[ داخل مقر نقابة "الدم الأحمر" - قبو الحجر الأسود - بعد دقائق]
الصحن وُضع أمامه أخيرًا.
قطع لحم مشوي، خبز دافئ، وصلصة بيضاء تُشبه الكريمة... وبجانبه كوب من الشراب الأحمر الداكن.
ويليام نظر إلى الطعام كمن يرى كنزًا.
وبدون تردد، بدأ يتناول أول لقمة... ثم تمتم، عاقدًا حاجبيه برضا:
"...لذيذ. بحق ... لذيذ."
القتلة حدّقوا فيه بدهشة، وكأنهم أول مرة يرون مختطفًا يستمتع بوجبة داخل زنزانة.
كورفال أبقى عينه عليه، ثم قال:
"أجبني الآن، كيف تعرف عن نقابتنا؟ من أخبرك؟"
ويليام مضغ ببطء، رفع إصبعه مستأذنًا... ثم بلع، ومسح فمه بمنديل قماشي وبدأ:
"القصة بسيطة. قبل ثلاث سنوات، كنت أتجول في أحد الأحياء الخلفية في العاصمة. مررت بحانة مهجورة، وسمعت اثنين يتحدثان... أحدهما ذكر اسم نقابتكم."
نظر إلى وجه كورفال ليقيس رد فعله... ثم تابع:
"كنتُ فضوليًا. عدت في الليلة التالية، وتظاهرت بأنني أبحث عن العمل. وهكذا... استمعت، راقبت، وجمعت القصاصات."
كورفال قال ببطء:
" أنت كنت في غيبوبة قبل ثلاث سنوات."
ويليام رمش بعينين باردتين، ثم قال:
" صحيح. ولهذا السبب تذكرت كل التفاصيل... العقل الباطن يُخزن كل شيء حين لا تتدخل به الأفكار الحديثة."
الصمت.
كورفال لم يتحدث، فقط أشار لأحد رجاله.
أُخرجت بلورة صغيرة، وبدأت تتوهج باللون الأزرق.
سحر كشف الكذب.
ويليام لم يتوتر، بل أخذ لقمة أخرى، ومضغ بهدوء.
" هل يُمكنني الحصول على المزيد من الصوص؟"
أحد القتلة تمتم: " هذا الولد مجنون..."
كورفال قال أخيرًا:
" سأطرح عليك سؤالًا واحدًا فقط. إن كنت كاذبًا... ستموت هنا الليلة."
اقترب، وحدّق في عيني ويليام:
" ما الذي تعرفه عن خطتنا ضد الأكاديمية؟"
ويليام، دون أن يرمش، ارتكز بمرفقه على الطاولة، وقال بصوتٍ هادئ، ونظرة تحمل شيئًا غير مفهوم:
"أعرف أنكم فشلتم بالفعل."
"...ماذا؟"
ويليام ابتسم، همس:
"الهجوم كان يُفترض أن يحدث بعد أيام... لكن بسبب فوضى محاولة اختطافي، غيرتم الجدول فجأة."
"ومع ذلك... وجودي هنا يعني أنكم ارتكبتم خطأ كبيرًا. جدًا."
**
البَلورة... لم تلمع. لم تُصدر إنذار كذب.
لماذا ؟
لأن نصف ما قاله ويليام... كان حقيقيًا من منظور الرواية.
والنصف الآخر؟ مجرد كذب مغطى بثقة مرعبة.
كورفال تراجع ببطء، يحاول فهم ما يحدث.
" هذا الصبي... يشعرني بشيء غير مريح."
ويليام تمتم بصوت منخفض، وهو يأخذ لقمة أخيرة:
" الذكاء يا عزيزي كورفال... أكثر رعبًا من السحر ."
---
[ داخل قبو مقر "الدم الأحمر" - بعد انتهاء الوجبة]
ويليام وضع الشوكة والسكين برقة على الصحن، تنهد برضا وكأنه في جناح فاخر بإحدى الفنادق الملكية. ثم فجأة...
"آه..."
تشنّج جسده، وتقلصت عضلات ظهره بألم واضح.
كورفال رفع حاجبه:
"ما بك؟ هل دسّ أحدهم السم؟"
ويليام، وهو يضغط على جانب ظهره، تمتم ببرود:
"أسوأ من السم... إنها آثار الحزام."
رمش كورفال ببطء.
"...الحزام؟"
ويليام تنهد، وانقلب على كرسيه جانبًا كأنه أرستقراطي مدلل:
" الدوق. والدي العزيز. جلدني على ظهري كما لو كنتُ سجّادة قديمة، فقط لأني كنت وقحًا في مقابلة القبول. هل هذه دولة نبيلة أم حظيرة ماشية؟"
ثم تمتم، واضعًا يده على أسفل ظهره:
" آه... والله أشعر أني صرت أعظم فطيرة مخبوزة في فرن الجحيم."
رجال النقابة تبادلوا النظرات.
هل... هل يشتكي؟ الآن؟ بعد خطفه؟
كورفال ضغط على صدغيه وقال:
"...هل تمزح؟"
لكن ويليام لوّح بيده كما لو كان مديرًا لفندق فاشل:
" أين الثلج؟! لا يمكن لمختطَف مثلي أن يتعافى من الجلد بدون كمادة ثلجية! أتوقع من منظمة محترمة مثلكم الحد الأدنى من العناية!"
أحد القتلة انفجر ضاحكًا.
" هل... هل يعاملنا وكأننا خدم؟!"
ويليام أشار بيده بحركة مسرحية:
" أنا لا أطلب الكثير. فقط قطعة ثلج، وربما وسادة ريش نعام؟ وقليل من البخور لو تكرمتم. جويًّا المكان خانق."
كورفال تمتم لنفسه:
" الولد مختل. رسميًا."
لكن رغم الجنون، لم يأمروا بإسكاته.
كان هناك شيء في طريقته... ثقة؟ لا مبالاة؟ أو ربما تهديد مبطن أنهم إذا أخطأوا معه، فإن العالم الخارجي سيُخطئ معهم أيضًا.
ويليام أسند رأسه إلى الحائط، نصف نائم:
" اخطفوني كما شئتم، عذبوني كما تريدون، لكن رجاءً... لا تزعجوا ظهري أكثر. فقد صار يعرف لغة البكاء."
واحد من القتلة عاد، وهو يحمل قطعة قماش بداخلها مكعبات ثلج، وقدمه بصمت.
ويليام تمتم:
" شكرًا، عزيزي. أخيرًا بعض الاحترام..."
---
[ داخل قبو نقابة الدم الأحمر - منتصف الليل]
كان الهدوء قد استقر في القبو بعد وجبة دسمة وكوب ماء بارد، وبينما جلس القتلة والمغتالون في زوايا المكان يرمقون ويليام بنظرات حذرة ومذهولة... حدث ما لم يتوقعه أحد.
ويليام، مستلقٍ على المقعد وقد وضع الثلج على ظهره، رفع إصبعه ببطء ثم قال بصوت متعب، وكأنه يعطي أمرًا عسكريًا:
"أريد الحلوى."
كورفال، قائد فرع نقابة "الدم الأحمر"، كان في منتصف رشفة من كأسه عندما توقف فجأة.
" ماذا... قلت؟"
ويليام تمتم دون أن يفتح عينيه:
" حلوى. شوكولاتة. باردة. أو كعكة عسل. لا مشكلة. لكن إن لم تُحضروها... سأبدأ الصراخ كطفل مدلل خُطف من حضانته."
أحد المغتالين انفجر ساخرًا:
" هل يعتقد أنه في جناح ملكي؟!"
آخر همس:
" هذا الطفل... ليس طبيعيًا ."
كورفال أشار لأحدهم بصمت، فقط ليكفّ ويليام عن الحديث.
وبعد لحظات، أُحضرت له قطعة حلوى جافة من مطبخ قديم، موضوعة على طبق حديدي بسيط.
ويليام نظر إليها، ثم رفع عينيه ببطء وقال:
"هذه؟ أنتم تسرقون من الملوك وتقدمون هذه القطعة البائسة؟ أهذا إعلان حرب؟"
وفي تلك اللحظة، لم يعرف رجال النقابة هل يضحكون... أم يشنقونه فورًا.
لكن كورفال، وقد أصبح مندهشًا أكثر من كونه غاضبًا، جلس أمامه، يراقب هذا الفتى الغريب الذي يتصرف كأمير في قفص.
"أنت... لست خائفًا. حتى بعد أن قلت لك أن لا أحد سيأتي لإنقاذك."
ويليام رفع قطعة الحلوى إلى فمه بهدوء، ثم قال وهو يقضمها:
"ولِمَ أخاف؟... أنتم هواة. بدائيون. القبو فيه رطوبة، الطعام متأخر، والخدمة مزرية."
ثم ابتسم بابتسامة خفيفة:
"ومن قال أني بحاجة إلى إنقاذ؟"
كورفال شعر بشيء غير مريح يتسلل لروحه. ذلك الشعور... بأنهم ربما اختطفوا الشخص الخطأ.
---
[ في قصر دوق الشمال - في الوقت ذاته]
كانت الساعة قد تخطت منتصف الليل حين انفجرت الأبواب الخارجية للقصر.
زيك، مغطى بالغبار، يحمل جرحًا في كتفه، اقتحم القاعة الواسعة وهو يصرخ:
" سيدي!! الأمر طارئ!!"
الدوق، الذي كان في مكتبه بعد لن تخلص من القتلة يراجع ملفات الأكاديمية، نهض بقوة حتى كادت الطاولة تنقلب.
" ماذا حدث؟!"
زيك، يتنفس بصعوبة، ركع على الأرض:
" سيد ويليام... اختُطِف."
صمت.
ثم... دوى صوت الدوق وهو يصفع الطاولة بقوة، فتناثرت الأوراق من حوله:
" من؟! أين؟! متى ؟!"
زيك قال بسرعة:
" هجوم منظّم، خمسة على الأقل. استخدموا سحر تشويش. كنت في الخلف، لم أتمكن من حمايته... سيدي، إنهم محترفون."
صوت ارتطام الكرسي بالجدار.
الدوق صاح بأعلى صوته:
" استدعوا كل الكتائب! أطلقوا تحذيرًا في العاصمة! اغلقوا البوابات الملكية!"
الخدم والحراس تراكضوا في كل اتجاه، وفي أقل من عشر دقائق، تحوّل القصر إلى خلية نحل.
فرسان، سحرة، تعاويذ تحديد الموقع، رسائل تُطلق من الغربان.
زيك، بوجه شاحب، تمتم:
" إن أصابه شيء... سأموت أنا أولًا."
الدوق تقدّم منه، قبض على كتفه، ثم قال ببرود ناري:
"لا. إن أصابه شيء... هم من سيموتون. واحدًا تلو الآخر."
ثم نظر نحو قائد الحرس وصاح:
" أريد أسماء جميع النقابات النشطة! من في العاصمة ومن في الضواحي! كل مشتبه... كل أثر... كل ظل!"
الخدم أحضروا درعه، وعباءته السوداء ذات شعار الذئب الأبيض.
"أنا ذاهب بنفسي."
السماء كانت قد بدأت تُمطر.
أشبه ببداية عاصفة دموية... والضحية المحتملة؟ فتى كسول... ما زال يطلب الحلوى من خاطفيه.
---
[ داخل قبو نقابة الدم الأحمر - ما بعد منتصف الليل ]
أطبق الصمت على المكان... حتى قطعته جملة غريبة، أتت من الشخص الأكثر غرابة.
كان ويليام قد انتهى من الحلوى، تمطى قليلًا فوق المقعد، ثم أدار رأسه نحو أحد الحرّاس وقال ببرود:
"أريد كتبًا. أيّ شيء تافه: روايات رومانسية، كتيبات طبخ، حتى مجلات نبيلة سخيفة... المهم أن لا أملّ وأنا أنتظر فديتي."
شعر القاتل بأن الدم قد صعد إلى رأسه.
اقترب منه بخطى ثقيلة، أمسكه من ياقة قميصه وسحبه للأمام، حتى التصق أنفاهما تقريبًا.
" هل أنت... مريض؟! هل تدرك أين أنت؟!"
ويليام، الذي فاحت منه رائحة الكعكة التي أكلها لتوّه، رمش ببطء وقال:
" بالطبع، أنا في منتجع تحت الأرض، تديره عصابة هواة... وأنت؟ مسؤول الضيافة؟"
صرخ القاتل:
" أنت مجنون!"
ثم رفع قبضته وهو يوشك على ضربه، لكن يدًا قوية أمسكت به فجأة.
" توقف ." كان كورفال، قائد النقابة، واقفًا خلفه، وعيناه تلمعان بتحذير واضح.
"لا تلمسه."
"لكن سيدي، إنه يسخر منّ-"
"قلت: لا تلمسه." صوته كان حادًا كالسيف.
كورفال اقترب ببطء من ويليام، ثم انحنى قليلًا:
" لماذا تطلب الكتب؟ هل هذه حيلة؟"
ويليام أشار إلى رأسه:
" عقلي يعمل بسرعة كبيرة، إن لم أُشغله سأبدأ بالتفكير بأفكار خطيرة... كأن أُبلّغ الإمبراطورية مثلاً عن مكانكم بعد أن أهرب."
ضحك.
ضحك بخفة وهدوء، كما لو أنه ليس أسيرًا، بل ضيف ثقيل الظل.
كورفال لم يبتسم.
لكنه قال بعد لحظة من التحديق الطويل:
"أحضِروا له بعض الكتب."
"سيدي؟!"
"الآن."
بعد دقائق، وُضعت أمام ويليام كومة من الكتب القديمة والممزقة، بعضها عن طب الأعشاب، وبعضها الآخر روايات رومانسية مبتذلة.
فتح واحدًا منها، قلب صفحاته، ثم تمتم:
" هاه... البطلة تقع في حب البطل الذي قتل عائلتها... كلاسيكي."
ثم نظر لأحد الحراس:
" هل لديكم وسادة؟ أو بطانية؟ السرداب بارد جدًا، والخدمة أسوأ من فندق بنجمتين."
أما القاتل الذي حاول ضربه سابقًا؟ فكان يراقبه من بعيد، يصك أسنانه ويتمتم:
"هذا الولد... حقًا مجنون."
لكن كورفال، الذي جلس على كرسيه وراح يتأمله، تمتم بصوت لا يسمعه أحد:
" أو ربما... عبقري خطير."
[ داخل قبو نقابة الدم الأحمر - بين الكتب والغبار]
كان ويليام قد استلقى على الأريكة الخشنة، يوازن كتابًا على صدره، نصف عينه مغلقة، ونصفه الآخر يتأمل السقف كما لو أنه في عطلة.
لكن فجأة...
[ تنبيه: تفعيل تلقائي - أسترا "نظرة خاطفة"]
ظهرت نافذة شفافة فوق عينيه، تضيء باللون الذهبي الباهت، ولم يكن لها صوت هذه المرة... بل إحساس ثقيل، كنبضة صادمة في عمق جمجمته.
[ الرؤية المتاحة: خمس دقائق ]
ويليام شهق.
ثم... تلاشت الغرفة من حوله.
[رؤية - بعد خمس دقائق]
الدخان يملأ الممر. حرّاس النقابة يُذبحون واحدًا تلو الآخر.
صرخات. انفجارات. وأقدام تهبط على الأرض بثقل، تتقدم بسرعة كالعاصفة.
ثم، المشهد تغير.
القتلة يتراجعون إلى القبو.
كورفال يصرخ: " من دلّهم علينا ؟!"
ويليام... مكبّل بسلاسل الآن.
وجهه دامٍ، لكنه... يبتسم؟!
" يا لكم من حمقى ،" يقول وهو يرفع رأسه، ينظر مباشرة إلى عيني كورفال.
"أنتم من أحضرهم... بيديكم."
[الرؤية تنتهي.]
شهق ويليام واستفاق، جسده ارتجف لحظة.
نظره عاد إلى الغرفة، نفس الجدران، نفس الحراس... لا شيء تغيّر بعد.
" خمس دقائق، فقط خمس دقائق ." تمتم وهو ينهض.
جلس مستقيمًا، وضع الكتاب جانبًا، نظر مباشرة إلى أحد القتلة وقال:
" أريد التحدث مع كورفال، حالًا."
"لماذا؟"
"قل له: إن لم يأتِ خلال دقيقة، سيموت نصف رجاله دون أن يفهم كيف."
مرت ثوانٍ... ثم دُفعت الأبواب، ودخل كورفال.
وجهه حاد كالعادة.
" ماذا الآن، ويليام ؟"
أجابه الشاب، بصوت خافت مليء باليقين:
" أقترح... أن تُخلي هذا المكان خلال دقيقتين ."
كورفال ضيّق عينيه.
" لماذا ؟"
ويليام رفع إصبعه مشيرًا إلى السقف.
" لأن غضب الدوق، يا كورفال، على وشك أن يهطل من السماء... كقصفٍ من الجحيم."
---
[ مقر نقابة الدم الأحمر - الطابق الأرضي - قبل خمس دقائق من الهجوم]
كان الجو مشحونًا بالتوتر داخل المقر. كورفال، رئيس النقابة، وقف في منتصف الغرفة كصخرة لا تهتز، لكنه لم يكن مطمئنًا. كلمات ويليام ظلت ترنّ في رأسه:
> "أقترح... أن تُخلي هذا المكان خلال دقيقتين."
حدّق كورفال في عيني الشاب المتعب، ثم التفت بسرعة نحو أحد القتلة:
" أرسل إشارة الإخلاء... الآن."
"ماذا؟"
"قلت الآن!!"
سادت الفوضى فجأة.
صفارات صغيرة انطلقت في المقر. الحرّاس بدأوا في جمع ملفات، أوراق، أدوات، ونقلها إلى نفق خلفي تحت الأرض. الأبواب السحرية بدأت تُغلق.
وسط كل هذا، جلس ويليام على الكرسي وكأنه يتأمل مسرحية هزلية.
"الفرار البارع، بإخراج كورفال. جميل."
لكن... لم يكن يراقبهم بدافع الشماتة.
كان يعرف ما سيحدث بعد خمس دقائق.
وكان يعلم أيضًا أن بقاء هؤلاء القتلة يعني موتهم جميعًا.
" نقابة الدم الأحمر " قد تكون منظمة إجرامية خطيرة... لكنها كانت ضرورية لأحداث الرواية في المستقبل. هو بحاجة لها.
" إن قتلتهم الدولة الآن... فلن يكون هناك من يمنع تلك الحرب السياسية في الفصل السادس بعد المئة." تمتم ويليام بهدوء وهو يربط معصميه بالحبال من جديد، مستخدمًا عُقدًا فضفاضة يسهل فكّها لاحقًا.
ثم، أخذ نفسًا عميقًا...
وأمال رأسه على كتفه، متظاهرًا بالإغماء.
[ اللحظة الحاسمة]
الجو تغير.
هدير قادم من بعيد... ثم انفجاااااار!
السقف اهتز.
أجزاء من الحجارة تطايرت.
الباب الأمامي تم اقتحامه بسحر متفجّر، شظاياه طارت كالسكاكين .
دخل الدوق بنفسه.
درعه مغطى بالغبار والدم. وجهه مشدود... عينيه كجمرتين.
خلفه، زيك كالعاصفة، وراين يحيط المكان بنطاق سحري.
صرخ أحد الفرسان: "لا يوجد أي أثر للمهاجمين، يبدو أن المكان تم إخلاؤه بالكامل!"
الدوق تجاهلهم.
تقدّم مباشرة نحو منتصف الغرفة...
ثم توقّف.
عينيه وقعتا على الجسد المُقيّد على الكرسي... رأسه مائل، شعره يغطي وجهه.
"... ويليام؟!"
" سيدي! وجدناه !" صرخ زيك فجأة، وركض نحو الجسد.
وصل أمامه، ركع على الأرض، قطع الحبال بسرعة.
" سيدي الشاب... ويليام!! هل تسمعني؟! إنه أنا... زيك!"
ويليام... لم يتحرك.
(في داخله: "ابقَ هادئًا... لا تتحرك... لا تبتسم...")
زيك أمسك وجهه بيديه، ثم وضع أذنه على صدره.
" ... إنه يتنفس! نبضه بطيء... لكنه مستقر !"
الدوق كان يراقب بصمت، نظراته مليئة بالغضب، ليس على ويليام... بل على من تجرأ على لمسه.
"خذوه. فورًا."
زيك رفع ويليام بين ذراعيه، كما لو أنه يحمل كنزًا مكسورًا.
" لا تقلق... سآخذك إلى المنزل ." تمتم وهو يركض خارجًا.
ويليام، في داخله:
(أنت درامي أكثر مني، زيك...)
(لكن شكراً...)
[ بعد ساعة - في قصر الشمال - جناح ويليام ]
تمدد الشاب على فراشه الحريري، محاطًا بوسائد دافئة، وكمادات باردة على جبينه.
الطبيب الشخصي يفحصه، والفرسان بالخارج في حالة استنفار.
الدوق واقف عند النافذة، صامت كتمثال، ذراعاه متشابكتان.
ثم... تحرك ويليام.
شهق صغيرة.
فتح عينيه ببطء.
"... آه... أين أنا؟"
زيك كان أول من انقضّ عليه.
" سيدي الشاب!! أنت بخير!!!"
الدوق نظر إليه بشراسة، وصرخ:
" أنتَ مجنون! كان يمكن أن تُقتل!! ماذا كنت تفكر؟!"
رد ويليام، بصوت ناعس:
"... أنقذتني، إذًا؟"
"نعم، وكنت سأسحق كل من وقف في طريقي!"
" غريب ..." ابتسم ويليام بهدوء. " ... ظننتك ستصرخ علي وتضربني بالحزام مجددًا."
الدوق شهق.
"لا... هذه المرة، كنتَ ذكيًا."
( ويليام داخليًا: نجحت الخطة. والآن... أريد كعكة.)
قصر الشمال - جناح ويليام - بعد منتصف الليل ]
غادر الدوق الغرفة بصمت، تاركًا خلفه أثرًا من عبوسه المعتاد، ووعودًا صامتة بأن "هذا الحديث لم ينتهِ بعد".
أما ويليام، فقد ظلّ ممددًا على السرير، يحدّق بالسقف.
"... إنه متناقض جداً."
تمتم بهذه الكلمات، وهو يعيد في ذهنه ما حدث خلال الأيام الأخيرة.
" هو يصرخ عليّ، يضربني بالحزام حتى أكاد أفقد روحي... ثم يقتحم مقر منظمة قتلة، ويقتل من يعترض طريقه لأجلي...؟"
أدار رأسه ببطء، يتأمل النافذة المفتوحة:
" هل أنا الوحيد الذي لاحظ أن الرجل هذا... لا يعرف هو نفسه ما يريد؟"
ثم تنهّد، تنهيدة طويلة، امتدت من عقله حتى قدمه.
" أوه لا... لا تقل لي أنه بدأ يهتم بي فعلاً؟ هذا مزعج. هذا سيجعل هروبي مؤلمًا نفسيًا أكثر من المعتاد."
لكن في داخله، لم يكن الأمر مجرد مشاعر مشوشة. ظهور قدراته، ذلك التفاعل المزدوج للنولا والأسترا، جعل كل شيء يرتج.
في الرواية الأصلية، شخصية ويليام لم يكن لها أي نوع من القوة.
مجرد شرير جانبي يُقتل في منتصف القصة.
لكنه الآن... أصبح خطاً فرعيًا خطيرًا غير متوقع.
"أنا بالفعل خرجت عن النص. ولست مستعدًا أن أُسحب مجددًا إلى مسار الرواية الأصلي... لا، شكرًا."
نهض من فراشه، بهدوء، ودخل الحمام.
غسل وجهه، ونظر في المرآة.
" لن أذهب إلى الأكاديمية مجددًا. تلك المصيدة الذهبية. يضعونك في مكان واحد، ويغسلون دماغك بالتدريج حتى تبدأ تصدق أن القدر مهم، وأنك يجب أن تدرس لتكون بطلاً أو أميرًا."
رفع حاجبه الأيسر.
"أنا فقط... أريد النوم."
[المهمة التالية: الهروب.]
بدأ التخطيط.
جلس على المكتب، فتح دفترًا صغيرًا سرقه من أحد الممرات السفلية، وبدأ يرسم خريطة مبسطة للقصر:
بوابات الحراسة.
جناح الدوق.
الجناح المالي.
خزنة القصر.
النفق السري المؤدي للمطبخ القديم.
" النقطة الأولى: المال. لا يمكنني أن أعيش كسولًا وأنا مفلس."
فتح الدرج، وأخرج مفتاحًا صغيرًا فضي اللون... " سرقته من زيك قبل يومين، وهو نائم أمامي مثل جذع شجرة."
" النقطة الثانية: التنكر. زي الفرسان الاحتياطيين موجود في المستودع، حجمه مثالي لي. سأبدو كحارس في مهمة ليلية."
" النقطة الثالثة: الهرب. بعد الخروج من النفق الخلفي، هناك قافلة تجارية تمر عبر الغابة الشرقية في الصباح الباكر... سأتسلل داخل إحدى العربات."
وأخيرًا، ابتسم:
" الوجهة؟ قرية تيلمو الصغيرة. لا توجد أبراج سحرية. لا سحرة. لا جنود. فقط خبز ساخن، بحيرة نائمة، وكوخ صغير... يمكنني أن أعيش هناك، أربي دجاجًا، وأكتب مذكراتي بعنوان: هكذا نجوت من أن أكون شريرًا فخمًا."
[الليل التالي - الثالثة فجرًا]
تحرك ويليام مثل ظلّ، يرتدي زي حارس احتياطي، ويحمل حقيبة صغيرة.
اتجه أولاً نحو جناح الخزينة.
حراس نائمون.
"هاه، متوقع."
فتح الباب الجانبي باستخدام المفتاح.
دخل الغرفة، وعيناه تلمع.
" آه... الذهب. وجه النوم."
جمع كمية لا بأس بها من العملات والأحجار الكريمة، ووضعها في حقيبة مبطنة بالسحر الخفيف لتخفيض الوزن.
ثم تحرك نحو النفق الخلفي. زحف خلاله، وخرج من فتحة تحت جذع شجرة عملاق خلف المطبخ القديم.
"الخروج الناجح رقم واحد."
اختبأ وسط الظلال حتى وصل إلى أطراف الغابة الشرقية.
القافلة كانت هناك.
رجل نائم بجانب إحدى العربات، والنيران خافتة.
ويليام زحف، ثم تسلل داخل إحدى العربات الممتلئة بأكياس القمح.
"رائحة فظيعة... مثالية للنوم."
غطّى نفسه بكيس قشّ، وتمدد.
وأخيرًا...
"...سأعيش، أخيرًا، حياة كسل حقيقية."
[ النظام: "تم تفعيل المهمة الجانبية: "الهروب العظيم"]
[الهدف: النجاة دون أن يتم الإمساك بك لمدة 30 يومًا]
[المكافأة: مهارة "عقل النوم العميق - المستوى الأول"]
"أخيرًا، نظام يعطيني ما أستحق."
ثم أغمض عينيه...
واستسلم للنوم.
---
[ قرية تيلمو - حدود الإمبراطورية - منتصف النهار ]
العربة توقفت أخيرًا.
ويليام، الذي كان مدفونًا تحت كيس قمح خانق، رفع رأسه ببطء، شعره مليء بالقش، ووجهه يحمل تعبيرًا واحدًا:
" الحريّة ."
خرج بتسلّل، وانزلق من خلف العربة إلى الزقاق الترابي.
القرية كانت هادئة، تفوح منها رائحة الخبز المحروق والعشب المقصوص حديثًا.
بعض الأطفال يركضون حفاة، وعجوز يبيع تفاحًا عند زاوية سوق بسيط.
ويليام، بعد كل ما مر به، رفع يديه كمن استقبل نورًا .
" آه... وأخيرًا. لا حزام. لا دوق. لا أكاديمية. لا قتلة."
مشَى بكسل في الطرقات.
وجد بيتًا خشبيًا صغيرًا للإيجار، بسقف مائل وحديقة مهملة.
دفع من المال المسروق بثقة، وابتسم لصاحبة المكان:
"سأبقى هنا... إلى الأبد، ربما."
أول ما فعله؟ تمدد على الأريكة القديمة.
ثاني ما فعله؟ أغمض عينيه.
ثالث ما فعله؟ تنهد قائلاً:
"هذا... هو الجوهر الحقيقي للحياة."
[ قصر الشمال - مكتب الدوق - في ذات الوقت تقريبًا]
الغرفة كانت كئيبة.
الدوق يقف أمام النافذة، يراقب الغابة من بعيد، وجهه بارد كصخر.
كيلان يدخل مسرعًا، يركع أمامه:
" سيدي... بحثنا في كل الزوايا، عند النهر، وفي الغابات القريبة. لم نجد له أثرًا."
الدوق لم يتحرك، لكنه تمتم بنبرة قاتمة:
"ويليام..."
كيلان حاول التبرير:
" ربما لم يستفق بعد... أو ربما نُقل من قبل النقابة، سنستمر-"
لكن قاطعهم دخول أحد المساعدين، يلهث:
" سيدي! لدينا مشكلة أخرى...!"
الدوق التفت ببطء.
" تحدّث ."
المساعد ابتلع ريقه:
" شخص ما... دخل الخزنة الليلة الماضية. فُقدت كمية من الذهب... وبعض الأحجار السحرية..."
الدوق صمت.
ثم نظر إلى كيلان، عينيه أضيق من المعتاد.
" الخزنة ؟"
كيلان تجمّد مكانه.
"... لا يمكن."
المساعد أخرج دفترًا صغيرًا:
" ووجدنا... هذا تحت الرف. دفتر عليه خربشات... يبدو أشبه بخريطة داخلية للقصر."
الدوق تقدم بهدوء.
أخذ الدفتر، تأمل الخربشات... ثم أغلقه.
اتجه إلى مكتبه، فتح الدرج، وأخرج شيئًا مألوفًا...
الحزام الجلدي الأسود.
رفع الحزام ببطء، وكأن فيه ثقل مئة معركة، ثم نظر إلى كيلان:
"ابني... هرب."
صمت، قبل أن يضيف:
"واستخدم مفتاح زيك... وتسلق النفق الخلفي... وسرقني."
كيلان همس:
"سيدي... ماذا نفعل؟"
الدوق لف الحزام بيده، نبرته منخفضة:
" نبحث عنه. كل قافلة، كل قرية، كل كوخ في الغابة الشرقية. أريد تقريرًا كل ساعة."
اقترب من النافذة مجددًا.
"وإذا وجدتوه..."
رفع الحزام أمامه.
"... سأريه معنى كلمة عقاب."
[قرية تيلمو - بعد الغروب]
ويليام جلس على كرسي في حديقته الجديدة.
يرتدي رداءً خفيفًا، يحمل كوبًا خشبيًا من عصير البرتقال.
كان يراقب الشمس وهي تغيب خلف التلال.
تمتم بابتسامة:
" لقد فعلتها، يا أنا... نجوت من المجانين. الآن، الخطة التالية: لا شيء."
لكن في أعماق عقله... صوت خافت للنظام يهمس:
[ تم تفعيل "نظام المراقبة السلبية - المستوى الأول"] [مستوى الخطر: متوسط]
ويليام تنهد:
"آه... لا، لا تبدأ."
ثم أدار وجهه إلى السماء.
" لكنني لن أعود بسهولة، أيها الدوق. لن تلمس هذا الظهر مرة أخرى... إلا إذا نمت على الطريق."
---
[ قرية تيلمو - صباح اليوم الثالث - قبل الظهر]
مرّت ثلاثة أيام منذ هروب ويليام من قصر الدوق.
وكان كل شيء... مثاليًا.
استيقاظ متأخر. إفطار من فطيرة العسل. قراءة رواية تافهة عن أرنبة تتزوج أميرًا. غفوة في الحديقة. عشاء من اليخنة الساخنة. ثم نوم هادئ بلا تهديد، بلا أكاديمية، بلا دوق ولا حزام.
" هكذا يجب أن تكون الحياة." تمتم وهو يتمدد على الأرجوحة.
لكن... الهدوء لا يدوم.
وفي اليوم الثالث، جاءوا.
مرتزقة.
خمسة رجال مسلحين بأسلحة صدئة، لكن وجوههم قاسية ونظراتهم خالية من الرحمة.
دخلوا القرية بصخب، يركلون الأبواب، يجمعون المال، يصرخون على الأهالي.
" ضريبة الحماية! ادفعوا، أو تحترق منازلكم !" صاح أحدهم، وضحك آخر وهو يسحب كيسًا من الحبوب من عجوز .
ويليام، في البداية، راقب من الشرفة.
" لا... لا شأني بالأمر. لست البطل هنا. لدي خطة، لدي نوم، لدي حياة هادئة."
لكن ...
حين سقط العجوز " جورين " على الأرض، وصرخت حفيدته الصغيرة:
"جدي! لا تضربوه!"
وحين ركل أحد المرتزقة العجوز على صدره، وضحك، أمام عيني الفتاة الباكية...
... شيء في قلب ويليام انكسر.
نهض من مكانه. أنزل رداءه الطويل.
تمتم، بخمول غاضب:
"سحقًا... كنت مرتاحًا جدًا هذا الصباح."
سار ببطء إلى الساحة.
المرتزقة لاحظوه.
"ما هذا؟ تريد اللعب، أيها الضعيف؟"
ويليام لم يجب.
رفع يده.
ونظر إليهم بنظرة باردة، كسولة، لكن في أعماقها... غضب مكبوت.
[تفعيل قدرة نولا: "منطقة الفراغ"]
الهواء حوله تغيّر.
أصوات السحر اختفت.
الرياح تجمّدت.
المرتزقة ترنّحوا.
" ما... ما هذا؟ لا أستطيع استخدام المانا!"
"سيفي... لا يشتعل؟!"
ويليام ظهر أمام أحدهم بلحظة، وركله في صدره.
ثم أمسك الثاني من ياقة سترته... ورماه على الأرض.
الثالث حاول الطعن، لكن خنجره تبخّر في الهواء.
" أنا لا أحب القتال..." تمتم ويليام وهو يسحب آخرهم من شعره.
"... لكني أكره أكثر من يضرب العجائز أمام الأطفال."
ركلة، لكمة، ضربة بالرأس.
مرتزقة مرتمون على الأرض، يتلوون.
ويليام التقط كيس المال، وسار به نحو الساحة، ثم رماه أمام الأهالي.
"أموالكم. استعيدوها."
صمتٌ.
ثم... صرخة.
" لقد أنقذنا! إنه بطل!"
"ذلك الغريب...! سحق المرتزقة وحده!"
ويليام حاول التراجع ببطء.
" لا، لا... لا تبدأوا بالمديح... أنا لست-"
لكن فتاة صغيرة ركضت نحوه، واحتضنت قدمه.
" شكرا... شكرا لأنك أنقذت جدي."
ويليام نظر إليها بصمت.
ثم تمتم بخفة:
"تبًا... والآن سيبدأ الجحيم."
[في ذات اللحظة - حافة الغابة - وحدة مطاردة دوق الشمال]
زيك يركض، ومعه عشرة رجال مدججين بالسحر وأجهزة تتبع المانا.
"وجدنا أثرًا! المانا النولا... استخدمت هنا!"
أحد الجنود هتف:
"ذلك المجال! هذا هو الصبي!"
زيك عبس:
" سيد ويليام... لماذا لا تفهم أن الهروب من الدوق كالهرب من الموت؟"
[في القرية - بعد لحظات]
ويليام، بينما يتلقى التفاح المجاني من أحد السكان، سمع أحد الرجال يصرخ من بعيد:
"قوات دوق! جاءوا !"
ويليام تجمد.
ثم أدار رأسه بسرعة.
"أقسم أني لم أكن هنا!"
بدأ يركض.
اتجه نحو الغابة.
" عليّ فقط أن أصمد حتى تغرب الشمس... وقتها ستصعب رؤيتي... زيك لا يستطيع تتبعي في الظلام بسهولة..."
بدأ الجري عبر الأشجار.
كل خطوة تصرخ من عضلاته، والعرق يتصبب.
لكنه لم يتوقف.
" هذا ما أحصل عليه لأني أنقذت عجوزًا؟! أين مكافأتي؟! أين أريكتي؟!"
خلفه، صرخات الجنود وأقدام تركض.
لكن أمامه... الغابة الواسعة.
ويليام، رغم كل شيء، ابتسم وهو يلهث:
"على الأقل، ما زلت على قيد الحياة..."
"... ولدي فرصة للهرب مجددًا."
---
[الغابة الشمالية - منتصف النهار - بعد دقائق من المطاردة]
أوراق تُسحق تحت الأقدام، والريح تتلاعب بأغصان الشجر العالية.
ويليام يركض.
أسرع مما ركض يوم امتحان الأكاديمية. أسرع مما ركض يوم كاد التنين يأكله. أسرع حتى من اليوم الذي رأى فيه وجه زيك غاضبًا للمرة الأولى.
" تنفس... خطوة... قفز... لا تصرخ." كان يردد في عقله كتعويذة.
ورغم الألم، رغم ضيق النفس، رغم فوضى المانا خلفه... لم يتوقف.
لكن...
[تفعيل سحر "التمييز المكاني - عيون الزمكان"]
فراغ مفاجئ.
الهواء تغير.
كل شيء توقف... لجزء من الثانية.
ثم... أمامه، دون سابق إنذار، ظهر.
كأن الفضاء انفتح ولفظ كابوسًا يرتدي الأسود.
الدوق.
شعره الابيض يتطاير خلفه. عيناه تشتعلان بغضب صامت.
" وجدتك ."
ويليام لم يقل شيئًا.
لا وقت للكلمات.
استدار.
ركض بالاتجاه المعاكس.
لكن الدوق رفع إصبعه.
[تفعيل تعويذة: "البوابة الحلقية"]
دوامة من الضوء تشكلت تحتهما.
سحبها الزمن في لحظة.
واختفى كل شيء.
[مكتب الدوق - بعد لحظة]
ضوء خافت. أرفف مليئة بالكتب القديمة. رائحة الورق والحبر والجلد.
ويليام سقط على الأرض.
"آخ... ظهري..."
رفع رأسه، فوجد نفسه على السجادة الحمراء الفاخرة.
وأمام المكتب... وقف الدوق.
وجهه لا يحمل غضبًا صارخًا.
بل ذلك الهدوء... المخيف.
"ثلاثة أيام." قال بصوت منخفض، لكن كل حرف منه حمل ألف توبيخ.
"ثلاثة. أيام. وأنا أُطاردك ككلب ضال."
ويليام حاول أن يبتسم.
"أوه... دوقي العزيز... أليس المهم أنني بخير؟"
الدوق لم يجب.
بل أزال قفازه الجلدي.
ثم فك الحزام الجلدي الأسود عن خصره ببطء.
صوت الجلد وهو ينزلق عبر الحلقات... جعله أكثر رعبًا من أي تعويذة.
"انهض."
"لحظة-"
"اخلع قميصك."
"انظر... نستطيع الحديث! نحن بشر متحضرون-"
"قميص. الآن."
ويليام، بتنهيدة طويلة، بدأ ببطء في فك أزرار قميصه.
"أقسم أني كنت فقط... أساعد عجوزًا."
"كانوا يضربونه أمام حفيدته!"
"انزع القميص."
"أوه... لسنا في هذا النوع من العلاقات، سيدي."
"انزعه، أو سأمزّقه بنفسي."
ويليام خلع القميص أخيرًا، ظهره النحيف ينكشف، عليه آثار صفعات قديمة.
لم يتحرك.
صفعه ! صفعة من الحزام دوّت في الهواء.
ضربت جلده، فارتجف.
لكن لم يصرخ.
ثم توقف
اسمعني جيدًا يا فتى..."
"قبل أن تبدأ بالصراخ، لدي مبررات منطقية لكل شيء، أستطيع شرحها إذا أحضرت شاي أولًا."
"ويليام."
"... نعم؟"
الدوق رمى الحزام الجلدي على الطاولة.
لكن بدلاً من استخدامه، اقترب... ومدّ يده.
وسحب أذن ويليام.
" آآآه! لا الأذن! سلاح محظور !" صرخ ويليام وهو يُقاوم.
" ثلاثة أيام. من الهرب. الخيانة. السرقة. كشف قواك. ثم تنتهي ببناء أرجوحة من ستائر الناس؟"
"كان لدي خطة راقية!" صرخ ويليام وهو يُسحب إلى الكرسي.
الدوق جلس، ثم أشار له.
تنهد ويليام،
" على الأقل... إذا مت، أخبر الجميع أنني كنت وسيمًا ."
الدوق لم يستخدم الحزام.
بل وقف، ومدّ يده، وصفعه على مؤخرة رأسه صفعة خفيفة.
"أحمق."
"آه! هذه إهانة أكثر من ألم!"
صفعة أخرى، على كتفه.
"أحمق مرتين."
"دعني أعترض رسميًا على هذا الأسلوب التربوي!"
صفعة ثالثة على جبينه.
"هذه... لأني اضطررتُ لاستخدام سحر تتبع بمستوى عسكري لأجدك."
ويليام كان يُترنّح يمينًا ويسارًا من الصفعات الخفيفة، وكأنه يمر بجلسة تأديب فكاهية.
لكنه في داخله... شعر بشيء آخر.
الدوق، رغم جموده، لم يكن يؤذيه.
لم يكن يُعذبه فعليًا.
كان يعاقبه بطريقة غريبة... .
الدوق صمت للحظة.
ثم قال:
"لن تُعاقب أكثر. لأنك... على الأقل تصرفت كما يجب، لمرة."
ثم التفت.
"لكنك ستذهب إلى الأكاديمية.."
"آه... هل أستطيع الاعتراض؟"
"لا."
"اقتراح؟"
"لا."
"جدول بديل؟"
"صفر فرصة."
الدوق تقدّم، مدّ يده، وأعاد فتح الأصفاد السحرية.
" غرفتك جاهزة. وتدريبك يبدأ مع شروق الشمس. ولا تحلم بالهرب مرة أخرى."
"وإذا هربت؟" سأل ويليام وهو يرتدي قميصه مجددًا.
الدوق التفت، وعيناه تضيئان بلمعان مرعب:
"سأستخدم الحزام. المرة القادمة."
ويليام ابتلع ريقه.
"...فهمت، تمامًا، بوضوح، بلا أي غموض."
وهو يسير إلى الباب، تمتم بصوت خافت:
" أحمق...؟ صفعني لأنه قلق؟ هذا تطوّر غير صحي في علاقتنا."
ثم... ابتسم.
رغماً عنه.