الفصل 40– نهاية الماضي

كان الصمت داخل الكنيسة المحطّمة ثقيلًا... أشبه بخشوعٍ غريب، لا يقطعه سوى أنفاسها المتقطعة، المتألمة، وهي تتهاوى عند قاعدة المذبح.

كاثرين بيرس كانت تنزف. ملابسها السوداء تمزقت، وخصال شعرها الداكنة تلطخت بالعرق والدم. ما زالت عيناها تلمعان بعنادٍ عنيف، لكن ذاك البريق بدأ يخفت—يتلاشى بيأس.

وقف الإخوة سالفاتور فوقها، صامتين، والسنوات التي مضت تتهاوى بينهم كعاصفة تأخرت كثيرًا في الوصول.

تقدّم ألكسندر أولًا. وجهه، الذي كان يومًا محفورًا بالغضب والرغبة في الانتقام، أصبح الآن أكثر هدوءًا... يحمل في ملامحه لمحة من النهاية، لا الشفقة، بل حسمٌ بلا تردد.

قال بصوت منخفض، وكأنّه يحكم:

"هربتِ لقرون. لعبتِ على كل الأطراف. كذبتِ. تلاعبتِ بالجميع. حطّمتِ أرواحًا كما تحطمين الأعواد تحت قدميك."

سعلت كاثرين، والدم يغطي شفتيها، ثم تمتمت بابتسامة شاحبة:

"ومع ذلك... ها أنتم هنا. كلكم. ما زلتم مهووسين بي."

جثا ستيفان بجانبها، نظراته باردة كالجليد:

"لا. نحن هنا لنُنهي ما كان يجب أن يُنهى منذ زمن بعيد."

همست، صوتها شاحب متكسّر:

"لقد أنقذت حياتكم... أكثر من مرة. لقد أحببتك، ستيفان."

لم يرتجف ستيفان. لم يُبدِ أي تأثر.

"أنتِ لم تُحبّي أحدًا سوى نفسك."

انخفض دايمن بجانب ألكسندر، يداه ترتجفان—لا من الخوف، بل من شدة الغضب:

"تعلمين يا كاث... لطالما ظننت أن هذه اللحظة ستكون مُرضية. لكنها ليست كذلك. إنها فقط... مرهقة."

ارتجفت ابتسامتها، بنصف سخرية:

"مرهق من ملاحقتي، دايمن؟"

زمجر:

"مرهق منكِ."

ثم التفتت إلى ألكسندر، وسمّها لا يزال حادًا حتى في آخر أنفاسها:

"وأنت... لم يكن لك وجود حقيقي قط. كنتَ دائمًا المكسور. الخطأ الملعون."

لم يتغير تعبير ألكسندر. اقترب منها، وانسكبت ظلال الزجاج الملوّن المكسور على وجهه، ترسم خطوط حرب.

قال بهدوء مميت:

"معكِ حق. كنتُ مكسورًا. وكنتُ ملعونًا. لكنني نجوت. أما أنتِ؟ فأنتِ لا شيء... سوى مسكينة."

زأرت بغضب، ومدّت يدها نحو خنجر مخبّأ تحت ملابسها الممزقة—لكن ألكسندر كان أسرع.

قبض على معصمها بقبضة من حديد، ولفّه بقوة. دوّى صوت العظم وهو ينكسر، كطلقة في سكون المكان. وسقط الخنجر من يدها، يرتطم بالأرض المعدنية.

التقط ستيفان الخنجر.

قال بصوت قاتم:

"لقد اكتفيت... من صوتها. من ألاعيبها. من سمّها."

نظر ألكسندر إليه، ثم إلى دايمن.

"أريد أن يكون القرار مشتركًا بيننا،" قال. "نحن الثلاثة. معًا."

أومأ دايمن بالموافقة.

ناول ستيفان الخنجر لألكسندر، الذي أمسكه، وأخذ يدرسه في يده ببطء. كان سلاحًا غارقًا بالسحر، هو ذاته الذي استخدمته كاثرين ذات يوم لتقطع صلتها بإنسانيتها.

والآن... سيكون ذات السلاح الذي يُنهي عهدها القاسي.

حاولت كاثرين أن تنهض، أن تتشبث بالحياة، لكن جسدها خانها.

زمجرت، بصوت تكسّرت فيه الكبرياء:

"تظنون أن هذا سيغير شيئًا؟ تظنون أن قتلي سيجعلكم أبطالًا؟"

أجاب دايمن، ونبرته تنزف مرارة:

"لا... لكنه سيحررنا."

وغرس ألكسندر الخنجر في قلبها.

صرخة كاثرين كانت حادة، ممزقة، كأنها لحنها الأخير... لحن الغضب والانكسار. تردّدت أصداؤها على جدران الكنيسة.

ثم... صمت.

لا انفجار درامي. لا وميض من القوة.

فقط... سكون مطلق.

سقط جسدها على الأرض. ساكنًا. خاليًا.

المرأة التي طاردت أجيالًا، التي ازدهرت وسط الفوضى، التي شقّت طريقها عبر التاريخ بالخيانة والدماء—انتهت.

حقًا هذه المرة.

وقف الإخوة في صمتٍ ثقيل.

كان دايمن أول من كسره:

"هل ماتت فعلًا؟"

انحنى ألكسندر، وضع إصبعيه على رقبتها، ثم على صدرها.

"نعم."

زفر ستيفان نفسًا بطيئًا:

"لقد انتهى الأمر."

وقف الثلاثة هناك للحظة... محاطين بالخراب، لكن السلام بدأ يتسلل إليهم.

نظر دايمن إلى الخنجر الذي ما يزال في قبضة ألكسندر.

"هل أنت بخير؟"

أومأ ألكسندر برأسه، وقال بصوت خافت:

"الآن... نعم."

وغادروا الكنيسة معًا، وخطواتهم تزداد خفة مع كل خطوة، كأنهم يتركون قرونًا من الأحمال خلفهم.

وفي الخارج، انفرجت السماء أخيرًا، وبدأ المطر يهطل... خفيفًا، مطهرًا، صامتًا.

لقد أُغلق فصل كاثرين بيرس.

ولأول مرة، منذ زمن طويل جدًا...

لم يعد يطارد الإخوة سالفاتور أي شبح.

....

كان المطر يهطل بنبضٍ منتظم، كأنه يسكب الحزن على العالم في صمتٍ خافت.

توقفت سيارة دايمن الزرقاء الجميلة على جانب الطريق المتصدع المؤدي بعيدًا عن الكنيسة المهدّمة. كان الإخوة يستندون إليها في صمتٍ ثقيل. لم ينطق أحدٌ بكلمة—ليس لأنهم لم يجدوا ما يُقال، بل لأن الكلمات بدت في تلك اللحظة أثقل من أن تُقال.

كان المطر يتساقط بغزارة، يغمر ملابسهم، يتخلل شعرهم، ينساب على وجوههم… ومع ذلك، لم يتحرك أحد. وكأن السماء تبكي معهم، كل قطرة تمطر كهمسةٍ من العاصفة التي أنهَوها للتو.

مرت الدقائق. وربما الساعات.

وأخيرًا… كسر ألكسندر الصمت.

كان صوته خافتًا، مستقرًا، لا يحمل غضبًا ولا مرارة… بل مجرد صدقٍ عارٍ.

قال وهو يحدّق في الحقل الخالي أمامه:

"هي من وضعت اللعنة عليّ. جعلت حياتي جحيمًا حقيقيًا… حرفيًا. سنوات طويلة من العذاب، والألم، والوحدة… كلّها بسببها."

لم ينظر إليه دايمن، لكن عضلات فكه اشتدت.

قال بصوت منخفض:

"لقد خدعتني. أوهمتني أنها تحبني. حوّلتني إلى مصاص دماء، مزّقتني من كل ما كنتُ عليه… ولأجل ماذا؟ من أجل بقائها فقط."

تنهد ستيفان ببطء، وصوته خرج هامسًا، أضعف من المطر:

"جعلتني أظن أيضًا أنها تحبني. منحتني الأمل… ثم لوته بيديها. وقتلت أشخاصًا أحببتهم. نزعت إنسانيتي، وارتدتها كما لو كانت وسامًا."

استمر المطر في هطوله.

ثلاثة إخوة، واقفون تحت وطأة ذكرياتهم، وندوبهم، وجراحهم المشتركة… التي لم ولن تلتئم بالكامل.

مرّ ألكسندر يده بين خصلات شعره المبتل، وضحك بسخرية بلا ابتسامة، كأن الضحكة مجرّد تنفيس عن جراح قديمة:

"غريب،" تمتم. "امرأة واحدة… ظلّ واحد… ومع ذلك، تركت حفرة في قلوبنا جميعًا."

أومأ دايمن ببطء.

"لكنها رحلت الآن."

رفع ستيفان رأسه نحو السماء الرمادية.

"نعم… لقد رحلت."

عاد الصمت من جديد.

لكن هذه المرة، لم يكن صمت حزن… بل راحة. كأن الأرواح تنفّست لأول مرة.

استدار ألكسندر نحو إخويه.

"لقد فعلناها. معًا."

رفع دايمن طرف فمه بابتسامة خفيفة، وغمز بعينيه:

"لم أظن يومًا أنني سأقول هذا، لكن… التعاون معكما لم يكن بهذا السوء."

ضحك ستيفان، وفرك مؤخرة عنقه كعادته حين يختلط التوتر بالراحة:

"لقد بدا الأمر وكأننا كنا مقدّرين لنفعل هذا. وكأن هذه النهاية… هي التي كنا نحتاجها جميعًا."

اتكأ ألكسندر على السيارة، وأغمض عينيه بينما كانت قطرات المطر تنحدر على وجهه… كالدموع التي لم يعد مضطرًا لبكائها.

همس بصوت بالكاد يُسمع:

"لم تكن هذه النهاية فقط… كانت بداية."

وهكذا وقفوا هناك—ثلاثة إخوة، كانوا يومًا متفرقين، ممزقين، لكنهم الآن متحدون… بعد أن عبروا النار سويًا.

لا كمصاصي دماء.

ولا كمخلوقات ملعونة.

ولا كأعداء.

بل كعائلة.

---

2025/05/30 · 5 مشاهدة · 956 كلمة
نادي الروايات - 2025