الفصل 23: جنازة
كانت السماء فوق ميستيك فولز ملبدة بالغيوم الرمادية الكثيفة، وكأن الحزن المعلق في صدورهم قد ارتقى إلى السماء نفسها. الغيوم تدلّت واطئة، وكأنها تنعى معهم من رحل.
دفنوا ألكسندر على أطراف ملكية السلفاتور، عند الحد الذي تبدأ فيه الغابة باستعادة أرضها بصبر صامت. هناك، كل شيء كان ساكنًا. صامتًا. كأن الموت نفسه حبس أنفاسه احترامًا.
كلاوس مايكلسون لم يكن هناك.
لم يستطع.
ليس لأنه لم يهتم—بل لأنه كان يهتم، أكثر مما يحتمل.
لأنه لو جاء، لو رأى رماد ألكسندر يوارى الثرى، لو لمح الحزن في عيني دايمن، أو الفراغ في نظرات ستيفان… لم يكن ليثق بنفسه أن يغادر دون أن يصطاد أخاه كول ويمزقه إربًا.
لذا، بقي بعيدًا.
لكن صمته… كان الأعلى صوتًا بينهم جميعًا.
---
وقف إيلايجا إلى جانب ربيكا قرب السرداب، كلاهما مرتديان السواد. حضورهما كان صامتًا، مهيبًا، فخمًا كما يليق بالأصليين. لم يتحدث أيّ منهما بعد—لكن العيون كانت تروي كل شيء. لقد فقدا شيئًا. شخصًا. أخًا في ساحة المعركة، وإن لم يكن من دمائهما.
وقفت بوني عند رأس الدائرة الصغيرة، شمعة داكنة بين يديها المرتجفتين.
قالت بصوت خافت:
"هذا المكان… لم يُخلق ليدفن أمثال ألكسندر. كان يجب أن يكون عاصفة لا تهدأ أبدًا. نارًا لا تنطفئ. لكن حتى العواصف تسقط. حتى النيران تموت."
وضعت كارولاين وردة بيضاء وحيدة عند قاعدة اللوح الرخامي.
"لم نفهمه. أنا لم أفهمه. كان قاسيًا، مغلقًا، باردًا. لكني لم أرَ أحدًا يقاتل بهذه الشراسة من أجل أناس ادّعى أنه لا يهتم بهم."
كان مات دونوفان واقفًا في الخلف، ذراعيه مشبوكتان، رأسه منحنٍ. حتى هو—الأكثر بشرية بينهم—جاء. لأن ألكسندر كان له شأن. لأن موته لامس حتى أولئك الذين خافوه.
---
تقدّم إيلايجا أخيرًا. نظر إلى التابوت الذي يحمل ألكسندر، ثم إلى ستيفان ودايمن.
قال بهدوء:
"ثمة لحظات يشعر فيها حتى الخالدون بالعجز. لحظات لا نستطيع فيها الإصلاح، أو الشفاء، أو الإنقاذ. موت ألكسندر… كان إحدى تلك اللحظات."
انحنى برأسه، ثم رفع عينيه نحو ستيفان.
تابع بصوت ناعم:
"لم أشكرك قط. لأنك جلبته إلى دائرتنا. لأنك وثقت بنا لنقف إلى جانبه."
كان وجه ستيفان جامدًا، وفكه مشدودًا، وكأن بداخله شيئًا عميقًا لا يُقال بالكلمات.
اقتربت ربيكا بعده، وصوتها متشقق بالعاطفة:
"كان فوضى... كان غضبًا، وانكسارًا، وعنفًا مضغوطًا في جسد فتى. لكن حين يبتسم—حين يبتسم حقًا—كنت ترى ذلك... تلك الشرارة الصغيرة من الضوء التي حاول جاهدًا أن يخفيها."
نظرت إلى دايمن، ثم خفضت بصرها نحو الإناء.
قالت بصوت خافت:
"ذكّرني بكما… أنتما الإثنين."
---
ثم جاء دور دايمن.
لم يتكلم أولًا. فقط صبّ مشروبًا من قنينته، وسكبه فوق التراب.
"نخب"، تمتم، "للنذل الذي رفض أن يموت… حتى أخذه الموت أخيرًا."
تنحنح، ثم رفع عينيه.
قال دايمن:
"كنت أكرهه. أكره كيف ينظر إليّ. كأنه يعرف شيئًا لا أعرفه. كأنه يرى أسوأ ما فيّ ولا يرتجف. لكن سأخبركم بما فعله ولم يفعله أحد غيره—جعلني أريد أن أكون أفضل. فقط لأثبت له خطأه."
تراجع خطوة وأومأ نحو ستيفان.
تحرك الشقيق الأصغر ببطء نحو القبر، يحمل شيئًا في يده.
ساعة جيب مكسورة.
كانت تخص جوزيبي سلفاتوري ذات يوم.
همس ستيفان:
"لم يكن والدك… لكن ألكسندر كان أخانا. دائمًا كان كذلك."
جثا على ركبتيه، ووضع الساعة بجانب الإناء.
"كان يجب أن أبحث عنك. أن أقاتل أكثر. سمحت لنفسي أن أصدق أنك رحلت، لأن الأمل كان أصعب من الاستسلام."
امتلأت عيناه بالدموع، لكنها لم تسقط.
"أنقذتنا، أخي. رغم كل شيء. أنقذتنا."
---
انتهت الجنازة ليس بكلمات، بل بصمتٍ.
نسيم خفيف مرّ بين الأشجار.
أشعلت بوني الشمعة الأخيرة، وتركتها تحترق حتى تحولت إلى رماد.
وللحظة واحدة فقط، خُيّل لدايمن أنه لمح شيئًا بطرف عينه. لمحة… ظلًا.
أو ربما روحًا… تمضي بهدوء إلى عمق الغابة، خطوة بعد خطوة.
---
بعيدًا، كان كلاوس واقفًا على تلة خارج المدينة، يراقب الأفق يحترق بلون برتقالي وقرمزي.
لم يقل شيئًا.
لكن عينيه كانتا مبتلتين.
وحين استدار ليبتعد عن الشروق، خرج اسمٌ واحد من بين شفتيه.
"أخي."
---
انتهت الجنازة، لكن ثقلها بقي معلقًا في الهواء كضباب كثيف لا ينقشع.
كان منزل السلفاتور هادئًا بشكل لم يكن عليه منذ سنين. لا ضحكات، لا سخرية لاذعة، لا خطوات غاضبة لألكسندر وهو يجوب الممرات كإعصار. فقط… صمت. وصدى وجع يهمس بأن شيئًا ناقص. أحدهم غاب.
جلس ستيفان وحده في غرفة الدراسة، أمام مدفأة لم يبقَ منها سوى جمر خافت. في يده كانت الساعة المكسورة، تلك التي تركها على قبر ألكسندر… ثم عاد واستعادها. لم يستطع تركها.
اراد تركها له ولكن هو علم أنه كان ليكره هذا الامر حقا
عاد بعد أن رحل الجميع. لم يعرف لماذا. ربما كان ذنبًا. وربما حبًا. وربما كليهما.
دخل دايمن بهدوء، يحمل كأسين من البوربون. ناول أحدهما لستيفان دون أن يتكلم.
وطوال دقائق طويلة، لم يتبادلا سوى الصمت… والكحول.
تكلم دايمن أخيرًا، صوته منخفض ومشوب بشيء يصعب تسميته.
"كان يكرهها، كما تعلم. إيلينا. لم يكن يحتمل الطريقة التي تنظر بها إلى الناس. قال إنها طيبة أكثر مما يجب. نقية بشكل مزعج. قال إنها تذكّره بكاثرين… لكن أسوأ. لأن إيلينا كانت تؤمن حقًا أنها تستطيع إنقاذ الآخرين."
زفر ستيفان ببطء، وأومأ برأسه.
"ومع ذلك، مات من أجلها."
"أجل"، تمتم دايمن. "لأنها كانت تعني لنا شيئًا."
زاد ذلك من ثقل الصمت، حتى صار دخانًا يخنق صدورهم.
همس ستيفان أخيرًا:
"هل تظن أنه سامحنا؟"
لم يجب دايمن على الفور. نظر من خلال النافذة نحو الظلام، وكأنه ما زال يتوقع أن يلمح ألكسندر هناك، يراقب بصمت.
ثم قال بهدوء:
"لا أظن أنه لامنا بالطريقة التي ظنناها. كان غاضبًا. محطمًا. لكن في أعماقه… أظن أنه كان يعرف أننا كنا سنأتي لو علمنا أنه على قيد الحياة."
"لكنه لم يقل ذلك أبدًا."
"لا. لكنه… أظهره."
---
في الطرف الآخر من المدينة، كان إيلايجا وربيكا يسيران وسط الغابة القريبة من المقبرة.
قال إيلايجا بنبرة هادئة:
"لم يكن واحدًا منا… ومع ذلك، لا أستطيع التوقف عن التفكير به كأخ."
أومأت ربيكا ببطء.
"كان كذلك. ليس بالدم… لكن بالنار. خاض الحرب معنا. وهذا… يجعله من العائلة."
توقف إيلايجا، أصغى لخشخشة الأوراق، ولهمسات الليل.
سأل بصوت منخفض:
"أتدرين ما الذي يخيفني؟"
"ما هو؟"
"أن هذا… لن يكون النهاية."
استدارت نحوه:
"نهاية ماذا؟"
"الحرب. كول. ما سيحدث حين لا يُدفن الانتقام مع الميت."
خفضت نظرها.
"سيعود."
"أجل"، قال إيلايجا. "وحين يفعل… سنكون مستعدين. من أجل ألكسندر."
---
في مكان أبعد، كان كلاوس واقفًا في مرسمه، يرسم.
كل ضربة فرشاة على القماش كانت غاضبة. عنيفة. حمراء.
ليست دمًا. ليست نارًا.
بل… غضب صرف.
لم يستطع الذهاب إلى الجنازة. لكنه لم يستطع النسيان أيضًا.
رسم وجه ألكسندر عشرات المرات. ولم يفلح. دائمًا كان الوجه ناعمًا أكثر من اللازم. أو إنسانيًا أكثر مما يجب. أو قاسيًا… محطمًا.
لكن هذه اللوحة… كانت مختلفة.
هذه… كانت صحيحة.
تراجع كلاوس خطوة، حدّق في اللوحة.
كان ألكسندر في خضم معركة. يصرخ. يتألم. نصفه شيطان… ونصفه شقيق.
صبّ كلاوس كأسًا من البوربون، ورفعه في نخبٍ صامت.
"لأخي اللقيط…" همس. "ذاك الذي جعلني أنزف."
---
في تلك الليلة، حلم ستيفان به.
كانوا في الغابة مجددًا. فقط الثلاثة.
ستيفان. دايمن. ألكسندر.
الأوراق تتساقط من الأشجار بلون الذهب والنار، كأن الخريف يشعل الغابة بناره الأخيرة. لم يتكلم ألكسندر. فقط… ابتسم. ابتسامة دافئة. حقيقية.
ثم استدار ومضى بين الأشجار.
مدّ ستيفان يده ليوقفه. لكنه لم يلتفت.
وهذه المرة… تركه يرحل.
---