الفصل 47: صيّاد في الظلال
حلّ الصباح ثقيلاً على ميستيك فولز. ارتدت السماء لون الرماد، وامتدت السحب على امتدادها كالكدمات، تنذر بعاصفة وشيكة—عاصفة في الهواء، وأخرى في الدماء.
داخل منزل آل سالفاتور، كانت الأجواء مشبعة بالتوتر.
انحنى دايمن فوق طاولة الطعام، التي تحوّلت إلى خريطة حربية مكتظة بالملفات، والخرائط، واليوميات القديمة، وصور مسارح الجرائم. كانت أصابعه تتبع دوائر حمراء مرسومة بالحبر حول مواقع متفرقة في ولاية فيرجينيا.
"ثلاث حالات اختفاء خلال الأسبوع الماضي. جميعها من بلدات لم تعد موجودة على الخرائط الحديثة. أماكن قديمة، معزولة، ذات جذور ضاربة في سحر السحرة."
قال ستيفان وهو يقلب صفحات كتاب جلدي: "سحرة... يبدو أنه عاد ليحصد قواهم. ربما ليزداد قوة. وربما لإتمام طقس معين."
دخلت بوني بصحبة كارولاين، تحمل كل منهما كتب تعاويذ وأجهزة تقنية حديثة. قالت بوني بنبرة قاتمة: "أو ربما الأمران معًا. لا يسعى فقط ليصبح أقوى. إنه يحاول إتمام شيء ما."
دخل ألكسندر الغرفة، مرتدياً ملابس سوداء، وهيئته لا تزال تحمل أثر الرهبة كانت نظراته أكثر حدة، وصوته أكثر عمقًا وثباتًا.
قال بنبرة هادئة: "تذكرت شيئًا آخر."
رفعت رؤوسهم جميعًا نحوه.
"حين هربت من إلياس، لم أهرب فحسب. أخذت شيئًا معي."
أخرج من الجيب الداخلي لسترته حجراً صغيراً أسود، ووضعه على الطاولة. كان الحجر يلمع بضوء خافت نابض بالحياة.
تحدث الكسندر " لقد وجدته في غرفتي مع بقية الأشياء خاصتي لم اعرف ماهو الا الان حيث تذكرته"
سأل دايمن متحفزًا: "ما هذا بحق الجحيم؟"
همست بوني، وقد اتسعت عيناها: "مرسى أرواح... من أين حصلت عليه؟"
ردّ ألكسندر: "من برجه. كان يستخدمه لحبس آلام أولئك الذين عذبهم. إنه مملوء بالصرخات، بوني... صرخات حقيقية."
تناولت بوني الحجر بحذر، ورفعته إلى قرب وجهها. "ثمة شيء آخر... مكان ما. أثر خافت لسحر يقودنا إلى مصدره."
أومأ ألكسندر: "إذاً فلنتبعه."
—
في ذلك المساء – على الطريق
كان صوت محرك السيارة الزرقاء يعلو فوق الطرق السريعة، يقودها دايمن، بينما جلس ستيفان إلى جواره، وألكسندر في الخلف يتأمل المناظر الخارجية بصمت.
سأل ستيفان: "هل نحن متأكدون من أنها ليست فخاً؟"
أجاب ألكسندر دون تردد: "لا. لكن لا يهم. هو يريدني أن آتي. وأنا أريده كذلك. الأمر متبادل."
قهقه دايمن بسخرية: "تبدو وكأنك تواعده."
ابتسم ألكسندر بخفة: "لقد أبقاني مقيدًا ثلاثين عامًا. تقنيًا قضينا وقتًا أكثر معًا من وقتك مع إلينا."
قال ستيفان باشمئزاز: "حقاً؟! لا تجعل تعذيبك يتحوّل إلى قصة حب."
قادهم أثر التتبع السحري الذي أنشأته بوني نحو الشمال، عبر غابات نسيها الزمن، لم تمر بها سيارة منذ عقود. وفي نهاية المطاف، توقفت السيارة أمام بوابة حديدية صدئة.
كان كل شيء خلفها صامتًا.
أشجار ميتة تصطف كحراس عظماء على جانبي الطريق. وعلى البوابة، ظهر الرمز ذاته الذي رأه ألكسندر في أحلامه—الذي كان منقوشًا على خاتم إلياس: دائرة مقطوعة بخنجر.
وبمجرد عبورهم العتبة، انخفضت درجة الحرارة.
تمتم ستيفان: "هذا المكان تفوح منه رائحة السحر القديم."
ساروا معًا، والأرض ترتجف برقة تحت أقدامهم، كما لو أن شيئًا دُفن في الأعماق منذ زمن بعيد.
وكان إلياس... مستيقظًا.
—
داخل الخرائب
كان المكان معبدًا، أو ما تبقى منه. أعمدة حجرية متشققة مائلة، وأغصان متسلقة كأنها أصابع ميتة. لكن الهواء هناك كان مشحونًا بطاقة غريبة—كالكهرباء قبل البرق بلحظات.
همس ألكسندر: "أعرف هذا المكان..."
تقدم ببطء، تطأ قدماه أوراقاً يابسة، وعيناه تجوبان الأطلال.
"هنا... هنا وضع لعنته عليّ أول مرة. كل شيء يعود إليّ الآن."
اقترب من مذبح حجري منخفض. وفي وسطه، خنجر مصنوع من العظم وحجر السج، لا يزال في مكانه، وكأنه لم يُمس منذ قرون.
قال بصوت خافت: "طعنني به."
تفحّص دايمن المكان بعينيه: "هل أنت متأكد أنه ليس هنا الآن؟"
ردّ ألكسندر: "أنا متأكد أن—"
صوت ارتطام معدني قطع كلماته.
استدار ستيفان نحو المصدر، لكنه لم يرَ شيئًا.
ثم، تحدّثت الريح.
صوتٌ عميق، أجوف، عتيق، تردد صداه من كل اتجاه.
"أحضرتهم إلى هنا، أيها الفتى..."
استداروا جميعًا.
"أحضرتهم إلى قبري."
خرجت هيئة من الظلال خلف قوس حجري متهالك. معطف أسود، وعيون شاحبة تتوهج بلون أحمر، وسيفان بيديه. لكنه لم يكن إلياس فحسب.
لقد... تغيّر.
همس دايمن: "يا للجحيم... أهو..."
قال صوت بوني عبر سماعة ألكسندر: "إنه يتغذى على الأرواح المنسية. أشعر بها. الآلاف منها."
قال ألكسندر وقد اشتد صوته: "إذاً، فلنقطع عنه مصدره."
لكن إلياس رفع يده—واهتزت الأرض.
ومن بين الشقوق، بدأت جثث تزحف صعودًا. كائنات مشوّهة، ليست بشرًا، ولا موتى بالكامل. بقايا فرائسه السابقة.
قال ألكسندر: "إنهم ليسوا حقيقيين. مجرد ظلال... مثله."
استل ستيفان سيفه. جهّز دايمن قاذف الأوتاد. وقال: "فلنحرق الظلال."
واندلعت المعركة.
—
بعد عشرين دقيقة
انتهت الموجة. تغطّت الحجارة بالدم—بعضه حقيقي، وبعضه لا. بقي إلياس واقفًا، لا يمسه سوء، يحوم فوق الأرض ببوصات.
هتف: "لا يمكنكم الانتصار. وُلدت من الخيانة، وتغذّيت على الألم، وتشكلت من قرون من الموت. أنتم... مجرد بشر."
تقدم ألكسندر، يلهث، لكن خطواته ثابتة. "أنا لست وحدي. أنا من آل سالفاتور."
واندفع نحوه، مصطدمًا به في الهواء، حتى اهتزّ الهيكل بأكمله من شدّة الصدمة. هرع الآخرون للمساعدة، لكن سحرًا عظيماً اندفع كقبة، حاصر الاثنين بداخلها.
صرخ ستيفان وضرب القبة بقبضته: "لا!"
لكن صوت بوني عاد من السماعة: "دعوهم... هذه المواجهة، لا يستطيع خوضها إلا ألكسندر."
داخل القبة، كان الصراع ملحميًا. سحر في مقابل غضب. كراهية قديمة تصطدم بعزيمة متجددة. تكسّرت العظام، وتفجّرت التعويذات، وتوهّج البرق.
وفي النهاية، اخترق خنجر إلياس كتف ألكسندر.
لكن ألكسندر ابتسم.
وغرس يده في صدر إلياس—قابضًا على مرسى الأرواح الذي خبأه في معطفه، ودفعه في قلبه مباشرة.
صرخ إلياس—صرخة طويلة، وحشية، غير بشرية—واهتزّ المعبد بأكمله.
همس ألكسندر: "تذكّر ألمي."
وانفجر المرسى بالنور.
وتحوّل إلياس مارو إلى رماد.
—
عادوا محطمين، مرهقين.
لكن إلياس اختفى.
على الأقل... الآن.
تمدد ألكسندر على الأريكة، هذه المرة وقد بدأت جراحه بالشفاء. ناوله دايمن كوبًا من الشراب.
قال دايمن بهدوء: "أنت مجنون... لكنني سعيد لأنك منّا."
ابتسم ستيفان بخفة: "مرحبًا بعودتك، أخي."
رفع ألكسندر كأسه.
وقال: "للموتى."
وتناغمت الكؤوس.
وفي الخارج، حملت الرياح الصرخة الأخيرة لإلياس مارو... إلى صمت الأبد.
....
كان السّماء فوق ميستيك فولز ملبّدة بالغيوم، والمطر الخفيف ينساب على نوافذ منزل آل سلفاتور، كأنّ العالم نفسه يحبس أنفاسه، ينتظر ما لا بد أن يتحطم. في الداخل، كان صوت الحطب المتوهج يهمس في الموقد، يرسم ظلالًا مرتجفة على أرضية الخشب الداكن.
جلست بوني إلى جوار ألكسندر على الأريكة، ويداها معقودتان بإحكام في حجرها. التزمت الصمت طويلاً، والكلمات تتكوّن وتتفكك في عقلها كزجاج هش. أما ألكسندر، فبدا ساكنًا، أصابعه متشابكة باسترخاء، لكن عينيه... تلك العيون الغارقة في الظلال، لم تكن تعرف الهدوء.
همست بوني أخيرًا، بصوت خافت بالكاد يسمع:
"لا أريد أن أفقدك... ليس بعد كل هذا."
التفت نحوها ببطء، ونظر إليها كأنها الحقيقة الوحيدة الباقية في عالم يعج بالأشباح. ثم قال بلطف، وابتسامة بالكاد ظهرت على شفتيه:
"لن تفعلي."
هزّت رأسها بخفة، ودمعة تلوح في طرف عينها:
"لا يمكنك أن تعدني بذلك. ليس وأنت تشتعل من الداخل بهذا الشكل."
تريث قبل أن يجيب، وساد بينهما صمت ثقيل، محمّل بكل ما لم يُقل. مدّ يده نحو يدها، وجعل إبهامه يمر برفق على مفاصل أصابعها، كأنه يحاول تثبيت اللحظة.
"لن أكذب عليكِ، بوني،" قال بصوت منخفض. "في كل مرة أغمض فيها عيني، أراه. أرى ما فعله بي. الألم، القيود، القرون التي سرقها مني... إنه جحيم لا ينطفئ. لكنني أراك أيضًا. وأرى ستيفان، ودايمن. أرى ما لدي الآن. وهذا ما يمنعني من أن أصبح ما أرادني أن أكونه."
امتلأت عينا بوني بالدموع.
"لست مضطرًا أن تواجه هذا وحدك."
"أعرف،" همس، وهو يبعد خصلة شعر عن وجهها. "ولست وحدي بعد الآن."
مالت إليه، وأسندت جبينها إلى جبينه، وفي تلك اللحظة القصيرة، تذوّقا طعم السلام.
---
في المطبخ، كان ستيفان يذرع الأرض ذهابًا وإيابًا أمام المنضدة، بينما دايمن يتكئ على سطحها، ممسكًا بكأس من البوربون.
"هو ليس كما كان، دايمن،" قال ستيفان بصوت منخفض، لكن حاد. "رأيت ما حدث الليلة الماضية. لم يكن انتقامًا فقط... كانت غضبًا، غضبًا قديمًا ونقيًا."
ارتشف دايمن من كأسه، وفكه مشدود:
"أعرف. لكن ماذا تريدني أن أقول؟ إنه أخونا. وأتفهمه. لو أن أحدًا فعل بي ما فعله إلياس به، لكنت أحرقت العالم كله انتقامًا."
عبس ستيفان:
"وهذا بالضبط ما يخيفني."
ساد صمت ثقيل. حرّك دايمن شرابه في الكأس بتأمل.
"أفكر في شيء..." تردد ستيفان قبل أن يتابع، "ماذا لو فقدناه مجددًا؟ ماذا لو تجاوز خطًا لا يمكننا إعادته منه؟"
وقبل أن يجيبه دايمن، انفتح باب المنزل الثقيل ببطء.
دخل ألكسندر، عينيه... كانتا هادئتين على نحو مريب. كأن العاصفة داخله هدأت مؤقتًا، لتجمع قوتها من جديد.
توقف لحظة وهو ينظر إليهما، يقرأ وجهيهما كما لو كانا كتابًا مفتوحًا.
"أنتما قلقان عليّ،" قال بابتسامة متعبة، "ويجب أن تكونا كذلك."
رفع دايمن حاجبه ساخرًا:
"هذا مطمئن فعلاً."
لكن ألكسندر تابع وهو يقترب منهما:
"لم أفقد نفسي بعد. ولن أفعل. لدي ما يستحق أن أقاتل من أجله."
راقبه ستيفان مليًا، وجهه لا يكشف شيئًا.
"وكيف يمكنك أن تكون واثقًا؟"
نظر ألكسندر نحو غرفة الجلوس، حيث جلست بوني، بالكاد تُرى من مكانه، ثم قال بهدوء:
"لأنني، ولأول مرة في حياتي، أملك شيئًا يستحق أن أعود إليه."
عاد التهكم إلى وجه دايمن:
"آمل أن لا يكون هذا تشبيهًا لطعام بوني."
ضحك ألكسندر بخفة، والضحكة حملت دفئًا خفيفًا بدّد برودة الغرفة.
"لا،
" قال. "إنه أنتم. عائلتي. لقد عشت وحيدًا لوقت طويل. ولن أسمح ل الياس أن يأخذ هذا مني أيضًا."
وفي تلك اللحظة، وعلى الرغم من اللهيب الذي لا يزال يشتعل في روح ألكسندر، وقف الإخوة الثلاثة معًا، صفًا واحدًا... مستعدين لمواجهة ما هو آتٍ.
---