الفصل 8: رمادٌ وتيجان

ما زال الفناء يحترق.

الدخان يتصاعد من بين الحجارة المتشققة، والفوانيس المحطّمة تهمس بأنين وهي تلفظ ألسنة النار التي تحتضن الظلال. الهواء كان ينبض بطاقةٍ خام، كأن الآلهة شقّت السماء وتركت خلفها ساحةً للخراب والدمار.

وقف ألكساندر وسط الرماد، والدم ينزف من فمه، وصدره يعلو ويهبط بأنفاس ثقيلة. من حوله، كان الأصليون وآل سالفاتور يحدّقون به في صمت، وجوههم تجمّدت على ملامح من الذهول، وكأنهم ينتظرون ما سيحدث بعد هذا الجنون.

خرج كلاوس من بين الأنقاض.

كان قميصه ممزقًا، والدم يسيل من جرح فوق حاجبه. وعلى شفتيه استقرّت ابتسامة ملتوية، يعلوها مزيجٌ من الإعجاب والغضب. مسح فمه بظهر يده، ثم أطلق ضحكة خافتة.

قال بصوت أجشّ:

"لست سيئًا... فيك من القتال أكثر مما اجتمع في أخويك معًا."

لم يُجبه ألكساندر. عيناه — لا تزالان تتوهجان بظلام آش المتداخل — كانت مثبتة على كلاوس كما يثبت المفترس نظره على فريسة تنزف.

تابع كلاوس بنبرة لا تخلو من السخرية:

"أنت لست ملعونًا فقط، بل مبارك... بالغضب، بالجنون. مثلي تمامًا."

ثم اندفع نحوه.

اصطدمت جسداهما مجددًا بانفجارٍ أشبه بصوت الرعد. تشققت الحجارة، واهتزّت الأرض تحت أقدامهم. لم تكن معركة متزنة، بل كانت وحشية، بدائية. قاتل كلاوس بقوة ألف عام من العنف، لكن ألكساندر قاتل بما هو أقدم: الانتقام الصافي.

مزّق كلاوس جانب ألكساندر بمخالبه—اللحم تناثر. لكن ألكساندر أمسك بمعصمه وكسره دون تردد.

ردّ عليه كلاوس بلكمةٍ أطاحت به عبر عمود حجري، لكن ألكساندر نهض وهو يزأر، يبصق الدم، وينقضّ من جديد كوحش جريح.

كان الأخوان سالفاتور يقفان في الدائرة، بين المتفرجين، وقلوبهما تكاد تخرج من صدورهما.

همس ستيفان، بالكاد يُسمع صوته:

"هل نُوقفهما؟"

هزّ دايمن رأسه ببطء، وعيناه متسعتان:

"هل يمكنك إيقاف إعصار؟"

تقدّمت ريبيكا خطوة حذرة، وهمست:

"كلاوس... لم يُقاتل هكذا من قبل. ولا حتى أمام ميكائيل."

قال إيلايجا بنبرة مظلمة:

"إنهما سيقتلان بعضهما."

ومع ذلك، لم يتحرك أحد منهم.

ارتطم ألكساندر بكلاوس مجددًا. زمجر كلاوس وهو يضرب رأسه بالأرض. لكن ألكساندر التوى بجسده، أمسك بعنقه، ورماه عبر الساحة.

تحطّم الزجاج، وتناثرت الأخشاب. اختبأ مصاصو الدماء، وهمست الساحرات بتعاويذ الحماية من فوق الأسطح.

ومع ذلك، استمر القتال.

كلاوس كان ينزف من فمه الآن. ذراعه تتدلّى بزوايا غير طبيعية. لكن ابتسامته اتّسعت، وكأنه يستمتع بالمذبحة.

قال بتهكم:

"دعنا نرى مدى عمق ذلك الغضب، يا سالفاتور الصغير."

ردّ عليه ألكساندر بالصمت... واللكمات.

ضربه مجددًا، ثم مرة أخرى، ثم مرة ثالثة. تطاير الدم على الأحجار. ضحك كلاوس رغم الألم، ثم أمسك برقبة ألكساندر ورفعه عاليًا.

هتف من بين أسنانه:

"ستموت هنا، كما مات اللقيط الذي ظنّ والدك أنك كنته."

تغيّرت ملامح ألكساندر.

ثم حطّم الذراع التي تمسك به.

وبزئير رجّ أرجاء الحيّ الفرنسي، ضرب ألكساندر كلاوس بالأرض. ثم مرة، وثانية، وثالثة.

اقترب الأصليون.

صرخ إيلايجا بصوت حاد:

"كفى، يا كلاوس!"

لكن كلاوس ضحك فقط، والدم يملأ فمه.

وقف ألكساندر فوقه، يلهث. يده مرفوعة، مخالبه مسوّدة بالدم، وعروقه تتوهج بتأثير آش.

قال كلاوس وهو يتحدّاه:

"أنهِ الأمر. أثبت أنك لست مجرد خطأ. أثبت أنك وحش."

تردّد ألكساندر.

داخل رأسه، تعالى صوت آش:

"اقضِ عليه. لقد كان سيقضي عليك. أَرِهم ما صنعوه."

توتر الجميع. تقدّم دايمن خطوة:

"أليكس..."

ارتجفت يد ألكساندر.

همس ستيفان بصوت متهدّج:

"لا تفعل."

ولأول مرة، نظر إليهم.

أخويه. دماؤه. من ظنّ أنه فقدهم، وها هم أمامه.

تلاشى الغضب... ولو قليلًا.

خفض ألكساندر يده.

رمش كلاوس، مذهولًا.

قال ألكساندر بصوت كالحجر المهشّم:

"لستَ جديرًا بذلك. لم تكن يومًا."

ثم استدار.

ومشى نحو ستيفان ودايمن—ببطء، يعرج، ينزف.

وفي تلك اللحظة، لم يرَه أحد كالمولود من لعنة... بل رأوه كأخٍ حقيقي.

كلاوس بقي في الأنقاض، يضحك بصوت خافت.

قال ساخرًا:

"مرحبًا بكم في نيو أورلينز."

النار خمدت. والصدى تلاشى.

لكن الحرب داخل ألكساندر... كانت قد بدأت للتو.

والمدينة... لن تنسى هذه الليلة، التي اشتبك فيها وحشان كأنهما حكام من سُلالة النار القديم

--

2025/05/19 · 24 مشاهدة · 591 كلمة
نادي الروايات - 2025