الفصل 49: غضب المنسيّ
اهتزّت الأرض بعنف.
تشقّقت الأشجار إلى نصفين، وفرّت الطيور من السماء. كان صوت الاصطدام الأول بين ألكساندر وإلياس مارو أشبه بزئير الحكام
يشقّ سكون العالم بلا رحمة.
في ميستيك فولز، توجّهت أنظار الناس نحو الغابة، حيرةً وخوفاً يملأ وجوههم. أما في نيو أورلينز، فسقط كأس النبيذ من يد ريبيكا وهي تتسمّر في مكانها، وقد اخترق صراخٌ السماء كحدّ السيف.
كول قُتل. جوزيبي قُتل.
لكن إلياس — إلياس مارو، الساحر المنسيّ، ومعذِّب روح ألكساندر — لا يزال على قيد الحياة.
وقد وجده ألكساندر أخيرًا.
---
كانت معركتهما تحفر حُفَراً في الأرض، وتُشعل النار في الأشجار، وتُجبر الظلال على الانسحاب من شدّة الهيجان. كل ضربة يوجّهها ألكساندر كانت عقابًا مؤجلًا لسنوات طويلة.
إلياس ينزف سوادًا.
ألكساندر ينزف دمًا.
لكن لا أحد منهما يسقط.
قال إلياس وهو يضرب مخالبه على صدر ألكساندر، قاطعًا جلده: "كنت لا شيء... مجرد فتى ضعيف لُعن على يد رجالٍ أقوى. أنا مَن صنعك. أنت مدين لي بقوتك."
أمسك ألكساندر بمعصمه في منتصف الضربة، وسحقه بيده حتى انكسر العظم تحت الضغط. "إذن سأرد لك الدين... بموتك."
ثم وجّه لكمة إلى بطن إلياس بقوة جعلته يطير إلى الخلف، محطمًا شجرتين قبل أن يسقط على الأرض ويتقيأ دمًا.
انشقّت السماء بصاعقة برق، وكأنّ السموات ذاتها تراقب هذا الحساب.
---
في نيو أورلينز
خرج إيلايجا إلى الشرفة، عيناه تضيقان مع الصوت الخافت الذي اخترق سحر المدينة.
"هذه ليست عاصفة عادية"، همس.
انضمت إليه ريبيكا، ووجهها شاحبٌ كالأشباح. "هل... هل هو ألكساندر؟"
أومأ إيلايجا. "إنه يقاتل إلياس. دايمن ارسل لي الاخبار بالفعل"
من الطرف الآخر لساحة القصر، خرج كلاوس، وفكّه مشدود كالحجر. "ويبدو أن الجحيم ذاته قد فُتح."
همست ريبيكا: "هل يجب أن نذهب؟"
قال إيلايجا بوقار: "هذه ليست حربنا... إنها حربه هو."
أومأ كلاوس. "وحربٌ عليه أن يخوضها وحده."
---
استدعى إلياس خيوطًا سوداء من القوة القديمة من أعماق الأرض، لتقيّد ذراعي ألكساندر. زمجر: "أنت قوي... لكنك ما زلت ذلك الفتى الملعون الذي جعلته يصرخ في الظلام."
مزّق ألكساندر القيود، وعيناه تشتعلان بنارٍ غير بشرية. زمجر بصوتٍ أجش: "لا... أنا الرجل الذي نجا منك."
قفز نحوه، مخالبه تمزّق، قبضتاه تضرب، وأنيابه مكشوفة.
لم يعودا يشبهان البشر. كانا تجسيدًا للغضب، جسدًا من الدم والعظام والحقد المتفجّر. أظلمت السماء فوقهما، يعلوها الرعد من غير سبب طبيعي.
كل لكمة كانت تهزّ الأرض.
وكل صرخة كانت تشقّ الهواء.
كانت صورتهما مجرد ظلالٍ تمزّق بعضها في دوامة من الانتقام والألم.
-
وقف الأخوان سالفاتور على أطراف الغابة، أسلحتهما لا تزال في أيديهما، يراقبان الأفق المشتعل.
ضيّق دايمن عينيه وقال: "هل تظن أنه سينجو من هذا؟"
لم يُجب ستيفان لوهلة، ثم قال بهدوء: "لا أدري."
كانا يسمعانها — الصرخات، والزئير، والانفجارات المتقطعة لطاقة عارية من الرحمة. كانت الأشجار تشتعل في البعيد، ووميضٌ أحمر وذهبي يلوح في الأفق. الحيوانات تهرب من الغابة برعب، والأرض ترتجف تحت أقدامهم، كما لو أن شيئًا قديمًا ينهض من نومه.
التفت ستيفان إلى دايمن. "إن فاز... هل سيعود كما كان؟"
زفر دايمن ببطء. "لا أظن أنه سيعود كما كان أبدًا."
---
الان كان ألكساندر مشتعلًا.
ليس نارًا حقيقية، بل نار الغضب، والذاكرة، والألم المدفون في الأعماق. زأر وهو يُسقِط إلياس أرضًا، ويوجّه قبضته إلى وجهه مرة تلو الأخرى، حتى تصدّع العظم، واندفع دم إلياس الأسود كالحبر على الأرض.
ضحك إلياس رغم كل ذلك، حتى ووجهه يتحطّم.
لهث قائلًا: "أتظن أن قتلي سيحررك؟ ستظل لي للأبد. حقدك هديتي لك."
كشر ألكساندر عن أنيابه: "إذن خذها معك."
ومع صرخة أخيرة، غرس يده في صدر إلياس، وأمسك القلب المتعفّن المحترق للدم الملعون، واقتلعَه.
وكان الصراخ الذي أطلقه إلياس يُسمَع في ولاياتٍ بأكملها.
لم يكن صراخًا بشريًا.
ولا كان صراخ كائنٍ فانٍ.
بل كان شيئًا قديمًا يُمحى من الوجود.
وقف ألكساندر، غارقًا في الدماء، والقلب لا يزال في قبضته، ينظر إلى السماء بينما خيّم الصمت على الغابة.
لقد انتهى الأمر.
لقد انتصر.
لكن... بأي ثمن؟
انقضت العاصفة.
السماء، التي كانت تمزّقها الرعود وصراخ الغضب، خمدت بشكل غريب. لم يتبقَ سوى نسيمٍ خافت يهمس عبر الغابة المحطّمة، حاملاً معه رائحة الدم—ثقيلة، معدنية، لا نهاية لها.
القبة السحرية القديمة، المشحونة باللعنة، والتي كانت قد أطاحت بستيفان ودايمن أثناء المعركة، تصدّعت أخيرًا بصوتٍ يشبه تحطّم الزجاج. تناثرت شظايا الحاجز غير المرئي كأنها شرارات، وذابت في مهبّ الريح.
ترنّح دايمن نحو الأمام، وستيفان خلفه مباشرة.
"ألكساندر!" خرج صوت دايمن أجشًّا، تغلّفه نبرة هلع.
اخترقا الصف الأخير من الأشجار—ثم تجمّدا في مكانهما.
الأرض قد تلوّنت بالدم. بِرك من القرمزي والسواد انسكبت فوق التراب الممزّق. الأشجار تحوّلت إلى جذوع محترقة. والحفر تملأ المكان كما لو أنّ نيازك قد هوت من السماء.
وفي قلب كل هذا...
كان ألكساندر مسجًى بلا حراك.
مستلقيًا على ظهره، مغمورًا بالدماء والرماد، قميصه ممزّق، وصدره ساكن لا يتحرك. وجهه كان مائلًا قليلًا نحو السماء، يحمل تعبيرًا هادئًا... هادئًا أكثر من اللازم.
"لا..." انطلق ستيفان يعدو، يتعثّر فوق الأرض المحطّمة.
ولحقه دايمن، والخوف يخنق أنفاسه.
سقطا بجواره.
"أليكس..." همس ستيفان، يهزّه برفق.
لا ردّ.
"ألكساندر، استيقظ." اهتزّ صوت دايمن. "لقد انتهى الأمر. لقد فعلتها. فقط... استيقظ."
لكن لا شيء.
صدره لم يتحرك.
ولا نبض.
ارتعشت يدا ستيفان وهو يضع أذنه على صدر ألكساندر، يُصغي، ينتظر، يأمل.
صمت.
لا حتى ومضة حياة.
رفع ستيفان رأسه، وعيناه تتّسعان رعبًا. "إنه لا يتنفّس."
نظر دايمن إلى شقيقهما—ذاك الذي عاد من الموت، والذي اجتاز لعنةً جثمت على روحه، والذي وقف شامخًا فوق الجميع في أحلك الليالي—وفجأة، شعر كأنه مراهقٌ صغير من جديد. عاجز. تائه.
قال بصوت خافت: "لقد استخدم كل شيء... أحرق نفسه من الداخل فقط لينتصر."
نظر ستيفان حوله—إلى ساحة المعركة المبلّلة بدماء حمراء وسوداء، إلى بقايا جسد إلياس المتناثرة. "فعل هذا وحده."
ثم همس، وكأنّه يصلّي: "لقد أنقذنا جميعًا."
---
في ميستيك فولز
نهضت بوني فجأة من فراشها. لم تستطع النوم الاصوات
القتال
الصراخ
كل شي كان مسموع لها وفي النهاية
كان هناك صراخ قد دوّى في أعماق عقلها—ليس صراخ ألم، بل صراخ نهاية.
"ألكساندر..." شهقت، ويدها تُطبِق على صدرها.
لم تنتظر.
أمسكت مفاتيحها، سترتها، وانطلقت من المنزل راكضة.
---
في ساحة المعركة
جلس دايمن بجانب ألكساندر، يُزيح الدماء والرماد عن وجه شقيقه.
"أيها الأحمق العنيد..." قال بهدوء، وصوته يرتجف. "لم تستطع فقط... أن تنتصر وترحل، أليس كذلك؟"
جثا ستيفان بجانبه، واضعًا يده على أصابع ألكساندر الباردة.
كم من الكلمات لم تُقَل...
وكم من الأمور لم تُنجَز.
همس دايمن: "كنتُ أنا من يفترض أن يكون المتهوّر... وأنت من كان يجب أن يعود للمنزل."
هزّ النسيم أوراق الأشجار فوقهم.
ثم... صوت—خافت للغاية.
نَفَس.
رفع ستيفان رأسه بسرعة. "هل سمعتَ ذلك؟"
اقترب دايمن أكثر.
صدر ألكساندر تحرّك—ببطء، بالكاد يُرى. وشفتيه انفصلتا بأنّةٍ واهنة.
"أليكس؟" انحنى دايمن فوقه. "مرحبًا... هل تسمعني؟"
نَفَسٌ آخر. ضعيف. متقطّع. لكنه حقيقي.
امتلأت عينا ستيفان بالدموع. "إنه حي."
لم يتكلّم ألكساندر، ولم يتحرك أكثر من ذلك النفس. لكنه كان يقاتل، متمسّكًا بالحياة بما تبقّى له من قوة.
نهض دايمن. "نحتاج إلى بوني. فورًا."
قال ستيفان وهو يُخرج هاتفه ويداه ترتجفان: "سأتّصل بها."
---
بعد دقائق
اندفعت بوني إلى الساحة، وقلبها يكاد يخرج من صدرها.
وعندما رأت ألكساندر ملقى هناك، بالكاد يتنفّس، مغطىً بالدماء، انكسر شيء في روحها.
"لا..." ركضت لتسقط بجانبه. "أرجوك، لا."
سحبها دايمن برفق إليه. "إنه لا يزال حيًا. بالكاد."
وضعت بوني يديها فوق صدره، وسرعان ما اشتعل سحرها بداخله.
همست والدموع تبلّل وجهها: "لا يمكنني إصلاحه... لقد استخدم الكثير... مزّق روحه ليقتل إلياس."
قال ستيفان: "لكن يمكنك إبقاؤه هنا... هذا كل ما نحتاجه الآن. فقط حتى نجد حلاً."
أومأت بوني برأسها، وطاقتها بدأت تُحيط بألكساندر كشرنقةٍ من الدفء والنور الذهبي.
"أنا هنا..." همست. "هل تسمعني، أليكس؟ أنا هنا."
وشفتيه، بالكاد تتحركان، افترقتا من جديد.
وهذه المرة، خرجت كلمة واحدة، مكسورة، مبحوحة:
"بوني..."
---