الفصل 41 – العودة إلى المنزل

كانت سيارة دايمن الزرقاء الجميلة تنساب عبر طرق ميستيك فولز المألوفة، عجلاتها تهمس على الإسفلت الرطب. المطر هدأ إلى ضبابٍ خفيف، يرسم هالة فضية فوق المدينة. المباني ما زالت واقفة في أماكنها المعتادة، والأشجار كما هي، ورائحة الصنوبر لا تزال تعبق في الهواء… لكن شيئًا قد تغيّر.

هم… قد تغيّروا.

جلس ألكسندر في المقعد الخلفي، وعيناه تراقبان المدينة كما لو أنه يراها لأول مرة—ليس كمسجون في قيد الألم، ولا كروح ملعونة—بل كذاته. كاملة. حرة. هادئة.

كان ستيفان هو من يقود، يداه تمسكان بالمقود بثبات وسكينة. أما دايمن، فجلس إلى جواره في المقعد الأمامي، صامتًا… لكن ليس بعيدًا. كان هناك نوع من السلام بينهما الآن، سلام نادر، كأنما هو سكون ما بعد العاصفة.

وعندما توقفت السيارة أمام منزل آل سالفاتور، بدا المشهد… أشبه بالحلم.

كانت الأنوار تتوهّج بدفء خلف النوافذ، تركتها بوني مضاءة. سيارة كارولاين كانت متوقفة في الخارج. ومن مكان ما في الداخل، كان يمكن سماع موسيقى خافتة… كأن المنزل نفسه كان ينتظر عودتهم.

كان ستيفان أول من خرج من السيارة، ممددًا ذراعيه وكأنه يعانق الهواء الذي يعرفه جيدًا. تبعه دايمن، الذي وقف على درجات السلم الأمامية، وألقى نظرة خلفه.

قال بصوت هادئ، دون أن يلتفت كليًا:

"ألن تأتي، أخي؟"

لم يُجب ألكسندر على الفور. رفع عينيه نحو المنزل، ثم أبعد نظره عنه ليتأمل البلدة من خلفه—تلك البلدة التي كادوا أن يفقدوها، وأولئك الذين بالكاد أنقذوهم.

وأخيرًا… نطق:

"بلى."

ثم خطا إلى الأمام، وعيناه لا تزالان معلقتين بالأفق.

"لقد عدت إلى بيتي."

في الداخل، كانت بوني نائمة على الأريكة، وكتاب مفتوح مستلقٍ على صدرها. أما كارولاين، فكانت في المطبخ تُعيد تسخين بعض القهوة، وارتفع حاجباها فور أن سمعت صرير الباب.

قالت بابتسامة مرهقة:

"استغرقتم وقتًا طويلًا. كنت على وشك إرسال فرقة بحث عنكم."

أجابها ستيفان بابتسامة صغيرة:

"علقنا في المطر."

استفاقت بوني عند سماع أصواتهم، جلست وهي ترمش بعينيها، ثم وقفت على الفور حين وقعت عيناها على ألكسندر.

قالت بصوت مشوب بالدهشة:

"أنت بخير."

أومأ برأسه مرة واحدة:

"بفضلك."

اقتربت منه، واحتضنته دون أن تنطق بكلمة. ولم يتردد هو، بل ردّ العناق بذات الصدق.

قال وهو يشدّ على ذراعيها قليلًا:

"لقد أنقذتِني. ليس من الموت فقط… بل من نفسي."

نظرت إليه بوني بعينين ناعمتين وابتسامة دافئة:

"أنت تستحق أن تُنقذ."

كانت كارولاين قد بدأت في سكب القهوة.

"حسنًا، أحدكم سيخبرني بكل ما حصل. ولكن أولًا—قهوة… أو ربما شيء أقوى."

توجه دايمن نحو غرفة المعيشة، وهو يفك أزرار سترته، وتمتم ساخرًا:

"لن تصدقي نصف ما سنرويه على أي حال."

وبينما أخذ الضحك يعود ببطء إلى زوايا المنزل، وقف ستيفان عند النافذة، يتأمل ظلمة الليل بهدوء.

سأل بصوت بالكاد يُسمع:

"أتظن أن الأمر انتهى؟"

اقترب منه ألكسندر، ووقف بجواره:

"لا. لكنه… لأول مرة… لم يسبقنا."

وخلف سماء ساكنة، نامت ميستيك فولز بسلام.

وفي داخل ذلك البيت، وقف الإخوة الثلاثة—دايمن، وستيفان، وألكسندر—تحت سقفٍ واحد.

و لأول مرة منذ وقت طويل شعروا بالهدوء المطلق

....

مضت الأيام بسلام و راحه بينما كانت السماء خارج النوافذ لوحةً باهتة من تدرجات الأزرق والرمادي، والمطر الخفيف ينقر زجاج منزل آل سالفاتور بإيقاع رتيب وهادئ. في الداخل، كان الضوء الدافئ يتسرب على أرضيات الخشب العتيق والأثاث الكلاسيكي، وظلال النار المتراقصة ترقص على الجدران مع كل خشبة تتكسر داخل المدفأة المتقدة.

وقف دايمن أمام المرآة الطويلة في الردهة، وهو يُزرر قميصه الأسود. وكان يحمل على وجهه تلك النظرة المعتادة — نصف ابتسامة، نصف عبوس — تلك النظرة التي يتقمصها كلما حاول إخفاء توتره. أمر مضحك في الحقيقة، فالموقف المقبل لم يكن معركة، ولا انتقام كول، ولا فوضى كاثرين... بل كان شيئًا أكثر رعبًا بكثير:

موعد.

مع إيلينا.

وراءه، كان ألكسندر مستندًا إلى الجدار، عاقدًا ذراعيه، وعلى فمه ابتسامة ساخرة تتسلل ببطء.

"متأكد أنك لن تبكي لو تأخرت؟" قالها مازحًا.

رمقه دايمن بنظرة حادة عبر المرآة.

"ومتأكد أنك لن تبكي حين أطردك من هذا المنزل؟"

ومن على الأريكة، جاء صوت ستيفان من خلف كتابه دون أن يرفع نظره:

"لا تكن قاسيًا، دايمن. هو فقط قلق عليك. لقد قضيت الساعة الماضية تتجول في المكان وكأنك كلب مضطرب."

"لم أفعل."

"بل فعلت."

قالها الأخوان بصوت واحد.

تقدم ألكسندر إلى داخل الغرفة، واقترب من دايمن:

"في الواقع، هذا مثير للشفقة بعض الشيء. دايمن سالفاتور العظيم... خائف من رأي فتاة."

تنهّد دايمن، دافعًا بعينيه نحو السقف:

"ليست مجرد فتاة. إنها إيلينا."

أشرق وجه ألكسندر بابتسامة أكبر:

"بالضبط. ولهذا السبب بالذات، فإن رؤيتك تذوب بهذا الشكل... أكثر تسلية."

أغلق ستيفان كتابه أخيرًا، ووقف وهو يضحك بصوت هادئ:

"أتتذكر عندما كنت تقتلع قلوب الناس من صدورهم لمجرد المتعة؟"

"ما زلت أفعل." تمتم دايمن.

"إذن ماذا حل بذلك الشخص؟" سأل ستيفان وهو يقترب منه.

"لأن هذا الذي أمامي... أقرب إلى قصيدة رومانسية من مسلخ دموي."

نظر إليهما دايمن نظرة جامدة:

"أنتم مضحكون جدًا، فعلاً. يجب أن تأخذوا هذا العرض في جولة."

عندها، انفتح باب المنزل بصرير خافت، والتفت الإخوة الثلاثة في آن واحد.

كانت إيلينا واقفة في المدخل، شعرها مبتل قليلًا من المطر، وعلى شفتيها ابتسامة ناعمة. جالت بعينيها في أنحاء الغرفة، حتى استقرت نظراتها على دايمن.

"هل أنت مستعد؟" سألت بلطف.

تردد دايمن لوهلة، ثم خطا نحوها.

"أجل."

وقبل أن يتجاوز شقيقيه، رفع ألكسندر يده ليوقفه.

"انتظر."

توقّف دايمن:

"ما الأمر الآن؟"

اقترب ألكسندر، وملامحه صارت جادة فجأة:

"فقط... كن طيبًا معها، حسنًا؟"

ثم أضاف بابتسامة خبيثة:

"ولا تُحرجنا بالبكاء إذا أمسكت يدك."

دفعه دايمن وهو يمرّ بجانبه:

"بالنسبة لشخص عاد من الموت... تبدو كمن يتوق إليه من جديد."

ابتسم ستيفان لإيلينا برقة:

"استمتعي... وشكرًا لأنك تحاولين مجددًا."

ردّت بابتسامة صادقة، تأثرت بها:

"شكرًا لك، ستيفان."

ثم خرجا، وأُغلق الباب خلفهما بهدوء.

حلّ السكون من جديد في المنزل، لكن هذه المرة لم يكن سكونًا حزينًا.

جلس ألكسندر إلى جانب ستيفان على الأريكة، وقال وهو يتنهد:

"تظن أنه سينجو من هذه الليلة؟"

ردّ ستيفان وهو يتأمل النار المتراقصة:

"أعتقد أن إن كان هناك من يستطيع جعل دايمن يتغير دون أن تقتله، فهي إيلينا."

أراح ألكسندر رأسه على الوسادة، محدقًا في السقف وهو يضحك بهدوء:

"ما زال من الغريب رؤيته هكذا."

"أجل." قالها ستيفان بهدوء. "لكن ربما... الغرابة شيء جيد بالنسبة لنا."

---

ومرّت الليلة ببطء.

عاد دايمن وإيلينا في وقت متأخر، دخلا المنزل بهدوء، تتردد ضحكاتهما الخافتة في أرجائه. كان هناك شيء مختلف في دايمن. ليس تغيرًا جذريًا، بل شيء صغير... كأن الظل الذي لازمه منذ موت ألكسندر قد بدأ يزول، ولو قليلاً.

في الطابق العلوي، جلس ستيفان بجوار نافذته، يحتسي البوربون، يراقبهما عن بُعد... وابتسامة خفيفة ترسم ملامحه.

أما في الأسفل، فكان ألكسندر واقفًا وحده في المطبخ، يتأمل داخل الثلاجة وكأنه يبحث عن شيء لا وجود له. لا طعام، ولا شراب... بل فقط شيء من الحياة الطبيعية.

سمع وقع خطوات خلفه.

"أمسية ناجحة؟" قال دون أن يلتفت.

أسند دايمن مرفقه على سطح الرخام:

"اخرس."

ابتسم ألكسندر:

"أنت تتوهّج."

"أنت تتوهّج." ردّ دايمن بحدة، وهو يسكب لنفسه شرابًا.

"أنا فقط سعيد لأنك لم تُفسد كل شيء... أو تبكِ."

أشار له دايمن بإصبعه الأوسط.

دخل ستيفان المطبخ عندها، ورفع حاجبه ساخرًا مما رأى.

"إذاً... نحن بخير؟"

تأملهم دايمن للحظة، ثم أومأ برأسه:

"أجل. أعتقد أننا بخير."

وهكذا وقفوا — ثلاثة إخوة — وسط نبض منزلٍ رأى الكثير من الألم.

لكن الليلة... الليلة كانت مكونة من حواف ناعمة، وأضواء دافئة، وانتصار هادئ لحب نجح في النجاة من العاصفة.

وربما... كان هذا كافيًا.

---

2025/05/30 · 6 مشاهدة · 1140 كلمة
نادي الروايات - 2025