الفصل 2: الدم والصدى

ساد الهدوء مدينة ميستيك فولز من جديد، لكن ألكسندر كان يعرف جيدًا أن الهدوء لا يُؤتمن. ففي بلداتٍ كهذه، المجبولة بتاريخٍ عابق بالخيانة، والمغمورة بدماء الأبرياء، لا يكون الصمت حقيقيًّا قط. إنه قناع... كذبة.

كان يجلس فوق سطح مبنى مهجور يطل على ساحة البلدة، ساقاه ممدودتان أمامه، وإحدى قدميه ترتكز على حافة صدئة أكلها الزمن. راح يراقب الشارع أسفلَه بعينين بارعتين في التقدير، يتتبعان خطوات ستيفان وهو يغادر مطعم "ميستيك غريل"، سائراً برفقة إلينا غيلبرت. لم تكن تعنيه هي، لا من قريب ولا من بعيد. غير أن قربها من شقيقه أيقظ شيئًا ما في داخله... شيئًا في اللعنة، كجمرة اشتعلت فجأة في صدره.

في تلك الليلة من عام 1864، التهمت النيران كل ما كان يملك. لكن اللهيب لم ينطفئ داخله. بل ظل حيًّا، حرفيًّا. فاللعنة الملتصقة بروحه منحت جسده صلابة خارقة، وقوة تفوق حدود البشر، وألمًا أبديًّا لا يفارقه.

وكانت هناك الأسئلة.

أسئلة لا تُعد ولا تُحصى.

---

كان ستيفان يشعر بذلك الإحساس الثقيل منذ ساعات الصباح الأولى — شعورٌ مبهم بالتعقّب. لم يكن دايمن من يراقبه، لا... كان الأمر أقدم من ذلك، وأقرب إلى روحه، وأكثر خصوصية. شيء لا ينبغي له أن يكون... لكنه كان.

رأى وجه ألكسندر ليلة البارحة. لم يتحدث. لم يمد يده. ولم يستطع ستيفان أن يفعلها هو أيضًا.

لقد دفن إحساس الذنب في قلبه لعقود، لكنه الآن عاد يتصاعد، طازجًا كالنار في الليلة التي فرّوا فيها من الكنيسة المشتعلة. لا يزال يذكر صراخ ألكسندر، ووجهه المشوّه بالخوف، بينما هو ركض... هرب.

هرب لأنه كان خائفًا.

هرب لأنه، في أعماق قلبه، صدّق أن ألكسندر قد مات.

لكن... ماذا لو لم يمت؟

ماذا لو كان هناك من حرص على أن يظنوا ذلك؟

---

على حافة الغابة، وقف ألكسندر أمام الضريح العائلي لعائلة سالفاتور، والمفتاح الصدئ بيده. مقبرة العائلة... وقد غطى الطحلب حروف الاسم المنحوت: سالفاتور.

دفع البوابة الحديدية ببطء، فأصدر صريرها صوتًا اخترق السكون كأنّه صرخة. في الداخل، كان الغبار يعلو في الهواء، يحمل في طيّاته ذكرياتٍ منسية. جثا على ركبتيه أمام لوحة حجرية مهشّمة، وأراح أصابعه على النقش الباهت.

"ليليان، جوزيبي، ستيفان، دايمن... ولا ذكر لي."

ضحك ضحكة جافة، محمّلة بالمرارة.

حتى هنا... قد مُحي اسمه.

وفجأة، تحرّك شيء ما في الظل. رائحة... مألوفة.

دايمن.

"أتتجسّس على الأموات الآن؟" جاء صوت دايمن يتردّد بين جدران الضريح.

وقف ألكسندر بهدوء، واستدار ليواجه أخاه.

"لقد أتيت."

اتكأ دايمن على الحائط، وضمّ ذراعيه إلى صدره. "أنت تُحدث ضجة. من الصعب تجاهلك."

"لم أعد أُخفي نفسي،" قال ألكسندر بنبرة هادئة، "ليس بعد الآن."

ساد الصمت بينهما للحظة.

"ما سبب عودتك الحقيقية؟" سأل دايمن. "ليست مجرد جراحٍ عائلية قديمة. أنت تبحث عن شيء."

اقترب ألكسندر خطوة، وعيناه تتوهّجان بعزمٍ خافت. "أريد أن أعرف من الذي جعلكم تتركوني. أريد أن أفهم لماذا لم يعد أحد من أجلي. هناك من عبث بذكرياتكم، من محاني من عقولكم. رأيت الطقوس، لمحت الآثار. لم يكن هذا خطأً... لقد كان مقصودًا."

تلاشت ابتسامة دايمن الساخرة. "تعتقد أن أحدهم استخدم تعويذة للنسيان؟ هذا—"

"مستحيل؟" قاطعه ألكسندر، ونار الغضب تتلظى في عينيه. "أنت وأنا نعلم أن لا شيء مستحيل في هذه البلدة."

---

في تلك الأثناء، كانت إلينا ما تزال عالقة في أفكارها منذ زيارتها للمقبرة ليلة البارحة. ذلك الشاب — ألكسندر — نظر إليها وكأنها شبح. لا كان ينظر بإعجاب، ولا حتى بفضول... فقط نظرة باردة، وكأنها تذكره بشيء مؤلم.

التفتت إلى بوني، وسألتها:

"هل تؤمنين أن بعض الناس قد يحملون لعنات؟"

رمشت بوني بدهشة. "ماذا تقصدين بالضبط؟"

"أعني... شيئًا قديمًا. شيء يجعلهم أكثر من بشر... أو أقل."

بدت علامات القلق على وجه بوني، وقالت: "جدتي كانت تقول دائمًا إن كل عائلة تخبئ ظلامًا ما. الفرق أن بعضهم لا يعرف اسم ذلك الظلام."

أشاحت إلينا بوجهها، وقلبها مثقل. كان هناك شيء خاطئ... شيء تشعر به في أعماق روحها.

---

في قلب الضريح، حدّق دايمن في أخيه كأنه يراه للمرة الأولى.

قال أخيرًا: "لم أتذكّرك... ليس قبل أن أرى وجهك. حينها فقط، شعرت بشيء. ومضات. نار. صراخ. و... أنت."

تشنّج فك ألكسندر. "هناك من فعل هذا بنا."

"وتظن أن مفتاح الإجابة هنا؟ في ميستيك فولز؟"

أومأ ألكسندر. "الجواب دائمًا هنا."

وفجأة، شهق ألكسندر وهو يمسك صدره، وقد ارتجّ جسده تحت وطأة ألم مفاجئ. اللعنة بدأت بالتمرد داخله. صورٌ ومشاهد اجتاحت عقله — امرأة بثوب أبيض. دائرة من الساحرات. دماء تنساب إلى جذور الشجر.

تقدّم دايمن بسرعة. "هيه—"

"لا تلمسني!" زأر ألكسندر، دافعًا أخاه بقوة خارقة.

لهث وهو يحدّق في يديه المرتجفتين. الرموز تحت جلده خفّت قليلاً، ثم توهجت باللون الأحمر.

"الوقت ينفد يا دايمن. يجب أن أكتشف الحقيقة قبل أن تقرر هذه اللعنة أن تريحني من كل شيء."

أومأ دايمن ببطء. "إذًا علينا أن نبدأ بالحفر."

وفي ظلمة ضريح عائلة سالفاتور، وقف الأخوان على حافة حقيقة مدفونة منذ زمن — والحقيقة التي سيكتشفانها قريبًا... ستغيّر كل شيء.

لأن أحدهم حاول محو ألكسندر سالفاتور من الوجود.

لكنه فشل.

...

كان ألكسندر يسير بمحاذاة الأشجار القريبة من مقبرة "ويكري" القديمة، مبللًا حتى العظم، لكن المطر لم يزعجه. العاصفة، على غرابتها، خففت من وطأة اللعنة قليلاً — كما لو أن الماء أُسدل على نار مشتعلة. لكن الأثر لم يكن دائمًا... لم يكن أبدًا.

لم يتبقَ سوى طريقٍ واحد.

إن كان هناك من لعنَه، فلا بد أن هناك من يعرف السبب. وفي ميستيك فولز، الساحرات دومًا يعرفن أكثر مما يقلن.

---

في زاوية هادئة من مطعم "ميستيك غريل"، جلست بوني بينيت بمفردها، تقلب صفحات رواية ورقية مهترئة، تتظاهر بالقراءة. لكن عقلها كان مكانًا آخر.

لم تستطع نسيان ذلك الحلم الغريب من الليلة الماضية — نار مشتعلة، وجه غامض، وصوت يناديها باسمها.

شعرت به قبل أن تراه.

دخل ألكسندر المكان، مبتلًّا كليًّا من المطر، عيناه الخضراوان حادّتان، تبحثان عن شيء ما. وعندما التقت نظراته بعينيها، ارتعش شيء في عمقها — ليس خوفًا، بل... معرفة.

"بوني بينيت؟" سأل، متوقفًا عند طاولتها.

رمشت بدهشة. "هل نعرف بعضنا؟"

"لا. لكنني عرفت جدتك، شيلا. ساعدتني يومًا... قبل سنوات."

ترددت بوني قليلًا. "جدتي ليست هنا. سافرت منذ فترة. لماذا تبحث عنها الآن؟"

سحب الكرسي المقابل وجلس. "لأن اللعنة التي حاولت كسرها لا تزال تمزقني من الداخل. وأنتِ آخر فرد من عائلة بينيت بقي في ميستيك فولز."

نظرت إليه بوني مطولًا. "لعنة؟ عما تتحدث؟"

اقترب منها قليلًا، وخفض صوته: "هناك شيء قديم يسكن داخلي. كان من المفترض أن أموت منذ زمن بعيد، لكن أحدهم غيّر ذلك. جدتك حاولت مساعدتي... ولم تستطع. ربما أنتِ تستطيعين."

ترددت بوني من جديد، ثم أومأت ببطء. "تعال إلى منزلي غدًا. أحضر كل ما تعرفه. وإن كنت تكذب... سأكتشف الأمر فورًا."

نهض من مكانه. "أنا لا أكذب. وشكرًا لك."

وغادر وسط المطر المتساقط، بينما ظلت بوني تراقبه، وقلبها يخفق كمن سمع نبوءة على هيئة رجل.

---

في الليلة التالية، وقفت بوني أمام منزل جدتها القديم، مظلتها مطوية تحت ذراعها، بين يديها كتاب أقدم من أي كتاب دراسي عرفته. كانت الرموز في صفحاته تتلألأ على ضوء الشموع كأنها تنبض بالحياة.

التفتت حين صرير البوابة اخترق السكون.

كان ألكسندر واقفًا هناك.

"أتيت." قالت.

"أنا لا أحنث بوعدي،" أجاب بثقة.

تنحّت جانبًا. "تفضل بالدخول."

---

في هذه الأثناء، كان ستيفان يجوب أرجاء منزل آل سالفاتور بخطوات قلقة، وقد نسي دفتر مذكراته المفتوح على الطاولة. أما دايمن، فقد كان يراقبه بصمت، كأسه بيده، وساقاه ممدودتان على ذراع الأريكة.

"ها قد بدأت بالهوس مجددًا،" قال دايمن بنبرة لامبالية.

"ما كان يجب أن يكون حيًّا."

"لكنه حي."

"لقد تركناه هناك يا دايمن."

تنهد دايمن ببطء. "لا، نحن ظننا أنه مات. هناك فرق."

استدار ستيفان نحوه، عيناه دامعتان بالغضب. "ألا تشعر به؟ القوة التي تسكن داخله؟"

"بلى. وأشعر بشيء أسوأ — لا يهمه إن كنا سنغفر له أم لا. ما يريده هو الحقيقة. وأعتقد أنه مستعد لحرق هذه البلدة كلها ليحصل عليها."

---

في غرفة المعيشة بمنزل بوني، كانت الشموع ترفرف بينما كانت الصفحات تُقلب بعناية.

"أحدهم أعاد كتابة اسمك،" قالت بوني، صوتها مشحون بالدهشة. "حرفيًا. في نسيج الذاكرة نفسها. هذه طقوس سحرية عميقة... ومحرّمة."

"لماذا؟" همس ألكسندر. "لماذا يتم محوي؟"

ترددت بوني للحظة. "لأنك لم يكن من المفترض أن تنجو."

ساد الهواء ثقَل غريب. والريح بدأت تهزّ النوافذ بعنف.

"لقد كنت جزءًا من شيء قديم يا ألكسندر،" همست بوني. "أقدم من ميستيك فولز... أقدم حتى من مصاصي الدماء. سلالة دمٍ ملعون. دم ساحرات دُنّس بالخيانة."

تجمّد في مكانه. "أمي..."

أومأت بوني ببطء. "لم تكن بشرية."

---

وفي المقبرة، كان دايمن يراقب من بعيد، بينما تحرّكت شخصية أخرى بين القبور — شخص مقنّع، يرتدي عباءة سوداء، ووجهه مغطّى بقلنسوة داكنة.

ساحرة.

تبعها بصمت، إلى أن توقفت فجأة.

"ينبغي أن تتركه وشأنه،" قالت دون أن تلتفت إليه.

اقترب خطوة. "ولمَ ذلك؟"

"لأن ما يسكن داخله لا يُفترض له أن يظل على قيد الحياة."

التفتت نحوه، وعيناها تتوهجان بضوءٍ أحمر خافت.

"وإن سمحت له باستعادة كل شيء... فستحترق ميستيك فولز بأسرها."

---

في منزل بوني، ضغط ألكسندر على صدره وهو يئنّ من ألم مفاجئ. اللعنة اندفعت داخله بقوة، والهلوسات اجتاحته بعنف — مذبح من عظام، تراتيل متصاعدة، وسكين موجه إلى عنق طفل... كان هو ذلك الطفل.

أمسكت بوني بذراعه لتثبته. "لقد حاولوا التضحية بك. من أجل القوة. شخص ما أوقف الطقوس — لكن اللعنة بقيت. شخص ما أحبك بما يكفي لينقذك... لكن ليس بما يكفي ليحررك."

لهث ألكسندر محاولًا استجماع أنفاسه. "إذن... سأحرر نفسي."

توهّج اللهيب في عروقه، ثم اشتعل بقوة أكبر.

تراجعت بوني خطوة إلى الوراء.

"الوقت بدأ ينفد."

"نعم،" قال ألكسندر، وعيونه الخضراء تشعّ بوميض با

هت. "وقد أضعت ما يكفي منه."

استدار وغادر، ولا يزال المطر يهطل فوق جسده المشتعل من الداخل.

غدًا... سيزور آخر مكان يتذكره قبل أن تندلع النيران.

المكان الذي وُلدت فيه اللعنة.

الليلة التي سبقت احتراق ميستيك فولز بالأسرار... من جديد.

---

2025/05/18 · 39 مشاهدة · 1508 كلمة
نادي الروايات - 2025