الفصل 35 – "الدم الذي صنعني"
كان الهواء يصرخ، كما لو أن العالم ذاته يلهث طلبًا للنجاة.
جسد كول كان ممددًا، باردًا، محطمًا وسط الوحل، بلا حراك. لكن ما كان يرتدي جلده — ما حرّك يديه، وتحدث من خلال صوته — لم يعد يحتاج إليه بعد الآن.
لقد اتخذ شكله الحقيقي.
لم يعد ذلك الظل المجهول في حاجة إلى كول.
وقف الآن شامخًا، هالة من القدم تحيط به، عيناه كنجمتين محترقتين. يداه تقطران دمًا أسود، ووجهه... لم يعد وجه غريب.
كان جوزيبي سلفاتور.
نعم، بدا كما كان، ومع ذلك، لم يكن هو ذاته. هيئته البشرية السابقة انحرفت، تضخمت، تشوهت بقوة الدم المنسي الذي بات يجري في عروقه كالنار الهائجة. عظامه كانت تصدر فرقعة مع كل حركة. وكل نَفَس منه... كان سُمًّا.
حدق ستيفان فيه بذعر. أما دايمن، فلم يستطع أن يتنفس. ريبيكا أمسكت بذراع إيلايجا، وكلوس تجمد في مكانه، فكّه مشدود، وعيناه تتسعان رعبًا.
"أبي..." همس ستيفان، وكأن نطق الاسم كان بحد ذاته سمًّا.
"لا،" أجابه جوزيبي ببرودٍ جليدي، "لم أكن أباكم قط. لا حقًا. وخصوصًا... ليس له."
ثم أدار رأسه ببطء، ونظره يتجه نحو جسد ألكسندر الملقى على بعد أقدام قليلة، وبخار خفيف يتصاعد من الأرض المبللة بالدماء حوله.
لكن في تلك اللحظة — انشق الضوء السماء.
دويّ انفجار مزّق الهواء، لا من فوق، بل من أعماق الأرض نفسها.
وانطلقت يد ألكسندر فجأة — تقبض على التراب — وتسحب جسده للأعلى.
لم يكن صراخه من الألم.
بل من الولادة من جديد.
وقف على قدميه، والدم لا يزال يتقاطر من الجرح الفاغر في صدره. لكن عينيه... لم تعودا بشريتين. لم تعودا ملعونتين.
كانتا تتوهجان بلون القرمز والذهب... قديمتان، رهيبتان.
"...أنت،" قالها بصوت منخفض، مرتجف، كأنه خرج من أعماق الزمن. "أنت السبب."
استدار جوزيبي نحوه ببطء، دون خوف.
"وأنت،" ردّ عليه، "أنت الخطأ الأخير... الذي سأصححه."
تشقق الهواء من حولهما.
تقدم دايمن بخطوة. "ألكسندر، انتظر — إنه—"
"أعرف من هو،" زمجر ألكسندر، "لطالما عرفت."
وتحرك نحو جوزيبي، ببطء، دون عجل، دون غضب متسرع. كل خطوة منه حملت عبء قرون من الألم.
"كرهتني قبل أن أولد،" قال، صوته كحد السكين. "رأيت طفلاً... وقلت إنه خطأ. وعندما عجزت عن قتلي بيديك، لعنتني بألمٍ عميق... حتى نسيت كيف أصرخ."
ابتسم جوزيبي ابتسامة خبيثة. "ومع ذلك... انظر ماذا صنعت. قاتل. شيطان. ظل. لم تكن لتعيش طويلًا. كنتَ لتُحرق."
خلفهم، كان سكون المعركة ينتظر أن يتنفس.
تقدم كلوس، صوته بالكاد يُسمع. "لو تدخلنا الآن... قد نموت."
"فليكن،" قال إيلايجا بهدوء.
"لا،" قاطعتهم بوني. "لا أحد يتجاوز تلك الدائرة. ليس بعد. ليس حتى تنتهي. ليس حتى يسقط أحدهما."
حاجز الدم المنسي كان يتلألأ في الهواء، عتيقًا، مطلقًا.
وفي داخله... وقف الأب والابن، وحدهما.
شدّ ألكسندر قبضته. "لعنتني، حطّمتني، استغليتني... ومع ذلك، عدت."
اقترب خطوة. "ليس من أجل الانتقام."
خطوة أخرى. "ولا من أجل العدالة."
أصبح الآن على بُعد بضع إنشات من جوزيبي، وعيونه تتقد كالعاصفة.
"بل... لأُنهيك."
كشف جوزيبي عن أنيابه — وبدأت المعركة الأخيرة، بين الصانع و المصنوع
كانت الضربة الأولى... كالرعد.
اصطدمت قبضة ألكسندر بفك جوزيبي بقوة هائلة، حتى أن الصدمة مزقت الحاجز خلفه، وشقّت الأرض كما يُشَقّ الزجاج، متناثرة بالحجارة والتراب. انحرف رأس جوزيبي إلى الجانب بعنف، لكنه لم يسقط.
ابتسم.
ثم رد الضربة.
كانت ضربته أشبه بصدام قطار، حيث انحنت أضلاع ألكسندر تحت وطأتها، وانفجرت الدماء من فمه، لكنه لم يتراجع. بل ضحك — ضحكة مجنونة، حرة، مشتعلة.
"تضرب كأنك شبح سكير،" زمجر ألكسندر.
زأر جوزيبي — وانقضّ عليه. أجسادهما اصطدمت كنيزكين يتصادمان في السماء.
تحركا بسرعة تعجز العيون البشرية عن متابعتها. كانت الدماء تلامس الأرض قبل أن تصل قبضاتهما إلى أهدافها. الأشجار حول الدائرة انفجرت كأنها أعواد خشب هشة، والأرض تحت أقدامهم انهارت، كل ضربة بينهما تُدوّي كقذيفة مدفع.
خارج الدائرة، الجميع تجمد في مكانه.
"ما من أحدٍ قاتل هكذا من قبل..." همس إيلايجا، صوته محمّل بالرهبة.
"هذه ليست معركة،" تمتم دايمن. "إنها حرب."
في الداخل، رمى جوزيبي ألكسندر عبر أرض المعركة، جسده يتحطم وسط الحجارة المتناثرة والتراب الممزق.
"أنت لا شيء من دون تلك اللعنة،" بصقها باحتقار. "أنا من صنعك. ويمكنني أن أُزيلك."
نهض ألكسندر، يمسح الدم عن شفتيه. "أنت لم تصنعني."
وفي ومضة، اختفى — ليظهر خلف جوزيبي قبل أن يتمكن الأخير من الالتفات — وسدد كوعه إلى عموده الفقري، وكسره بصوت فرقعة مروعة. صرخ جوزيبي، يتلوى ألمًا — لكن ألكسندر كان قد أصبح فوقه، يُنزل قبضتيه عليه كالمطارق.
انهارت الأرض تحتهما.
وسقطا.
مباشرة عبر ساحة المعركة.
إلى أنقاض قديمة في الأسفل — معبد منسي من دماء السلالات القديمة. تسللت أشعة القمر من الشقوق العليا، فغمرت المشهد بلون أزرق باهت ممزوج بالقرمزي.
نهض جوزيبي، يسعل دماً.
وتقدم ألكسندر نحوه، كل خطوة منه ترش الماء والدم في المكان.
"قضيت حياتك تخفي خزيك،" قال، صوته مغمور بالغضب المكبوت. "تتظاهر بأن خطاياك عبء على غيرك."
ضحك جوزيبي، لكنها كانت ضحكة مختنقة بالدم.
"أتظن أن قتلي سيجعلك بطلاً؟" سعل مجددًا. "ستبقى دائمًا... لقيط سلاحًا بلا روح."
توقف ألكسندر.
ثانية من الصمت.
ثم — جاء صوته، ناعمًا، عميقًا: "لقد لُعِنتُ لأكون سلاحًا."
رفع يده، فعادت مخالبه. وتلألأت أنيابه تحت ضوء القمر.
"أما الآن... فأنا الجلاد."
بخطوة واحدة، كان فوق جوزيبي.
والدقيقة التالية لم تكن سوى... دمار.
ضربه كما يُضرَب الوحش. حطم أضلاعه. مزق أطرافه. لا بدافع الغضب، بل بإتقان. بتركيزٍ شديد.
حاول جوزيبي المقاومة. بل وتمكن من توجيه ضربتين — واحدة غرست مخالبه في كتف ألكسندر، والأخرى شقت صدره — لكن ألكسندر لم يتوقف.
لم يتردد.
لم ينزف كما كان من قبل.
"عشت حياتي بأكملها أتساءل: لماذا أنا في ألم؟" قال ألكسندر، بينما كانت يده تطبق على عنق جوزيبي. "وكان السبب... أنت."
وسحقه بالجدار الحجري بقوة، حتى تصدّع.
"وأنا أغفر لهم . اخوتي لما حدث فهم لم يعلموا بوجودي بعد ذلك الامر ولكن"
ثم سدد ضربة أخرى.
"لكنني لا أغفر لك."
رفع ألكسندر والده — لا، ذلك الشيء الذي طارده كالكابوس — ونظر في عينيه مباشرة.
"وداعًا... أيها العجوز."
وغرس يده في صدر جوزيبي — وانتزع ما تبقى من قلب الدم المنسي.
انفجرت أشعة الضوء من الجرح.
ومع صرخة واحدة، ماتت لعنة الدم.
وتحوّل جوزيبي سلفاتور إلى رماد.
وقف ألكسندر وسط الأنقاض، يتنفس بصعوبة، جسده يرتجف — لكن منتصرًا.
فوقهم، انكسر الصمت.
ركع ستيفان على ركبتيه.
وأخرج دايمن زفيرًا لم يكن يعلم أنه يحتبسه.
وهمست بوني: "لقد انتصر..."
ولأوّل مرة منذ قرن... كان ألكسندر حرًّا.
--