14 - هل يمكن اكل المانا أسأل ويليام

[الممر المؤدي إلى قاعة الطعام - منتصف النهار]

خرج ويليام من القاعة الدراسية وهو يتمطّى ببطء، وكأنه أنهى معركة لا درساً، بينما كان زيك يسير بجانبه كتمثال صامت، يحمل ملفات ويليام التي لم يُمسّ أي منها.

"زيك..." قالها ويليام وهو يحدّق في السقف.

"نعم، سيدي؟"

"هل الأكاديمية دائمًا هكذا؟ محاضرات مملة، أناس غاضبون، وأساتذة لا يعرفون الفرق بين التعليم والإرهاب العاطفي؟"

"نعم، سيدي."

"رائع... الجحيم بنكهة الأرستقراطية."

"قاعة الطعام في نهاية هذا الممر. ستأخذ استراحة ساعة قبل الحصة القادمة."

ويليام توقف، شعره يتمايل قليلاً على جبينه، وعيناه تتسعان ببطء:

"طعام؟! أنت تقولها وكأنها أمر عادي..."

[قاعة الطعام - الأكاديمية الملكية]

ما إن دخل من الباب حتى أصابته صدمة حسية.

القاعة فسيحة، مضاءة بثريات كريستالية ساحرة، وطاولات الطعام الطويلة تعجّ بألوانٍ وروائح تكاد تدفعه للركض.

أطباق فاخرة، مأكولات بحرية مشوية، شرائح لحم متبّلة، فطائر ذهبية، حلويات تُلمع من السكر، أنواع خبز لا يعرف أسماءها.

توقف للحظة، فرك عينيه.

"أنا... حي؟ هذا ليس حلمًا؟"

ثم استدار نحو زيك.

"هل أستطيع... الأكل؟ كل هذا؟"

أجابه زيك بنبرة جافة:

"هذه طاولة النخبة، يُسمح لك بالأكل منها. بحكم وضعك الحالي."

ابتسم ويليام ببطء، ورفع ذراعيه:

"يا إلهي... قد أكون كسولاً، وقليل الأدب، ولا أستحق مانا مزدوجة... لكن إن كان هذا الثمن للطعام، فأنا أدفعه بكل رضا."

أمسك صينية وبدأ بالجولة.

ومع كل طبق، كان يتمتم وكأنه يكتب قصيدة حب سرية:

"هذا؟ حساء الطماطم بالفطر الأسود؟ تعال إليّ، يا حبيبتي."

"شرائح البط مع صلصة التوت؟ لم أتخيل يوماً أن تقع في غرامي."

"أنتِ... كعكة البندق ذات الطبقتين... لا تنظرين إليّ هكذا."

ملأ صحنه حتى الحافة، ثم أضاف طبقة ثانية فوق الأولى.

وحين جلس أخيرًا، تنهد وكأنه عاد إلى حضن أمه:

"هذا... هذا ما وُلدت من أجله."

وبدأ يأكل بنهم، عيناه مغمضتان، يتمتم بين كل لقمة وأخرى:

"يا إلهي... الملوحة متوازنة... والنكهات ترقص في حلقي..."

"الخبز طريّ كوسادة طفل..."

"لماذا يعيش النبلاء كأنهم في جنازة أثناء تناولهم هذا؟!"

مرت دقائق، وعيون كثيرة بدأت تلتفت إليه.

على الطاولات المجاورة، بعض الطلاب يحدقون فيه بذهول.

كان أغلبهم يكتفي بطبق صغير، قطعة لحم وبعض الخضار، ينظرون إلى طعامهم كما لو كانوا يتأملون لوحة فنية.

أما هو... فكان يتعامل مع الطعام وكأنه صديق طفولة.

"هل هذا طبيعي؟"

"هل هو جائع إلى هذا الحد؟"

"لا، أظنه مهووسًا."

حتى ريو، الجالس على طاولة النخبة مع الأمير إيثان وكايل، التفت ببطء.

"ابن خالتك... يأكل وكأنه لم يرَ طعامًا في حياته."

ريو، رغم هدوئه المعتاد، رفع حاجبه:

"إنه يأكل بسعادة حقيقية. ."

ثم نظر إلى كايل، الذي لم يعلّق، فقط أخذ رشفة من عصيره ببرود.

"ألا تمانع؟" سأله ريو.

أجاب كايل ببساطة:

"لو بدأت بالاعتراض على تصرفات ويليام، سأحتاج مئة عام فقط لأكتب أول قائمة."

ضحك إيثان قليلاً.

"إذاً، أنت معتاد عليه؟"

"تمامًا. بل إن هذا يُعتبر يومًا هادئًا."

ويليام، دون أن يلتفت إليهم، واصل معركته الحقيقية: مع ملعقته.

"كيف يمكن أن يكون الأرز طريًا لهذه الدرجة؟ هل طهوه في حلم؟"

"حتى الجبن... هذا الجبن كريه الرائحة... مذهل... آه... أحبك."

ووسط كل تلك النظرات، ووسط كل همسات الاستغراب...

كان ويليام سعيدًا.

سعيدًا على طريقته الخاصة.

فبينما كان الجميع يعيش التوتر، القلق، المظاهر، والصراع على المراتب...

هو فقط وجد لحظة صدق.

في لقمةٍ.

---

[قاعة الطعام - بعد الغداء]

نهض ويليام من على الطاولة، وهو يربت على معدته الممتلئة كمن أنهى معركة مظفرة، وبدأ يتمتم لنفسه بانسجامٍ لعين:

"الحياة... بسيطة. طعام لذيذ، معدة ممتنة، ووقت للقيلولة..."

زيك وقف خلفه كظله، يتأهب لمرافقته للحصة القادمة.

"سيدي، لقد مضى نصف الوقت، علينا التوجّه إلى-"

"آه، لا بأس، لا بأس... لكن قبل ذلك..."

تلفت ويليام حوله، خفض صوته وتحدث بنبرة جادّة:

"يبدو أنني... أحتاج الحمام."

زيك عبس:

"في هذا الوقت بالضبط؟"

"معدتي أرستقراطية، لا جدال معها."

أشار ويليام نحو ممرٍ جانبي وأطلق تنهيدة درامية:

"خمس دقائق، لا أكثر. سأعود إليك بكل... أناقة."

---

[بعد دقائق - مبنى الصفوف القديم]

تسلل ويليام من الممر الخلفي، يتفحص الأبواب حتى وجد أحد الفصول غير مستخدمة.

دفع الباب بخفة، ودخل غرفة صامتة إلا من خرير نافذة نصف مفتوحة، وضوء ناعم يتسلل من الستائر.

"مكان مثالي لقيلولة ما بعد المجد..."

استلقى على مقعد طويل قرب الجدار، وأسند رأسه إلى حقيبته المليئة بالأوراق التي لم يقرأها قط، وتمتم قبل أن تغمض عيناه:

"اللهم اجعل نومي خفيفًا... لكن أطول من ثلاث حصص... آمين."

[وقت لاحق - داخل الصف نفسه]

استيقظ ويليام على صوت همسات وضحكات مكتومة.

رمش عدة مرات، ثم رفع رأسه ببطء ليرى نفسه محاطًا بطلاب جدد، وأستاذ يقف أمام السبورة يشرح بحماسة.

"...العناصر الأساسية للسحر الأربعة - النار، الماء، الهواء، الأرض - تتفاعل ضمن توازن مضاد. كل عنصر يمكنه التأثير على الآخر، لكن لا شيء يكسر قوانين التفاعل."

حاول ويليام النهوض ببطء، لكنه كان في منتصف الفصل تمامًا، والنظر بدأ يتوجه نحوه.

الأستاذ استدار إليه فجأة:

"أنت! ما اسمك؟ كيف دخلت هنا؟"

تلعثم ويليام قليلاً، لكنه ابتسم بتكاسل:

"أوه، فقط... تجولت وسقطت عن طريق الخطأ في بعدٍ دراسيّ."

ضحك البعض بخفوت، لكن الأستاذ لم يتأثر:

"حسنًا، ما دمت مستيقظًا الآن... أخبرنا رأيك. ما رأيك في توازن النار والماء؟"

ويليام حدّق في السقف، ثم في السبورة، ثم في الأستاذ، ثم... في لا شيء.

وبصوت هادئ، شارد، تمتم:

"يقولون إن الماء يُطفئ النار... لكنني وقفت تحت المطر ساعات..."

"وساعات..."

"وظننت أنها ستنطفئ..."

"لكنها... لم تنطفئ."

ساد الصمت.

الطلاب تبادلوا النظرات، والأستاذ فتح فمه ولم يجد ردًا.

حتى ضحكة خفيفة من الزاوية انحبست في الحلق.

ويليام، بعد لحظة من الشرود، رمش ببطء... ثم اتسعت عيناه.

"...آه، لحظة، انتظروا-لا أقصد-"

"أنا لا-"

"لم أقصد نارًا مجازية، أعني... هذه مجرد تجربة علمية-"

قفز من مقعده، صينية أقلام تتناثر تحت قدميه، وصرخ:

"أنا لست شاعراً! أقسم!"

واندفع خارج الغرفة، صدى خطاه يتردد في الممرات وهو يركض.

[الممرات - بعد دقائق]

كان يقف خلف أحد الأعمدة، يتنفس بسرعة، وجهه محتقن.

"...ما هذا؟ أنا فقط... أردت النوم!"

"من أين جاءت كل تلك الدراما؟"

"مَن يقول شيئاً كهذا وسط درس سحر؟!"

غطّى وجهه بكفيه، وهو يتمتم:

"اللعنة... لقد تحولت إلى بطل تراجيدي وأنا أحاول الهرب من الحصة."

[في الخلفية - داخل الصف]

أحد الطلاب يهمس:

"من كان ذلك؟"

"لا أدري... لكن... هل هو بخير؟"

البرفسور يقف مذهولًا، ثم يتنحنح ويعود للشرح:

"على أي حال... فلنعد إلى النار والماء."

---

[ممرات الأكاديمية - بعد الهروب الفاضح]

ويليام كان يركض.

ركض لا يليق بشخصٍ كسولٍ مثله، لكنه كان يركض... كأن شبحًا يطارده.

"زيك، زيك اللعين... كيف عرف؟!" تمتم وهو يلتفت للخلف، يرى ظل زيك المقترب، عينيه تلمعان بعزيمة الحارس المثالي.

"بسرعة، دماغي الكسول، فكّر!" همس لنفسه، وهو يتجه لجهة عشوائية.

ركض عبر باب مزدوج ضخم... ودخل.

[قاعة الاجتماعات الأكاديمية - لحظة الصدمة]

توقف الزمن.

ثلاثة مدراء، أربعة برفسورات، مساعدون، وبعض الأوراق المبعثرة على الطاولات الطويلة.

الجميع استدار نحوه فجأة.

"هاه؟"

رجل يرتدي عباءة فاخرة من الحرير البنفسجي نهض وقال:

"أنت! أخيرًا! تأخرت أيها البرفسور ميهوك من الجنوب!"

رمش ويليام، مرة... مرتين... ثم أدرك.

"... أوه. نعم. أنا."

ابتسم، تلك الابتسامة الواثقة التي يخفي بها العبث الداخلي، وانحنى قليلاً:

"ميهوك... في اللحم والدم، وإن تأخرت، فالعبقرية لا تلتزم بالمواقيت."

أحد المدراء اقترب منه، حاملاً مخطوطات:

"كنا نناقش دمج السحر الطبيعي في المناهج الجديدة. ما رأيك؟"

ويليام أخذ المخطوط، نظر إليه بلا أي اهتمام حقيقي، ثم قال ببطء وهو يومئ كالعالم المتأمل:

"رائع... ممتاز... لكن مشكلتكم أنكم تفكرون بشكل خطي."

"نحن بحاجة إلى ثورة في التعليم، يا سادة، شيء... أفقي!"

رمش الجميع.

"أفقي؟" تمتم أحدهم.

ويليام أومأ بثقة:

"نعم. لا تعليم من الأعلى للأسفل، بل من الداخل للخارج."

"مثل... الكسل النشط."

"آه؟" سأل أحد المدرسين.

"نُحفّز الطالب على ألا يفعل شيئًا... حتى يفعل كل شيء!"

أحد البرفسورات سعل بخفة:

"وماذا تقترح علينا بشأن تعليم العناصر السحرية؟"

"آه، بسيط، بسيط جداً." قال ويليام، وهو يجلس على رأس الطاولة بثقة ملوكية، يضع رجلاً فوق رجل، ويشير بإصبعه كما لو كان يلقي بياناً ثورياً.

"توقفوا عن تعليمهم القوانين... علموهم كسرها."

"أعطوهم شمعة... واطلبوا منهم أن يطفئوها بالبكاء."

"وهكذا يولد الساحر الحقيقي."

ساد صمت مذهول.

ثم قال أحدهم:

"هذا... عميق."

"فلسفي."

"ثوري."

همس أحدهم: "غبي جداً لدرجة أنه عبقري."

وقبل أن ينهار تمثيله، سمع صوتًا خلف الباب يُفتح بقوة... خطوات ثقيلة تعرفها معدته المرتجفة.

"وجدته!" صرخ زيك من خلف الباب، وهو يدخل الغرفة.

وقف كل من في القاعة.

"آه، مساعد البرفسور ميهوك!" قال أحد المدراء بحماسة.

زيك تجمد في مكانه، فمه مفتوح.

ويليام رفع حاجبه نحوه بابتسامة شريرة:

"أخيرًا، أتيت. أين كنت؟ لقد كنت أرتجل وحدي هنا!"

زيك حدق فيه، ثم في الآخرين، ثم... زفر من أنفه ببطء، وقال من بين أسنانه:

"نعم... سيدي البرفسور."

[بعد دقائق - خارج القاعة]

سحب زيك ويليام من ياقته حين ابتعدا عن القاعة.

"ما هذا بحق ؟! برفسور؟!"

"نجوت من موقفٍ لا مخرج منه. يجب أن تشكرني على عبقريتي."

"كدت تجعلني مساعد أستاذ حقيقي!"

ويليام تمطط، وقال بكسل وهو يسير أمامه:

"آه، لا تقلق... أعطيتهم دروسًا ستظل في عقولهم سنوات. أو دقائق. من يدري؟"

"لكن الآن... أظن أنه وقت... قيلولة."

"أخرى؟!"

"العقل اللامع يحتاج إلى راحة لامعة، زيك."

---

[ممر الأكاديمية - بعد مهزلة البرفسور ميهوك]

"إلى أين نذهب الآن؟" تمطّى ويليام وهو يسير مترنحًا بجانب زيك، وكأنه أنهى معركة بطولية.

"إلى الجحيم، إن كنت محظوظاً." تمتم زيك، قبل أن يسحب ذراعه بقوة.

"أوه، عنف، عنف! لا أحد يُقدّر الفنانين في هذا المكان."

"وجهك يحتاج لتمارين، لا فن." رد زيك ببرود وهو يجره نحو القاعة التالية.

[قاعة اللياقة البدنية - دُعيت المعاناة]

كان الصف ممتلئًا بالطلاب في زي رياضي أنيق، الصفوف منتظمة كأنهم في عرض عسكري. وفي المنتصف يقف المدرّس الضخم، بعضلات تتحدث قبل فمه.

"سيد ويليام؟" قال بنبرة باردة وهو يراه يدخل متأخرًا، شعره مبعثر وملامحه نصف نائمة.

ويليام وقف، يتفحص المكان.

"رائحة عرق... لا شك أنني أخطأت المكان."

ضحك خافت صدر من الخلف، لكنه اختنق حين نظر المدرّس نحو المصدر.

"قف في الصف!" زمجر المدرّس.

ويليام تنهد، ووقف في نهاية الصف بجانب طلاب يحدقون به بعيون متفحصة... ومن بينهم ريو هيلدون، الذي رفع حاجبه بابتسامة خبيثة.

وإيثان، ولي العهد، الذي اكتفى بالتحديق بلا تعبير.

"أين زيك؟" همس ويليام لنفسه.

"أنتَ لا تحتاج حارسًا الآن، تحتاج طبيبًا إن لم تبدأ بالجري!" صرخ المدرّس.

"جري؟ في هذا الحر؟ يا إلهي... هذا اغتيال."

"ارفع يدك اليمنى!" أمر المدرّس.

رفع ويليام يده.

"واليسرى!"

رفعها.

"قفز خمس مرات!"

قفز مرة... اثنتين... ثم جلس على الأرض فجأة.

"كفاني! أشعر أن ضلوعي تآمرت ضدي!"

صرخ المدرّس، ووجهه يتحول للون الطماطم:

"أنت تهين درسي، وتُزعج بقية الطلاب! اخرج من صفي حالاً!"

صمتٌ.

ثم... ظهر بطيء ويليام، يداه على خاصرته، وعيناه متسعتان بدهشة مزيفة.

"هل... هل هذا يعني؟"

"طُردت!" صاح المدرّس.

صمت تام عمّ القاعة.

ثم، وبكل خفة، دوّر ويليام على كعبه، ورفع يديه عالياً، وبدأ... يرقص.

خطوة يمنى، خطوة يسرى، حركة ذراع مفرطة الدراما، ثم انحناءة مسرحية أمام الجميع.

"أشكر الأكاديمية على هذا الشرف العظيم!" صاح بصوت مرتفع.

ثم خرج... يرقص.

بكل جدية.

ريو كان يحدق، فمه نصف مفتوح.

"هل... هل رقص للتو لأنه طُرد؟"

إيثان، الذي نادرًا ما يعلّق، قال بنبرة باردة:

"غريب."

كايل، من الزاوية، مسح وجهه بيده.

"لا، هذا طبيعي جداً... بالنسبة له."

**

[في الممر - بعد دقائق]

زيك كان ينتظره.

"لماذا تركت الصف؟!"

ويليام، وهو لا يزال يرقص ببطء، أجاب:

"طُردت. كانت لحظة تاريخية. احتفل معي؟"

"احتفل معك... على أن يُقص رأسك قريباً؟"

ويليام رفع حاجبيه، ثم تمطّى بكسل:

"المدرس طلب مني أن أُغادر... وأنا لا أرد طلبًا لطيفًا."

"أنت طُردت لأنك رفضت رفع ساقك!"

"كنت أحمي قدمي من التعب! أعني، ألا يُقدر أحد هنا السلامة البدنية؟!"

---

[صباح الأكاديمية - الساعة 5:00 فجراً]

لم يكن هناك طائر يغرد... ولا شمس تشرق... فقط صوت ارتطام صاخب يهز جدران المبنى الغربي.

"ويليام!!! افتح هذا الباب اللعين حالاً!!!"

كان ليستر واقفاً أمام باب غرفة النوم في قسم السكن الخاص. وجهه محمر، شعره منكوش، ويده تكاد تتحول إلى مطرقة.

لكنه لم يكن يصطدم بباب عادي... بل بحاجز سحري.

من الداخل، كان ويليام نائمًا فوق سرير يليق بملك من عصور غابرة. ملتحفًا ببطانية من الريش، وهو يتمتم في نومه بسعادة:

"طعام... مزيد من الشوكولاتة... لا، لا تلمسوا الدجاج... إنه لي..."

وفوق الباب، تلمع خيوط زرقاء متوهجة. حاجز سحري محكم.

ليستر، الذي اعتقد نفسه عبقريًا في كسر الحواجز، حاول كل شيء:

- تعاويذ القوة: فشلت.

- الركل: كسر قدمه جزئيًا.

- تهديد ويليام بالحرمان من الطعام: لم يسمعه أحد.

ثم بدأ يصرخ.

"سأعدّ حتى ثلاثة! واحد! اثنين! ثلاثة ونصف! خمسة! ويليام!"

[بعد عشر دقائق]

بدأت رؤوس الطلاب تتجمع في الممر:

"ماذا يحدث هنا؟ هل هناك معركة؟"

"أظن أن المدرس الجديد فقد صوابه..."

"أليست هذه غرفة الطالب ويليام؟ الطالب الكسول؟"

حتى بعض المعلمين حضروا، منهم برفسور "إيلين" التي همست وقد شربت قهوتها الأولى:

"من سمح له بوضع حاجز بهذا المستوى؟ هذا... هذا معقد!"

في الداخل، فتح ويليام عينه أخيرًا، وحدق بالسقف بكسل.

ثم ابتسم.

"لقد نجح الحاجز... نعمة الكسالى."

مدّ يده تحت الوسادة، أخرج قطعة خبز محشوة بالجبن، وأخذ قضمة.

"يوم جيد يبدأ بإغلاق الباب... وإنهاء الإزعاج."

ثم... أغمض عينيه مجددًا.

في الخارج، كان ليستر قد فقد صوته... وكرامته. وبدأت نظرات الشفقة تنهال عليه من الطلاب والمعلمين.

حتى "إيلين" وضعت يدها على كتفه وقالت:

"عزيزي... دع الأمر. هذا ليس تلميذًا. هذا وباء."

وفي هذه اللحظة، ظهر صدع من الحاجز فجأة... لكن ليس بسبب ليستر.

بل لأن ويليام... تثاءب.

"آه... ربما أنام عشر دقائق إضافية فقط."

ثم عاد للنوم.

وانتهى المشهد، والطلاب يحدقون ببقايا الدخان السحري المتصاعد من الباب... ووجه ليستر المتحول إلى طيف من الإنهاك.

----

[غرفة ويليام - الساعة 5:47 صباحاً]

كان الظلام لا يزال يغلف أطراف السماء، والطلاب قد تفرقوا بعد العرض المجاني لصراخ ليستر، معتقدين أن الحدث انتهى...

لكن ليستر لم يكن رجلاً يعرف الاستسلام.

كان يحمل بيده تعويذة تفكيك قديمة ممنوعة، أخرجها من صندوق عتيق مكتوب عليه "للاستخدام عند الطوارئ... ثم أضاف عند التعامل مع ويليام."

قرأها بصوت خافت... وانفجر الحاجز مع وميض أزرق وضوء خاطف.

ثم... اندفع إلى الداخل.

ويليام، الذي كان نائمًا بسلام أشبه بطفل داخل شرنقة فاخرة من الأغطية، لم يفهم ما حدث حين أمسكه أحدهم فجأة من أذنه وسحبه للخارج كقطعة قماش.

"آآآآآه!! أذني! من هذا؟! غزو؟ اختطاف؟ نهاية العالم؟!"

ليستر كان وجهه يغلي من الغضب، يصرخ:

"أيها الكسول الوقح! أنت السبب في أنني فقدت صوتي، واحترامي، وكدت أكسر ساقي!"

"لا أذكر أني طلبت منك شيئًا من ذلك..." تمتم ويليام وهو يُسحب كدمية، ووجهه النعس مغطى ببصمات الوسادة.

"كُفّ عن التذمر!"

صفعة متوسطه على ظهره.

"آآخ!"

صفعة ثانية.

"هذا تعذيب جسدي!"

صفعة ثالثة.

"أعترف بكل شيء! حتى أنني سرقت كعكة من المطبخ ليلة أمس!"

[قاعة تدريب المانا المزدوجة - بعد قليل]

كانت القاعة ضخمة، مضاءة بضوء سماوي غامض ينبعث من البلورات الكريستالية المثبتة في الجدران.

عدة طلاب كانوا يتمرنون هناك تحت إشراف مدرب خاص، لكن حين دخل ليستر وهو يسحب ويليام من ياقة قميصه، توقف الجميع.

"هل... هذا... المجرم النائم؟"

"يبدو مثل فأر أُيقظ قبل الشتاء..."

"هل يبكي؟"

"هو لا يبكي،" همس ليستر، "هذا شكله الطبيعي."

وقف ويليام وسط القاعة. شعره منكوش، ملابسه مائلة، ووجهه في حالة عدم تصديق.

"هل... هل استيقظت للتو... من أجل... هذا؟ تدريب؟"

"نعم!" صاح ليستر وهو يرمي عليه بلورة مانا، "ابدأ الآن. أريدك أن تستدعي عنصريّ النار والرياح معًا."

"رياح... ونار...؟ هل أحاول الطهي؟"

"ويليام!"

"حسنًا، حسنًا..."

[صمت غريب... لأول مرة]

بدأ ويليام يرفع يديه ببطء. أصابعه ترتجف، لا من الجهد... بل من النعاس.

لكن بشكل مدهش، بدأت شرارات صغيرة تتصاعد من راحتيه. دوامة خفيفة من الرياح تدور مع وهج ناري خافت.

الجميع صمت. حتى ليستر شحب وجهه قليلاً.

"هل... هل يتدرب بجد؟"

"إنه لا يتكلم... هل هو مريض؟

"أو ربما... استوعب قدرته أخيرًا؟"

لكن الحقيقة كانت أبسط من ذلك بكثير...

في داخل رأس ويليام، كان يدور حوار ساكن:

(إذا أنهيت التدريب بسرعة... قد يُسمح لي بالنوم مجددًا...)

ليستر راقبه عن كثب.

ويليام لم ينطق بشيء. لم يتذمر. لم يشتم. لم يتظاهر بالإغماء.

فقط... ركز.

بعد دقائق من استدعاء الطاقة، بدأ جدار من الهواء الساخن يتشكل حوله.

وما إن انتهى، حتى جلس على الأرض وقال:

"انتهيت. هل يمكنني الآن... الموت قليلاً؟"

ليستر، رغم انزعاجه، لم يستطع إخفاء ابتسامة صغيرة.

"حسنًا... هذا التقدم مذهل. لكن لا تتوقع مكافأة."

"أريد فقط وسادة."

"لا وسادة!"

---

[قاعة تدريب المانا - بعد انتهاء تمرين الاندماج الأولي]

ليستر وقف بجانب ويليام، يعقد ذراعيه خلف ظهره، وصوته حاد كالسيف:

"جيد. الآن سنبدأ التدريب الحقيقي."

ويليام، جالس على الأرض مثل كيس أرز نصف فارغ، رفع رأسه بتثاقل:

"هل... هل ما حدث للتو لم يكن الحقيقي؟"

"بالكاد كان إحماء. حان الوقت لتتعلم التمييز والتحكم بين نوعي المانا في جسدك."

"نوعي؟ هل هما بطعم الشوكولاتة والفانيلا؟"

ليستر تجاهل السخرية، أخرج كرتين من الكريستال، واحدة تتوهج بنور أزرق سماوي، والأخرى رمادية، باردة وكأنها تسحب الضوء حولها.

"هذه تمثل المانا الأسترا... والطاقة الروحية العليا."

"وهذه... النولا، الطاقة الخام، المتوحشة، التي لا تُروّض."

ويليام اقترب منهما وحدّق، ثم قال ببطء:

"إذاً واحدة مشرقة والآخرى مكتئبة... مثل حالتي قبل وبعد الإفطار."

ليستر أشار نحو الكرة الرمادية.

"أنت تملك هذين النوعين في جسدك، وهذا أمر نادر جداً. لكن لا فائدة إذا لم تستطع السيطرة عليهما."

"أوه، ممتاز. هل أخبرتك أنني لا أستطيع حتى السيطرة على شهيتي؟"

"ويليام!"

"أنا هنا، لا داعي للصراخ، فقط قل ماذا تريد."

[بدأ التمرين - السيطرة على النولا]

أغمض ويليام عينيه وهو يجلس بتقاطع ساقيه، بينما ليستر يراقبه بعين صقر.

"اشعر بتيارات الطاقة البدائية. لا تطردها... لا تحاول كبحها، فقط دعها تنساب، ثم اجذبها نحو مركزك."

"كأنني أُقنع قطًا بريًا بالدخول إلى قفص... رائع."

بدأ ويليام بمحاولة تركيز مانا النولا. في البداية، كل شيء بدا عاديًا، ثم...

فُتحت عينه فجأة!

"واااه! إنها تغرز شوكًا في أعصابي!"

"تحمل!"

"تحمل ماذا؟ روحي تحترق! هذا كأنك تطلب مني ركوب تنين وهو غاضب لأنني سرقت بيضه!"

[تمر دقائق... ثم ننتقل إلى الأسترا]

ليستر، الذي بدا أنه استنفد صبره، قال بجدية:

"دعنا ننتقل إلى المانا الأسترا. إنها أكثر هدوءًا، لكنها تتطلب صفاء الذهن."

ويليام نظر له ببطء:

"صفاء الذهن...؟ أنت تطلب هذا من شخص لم ينم إلا ثلاث ساعات وتم جره من أذنه وصفعه على ظهره خمس مرات؟"

"اجلس. أغمض عينيك. تنفس."

"إذا نمت فلا تلمني."

بدأ بمحاولة استشعار الأسترا... كانت الموجات هادئة فعلاً، ناعمة كنسيم ربيعي.

لثانية... بدا عليه الهدوء الحقيقي.

ثم...

خخخخخخخ...

بدأ صوته بالنعاس، ورأسه يميل.

"أنت نائم؟!"

"أنا... أستشعر... السلام... الداخلي... ززز..."

صفعة .

"آخ!"

"تابع."

"كفى! هل هناك مستوى مبتدئين؟ أو طفل روضة للمانا؟ أنا مرهق نفسياً!"

[ليستر يتنهد... ويليام يتمتم]

جلس على الأرض من جديد، يتمدد كقطة مريضة.

"أسترا... نولا... نولا... أسترا... لماذا لا أمتلك مانا الشوكولاتة... أو القهوة؟"

"لأنك كسول هذا جزاؤك."

"أنا فقط أريد قيلولة..."

بينما كان ليستر يراقب التوهج الخافت من حول جسد ويليام وهو يعاود التركيز، لم يستطع إنكار شيء واحد:

رغم كل الكسل، والتمتمات، والسخرية...

كان ويليام يتقدم. ببطء... لكن بثبات.

حتى لو تم سحبه من أذنه كل صباح.

[خارج قاعة تدريب المانا - بعد الظهر]

ويليام خرج يتثاءب كأن التدريب مجرد حلم سيئ طويل. الشمس تغمر وجهه بلطف، والنسيم يداعب شعره الأشعث.

"آه... الحرية. طعمها أفضل من أي مانا... حتى النولا الباردة."

رفع يديه للتمدد، ثم...

[طننن!]

نافذة شفافة من النظام ظهرت أمامه فجأة، متوهجة بلون قرمزي، ونغمة تنذر بالمصائب.

[تحذير: نقابة "الدم الأحمر" رُصدت وهي تتسلل إلى أطراف الأكاديمية. الهدف: اختطاف ولي العهد إيثان. يرجى اتخاذ التدابير المناسبة.]

رمش ويليام ببطء، حدّق في الرسالة.

"...هممم."

أغلق النافذة بكبسة واحدة وكأنها إشعار مزعج من تطبيق الطقس.

"لا شكرًا. ليس اليوم."

[بدأ يتمشى في الممر، يحدث نفسه]

"دم أحمر... ولي العهد... اختطاف... آه، أعرف هذه الحبكة. الفصل 41 في الرواية الأصلية، صفحة 12 بالضبط."

توقف لحظة، ضرب جبهته بخفة:

"الآن أتذكر! كان من المفترض أن يتعرض إيثان لهجوم، وكايل يقفز بعربته مثل مجنون لينقذه... كم هذا درامي... ومزعج."

[مشهد من الرواية يتجلى في ذهنه]

كايل، اخوه يقفز من فوق السور وهو يقود عربة مسحورة بسرعة جنونية، يصرخ:

"إيثان! خلفك!"

بينما يندفع الظلال من بين الأشجار...

ريو، ذاك الهادئ دائمًا، فجأة يستخدم سيفًا أزرق يشق السماء، مانا باردة كالثلج تنفجر من جسده لأول مرة!

و... ويليام؟

في الرواية، يقف على بعد أمتار، يراقب.

يغلي من الغيرة.

يهمس الراوي في خلفية الرواية:

"ومن تلك اللحظة... بدأ قلب ويليام يتلون بالسواد، إذ شعر للمرة الأولى أنه... بلا فائدة."

[العودة إلى الواقع - ويليام يرفع حاجبه بسخرية]

"أوه، نعم... بالتأكيد. لأنني أغار من اثنين لديهما هوس بالتضحية بالذات والانفجارات."

"إنقاذ ولي العهد؟ آسف، عندي قيلولة"

رفع كفه وصرّح، وكأنه في مونولوج مسرحي:

"أنا، ويليام، أقرر رسمياً أن أترك البطولة لهم. سأكتب لهم بطاقات تهنئة عندما ينقذون إيثان... بينما أنا أتناول فطيرة أو أنام في الخزانة."

[ويليام يركض عكس الاتجاه، يدخل غرفة فارغة، يغلق الباب خلفه]

"آه، كم أحب أن أكون الشخصية الجانبية."

جلس على الأرض، يتنفس براحة، وأغمض عينيه.

"أتساءل فقط... هل سأحصل على طعام مجاني لاحقًا كمكافأة على تجاهلي كل شيء؟"

[لكن في أعماقه...]

رغم تهكمه، هناك شيء ما في صدره انقبض للحظة...

كأنه يعرف أن الأمور لن تبقى كما في الرواية،

وأن دوره قد لا يظل ثانويًا للأبد...

لكن - كما يقول دائمًا - "هذا صداع الغد."

2025/07/28 · 124 مشاهدة · 3262 كلمة
روزي
نادي الروايات - 2025