هما الآن—يعودان إلى البلدة كأشباح بشَعرٍ مُسرّح بعناية وحزنٍ مُجمّل.
لم يقترب. ليس بعد. دعهما يشعران بالهدوء ليومٍ إضافي.
دعهما يصدّقان أن خطاياهما ما زالت مدفونة.
---
لاحقًا، بينما كانت العتمة تلطّخ السماء بلون الدم، اتجه ألكسندر نحو منزل سالفاتور العائلي. المكان تفوح منه رائحة الذكريات—ضحكات تحوّلت إلى مرارة، ووعود تحوّلت إلى أكاذيب.
لم يطرق الباب.
قابله دايمن على الدرج الأمامي.
"بحق خالق الجحيم"، قال دايمن بنبرة متكاسلة، وابتسامة ساخرة ترتسم على طرف شفتيه، "كنت أعلم أن هناك شيئًا غير طبيعي. ظننتها حرقة في المعدة، لكن انظر من عاد من الموت."
كانت ابتسامة ألكسندر كحدّ السكين.
"ما زلت جذّابًا، على ما يبدو. كنت سأقول إنني اشتقت إليك، لكنني لم أفعل."
اقترب دايمن خطوة. "كنا نظن أنك متّ، ألكسندر."
سخر ألكسندر. "أحقًا؟ أم كان من الأسهل أن تتركوني خلفكم؟"
عبست ملامح دايمن. "كانت فوضى. كنا مطاردين. الكنيسة كانت تحترق—"
"وهربتما." قاطعه ألكسندر، "هربتما ولم تلتفتا خلفكما."
سقط الصمت بينهما كثيفًا.
"أين ستيفان؟" سأل ألكسندر.
هزّ دايمن كتفيه بلا مبالاة. "ربما يتأمل الحياة، أو يكتب في مذكراته. سيُسر برؤيتك."
"لست هنا من أجل لقاء عائلي." قال ألكسندر ببرود، "أريد إجابات. أريد الحقيقة. لأنّ أحدهم أرادني أن أختفي تلك الليلة، ولم يكن أهل البلدة وحدهم."
---
اشتدّ ظلام الليل. وفي المقبرة، كانت إيلينا راكعة إلى جوار قبر والديها، والقمر يلقي وهجه الشاحب على شواهد القبور.
ظهر ألكسندر دون صوت، كظل يتسلّل بين الظلال. راقبها للحظات، يقرأ في ملامحها ذلك الحزن الذي لا يختبئ، بل يُرتدى ككدمات لا تزال طازجة.
تقدّم خطوة.
"لا ينبغي أن تكوني هنا وحدك." قال.
استدارت إيلينا، فزعة. "أفزعتني."
"عادة أفعل ذلك."
نظرت إليه بريبة. "من أنت؟"
"ألكسندر."
"هل أعرفك؟"
"لا."
أومأت برأسها ببطء، وقد شعرت بشيء غريب حياله. لكن ألكسندر كان قد استدار بالفعل، وعاد إلى الظلال دون أن ينطق بكلمة أخرى.
---
في المنزل، جلس ستيفان في صمت بينما كان دايمن يصبّ لنفسه كأسًا من الشراب.
"هل رأيته؟" سأل ستيفان.
أومأ دايمن. "حيّ، وغاضب. يظن أننا تركناه عمدًا."
قطّب ستيفان جبينه. "لم نكن نعلم. كنا نظن أنه مات."
نظر دايمن عبر حافة الكأس. "نعم. لكن ربما أراد أحدهم أن نعتقد ذلك. أحدهم كان يريد اختفاءه."
ضاقت عينا ستيفان. "ولِمَ؟"
تلاشت ابتسامة دامون الساخرة. "هذا ما يُخيفني."
---
في الغابة خارج البلدة، وقف ألكسندر عاري الصدر تحت ضوء القمر، أنفاسه تتقطع في البرد الليلي. كانت ندوب تكسو ظهره، محفورة برموز خافتة تتوهج تحت جلده. اللعنة كانت تنبض فيه، ككائن حي له أنياب.
هوى على ركبتيه، قابضًا على رأسه مع تصاعد موجة من الألم داخله.
رؤى. نيران. امرأة تصرخ. عينا ساحرة تتوهجان بالأحمر.
"لن تعيش"
صرخته مزّقت سكون الغابة.
سيعرف ما حدث تلك الليلة. سيكتشف من
ألقى عليه اللعنة. وسيجعل الأخوين سالفاتور يتذكّران.
لأن ألكسندر سالفاتور قد عاد.
ولم يَعُد بحثًا عن الخلاص.
---