الفصل 25: ذكريات

تساقط المطر تلك الليلة.

لم تشهد ميستيك فولز عاصفة كهذه منذ شهور، وكأن السماء اختارت أن تشارك الأخوين سلفاتور حزنَهما. كان الرعد يشق السحب السوداء كصرخة من قلب الليل، بينما كانت الشوارع تلمع تحت الضوء المتكسر والماء المتناثر، كمرآة مشروخة تعكس حزناً لا يُقال.

في الداخل، داخل منزل آل سلفاتور، وقفت زجاجة بوربون نصف ممتلئة على الطاولة، كنَفس مقطوع.

جلس دايمن ورأسه منخفض، مرفقاه يستندان على ركبتيه، والكأس يتدلّى من بين أصابعه المرتخية. أما ستيفان، فكان مستندًا إلى النافذة، عيناه مسمّرتان على العاصفة وكأنها قد تفسّر ما عجزت عنه الكلمات.

قال دايمن فجأة، صوته خافت ومليء بما لا يُقال:

"كان يكره المطر."

استدار ستيفان قليلًا نحوه.

"لا، لم يكن يكرهه."

ارتسمت على شفتي دايمن ابتسامة مرة:

"بلى، كان يكرهه. كان يقول إنه يجعل العالم صامتًا أكثر من اللازم… كأن كل شيء يحبس أنفاسه في انتظار شيء أسوأ."

ساد صمت قصير.

ثم جلس ستيفان قبالته، تنهد تنهدًا ثقيلًا.

"كان يركض تحت المطر. دون قميص، حافي القدمين. كان يقول إنه يجعله يشعر بالنقاء من جديد."

نظر دايمن إلى أخيه، بعينين تخفيان ماضٍ طويل:

"يبدو أن كل واحد منا رأى نسخة مختلفة منه."

ردّ ستيفان بصوت خافت:

"كان كلاهما… دائمًا."

امتد الصمت، واشتدّ هطول المطر كأنه يغسل بقايا الذكريات المتسخة.

ثم نهض دايمن، وتوجه إلى درج مخفي داخل إحدى الخزائن القديمة. فتحه بهدوء، وأخرج منه شيئًا ملفوفًا في قطعة قماش بالية. دون أن ينطق بكلمة، ناوله لستيفان.

فتح ستيفان اللفافة ببطء، لتظهر أمامه مفكرة جلدية بالية. كانت مفكرة ألكسندر.

سأل ستيفان، وعيناه متسعتان بشيء بين الدهشة والخوف:

"هل تركها؟"

أومأ دايمن.

"وجدتها تحت سريره."

فتح ستيفان الصفحة الأولى. كان الخط حادًا، غاضبًا، كأن الحبر نفسه يحمل لعنات دفينة.

"اليوم الأول. أنا حي… وأكرههم لذلك."

شعر ستيفان بشيء يعلق في حنجرته وهو يقلب الصفحات.

ألم. غضب. وحدة قاتلة.

لكن وسط كل ذلك… كانت هناك كلمات حب، ملتوية، مشوشة… حبّ لأخوين لم يعودا أبدًا من أجله. ومع ذلك، سامحهما قبل أن يفارق الحياة.

همس ستيفان، يكاد لا يسمع نفسه:

"أنا لا أستحق هذا."

ردّ دايمن، صوته هادئ لكنه مثقل:

"ولا واحد منا يستحقه. لكنه منحنا إيّاه على أي حال."

قرآ بصمت، صفحة تلو الأخرى، يراقبان عذاب ألكسندر وهو يتحول إلى حزن، ثم إلى قبول هادئ. حتى وصلا إلى نهاية إحدى الصفحات، ويد ستيفان ترتجف وهو يقرأ بصوت مرتجف:

"إن عثروا على هذه المفكرة يومًا… أريدهم أن يعلموا أنني لم أتوقف قط عن كونهم إخوتي. فقط… توقفت عن التظاهر أن ذلك لا يؤلمني."

لم ينطق أحدهما بشيء.

طال الصمت، وداخل كل منهما عاصفة لا تهدأ.

ثم قال دايمن أخيرًا:

"علينا أن ندفنها."

رفع ستيفان حاجبًا مستغربًا:

"لماذا؟"

"لأنها لم تعد لنا… إنها قصته. وقد أنهى كتابتها."

قادا السيارة معًا، عابرَين أنقاض قصر لوكوود، ثم انطلقا نحو الغابة، حيث كان ألكسندر ذات يوم يحرس ميستيك فولز من الظلال.

حفر ستيفان الأرض، بينما كان دايمن يحمل المفكرة وكأنها أثمن ما بقي لهم منه.

وضعاها داخل صندوق خشبي، ودفناه تحت شجرة قديمة، الشجرة ذاتها التي اعتاد ألكسندر الوقوف تحتها متخفيًا من العالم.

كان المطر قد أغرق ملابسهما حتى العظم.

رفع دايمن كأسه نحو السماء، صوته مزيج من الوجع والسخرية:

"إلى الأخ اللعين… الذي لم نستحقه."

أضاف ستيفان بصوت أكثر نعومة، لكنه لا يقل حزنًا:

"لكننا كنا دائمًا بحاجة إليه."

شربا.

واستمرّت العاصفة في الهيجان.

---

كان ستيفان الان جالسًا بمفرده على شرفة منزل آل سلفاتور، يحدّق في الضوء المتلاشي عند الأفق. زجاجة البوربون إلى جانبه، لا تزال ممتلئة تقريبًا. لم يلمسها. يداه مشبوكتان بقوة، مرفقاه يستندان على ركبتيه، وفكّه مشدود بأفكار لا تهدأ. ومن خلفه، صدر صرير خافت من باب يُفتح.

كان دايمن.

لم ينبس أحدهما ببنت شفة لفترة طويلة.

وأخيرًا، قال دايمن بصوت مبحوح:

"أتت اليوم… إيلينا."

لم تتحرك عينا ستيفان.

"أعلم."

تابع دايمن، بنبرة تجمع بين الاستياء والخذلان:

"هي مشوشة… مجروحة. لكنها لا تعرف لماذا."

توقف قليلًا ثم أضاف:

"قالت إنها لم تشعر بشيء حين مات ألكسندر."

تشنجت قبضتا ستيفان.

قال بصوت خافت لكنه مليء بالمرارة:

"هي لا تعرفه يا دايمن… كيف لها أن تشعر بشيء؟"

هز دايمن رأسه، وكأن شيئًا بداخله ينكسر:

"أعتقد أن هذا ما يؤلمني أكثر شيء… أنه مات من أجلها، وهي لم ترف له جفنًا."

عندها التفت ستيفان، بعينين يتأججان… لا غضبًا من دايمن، بل من ثقل الحقيقة التي حملتها كلماته:

"كان يكرهها. ومع ذلك… فعل ما فعله."

ثم فُتح الباب مجددًا، وهذه المرة كانت الخطوات ناعمة، مترددة.

خرجت كارولاين، وجهها شاحب، وعيناها محمرتان من البكاء بكت ليس له ولكن ل ستيفان فهي كلما شاهدته هكذا تألمت. لم تقل شيئًا، بل جلست بهدوء إلى جانب ستيفان، ووضعت يدها بلطف فوق يده.

أما في الداخل، فكانت إيلينا واقفة في المدخل، مختبئة خلف ظل الجدار. جاءت لتقول شيئًا… أي شيء. لكن الآن، ومع الحزن الثقيل الذي يخيّم خارج النوافذ، وجدت نفسها عاجزة حتى عن الحركة.

غرفة ألكسندر بقيت على حالها. سترته لا تزال معلقة على ظهر الكرسي، وبعض الرسومات الغريبة – مظلمة، مليئة بأشكال تصرخ صمتًا – كانت مطوية تحت كتاب على مكتبه. بوني عثرت عليها. ولم تخبر أحدًا بعد.

في الطابق السفلي، دخل إيلايجا وخلفه ريبيكا.

قال إيلايجا بنبرته الهادئة الثقيلة:

"دايمن، ستيفان… هناك شيء عليكما رؤيته."

رفع دايمن حاجبه بتعب واضح:

"رجاءً، لا تخبرني أنه لعنة أخرى."

رد إيلايجا، دون تردد:

"لا… إنها رسالة."

انتفض ستيفان واقفًا، وقد استعاد شيئًا من حياته:

"رسالة؟"

أومأت ريبيكا، وصوتها بالكاد يُسمع:

"وجدناها في معطفه بعد ان انتهى القتال بينه وبين كلاوس … مطوية ومختومة."

ناول إيلايجا الرسالة لستيفان.

كان العنوان مكتوبًا بخط مائل، حازم:

"إلى الأخوين اللذين لم أتوقف يومًا عن انتظارهما."

فتحها ستيفان بأصابع مرتعشة.

وبدأ يقرأ بصوت متقطع، كل جملة تكسر شيئًا في داخله:

> ستيفان، دايمن—

> كرهتكما طويلًا.

> ليس لأنكما رحلتما… بل لأنكما لم تعلما أنني ما زلت حيًا.

> لم تبحثا. ربما لم تكونا قادرين. ربما كان ذلك سيحطمكما.

> لكنني انتظرت… على أي حال.

> كنتما دومًا أبطالي. حتى حين لم تستحقا ذلك.

> حتى حين صرتما وحوشًا… بقيت أنتظر.

> لأنني أردت أن أصدق أن العائلة تعني أكثر من الدم… أكثر من الذكرى.

> لا أكتب هذا لأجل الذنب. بل لأني رأيتكما تقاتلان. رأيت كيف نزفتما لأجلي. ولأول مرة منذ أكثر من مئة عام… شعرت أنني أخوكما من جديد.

> ربما كان ذلك كافيًا.

> إن كنتما تقرآن هذا… فذلك يعني أنني رحلت. وهذا يعني أنني اخترت. لا تحملا هذا العبء. لقد منحتاني أكثر مما كنت أظنه ممكنًا.

> لا تضيعا ما تبقى لكما.

> عيشا. واغفرا. وكونا أفضل.

> أخوكما، ألكسندر

عند النهاية، لم يقدر أحدهم على النظر للآخر. حتى دايمن أدار وجهه، وعيناه تلمعان بحرارة مؤلمة.

صمت إيلايجا لحظة، ثم قال بهدوء:

"لقد كنتما تعنيان له شيئًا… حتى إن لم يستطع قول ذلك."

وأضافت ريبيكا، وصوتها ينزف حنينًا:

"كان الأفضل فيكما… كل أوجاعكما، وكل قوتكما… تجمعت فيه، في روح مكسورة واحدة."

طوى ستيفان الرسالة بعناية، كما لو كانت قابلة للكسر.

وفي مكانٍ ما عميق داخلهم، في ذلك المنزل الذي خيّم عليه الحزن، حدث شيء… شيء تغيّر.

جُرح نُقِش في قلب ميستيك فولز—

وحتى إن اندمل يومًا… فلن يُشفى أبدًا تمامًا.

ليس لهم.

ليس بعد ألكسندر.

---

2025/05/25 · 11 مشاهدة · 1113 كلمة
نادي الروايات - 2025