الفصل 69: عودة الظلال
كانت الريح ناعمة في ذلك الصباح.
أوراق الشجر ترقص بكسل في الهواء، تتمايل مع ضوء القمر الفضي الذي انساب من بين أغصان أشجار منتزه ميستيك فولز. وفي القلب من كل ذلك، انتصب تمثال ألكسندر سالفاتور شامخًا—مهيبًا، فخورًا، وأبديًا لا تهزمه الأيام.
وقف ستيفان، دايمن، كارولاين، إيلينا، ألارك وعدد قليل من الآخرين أمام التمثال في صمتٍ مهيب. لقد أصبحت هذه لحظة سنوية مقدسة—في هذا اليوم من كل عام، يجتمعون ليتذكروه. لا كأخٍ أو صديقٍ أو منقذٍ فقط، بل كرجلٍ قدّم كل شيء طواعية… كي يعيشوا هم.
لم يتخلّف أحدٌ عن هذه الذكرى قط.
وبينما وقفوا في خشوع، شبك دايمن ذراعيه وأمال رأسه قليلًا، قائلاً بصوتٍ خافت وهو ينظر الى التمثال ب اعين هادئة و ساخره بنفس الوقت
"تعلمون… كان سيكره هذا التمثال."
ضحك ستيفان وهو ينظر الى اخيه ثم الى التمثال "نعم، كان ليُسقطه بنفسه."
رشف ألارك من قارورته وتمتم: "ومع ذلك… يستحقّه."
ثم خفتت الضحكات شيئًا فشيئًا، وعاد الصمت يتسلّل بينهم من جديد—هادئًا، متأملًا.
كان الجميع ينظرون الى التمثال بهدوء ثم التفتوا لكي يذهبوا في طريقهم مره اخرى
ولكن في تلك اللحظة… تغيّرت الريح.
نسمة غير معتادة التفت حول كعوبهم. لم تكن باردة، ولا قاسية—بل مختلفة. كأن الهواء نفسه تبدّل بوجود شيء جديد…
أو ربما… قديم.
استدار الجميع نحو قاعدة التمثال.
ومن خلفه، ظهر ببطء صبي صغير، لا يتجاوز العاشرة من عمره.
شعره حالك كسواد الليل، متموّج قليلًا على الأطراف، وعيناه خضراء بدرجة لا تُصدق، تتوهّج بخفوت حتى في وضح النهار، وتحمل بريقًا لا يُشبه عيون الأطفال. لم يكن ذكاءً فقط، ولا قوة فطرية…
بل كان قِدمًا.
ابتسامته كانت رقيقة… عارفة.
رمشت كارولاين بدهشة، وتقدّمت نحوه بخطوات حذرة، قائلة بلطف:
"مرحبًا صغيري، هل أنت ضائع؟ أين والداك؟"
أمال الصبي رأسه قليلًا وحدّق بها دون أن ينبس بكلمة، هادئًا، صامتًا.
انخفضت إيلينا إلى مستواه، وقالت برقة:
"لا بأس يا عزيزي، يمكننا مساعدتك. هل تعيش بالقرب من هنا؟"
لكنّه لم يُجب.
كانت عيناه تتنقّلان بينهم—يمرّ على وجوههم واحدًا تلو الآخر، لكنه توقّف قليلًا عند ستيفان ودايمن، أطال النظر إليهما أكثر من البقية.
عقد دايمن حاجبيه، وشعر بانقباض غريب في صدره. قال بصوت مبحوح:
"ما اسمك، يا صغيري؟"
لا رد.
اقترب ألارك خطوة، محاولًا الطمأنة:
"لا داعي للخوف. يمكننا أن نساعدك في العثور على عائلتك."
لكن الصمت ظل سيد الموقف.
رفع الطفل رأسه ببطء نحو تمثال ألكسندر.
وفي لحظة خاطفة، ومضة خاطفة من الضوء مرّت في خضرة عينيه—لم تكن شرًا، ولم تكن غضبًا…
بل كانت… سخرية هادئة.
تنفّس الصبي بعمق، وكأنه يتنهّد، ثم تمتم بكلماتٍ غير واضحة.
ثم… بصوتٍ لم يكن صوت طفلٍ أبدًا—لا في نبرته، ولا في إيقاعه—قال أخيرًا:
"استغرق الأمر مني عشر سنوات… حتى أعود."
تجمّد الجميع في أماكنهم.
نظر إليهم الصبي بابتسامة ماكرة—تجمع بين الشقاوة والعتمة، وبين الطُرفة والخطر.
"وأنتم، أيها الحمقى… بنيتم لي تمثالاً؟"
هزّ رأسه وأضاف:
"حقًا؟"
صمت. صمتٌ مطبق، مذهول، لا نفس فيه.
اتّسعت عينا ستيفان.
شهقت كارولاين ووضعت يدها على فمها.
تراجع دايمن خطوة إلى الوراء، وانفرجت شفتاه، وقد انحبس النفس في صدره.
اتسعت ابتسامة الطفل أكثر—وفي عينيه رقص شررٌ من العبث والظلال.
ومن عمق الهواء… عادت الريح تهمس من جديد…
لقد عاد.
ألكسندر قد عاد.
---