الفصل 31 "الظل في الريح"

كان العالم لا يزال مشتعلًا.

الدخان يتصاعد من الأرض المحطّمة، والأجساد ممدّدة ممزّقة، ورائحة الرماد والدماء تملأ الهواء كثافةً وخنقًا.

وفي قلب كل هذا الخراب، وقف ألكسندر—منتصرًا، ملطّخًا بالدماء، يتنفّس كعاصفةٍ أبت أن تهدأ.

عند قدميه، بالكاد كان كول مايكلسون حيًّا.

رفع ألكسندر يده، مستعدًا لإنهاء كل شيء. لا مزيد من الفرص، ولا مكان للرحمة.

كان نصل النيران والانتقام يشتعل في قبضته—وقد آن أوان إنهاء ما بدأه الألم.

ولكن…

تغيّر اتجاه الريح.

هبّت برودة حادة على ساحة المعركة، فجائية ومروّعة، وكأن الموت ذاته تنفّس بينهم.

وشعر الجميع بها—ستيفان، دايمن، كلاوس، إيلايجا، ريبيكا—والتفتوا جميعًا نحو هذا البرد غير الطبيعي.

تجمّد ألكسندر في مكانه.

وميضٌ عابر.

ضبابٌ أسود يتلوى في مهبّ الريح، أسرع من أن يُرى.

ثم—

هسّ!

اختفى كول.

في غمضة عين، اختطفه الظل.

اتّسعت عينا ألكسندر.

"لا."

وفي سرعةٍ مرعبه، انطلق ألكسندر وأمسك بالظل من عنقه، ساحبًا إياه إلى العلن.

استدار الآخرون، أسلحتهم مرفوعة، لا يدرون ما إذا كانوا أمام عدوٍّ جديد.

لكن…

تبدّد الضباب.

وتحوّلت ملامح ألكسندر كلها إلى ذهولٍ وصمتٍ تام.

رخا قبضته.

"...كاثرين،" نطق باسمها همسًا، بالكاد يخرج صوته.

ابتسمت المرأة المتشحة بالسواد.

لم تكن ابتسامة صديق.

ولا ابتسامة منقذ.

بل كانت ابتسامة شبحٍ... لم يعرف الموتُ له طريقًا.

كانت ترتدي عباءة من الظلال والحرير، وعيناها تتوهجان بعتمةٍ عميقة، وفي يدها—سيف أسود يلمع، مشبع بسحرٍ مظلم.

"مرحبًا، حبيبي،" قالتها بنعومةٍ خادعة.

ثم—

ششينك!

ضربت بسيفها بسرعةٍ ووحشية.

صرخ ألكسندر من الألم حين شقّ نصلها ساعده حتى العظم، واندفعت الدماء كنافورةٍ في الهواء.

انقطعت قبضته.

وسقط كول أرضًا يلهث.

لم تنتظر كاثرين.

أمسكت بـكول، وانصهرت مع الريح، ثم اختفت في الظلال مرة أخرى.

رحلت.

بهذه البساطة.

واختفى الصوت من الحقل.

سقط ألكسندر على ركبته، ممسكًا بذراعه النازفة، وجهه يقطر بالألم—لكن ليس الجسدي وحده.

"كاثرين..." تمتم، صوته يحمل مزيجًا من الذهول والغضب. "كانت ميتة. لقد كانت ميتة."

تقدّم ستيفان بخطى مترددة، مصعوقًا:

"كيف؟ كيف ما زالت حيّة؟"

تحدّق دايمن في الأفق المظلم، فكه مشدود:

"تلك العاهره لا تموت أبدًا."

كان صوت كلاوس كالجليد:

"حلفاء كول... أعمق مما ظننا."

همست ريبيكا:

"إذاً... الأمر لم ينتهِ، أليس كذلك؟"

نهض ألكسندر ببطء، ولا تزال عيناه معلّقتين على الظلال التي اختفت فيها كاثرين.

كانت عيناه تتوهجان بشيءٍ قديم...

شيءٍ خطر.

"لا." قالها بصوتٍ خفيض، نهائي.

"إنه... بالكاد قد بدأ."

---

كانت ساحة المعركة لا تزال ساخنة، تتصاعد منها الأدخنة، والأرض المحترقة تئن تحت الأقدام.

لكنّ الانفجار الحقيقي لم يكن نارًا، ولا دمًا، بل صمتًا.

ذاك الصمت الثقيل... المدوّي.

في المركز تمامًا، وقف ألكسندر، يسحب ذراعه المقطوعة ويعيدها إلى مكانها، بهدوءٍ غريب، وكأن الأمر لا يستحق الذعر.

كان جسده في طور التعافي بالفعل—عظام تتشابك، عضلات تلتئم، جلد ينسج نفسه كما لو أن شيئًا لم يحدث قط.

حرّك أصابعه مرة... ثم ثانية.

ثم أمال رقبته فسمع الجميع طقطقة كأنما استيقظ للتو من غفوة.

وهنا أدرك الجميع الحقيقة.

إنه حيّ.

ليس مجرد روحٍ محبوسة في جسدٍ مكسور.

ولا ملعونٍ يصرخ داخل عقله المهترئ.

بل حيّ... بالكامل.

"حسنًا... بحق خالق الجحيم، ما الذي يحدث هنا؟" قال دايمن أخيرًا، وهو يحدّق فيه وكأنه خلل في قوانين الكون. "أأنت حي؟ حيّ... حي؟!"

رفع ألكسندر حاجبًا. "أعني... أنا أمشي، وأتحدث، وأنزف قليلًا... فبلى، حيّ جدًا."

قال ستيفان، فمه مفتوح قليلاً من الدهشة:

"أنت تتعافى...! هذا لم يكن ممكنًا من قبل. كنت ملعونًا، إنسانًا، فانياً، هشًّا."

ابتسم ألكسندر.

"كنت."

كلاوس شبك ذراعيه، وضاقت عيناه وهو يحاول إخفاء دهشته. و سخريته ايضا

"وما أنت الآن بالضبط؟ قنبلة نووية على شكل مصاص دماء؟"

استدار ألكسندر نحوه وقال:

"ربما الاثنان معا ."

اقترب دايمن، وضرب ألكسندر على صدره بخفة بظهر يده، ثم ارتد يده متألمًا.

"آه، لا... لا، لست بشريًا بعد الآن، هذا أكيد." تمتم وهو يهزّ رأسه. "هل كنت دائمًا بهذه الصلابة؟"

ردّ عليه ألكسندر، وهو يبتسم بمكر:

"أترغب في معرفة الإجابة؟"

ضحكت ريبيكا بخفوت.

"هذا جنون... قبل لحظة كنّا نتخطى جنازتك، والآن أنت تمزّق جيش كول وكانك حاكم مشتعل."

أما إيلايجا، كعادته، فقد عدّل سترته بهدوء وقال:

"إذاً فقد نجحت بوني. لقد أعادت روحك إلى جسدك الأصلي... لكن الجسد مختلف. أقوى."

تقدّمت بوني من الخلف، بعد أن خفّت سحب الغبار، وقالت:

"استخدمتُ دم الساحرة كما خططنا. جمعت كل ما استطعتُ من قوىٍ وسحر... لكن لكي تنجو من تلك اللعنة، ولكي تقف في وجه كول، اضطررتُ لاتخاذ قرار."

رفع ألكسندر حاجبًا:

"هل جعلتِ مني مصاص دماء؟"

أجابته بوني بهدوء:

"لا. أنت من فعل. أنت من اختار القتال. أنت من اختار النجاة. الا تتذكر"

نظر الكسندر اليها بهدوء و تحدث بصوت ساخر بعض الشئ" لقول الحقيقة انا لا اتذكر اي شي حقا

اخر ما اتذكره هو موتي على يد كول ثم استيقظت في المنزل وانتي تخبريني ان كول سوف يقتل الجميع لذلك اتيت الى هنا... وهذا هو "

ساد صمتٌ طويل.

ثم فجأة، ضحك كلاوس من قلبه، رافعًا رأسه إلى السماء.

"كنت أتساءل إن كان أحد سيستطيع مفاجأة كول يومًا. لم أتوقع أن تكون أنت، يا أخي."

"لا تنادني بالأخ." قال ألكسندر، لكن ابتسامته لم تغادر شفتيه.

نظر دايمن إلى ستيفان:

"ألن نناقش حقيقة أنه أصبح أكثر جاذبية بعد أن اصبح مصاص دماء؟"

تنهّد ستيفان وقال:

"دايمن…"

أما ألكسندر فاكتفى بمسح الدم عن خده بأكمام سترته، مبتسمًا بخفة:

"اشتقتم إليّ."

ردّ عليه دايمن فورًا:

"لقد كنتَ ميتًا حرفيًا، كيف لا نشتاق إليك؟!"

وقف الجميع في دائرة غريبة: الأصليون، السالفاتور، بوني…

سادت ساحة المعركة سكينة نادرة. لا صراخ. لا قتل. لا دماء جديدة.

ألكسندر... كان حيًّا.

وللحظةٍ واحدة فقط… كان هذا كافيًا.

---

2025/05/28 · 10 مشاهدة · 853 كلمة
نادي الروايات - 2025