الفصل 34 — "رماد المنسيّين"

عوى الريح داخل الحاجز كأنها نائحة هائمة. الأرض من تحتهم تشققت إلى عروق من الحمم المتوهجة، وكأنها لم تعد قادرة على احتواء غضب الوحوش الذين احتضنتهم. وفي مركز هذا الدمار—كان ألكسندر وكول—منخرطين في معركة من فرط عنفها وبدائيتها، بدت كما لو أن العالم ذاته على وشك الانهيار.

وقف ألكسندر شامخًا، قميصه ممزق، وجلده مغطى بدمائه. ذراعه اليمنى تدلت مكسورة من عند المرفق، ومع ذلك ظل يتحرك إلى الأمام بلا تردد. أنيابه كانت بارزة، لكن ملامحه لم تكن وحشية—بل كانت إنسانية، نقية، حادة، قاتلة.

أما كول، فقد بدا في حالة أسوأ بكثير. نصف وجهه كان متفحمًا من لهب سابق، وعينه اليسرى أُصيبت بالعمى، تنزف دمًا بدلًا من الدموع. لا تزال دماء المنسيّين تنبض بداخله، تبقيه حيًا، تمنحه قوة... لكنها لم تعد تسيطر عليه. كانت يائسة. واليأس يجعل الوحوش أكثر تهورًا.

"لم يكن من المفترض أن تفوز بهذه المعركة،" لهث كول، وهو يلهث بينما تحاول الدماء في داخله إصلاح ما حطمه ألكسندر. "تظن أن الغضب يجعلك لا تُقهر؟"

مسح ألكسندر الدم عن فمه. "لا، لكنني عشت ما هو أسوأ من الموت."

ثم رمى برأس رمح مكسور التقطه من أرض المعركة—تفاداه كول بشعرة، ليجد ألكسندر قد ظهر خلفه بخطوة برق، وأدار ذراعه الأخرى بقوة ساحقة حتى كُسرت إلى نصفين. صرخ كول وهو يستدير بسرعة مصاص دماء، مخالبه بارزة—لكن ألكسندر أمسك بكفيه معًا، ونطحه بكل ما حملته قرون الألم المدفون.

دوى الصوت كالرعد في السماء.

خارج القبة، لم يتحرك أحد. لا دايمن، ولا ستيفان، ولا إيلايجا، ولا ريبيكا، ولا بوني. حتى كلاوس——كان يراقب في صمت مهيب، فكه مشدود، وقبضتاه مغلقتان.

"يا للجحيم..." تمتم ستيفان.

جاء صوت كلاوس منخفضًا، لكنه كان مشبعًا بالثقل. "إنه لا يقاتل كول فقط. إنه يقاتل كل شيء حاول كسره."

في الداخل، ترنح كول، جسده يترنح كأنه على وشك السقوط. "أتظن أن قتلي سيجلب لك السلام؟" بصق دماً وهو يتكلم.

اقترب ألكسندر منه بخطى ثابتة. "أنا لا أؤمن بالسلام... لكنني أؤمن بالصمت لذلك اصمت ايها العاهر."

وبزئير أخير، حاول كول أن يغرس رمحًا من سحر الدم المظلم في صدر ألكسندر—لكن الأخير أدار جسده، وترك السلاح يشق جنبه، وتابع تقدمه، يسحب نفسه بالإرادة وحدها.

اتسعت عينا كول رعبًا. هذا لا يمكن أن يحدث.

خرج صوت ألكسندر كزمجرة من العالم السفلي. "لقد قتلت روحي ذات مرة... لكنني الآن أصبحت شيئًا آخر."

ثم غرس قبضته في صدر كول—متجاوزًا الضلوع والعظام، حتى وصل إلى القلب الملوث بسحر النسيان. ونظر في عيني كول مباشرة.

"لن تطأ هذه الأرض بعد الآن."

ومزق القلب من جسده—ليس قلبه الجسدي فقط، بل جوهر قوته وسلطانه. انطلقت نبضة سوداء عبر القبة، فشقّتها في لحظة. وأضاءت السماء فوقهم بوهج أبيض ساطع، وانكسرت الدائرة أخيرًا.

سقط كول على ركبتيه.

ثم هوى.

ميتًا.

سادت سكينة خانقة.

اختفت القبة، وعاد لون السماء إلى رماده المعتاد. سكنت ساحة المعركة. . وألكسندر... وقف وحده، مغطى بالدماء، لا يزال يتنفس.

كانت بوني أول من تكلم.

"لقد انتهى الأمر،" همست. "انتهى أخيرًا."

زفر دايمن كأنه كان يحبس أنفاسه منذ أيام. ركع ستيفان على ركبته، وقد غمره الشعور. تمسكت ريبيكا بذراع إيلايجا. خطا كلاوس خطوة واحدة إلى الأمام—لكنه لم ينطق بكلمة. ليس بعد.

سقط كول.

وتحول القلب في يد ألكسندر إلى رماد.

وحلّ الصمت.

أمسكت ساحة المعركة بأنفاسها، وانحلّت القبة السحرية إلى ضباب. من حولهم، تلاشت بقايا جيش كول الظلامي. والسماء، تلك التي ظلت مظلمة لأيام، تفتحت أخيرًا.

استدار ألكسندر نحو إخوته.

وقف دايمن وستيفان هناك، والدهشة والراحة مرسومتان على وجهيهما المتعبين.

أهداهما ألكسندر ابتسامة—صغيرة، لكنها صادقة. كانت أول ابتسامة يرونها منه لم تلبسها الحرب أو الألم.

لكن في تلك اللحظة—قبل أن تستقر الفرحة، قبل أن تُسحب الأنفاس—اخترقت يده ظهره.

يد وحشية. قديمة. غير طبيعية.

ارتج جسد ألكسندر للأمام، وقد سُحب النفس من رئتيه.

تلك اليد أمسكت بقلبه.

"لا—!" صرخ ستيفان.

اندفع دايمن للأمام، لكن الأوان كان قد فات.

اخترقت اليد المظلمة صدر ألكسندر، رافعة قلبه كأنما ترفع تذكارًا دمويًا.

وسكنت الساحة مرة أخرى.

ثم… خرجت الحقيقة إلى النور.

من جثة كول الميت، انسلّ ظل—ليس مقيدًا بجسد، بل كان يختبئ بداخله طوال الوقت.

تلاشت الخدعة.

وظهر الوجه الحقيقي.

لم يكن كول.

لم يكن يومًا كول.

الرجل الذي خرج إلى العلن لم يكن غريبًا عن دايمن وستيفان—رغم أنهم لم يروه منذ قرون.

الوحش الذي ربّاهما.

جوزيبي سالفاتور.

وقف وسط الضباب الأحمر، يده ملتفة حول قلب ألكسندر، عروق الظلام تسري في ذراعه، ووجهه مشوه بسنوات من الحقد والقوة.

"مرحبًا، يا أولادي،" قالها باحتقار، والدم يقطر من أصابعه. "هل اشتقتم إليّ؟"

تحشرج صوت ستيفان. "لا... هذا مستحيل."

حدق دايمن برعب. "أنت... أنت ميت."

ابتسم جوزيبي—ابتسامة باردة، قاسية. "الموت مجرد إزعاج عندما تعرف النوع الصحيح من السحر... وعندما يسري في عروقك دم أقدم من دم مصاصي الدماء أنفسهم."

سقط ألكسندر على ركبتيه، يختنق، والدم يتدفق من صدره.

نظر جوزيبي إليه بازدراء.

"لطالما كرهتك. طفل غير شرعي. لست مني. وصمة عار على اسمي. لكنني وجدت طريقة لاستخدام تلك الوصمة لصنع شيء جميل... جعلتك ملعونًا."

دماء المنسيّين. السحر القديم. لقد كان جوزيبي من البداية.

تحولت عينا دايمن إلى سواد الغضب. "أيها الوغد—"

"لا تفعل،" حذّر جوزيبي، وهو يرمي بجسد ألكسندر إلى الأرض كأنه زجاج مهشم. "اقترب خطوة واحدة، وسأنهي ما بدأته منذ قرون."

كان ستيفان يرتجف. "لقد لعنتَه... لقد دمرتَه..."

قال جوزيبي بصوت أعلى وهو يتقدم إليهم، وجهه بارد، ونبرته حادة: "بل جعلته قويًا. حولت طفلًا ضعيفًا إلى حاكم. والآن... سأستعيد تلك القوة."

وقف أفراد عائلة مايكلسون متجمدين في أماكنهم. كلاوس، إيلايجا، ريبيكا—لم يجرؤ أحد على الحركة. ليس بعد. لقد شعروا به. ثقل ما يقف أمامهم.

لم يكن مجرد رجل.

ولم يكن مجرد أب.

بل كان شيئًا نسيه الزمن.

وبينما كان ألكسندر يحتضر من جديد—ينزف تحت سماء لم تلتئم بعد—لم تكن الحرب قد انتهت.

لا...

لقد بدأت للتو.

ثم دوى الصمت في روحه

صمتٌ مطبق.

ليس صمت السلام، ولا صمت الموت.

بل فراغ. امتداد لا نهائي من الضباب الرمادي والظلال. لا سماء، ولا أرض. مجرد سكونٍ معلق.

كان ألكسندر واقفًا هناك، حافي القدمين، قميصه ممزق ومبلل بالدماء، وثقب لا يزال واضحًا في صدره — لكنه لم يشعر بأي ألم. فقط... خواء.

أدار ناظريه حوله، تائهاً وسط ذلك الضباب الأبدي.

"أين بحق الجحيم... أنا؟"

صوته لم يردد صدًى. بل تلاشى ببساطة، وكأنه لم يكن.

ثم... سمعها.

خطوات.

ناعمة. مألوفة.

ومن قلب الضباب، خرج فتى صغير.

ربما في الثانية عشرة من عمره. شعره فوضوي، عيناه حادتان، ينتعل حذاءً باليًا... كان هو، نفسه، لكن كما كان في طفولته.

حدق ألكسندر فيه، والدهشة تملأ ملامحه.

"تبدو وكأنك رأيت شبحًا،" قال الفتى، مبتسمًا بابتسامة ماكرة كأنها من عالم آخر.

قطّب ألكسندر حاجبيه وقال: "لأنني فعلت."

مال الفتى برأسه جانبًا، وعيناه تلمعان بدهاء. "أو ربما، أخيرًا، تنظر إلى نفسك... الجزء الذي دفنته منذ زمن. الجزء الذي مات... قبل أن يموت جسدك."

نظر ألكسندر إلى يديه، الملطختين بالدماء والصمت. "هل أنا ميت؟"

أجابه الفتى: "نصف ميت. خطوة واحدة أخرى... وتنتهي للأبد. لكن هذا الباب... يفتح في كلا الاتجاهين."

تقدم ألكسندر نحو الضباب، وقد بدا أنفاسه أكثر ثباتًا. "إذاً عليّ العودة. لا يمكنني تركهم."

"بل تريد العودة،" صححه الفتى. "لكن هل تستطيع؟ لقد متّ مرتين، ألكسندر. كم مرة أخرى يمكن أن يُنتزع جسدك من الهاوية قبل أن تقرر تلك الهاوية أن تحتفظ بك إلى الأبد؟"

قبض ألكسندر على قبضتيه، ونظراته اشتعلت. "لا يهمني. ستيفان ودايمن... يحتاجان إلي. وكلاوس، إيلايجا، ريبيكا، بوني... لقد قاتلوا من أجلي. آمنوا بي. لن أسمح أن يذهب كل ذلك سُدى."

اقترب الفتى منه، خطواته بطيئة لكن نظراته أكثر حدة. "حتى بعد كل ما فعله جوزيبي بك؟ بعدما استغلك كورقة، لعنك، كسر روحك، وراقبك تتعذب فقط لأنه كره وجودك؟"

احمرت عينا ألكسندر، واشتعل فيه جمر الغضب.

"لن أسامحه أبدًا،" تمتم بصوتٍ خافت كزئير. "لكني لن أسمح له بالانتصار أيضًا."

ابتسم الفتى مجددًا — لكن ابتسامته كانت حزينة، رقيقة، مكسوة بالألم. "تبدو مثلي... قبل الألم. قبل أن يحل الصمت. قبل أن يصبح الغضب كل ما تبقى."

نظر ألكسندر حوله، إلى الضباب الكثيف الذي بدا وكأنه يحمل ماضياً كاملاً.

"ما هذا المكان حقاً؟"

رفع الفتى يده، فتحرك الضباب من حولهما.

أرض معركة.

ممر في قصر عائلة سلفاتور.

ذكرى من الطفولة.

وتلك السارية خلف البيت... التي رُبط بها يومًا.

دماء. صرخات. صمت. ثم صرخات من جديد.

"هنا تذهب الأجزاء المحطمة،" همس الفتى. "هنا تنتظر... إلى أن تختار ما ستصبح."

حدق ألكسندر في نسخة طفولته طويلاً، بعيون ممتلئة بالتصميم، ثم همس: "إذاً... أنا أختار."

هزّ الفتى رأسه موافقًا. "حسنًا. لأنك لست مجرد سلفاتور. لست مجرد مصاص دماء. لست مجرد لعنة أو حرية."

اقترب منه أكثر، وهمس في أذنه—

"أنت ما يأتي بعد ذلك."

وفجأة... تشقق الضباب كما لو كان زجاجًا هشًا.

عاد الألم.

وانفجر الضوء من تحت قدميه، كوميض نجم في ظلمة.

وصاح ألكسندر... صارخًا من أعماق روحه، مستيقظًا تحت السماء المفتوحة، وعيناه تشتعلان.

---

2025/05/28 · 7 مشاهدة · 1355 كلمة
نادي الروايات - 2025