الفصل 30: الحساب الأخير
ساد الصمت أرض المعركة.
الجميع—مصاصو الدماء، السحرة، المستذئبون من اتباع كلاوس ، الأصليون، الأخوان سالڤاتور—وقفوا كأنهم تماثيل من حجر، يحدقون في قلب الساحة المحطّمة، حيث واجه اثنان من الجبابرة بعضهما وسط الدماء والرماد.
كول مايكلسون، متدثّر بقرونٍ من السحر الأسود، يشعّ من جسده وهج قوةٍ مظلمة منحرفة، غلّفها بسحرٍ عتيق كان كاي قد منحه إياه.
عيناه تتوهجان غضبًا، والهواء من حوله ينبض بطاقة خام متقلّبة، تكاد تنفجر من شدة احتدامها.
وفي الجهة المقابلة… وقف ألكسندر.
مولود من جديد. مخلوق جديد.
لم يعُد ملعونًا. لم يعُد مكسورًا. لم يعُد إنسانًا.
مزّق كول السكون بصوته:
"أنت لا تعلم ما الذي فعلته بنفسك حين تحوّلت. تظن أن ذلك يجعلك قويًا؟"
اكتفى ألكسندر بابتسامة بطيئة، متوحّشة، وصدره يعلو ويهبط بنبض قوةٍ لا تُروّض.
"لا. لكنني أظن أنك على وشك أن تكتشف معنى القوة الحقيقي."
واندلع القتال كوميض برق.
انقضّ كول أولًا—اختفى وظهر في الهواء، وأطلق انفجارًا سحريًا كاد أن يشق الأرض نصفين.
لكن ألكسندر التقطه بيدٍ واحدة، وغرسه في الأرض خلفه كما لو كان بلا وزن.
لم يتوقّف كول.
انتقل خلفه في طرفة عين، وطعن بخنجرٍ مشحون برماد خشب البلوط الأبيض والملح الأسود. اخترق الجانب الأيسر من ألكسندر، مزّق الضلوع والعضلات، فصدر منه تأوّهٌ عميق—لكنّه لم يسقط.
بل استدار ولكم صدر كول بقبضةٍ هادرة، أطاحت به عبر الحقل كدميةٍ قذفتها العاصفة.
تعافى كول في الهواء، وهبط على قدميه وهو يزأر:
"لقد قتلتك من قبل. وسأفعلها مجددًا!"
زأر ألكسندر والدم ينزف من جنبه:
"لقد قتلت رجلاً محطمًا... وأنا لم أعُد ذلك الرجل."
تحرّك مجددًا—هذه المرة بسرعةٍ تفوق قدرة حتى الأصليين على التتبع.
في لحظة كان واقفًا، وفي اللحظة التالية كان فوق كول، مخالبه مغروسة في ظهره، وأنيابه تلمع في الظلام.
صرخ كول واستدار، ثم فجّر ألكسندر بعاصفة نارية سحرية، فأضاءت الأرض وكأن شمسًا انفجرت في قلب الليل.
وحين انقشع الغبار...
كان ألكسندر راكعًا، يسعل دمًا.
الدخان يتصاعد من ظهره حيث أصابه السحر.
جلده محترق، وذراعه اليمنى متدلّية بالكاد معلّقة بجسده.
حدّق الأخوان سالڤاتور بدهشةٍ ممزوجة بالرعب.
همس ستيفان:
"إنه يخسر..."
قالت ربيكا بصوتٍ متقطع:
"سحر كول... قوي جدًا."
أما كلاوس، فلم ينطق.
قبضتا يديه كانتا مشدودتين حتى بياض المفاصل، وفكّه مضغوط بقوة، لكن عينيه... كان فيهما ألم أبلغ من كل الكلمات.
وقف كول الآن، منتصبًا يلهث، لكن مبتسمًا:
"قاتلت جيدًا، أيها اللقيط... لكن النهاية قد حانت."
رفع يده، واستدعى تعويذة أخيرة—انفجارًا هائلًا يضمّ كل ما تبقّى من طاقته.
تشققَت السماء.
وارتجّت الأرض.
ثم...
صوت.
صوت خافت، متقطّع، مختنق.
ضحك.
وليس أي ضحك—بل قهقهة هستيرية، لا يمكن السيطرة عليها، وحشية لا تعرف الخوف.
التفت الجميع.
كان ألكسندر لا يزال راكعًا—لكن رأسه مرفوع نحو السماء، وهو يضحك.
مجنون. جامح. حر.
جسده محطم، جلده محترق، عروقه سوداء من السمّ...
ومع ذلك يضحك، كمن تذوّق الحرية أخيرًا بعد عمرٍ قضاه في القيود.
"هل هذا كل شيء؟" تمتم ألكسندر، رافعًا رأسه، والدم يتساقط من فمه، وعينه اليمنى منتفخة مغلقة.
"أهذا كل ما لديك؟"
تلاشت ابتسامة كول.
زمجر ألكسندر وهو يدفع بجسده ليقف:
"تظن أنك انتصرت؟ تظن أن تمزيق جسدي يكفي؟"
خطا خطوة إلى الأمام، ثم أخرى.
يعرج، ينزف، لكنه ينهض.
"لقد عشت في العذاب قرونًا"، همس، "وقاتلت ظلالًا في عقلي كانت ستحوّلك إلى رماد. أتظن أن هذا الألم يعني لي شيئًا الآن؟"
نظره التقى نظرة كول.
"وُلدت في الظلام، كول... والآن... أعيش فيه."
عصفت الرياح.
وتقلّبت السماء.
تراجع كول خطوةً إلى الوراء.
وكان ألكسندر لا يزال يبتسم.
وسمع الجميع ذلك الصوت مجددًا—الصوت الذي لن يُنسى أبدًا.
ضحكة حاكم... قد وُلد من جديد.
كول مايكلسون، المرتجف ، بدا يحدّق في ألكسندر بمشاعر لم يعرفها منذ قرون:
الخوف.
أما ألكسندر، فوقف شامخًا. ينزف. محترق. لكنّه غير مهتز.
ذراعه اليمنى، المكسورة والمشوّهة، عادت إلى موضعها بصرخة عظمٍ تقشعرّ لها الأبدان. صوتها تردّد كقرع طبول من الجحيم.
فوق رؤوسهم، كانت الغيوم الداكنة تدور كأنها نسور الموت، تئن من وطأة الحرب المشتعلة في الأسفل.
بصق كول دماً وهو يزمجر:
"كان يجب أن تموت."
مال ألكسندر برأسه قليلًا، وعيناه تتوهجان بشيءٍ لا ينتمي لهذا العالم.
"لقد متّ فعلاً."
ثم اختفى.
لم يكد كول يرمش حتى ارتطمت قبضة ألكسندر بوجهه—وصوتها دوّى كالرعد.
طار كول في السماء، محطّمًا الأشجار والصخور كما لو كانت من ورق.
شهق الأصليون.
قبض دايمن على فكيه بحدة:
"إنه لا يبذل جهدًا حتى."
أما ستيفان، فصوته خرج همسًا:
"إنه يتحوّل... إلى شيء آخر."
نهض كول مجددًا، والسحر يدور حوله، وجهه مدمى، وصدره يعلو ويهبط بأنفاس متقطعة.
"ما زلت حاكم" صرخ. "أما أنت، فمجرد لعنة فاشلة تحوّلت إلى خطأ!"
تقدّم ألكسندر ببطء، خطوةً تلو الأخرى، وكل خطوة تصدح كطبول الحرب.
"لا..." تمتم بصوتٍ خافت، "أنا لم أعد ملعونًا."
أطلق كول كل ما يملك—نارًا، برقًا، سحر دماء، صرخات تمزّق الأثير.
نزفت السماء.
الرياح قذفت الأشجار.
الأرض تصدّعت.
لكن كل ذلك... لم يكن كافيًا.
خرج ألكسندر من وسط العاصفة النارية، جلده محترق، لكنّ ملامحه لم تتغيّر.
ابتسامته الباردة، الفتّاكة، ظلّت مرسومة على شفتيه.
أمسك كول من عنقه.
"أردتَ وحشًا؟" همس. "لقد صنعتَ واحدًا."
ثم، بزئيرٍ رجّ السماء، حطّم ألكسندر جسد كول على الأرض، بقوةٍ خلّفت حفرةً في الصخر.
ثم فعلها مجددًا. ومجددًا.
الدم تناثر.
العظام تحطّمت.
صرخ كول بألمٍ لا يُحتمل.
لكن ألكسندر... لم يتوقّف.
ولم يتوقّف... حتى بدت الأرض ذاتها تتوسّل الرحمة.
ثم، وهو واقف فوق جسد كول المهشّم، رفعه من عنقه عاليًا، أمام الجميع.
صوته كان هادئًا. حاسمًا. مقدّسًا.
"أردتَ أن يتذكّر العالم اسمك؟" همس. "الآن... لن يتذكّروا سوى اسمي."
ثم رماه على الأرض كدمية ممزقة، وجثا إلى جواره.
"أنا اللعنة التي خشيتَها.
الغضب الذي استدعيتَه.
النصل الذي منحتَه حدّه."
اقترب منه أكثر، وصوته انخفض حتى أصبح كهمسة:
"أنا هو."
سعل كول دمًا، مكسورًا إلى درجة يصعب تمييزه.
شفتاه ارتجفتا.
"مـ... مـن أنت الآن؟"
نهض ألكسندر، منتصبًا.
"أنا كل ما كان يجب أن تخشاه... وأكثر."
ثم، وهو يدير ظهره لـ كول، نظر إلى الحشد—إلى إخوته، إلى كلاوس، إلى إيلايجا، إلى أولئك الذين جاؤوا للقتال.
وانشقّ نورٌ من السماء فوقهم.
ألكسندر لم يولد من جديد فحسب.
بل اختارته الآلام، وصاغه الموت، وتوّجته النيران.
كان ألكسندر.
والعالم... لن ينساه مجددًا.
—