الفصل 64 : وعد مظلم
كان هواء الليل مشحونًا بالتوتّر، كثيفًا إلى درجة بدا معها كأن السماء نفسها تحوّلت إلى حجر. النجوم التي اعتادت أن تراقب ميستيك فولز بصمت، كانت الليلة خافتة، كأنها خائفة مما يحدث تحت ضوئها. لقد تلاشت السكينة المعتادة في المدينة، بعدما لطّخ دم فتاة بريئة الأرض التي وقفوا عليها. كانت الموسيقى قد خمدت منذ زمن، واستُبدلت بسكونٍ رهيب، سكونٍ يلتصق بالهواء كالشبح.
وقف ألكسندر في قلب الحشد، يحتضن جسد بوني بين ذراعيه. ملامحه تحجّرت، لا حياة فيها. عيناه — اللتان لطالما امتلأتا بظلمة تشكّلت عبر قرون من الألم — صارتا خاويتين، لا أثر فيهما لما يمكن أن يُدعى إنسانية. الغضب الذي اعتمل في داخله كان أشبه بحريق هائج، لكنه لم يكن مجرد غضب. لقد كان شيئًا أقدم... وأعمق.
أولئك الذين شهدوا قوّته من قبل، من رأوه يقاتل بعنفه المذهل، لم يروه يومًا بهذا الشكل. بدا وكأن أرواح آلاف الموتى جثمت على كتفيه. كان جسده مشدودًا، وكل خلية فيه ترتجف تحت وطأة الطاقة التي يحاول كبحها — وللمرة الأولى، كان ألكسندر يحارب رغبته في إطلاقها.
لكنه لم يكن متأكدًا بعد إن كان يريد أن يكبحها أصلًا.
رفع عينيه إلى السماء الداكنة فوقه، يبحث... وربما يتضرّع. لسببٍ يجعله يتراجع. لذريعة تنقذ هذا العالم من طوفان غضبه، من الدمار القريب. كان صدره يعلو ويهبط بأنفاس متثاقلة، والكون بأسره بدا صغيرًا، ضئيلًا، بينما تجوّلت نظراته على وجوه من كان يظنهم يومًا عائلته.
دايمن، ستيفان، عائلة مايكلسون، أصدقاء بوني المقرّبين... كلّهم تجمّدوا في أماكنهم، يحدقون به، كأنهم هم أيضًا يهابون العاصفة التي كانت تتشكّل بداخله. لم يفهموه. كيف لهم أن يفهموا؟ لم يعش أحدهم ما عاشه، لم يحمل أحدهم لعنةً كادت تمحو إنسانيته عبر العصور.
وفي تلك اللحظة، تكلّم ألكسندر.
«سأحوّل هذا العالم إلى رماد.»
تردّدت كلماته في الهواء كناقوس موت.
عمّ الصمت. ظلّ ثقيل خيّم على الجميع. ومن تجرّأ منهم على النظر إلى ألكسندر، رأى — بأمّ عينه — ذلك الغضب وهو يشق طريقه إلى السطح، العاصفة التي كانت تختمر تحت هدوئه. القوة التي تشعّ منه الآن كانت لا تخطئ، أشبه بشمسٍ قبل الانفجار، عظيمة لا يمكن كبحها. كانت تلتفّ حوله كدخانٍ أسود، كثيف، مشبع بطاقة خبيثة.
ثم، وكأن العالم حبس أنفاسه، فتح ألكسندر فمه.
لحظة صمت طويلة.
خمس ثوانٍ.
الهواء ارتجف تحت ثقل التوتّر، كثيفًا خانقًا.
ثم، كما لو أن سدًا قد انهار، انطلق زئيرٌ من صدره.
زئير لا يمتّ للبشر بصلة.
كان غضبًا صافيًا، مجرّدًا، متفلّتًا من أي عقل. صرخة شقّت السماء، وأهتزّت لها الأرض تحت أقدامهم. صرخة وحش، مخلوق ابتلعه الغضب حتى النخاع، وارتجف له الكون بأسره. تردّدت عبر الليل، وارتدّت من الأشجار، والمنازل، والجبال، حاملة في طياتها أصداء قرون من الألم والفقد والمعاناة.
الأرض بدأت تهتزّ.
القوة التي خرجت من ألكسندر اندفعت كموجٍ عاتٍ، تضرب كل شيء في طريقها. الهواء نفسه صار كثيفًا، مشحونًا بغضبه. السماء التي كانت تزدان بالنجوم، أظلمت، كأنها عجزت عن مواكبة ما يحدث تحتها. ومضت برق خاطف في البعيد، لكنه لم يكن شيئًا مقارنة بالعاصفة التي كانت تغلي داخله.
دايمن وستيفان وقفا بلا حراك، أعينهما متوسعة، وقلوبهما تخفق بعنف. لم يعودا يميزان هذا الشخص أمامهما. لم يكن الأخ الذي ابتسم في وجه الألم، ولا ذاك الذي وجد قوّته في لحظات الانكسار. ما رأياه كان شيئًا آخر. شيئًا أعمق ظلمة. وأخطر.
ولا أحد يستطيع إيقافه.
المايكلسون — كلاوس، إيلايجا، وريبكا — وقفوا على أطراف الجمع، وملامحهم مستعصية على الفهم. حتى كلاوس، الذي وُلدت من سلالته أهوال لا تُحصى، تراجع خطوة إلى الوراء. لقد تجاوز الأمر حدود فهمه.
أما سام ودين وينشستر، وقد واجها وحوشًا لا تُعد، فقد نظرا إلى ألكسندر بخوفٍ مهيب. لقد شعرا، بحدسهما، أنهما يقفان أمام شيء أكبر من كل ما عرفاه. كما لو أن قلب الأرض ذاته كان يرتجف، وكأنهما شهدا ولادة شيءٍ أشد ظلامًا من أي شيء واجهاه يومًا.
وكان موت بوني هو ما فجّر كل هذا.
حب ألكسندر لها، أمله في مستقبل معها، سُلب منه في لحظة. وما تبقّى، لم يكن سوى روح مكسورة، مشتعلة، تصرخ طلبًا للثأر.
تشنّجت قبضتاه، وارتجف جسده تحت وطأة الغضب العارم. أنفاسه خرجت ثقيلة، كعاصفة تمزّق السماء، وعيناه — اللتان لطالما كانتا مليئتين بالمعنى — أصبحتا جامحتين، مجنونة بالحزن والغضب.
رفع رأسه، وعيناه تضيقان بشراسة. الأرض تحت قدميه تشقّقت، وتفتّحت، كأنها لم تعد تحتمل ما في داخله من عذاب.
«سأحرق هذا العالم بالكامل،» كرّر، لكن صوته هذه المرّة لم يكن همسًا... بل وعدًا. «حتى لا يبقى فيه شيء.»
والزئير الذي أطلقه بعد ذلك، لم يكن من أجل بوني فقط.
بل من أجل كل شيء.
من أجل كل خيانة. كل ندبة. كل لحظة ألم. كل شخص أحبّه وخسره.
لقد كان إعلانًا. تحذيرًا.
ألكسندر سالفاتور لن يتوقّف.
لن يهدأ... حتى يأخذ من هذا العالم كل ما أخذه منه.
حتى الان
حتى بعد ان توقف صوته
حتى بعد ان اختفى الزئير
لا يزال الصدى يتردد عبر أطلال ما كان يُفترض أن يكون زفافًا جميلاً. صرخة ألكسندر لم تُمزق ميستيك فولز فحسب، بل مزقت الواقع ذاته. الأرض تشققت، الأشجار انحنت إلى الوراء كما لو كانت تُحيي حاكم جديدًا، وفرّت الحيوانات من الغابة المجاورة، وتبعثرت الطيور في السماء كأوراق تتلاعب بها العاصفة. ولأول مرة منذ تأسيس البلدة، بدا الصمت مميتًا.
تحرك الجميع غريزيًا — بعضهم اندفع لحماية أحبائه، وبعضهم الآخر اقترب بحذر، وكأن القرب يمكن أن يمنحهم فهمًا لما حدث. لكن لا أحد، حتى الأصليون، استطاع أن يخطو نحو ألكسندر الآن.
لأنه لم يعد ألكسندر.
بل أصبح الغضب ذاته.
كان واقفًا وحده في وسط الحديقة الملطخة بالدماء، جسد بوني لا يزال بجوار قدمه . عيناه لم تعدا بشريتين. لم تعودا حتى عيني مصاص دماء. بل أصبحتا شيئًا لا يفهمه أحد. سوادٌ محض، ظلمةٌ التهمت بياض روحه منذ زمن، دون أن ينتبه أحد.
"ألكسندر!" صرخ ستيفان، متقدمًا خطوة، يحاول — بيأس — أن يعيد أخاه إلى شيء... إلى أي شيء. "انظر إليّ! أنا ستيفان!"
لكن ألكسندر لم يجب.
لم يرمش.
لم يتنفس.
ثم تحرك — لا كإنسان، بل كقوة خارجة عن الطبيعة. الهواء من حوله التوى، حارًا وعنيفًا. نبضة من السحر والغضب دفعت بستيفان إلى الوراء مسافة عشرة أقدام. أمسك به دايمن قبل أن يصطدم بدرجات الحجر.
"هل أنت بخير؟" تمتم دايمن.
"لا. لا أحد بخير،" همس ستيفان.
مدّت إلينا يدها وأمسكت بيد دايمن، بينما تراجعت كارولاين ببطء. حتى كلاوس، بكل قوته القديمة وغروره، رمق ألكسندر بنظرة امتزج فيها الخوف بشيء لم يُرَ في عينيه منذ قرون.
"هذا سيئ،" قال إيلايجا بصوت خافت.
"بل أسوأ من سيئ،" تمتمت ريبيكا. "إنه نذير نهاية العالم."
ولم يكونوا وحدهم في إحساسهم بذلك.
نيويورك — منتصف الليل — نادي لوكس
الأضواء خافتة، والموسيقى تنبض كقلبٍ متمرد في أرضية النادي المصقولة، لكن لوسيفر مورنينغستار كان صامتًا. كأس الويسكي أمامه لم يُمسّ، وهو ينحني للأمام، عيناه تضيقان.
لقد سمعها.
الصرخة.
ليس بأذنيه البشريتين، بل بذلك الجزء من كيانه الذي لا يزال يذكر السماء. الذي لا يزال يعرف ما يفترض أن يشعر به الملائكة حين يمسّ شيءٌ غير طبيعي الأرض. لم تكن مجرد صرخة. بل كانت شرخًا في توازن الوجود.
وقف لوسيفر ببطء، وقد غابت ابتسامته المعتادة، ليحل محلها شيء نادر: الحذر.
"هذا ليس أمرًا تسمعه كل يوم،" تمتم، وهو يعدّل سترته. "ما الذي يفعله أبناء سالفاتور بحق الجحيم؟"
رفعت ميز نظرها من كأسها. "أنت شعرت به أيضًا؟"
"أوه، نعم. هناك روح قد تكسرت... وما تبقى منها يريد أن يُحرق الكون بأسره."
(ملاحظه هامه: ربما يتساءل البعض
لوسيفر هذا ليس لوسيفر من عالم supernatural
ولكن سام و دين موجودين
اذا كيف حدث ذلك. الاجابه بسيطة
لوسيفر مورنينغستار هو الاصل . لوسيفر من عالم supernatural ليس الاصل حقا )
العودة إلى ميستيك فولز — الحديقة
تقدم دين وينشستر خطوة إلى الأمام. "ألكسندر، أعلم أنك لا تزال هناك. لقد حاربت ما هو أسوأ من هذا. ونجوت."
لا إجابة.
حاول سام بعدها. "مهما كان هذا — أيًا كانت القوة التي تتملّكك الآن — يمكننا مساعدتك. لقد نجوت طوال هذه السنوات لسبب ما."
ولا شيء.
حتى التفت ألكسندر برأسه.
لم يكن التفافه سريعًا. ولا بطيئًا. بل بدا... محسوبًا. كحيوان مفترس التقط حركة في الظل.
ثم — ابتسم.
لكنها لم تكن ابتسامة دفء أو حنان.
بل كانت ابتسامة حرب.
"أنا لست ممسوسًا،" قال أخيرًا، بصوت متشقق، عميق، وكأن الأرض نفسها مزقتها الصرخات لتلفظه. "هذا أنا."
قبض ستيفان يديه. "لا، ليس هذا أنت. لا بد أنك لا تزال بداخله —"
"لقد دفنته،" قال ألكسندر، متقدمًا خطوة. الأرض تحت قدميه احترقت. "دفنت ذلك الرجل الذي سمح للحب بأن يضعفه. الذي ابتسم، وضحك، وأمّل. دفنته إلى جوارها."
تقدم دايمن بدوره. "وماذا أصبحت إذًا؟"
توقفت نظرات ألكسندر عنده.
"أنا ما تبقى."
اندفعت قوة لا توصف من كيانه كموجة عاتية. الأشجار انحنت، المصابيح انفجرت، نوافذ البيوت القريبة تهشمت. العالم بأسره بدا وكأنه يرتجف منه.
هز ستيفان رأسه. "لا بد من وسيلة للوصول إليه."
"لقد تجاوزنا مرحلة الوصول إليه،" قال كلاوس بصوت غامض. "علينا أن نحتويه."
"حاولوا،" همس ألكسندر، رافعًا يده.
انفجرت كرة من اللهب الأسود، بالكاد أفلت ستيفان منها. دايمن احتضن إلينا ليحميها. كارولاين طارت نحو ذراعي كلاوس.
ورأى الأصليون الحقيقة — لم يكن هذا مجرد حزن.
بل كان شيئًا كونيًا.
كان لوسيفر مورنينغستار بالفعل في طريقه.
لأن حتى الجحيم بدأ يهمس.
شيء قد استُيقِظ.
وكان يرتدي وجه ألكسندر.
---