الفصل 28: حقل الرماد
كان الضباب الشاحب قد بدأ ينسدل على الحقل المهجور الممتد على أطراف ميستيك فولز، قطعة أرض منسية تقع بين غابتين صامتتين كأنهما شقيقتان في حداد. وعلت فوقهم السماء هادئة، تراقبهم فيها القمر بدوره كحارسٍ صامت، يُلقي بنوره الفضي على التربة المتشققة، التي ارتوت بدماء أجيال مضت، لكنها لم تشهد بعد ما هو آتٍ.
لقد وصلوا مبكرًا.
وقف ستيفان عند حافة الحقل، معطفه يتمايل مع الريح الباردة، وعيناه تفتشان الظلمة المتربصة أمامهم. إلى جواره، كان دايمن يشعل سيجارة بأصابع مرتجفة—العلامة الوحيدة التي دلّت على أن التوتر بدأ يتسلل إلى أعماقه.
دايمن لم يكن من النوع الذي احب التدخين حقا ولكن كان في بعض الأحيان يفعل ذلك
سأل بنبرة جافة:
"تظن أنه سيظهر فعلاً؟"
أجاب ستيفان بثقة ثابتة:
"سيأتي. كول يريد حربًا… وسيتأكد أننا ندفع ثمنها دمًا."
على الجانب الآخر من الحقل، كان كلاوس واقفًا كمحارب قديم يستعد للهجوم الأخير. خلفه اصطفّت قوّاته—مصاصو دماء أوفياء، ومستذئبون متحفزون، وحتى عدد من الساحرات اللواتي استدعاهن في لحظة يأسٍ لا تشبهه. كان إيلايجا واقفًا إلى جانبه، ذراعيه مشبوكتين، وعيناه حادتان كالسيف. أما ربيكا، فقد كانت تجوب المكان بخطوات متوترة، وسكينها تتلألأ بانعكاس ضوء القمر.
لكنهم لم يكونوا ينتظرون كول فحسب.
بل كانوا ينتظرون الانتقام. العدالة. واستعادة اسمٍ فُقد معهم… الأخ الذي لم يعد بينهم.
ألكسندر.
كان غيابه أثقل من أي حضور. لم يُذكر اسمه، لكن الجميع شعر به—وخاصة الشقيقين سلفاتور.
تمتم دايمن، يزفر الدخان ببطء:
"كان سيعشق هذا… حقل فارغ، قمر مكتمل، وحرب تُخاض لأجل ذكراه."
أومأ ستيفان مرة واحدة.
"وكان ليكون أول من يدخل المعركة."
التفت كلاوس إليهم، صوته هادئ، كأنما العاصفة لا تزال تختبئ خلف جفونه.
قال:
"هذا لن ينتهي بالكلمات… كول سيأتي بكل ما لديه."
أضاف إيلايجا بنبرة صلبة:
"ونحن سنمنحه كل ما نحن عليه."
شدّت ربيكا قبضتها على خنجرها، وقالت بصوت منخفض يقطر غضبًا:
"لقد أخذ أول شخص استطعت أن أعتبره صديقًا… لن يخرج من هذا سالمًا."
ثم، وبدون إنذار، اجتاحت الحقلَ عاصفةٌ من الريح الباردة.
وبعد لحظات، بدأ صوت الأقدام يُسمع… مئات منها.
ومن حافة الغابة، خرج كول مايكلسون.
كان يرتدي معطفًا داكنًا تعلّقت به ذرات رماد، وعلى وجهه تلك الابتسامة الوقحة المعتادة. خلفه، ظهرت جحافل من أتباعه—مصاصو دماء بايعوه على الولاء، ساحرات بعيون مظلمة كالسحر الأسود، ومستذئبون يزمجرون تحت لعنة القمر الكامل.
تقدم كلاوس خطوة للأمام:
"أخي."
ضحك كول بسخرية:
"أخذتَ مني من أحب… الآن آخذ منك ما تحميه."
اقترب ستيفان ووقف بجانب كلاوس، وقال:
"أنت في موقف لا تحسد عليه… عددنا يفوق عددكم."
ولكن وعلى الرغم من قول ذلك الا ان ستيفان استطاع رؤية عدد اتباع كول
كانوا اكثر حقا...
ضحك كول، ضحكة عميقة مشبعة بالجنون:
"بل أنتم من في ورطة."
ثم—اندلعت الفوضى.
كان الصراخ الأول كوميض برق شقّ السماء. انطلقت التعويذات عبر الحقل، ومضات من الضوء والصوت والدم تناثرت في كل اتجاه. تصادم مصاصو الدماء بسرعة خاطفة وغضب مشتعل. المستذئبون عووا ومزقوا بعضهم بعضًا. الساحرات سقطن واحدة تلو الأخرى، إذ ارتدت عليهن قواهن من طلاسم غابرة لا ترحم.
كانت ربيكا أول من أسال الدم، خنجرها الفضي يغرس في قلب ساحرة دون تردد. تبعها إيلايجا بحركة ناعمة لكنها قاتلة، كأنه رقصة موتٍ لا يسمع لها صوت. أما كلاوس، فقد كان تجسيدًا للغضب—مزّق رجال كول كالنار حين تلتهم أوراق الخريف.
ستيفان ودايمن كانا كتفًا إلى كتف، يغطّي كلٌ منهما ظهر الآخر، ووجهيهما ملطخان بالدماء، معالمهما قناع من غضب لا يعرف الرحمة. وللحظة، خُيّل لهم أنهم قد يثبتون في أماكنهم… قد يصمدون.
حتى دخل كول ساحة القتال.
تحرك كظلٍ قاتم، يضرب بدقة لا تعرف التردد. سقطت ساحرة تصرخ بينما كان يمتص دمها أثناء إلقاء تعويذتها، محوِّلاً سحرها ضد حلفائه. ثم أمسك دايمن من عنقه، وقذفه عبر الحقل كدمية. اندفع ستيفان إليه، لكن شفرة كول كانت أسرع، غرست في خاصرته خطًا غزيرًا من الدم.
تدخل كلاوس في اللحظة الحاسمة، وانهال على أخيه بوابل من اللكمات، حتى تشققت العظام وارتجت الأرض.
زأر كلاوس وسط العراك:
"تظن أن هذا يمنحك قوة، يا كول؟ أنت لا شيء سوى جبان يتخفّى خلف الموت!"
ابتسم كول، ودماء على أسنانه:
"وأنت ملك بلا مملكة… فلنرَ من ينزف أكثر."
استعرت المعركة حولهم. الأصدقاء سقطوا إلى جانب بعضهم. الوحوش صرخت. التعويذات حطّمت ليل العالم.
---
كان ميدان المعركة مغمورًا بالدماء.
طال الليل بوحشيّته، لا يرحم، وما بدأ كحرب من أجل الانتقام، تحوّل إلى مذبحةٍ لا تعرف شفقة.
كول مايكلسون—الذي كان يُنظر إليه ذات يوم كالأخ المتهوّر بين الأصوليين—أصبح اليوم شيئًا آخر بالكامل.
كان يجوب ساحة الفوضى كما لو كان الموت ذاته قد تجسّد فيه.
إخوته الذين طالما سخروا من اندفاعه، لم يعودوا يملكون سوى محاولة البقاء على قيد الحياة أمامه.
زمجر كلاوس، ودفع كول بقوة عبر كومة من الحجارة المتداعية، بينما انقض دايمن إلى الأمام بخنجر مغموس في نبتة الفرفين. لكن كول دار في الهواء بخفة مرعبة، وأمسك بمعصم دايمن وقذفه كدميةٍ باتجاه مجموعة من المستذئبين. تفرّقوا مع الاصطدام، تتكسر العظام تحت عنف الصدمة.
زمجر كول، وصوته يقطر سُمًّا وقوة:
"أهذا كل ما لديكم؟ جئتم إلى حرب الحكام بقطيع من الكلاب المحتضرة!"
حاولت ربيكا الالتفاف عليه بخفة وسرعة، لكن كول استدار بابتسامة مظلمة، وتمتم بكلمات لاتينية غامضة. انفجرت سحابة من السحر الأسود من كفه، فاندفعت ربيكا في الهواء، وجسدها ينزلق على الأرض كدمية مهترئة.
دخل إيلايجا المعركة تاليًا، وسيفه يقطع الهواء بصافرة حادة. كان النزال بينهما أشبه برقصة بين الرقيّ والفوضى. لكن كول كان يمتلك ما لا يملكه أشقاؤه: سحر كاي الذي يجري في عروقه.
لسبب ما كان مصاص الدماء الاصلي يملك سحر الان
وكل هذا شكر ل كاي
كل ضربة منه كانت تحمل قوة عشرة من الأصوليين. لم يعد مقيدًا بالقيود نفسها.
حتى ستيفان—بصلابته وتركيزه—بدأ يفقد قدرته على مجاراة المعركة. أمسك به كول من عنقه، وألقاه كما تُرمى الدُمى، فاختنق الهواء في صدره. أما دايمن، الذي كان مدمى الوجه، يلهث بصعوبة، فاندفع من جديد نحو كول بسكين موجه نحو قلبه. أخطأه ببوصة واحدة فقط، فأمسكه كول وضربه بالأرض بقوة، ضاحكًا بوحشية.
همس كول وهو يحدق إليه بعينين ناريتين:
"تظن أنني أخاف منك؟ أخوك قد مات بالفعل… والآن، ستلحقون به واحدًا تلو الآخر."
كان كلاوس ينزف من فمه، يستند إلى حجر متصدع، وعيناه تشتعلان بجنون الغضب.
قال بتحدٍّ:
"تظن أنك انتصرت لمجرد أنك أصبحت أقوى؟"
بصق كول:
"أنا أعلم أنني انتصرت. هذه القوة… جعلتني أكثر مما كنتم عليه جميعًا… وأكثر مما ستكونون!"
اندفع كلاوس مجددًا، يطلق كل ما في داخله من غضب وعنف. لكن كول كان أسرع. أقوى. أذكى.
بمجرد حركة من يده، اشتعلت الأرض تحت أقدام كلاوس نارًا. صرخ الهجين ألمًا، واللهب يلتهم جلده. أسرع إيلايجا لنجدته، وسحبه في اللحظة الأخيرة، لكن كليهما كان يحترق، وقد أبطأ سحر كول المظلم قدرتهما على الشفاء.
زحفت ربيكا وسط الرماد، الدم يسيل من شفتيها، وهمست بصوت بالكاد يُسمع:
"لا يمكننا إيقافه..."
وفوقهم جميعًا، وقف كول—لم يمسه سوء، لم يُكسر، وضحكته تدوّي وسط السكون.
قال مخاطبًا الظلام:
"ألم أخبركم؟ هذا عالمي الآن. وذلك اللقيط—ألكسندر؟ لقد مات دون جدوى."
اجتاحت الميدانَ سكينة مفاجئة.
حتى الهواء بدا وكأنه استسلم.
تقدّم كول إلى الأمام، والريح تنحني من حوله كما لو كانت تخشاه. حدّق في الأصليين المحطمين، والسلفاتور الجرحى، والمستذئبين والساحرات الساقطين—ثم ابتسم.
أمال رأسه وسأل بصوت واهن، كأنه يعرف الجواب مسبقًا:
"أخبروني… من سيوقفني الآن؟"
لم يُجبه أحد.
ولم يستطع أحد.
لقد انتصر كول مايكلسون تلك الليلة.
والظلام… لم يكن قد بدأ بعد.
---