الفصل 7: حينما يُنادي الدمُّ الدم
كانت الرحلة إلى نيو أورلينز طويلة، من تلك الرحلات التي يُثقلها الصمت أكثر من الكلام. ساد التوتر أجواء سيارة إمبالا السوداء كضباب كثيف ومزعج، بينما جلس ثلاثة إخوة يحملون الاسم ذاته، لكنهم ممزقون بألم لا يُقال.
وعندما وصلوا، استقبلتهم نيو أورلينز بنبض من السحر العتيق، وعطرٍ ثقيل من الياسمين والخراب. كان الحيّ الفرنسي ينبض بالحياة، يخفي خلف سحره قروناً من العنف والأسرار.
قال ألكسندر وهو يخطو على الرصيف المتشقق:
"فلننفصل. سنغطي مساحة أكبر، وكلما وجدنا الساحرة أسرع، كان أفضل."
رفع دايمن حاجبه بسخرية:
"رائع. لِنذهب جميعاً ونُقتل كلٌ على حدة."
هزّ ستيفان كتفيه:
"معه حق. الوقت لا يقف في صفنا."
---
ريبيكا وستيفان
تجول ستيفان في أزقة أكثر هدوءاً من الحيّ الفرنسي، حيث خفّت موسيقى الجاز وأصبح الهواء أكثر كآبة. لم يحتج وقتاً طويلاً حتى وجدها.
خرجت من الظلال كأنها شبح من ماضيه—بجمالها، وخطرها، وأناقتها التي لا تخطئها العين.
قال بهدوء:
"ريبيكا..."
ابتسمت وهي تعقد ذراعيها:
"مرحباً، أيها الممزق."
ابتسم بدوره بخفة:
"أصبحت أُفضّل أن يُناديني ستيفان هذه الأيام."
راحت تدور حوله كأنها لبؤة تتفحص فريستها:
"وما الذي يعيد فتى آل سلفاتور إلى مدينة الخطايا؟"
أجابها:
"نبحث عن ساحرة... من نسل سيليست دوفال."
تغيرت ملامحها قليلاً، لكنها تظاهرت بالهدوء:
"ولماذا؟"
قال بصوت منخفض:
"من أجل أحدهم... من أجل شخص يُعدّ من العائلة."
أمالت رأسها قليلاً:
"عائلة؟ لا بد أنه شخص مهم إذاً."
أجابها بثقة:
"هو كذلك."
اقتربت منه، وهمست:
"ما زلت ترتدي الذنب كأنك ولدت به، يا ستيفان. كن حذراً... في هذه المدينة، ديون الدم لا تُترك بلا رد."
---
إيلايجا ودايمن
دخل دايمن إلى صالة خافتة الإضاءة قرب شارع رويال، ولم يبدُ عليه العجب عندما ظهر له وجه مألوف، يحتسي البوربون كأن الزمن لم يتحرك.
قال دايمن وهو يرفع كأسه:
"إيلايجا مايكلسون... ما زلت تحترف العبوس؟"
رد إيلايجا بهدوء:
"دايمن سلفاتور... وما زلت متغطرساً؟"
ابتسم دايمن:
"وأنت تُحب ذلك."
أومأ إيلايجا بإيماءة خفيفة:
"ما الذي يجلب أهل ميستيك فولز إلى عتبة بابي؟"
خفتت ابتسامة دايمن:
"نبحث عن ساحرة. دمها قادر على فك لعنة أصابت أحد المقرّبين منّا."
رفع إيلايجا حاجبيه باهتمام:
"أحد المقرّبين؟ هذا أمر نادر في حالتك."
قال دايمن بصوت منخفض:
"إنه... شقيقنا. المفقود منذ زمن. المدفون في النسيان. ألكسندر."
قطّب إيلايجا جبينه:
"ألكسندر سلفاتور؟ لم أسمع به قط."
"قلة من الناس سمعوا. لكنه حقيقي. ومصاب بلعنة. نحاول أن نعيده إلى ذاته."
تأمّله إيلايجا طويلاً:
"إذاً فلتخطوا بحذر. الساحرة التي تبحثون عنها ليست قوية فقط... بل محمية أيضاً."
---
ألكسندر وكلاوس
كان ألكسندر يسير في الأزقة المرصوفة بالحجارة قرب السوق الفرنسي، ينجذب بصمت نحو صدى قديم من سحر عتيق. بدا الهواء هناك أثقل، مشحوناً بخطر غير مرئي. ثم اخترق السكون صوت كالسيف:
"تفوح منك رائحة دم آل سلفاتور."
استدار ألكسندر ببطء.
كان كلاوس مايكلسون واقفاً تحت مصباح واهن، عيناه تتوهجان كالذهب في العتمة.
قال بابتسامة ساخرة:
"لا بد أنك الأخ الهجين... يا له من مشهد مؤثر."
قال ألكسندر بصوت حاد:
"جئت لأجل الساحرة. من نسل سيليست دوفال."
ضحك كلاوس باحتقار:
"إذاً عليك أن تبذل جهداً أكبر. لا أحب الغرباء الذين يطلبون معروفاً."
"أنا لا أطلب."
أمال كلاوس رأسه:
"تحمل غطرسة دايمن... وربما ذنب ستيفان أيضاً؟ دعنا نرى كم من ألمهم يسكن داخلك."
وقبل أن ينطق ألكسندر بكلمة، اندفع كلاوس نحوه كصاعقة، قبضته ترتطم بصدره وتلقيه عبر جدار حجري. تناثرت الغبار والأنقاض في كل اتجاه.
لكن ألكسندر خرج بعد لحظات—ينزف، يزأر، ويضحك.
"كنت بانتظار أن أحطم شيئاً..." تمتم بصوت كأنه قادم من عمق الجحيم.
وانفجرت المعركة.
لكمات كالرعد، تصدّعت لها الجدران. قبضات ألكسندر كانت تمزق الحجارة، وزئيره دوّى في الحي الفرنسي كحاكم غاضب.
ركل كلاوس ضلوعه، ثم غرس وتداً في كتفه. لكن ألكسندر لم يرتجف—أمسك بمعصم كلاوس وكسَره.
صرخ:
"أتظنني مثلهم؟ أنا أسوأ! أنا كل ما حاول جوزيبي دفنه... كل ما تركوه خلفهم!"
استدعى كلاوس وتداً آخر وطعنه في خاصرته—لكن ألكسندر نزعه، وزأر، ونطح كلاوس برأسه بقوة جعلته يطير عشرات الأمتار ويتحطم فوق سياج حديدي.
اهتزت المدينة.
انفتحت النوافذ. انطفأت المصابيح. كل مخلوق خارق في نيو أورلينز شعر بالزلزال. ساحرة على بُعد شارعين أسقطت شمعتها. ذئب عوى وهرب. مصاصو الدماء تجمدوا في أماكنهم.
لم تكن معركة... بل حرب.
قاتل كلاوس وألكسندر كوحوش برية—كل ضربة محمّلة بحقد ودماء وألم قرون. الجدران تلطخت بالدم، الزجاج تحطّم، واشتعلت النيران في الأزقة. لم يتراجع أيٌ منهما.
كان كلاوس أقوى... أقدم. لكنه كلما طرح ألكسندر أرضاً—بكسر عظامه، بتمزيق جسده—نهض مجدداً.
نهض وهو ينزف، وكتفه مخلوع، وعيناه تحترقان بالغضب والنار.
قال بأسنانه المشدودة:
"لم أنتهِ بعد... ولن أنتهي أبداً."
ألقى به كلاوس عبر بوابة حديدية، فسقط أرضاً وهو يسعل دماً—ثم انقض عليه مجدداً، يطرحه وسط أكشاك السوق.
وتردد الصدى عبر نيو أورلينز.
ومن كل مكان، جاءوا. ريبيكا وإيلايجا. ستيفان ودايمن. حتى مارسيل جيرارد توقف على سطح أحد الأبنية يراقب المشهد.
وجدوهم في فناء مدمر—الجدران مدمرة، النيران تتراقص، والاثنان يقتتلان بجنون.
همست ريبيكا:
"يا للجحيم..."
وقف دايمن بجانب ستيفان، عيناه متسعتان:
"إنه... مجنون تماماً."
ردّ ستيفان بصوت مبحوح:
"بل غاضب."
لم يجرؤ أحد على الحركة. حتى الهواء صار عدائياً.
غرس كلاوس ألكسندر في جدار متهاوٍ، وقبض على عنقه بشدة. يده الأخرى ارتفعت، أظافرها بارزة، تستعد لاختراق صدره وانتزاع قلبه.
قال بغضب:
"وداعاً، أيها اللقيط."
اندفع دايمن وستيفان للأمام، الذعر يملأ وجهيهما:
"لاااا!"
لكن لم يصلوا في الوقت المناسب.
ففي تلك اللحظة—انكسر شيء داخل ألكسندر.
اشتعلت عيناه بالسواد—أعمق من الليل. وانفجر الهواء ببرودة غير طبيعية. الأوردة تحت جلده نبضت بالظلمة، وصوت ثانٍ صرخ من أعماقه.
آش.
اندمجت الروح بألكسندر وانفجرت، لا كهمسة بل كزئير.
تجمدت يد كلاوس على بعد إنشات من قلبه، بينما جسد ألكسندر بأكمله غمره وهج عنيف من دم وسحر.
اندفع كلاوس للخلف بفعل موجة انفجارية من قوة آش وغضب ألكسندر. تحطمت الجدران، واختفى كلاوس وسط الأنقاض.
نهض ألكسندر ببطء، جسده يضيء بهالة مظلمة، أنفاسه ثقيلة، وعيناه تحترقان ككسوف مزدوج.
رنّ صوت آش من داخله، عميقاً، قديماً:
"لن تقتلني. أنا الغضب. أنا الانتقام. أنا ما صنعته أيديكم."
حدّق الجميع فيه—المايكلسونز والسلفاتور على حد سواء.
خرج كلاوس مجدداً—ينزف، يبتسم، لكن ببطء.
قال بصوت مبحوح:
"أنت شيء آخر... لست سلفاتور فقط. أنت ملعون."
لم يُجب ألكسندر.
وقف وسط الخراب، أنفاسه منتظمة، وقلبه يدق كطبول الحرب... والوحش في داخله قد استيقظ أخيراً.
ونيو أورلينز... ستتذكر هذه الليلة لقرون قادمة.
--