[حديقة القصر الإمبراطوري - بعد الظهر]

أشعة الشمس الذهبية انسكبت على الأعشاب النضرة، ونسيم خفيف داعب أوراق الأشجار، في لحظة هادئة ومسالمة لم تكن معتادة في حياة ويليام.

كان مستلقيًا على العشب، ظهره مستند إلى جذع شجرة عملاقة عمرها مئة عام، وعيناه مغمضتان، بينما في يده كتاب تافه بعنوان " ألف وصفة للراحة الداخلية ".

بجانبه، جلس كايل، صامتًا، يحدق في السماء من حين إلى آخر ثم في أخيه المسترخي الذي يبدو وكأن لا شيء يقلقه، رغم كل ما حدث.

ويليام حرك أصابعه بهدوء فوق الغلاف وقال:

"تعرف... الجو اليوم مثالي للتظاهر بأن الحياة لا تعني شيئًا."

كايل لم يرد.

ويليام أكمل، كأنه يتحدث مع نفسه:

"الشجرة هذه... كانت موجودة قبل ميلادنا، وستبقى غالبًا بعد موتنا. ألا يجعلك هذا تشعر أنك مجرد خطأ طفيف في رواية سيئة الحبكة؟"

تنهد ثم أدار رأسه ناحيته:

" كايل... لماذا تتبعني؟"

كايل ببطء وقال بهدوء:

"لا أتبعك."

"أوه؟ إذاً أنت دائمًا تظهر أينما أذهب... صدفة؟" فتح عينيه، وابتسم ابتسامة مرهقة. " أخبرني... ألم تكن تكرهني؟"

كايل شد قبضته بصمت.

ويليام جلس أخيرًا، ذراعيه مستندتان إلى ركبتيه:

" لقد حاولت قتلك، كايل. لا أحد ينسى أمرًا كهذا. هل أنت غبي أم مجرد... عاطفي بشكل مزعج؟"

تردد كايل للحظة، ثم قال:

" لقد حاولت قتلي، نعم. كنت مجنونًا. شريرًا. لا يمكن إنكار ذلك."

سكت للحظة، ثم أضاف:

" لكنني رأيتك الآن. أنت... مختلف. لم تعد ذلك الشخص."

ويليام نظر إليه بتعب، بنظرة عميقة دون سخرية لأول مرة:

" ولنفترض أنني ما زلت ذلك الشخص؟ مجرد نسخة بارعة في التنكر؟"

كايل تمسك بالأرض بيده وقال بصوت أكثر صلابة:

"حتى لو كنت كذلك... أنت أخي."

سخر ويليام: " أوه، العائلة. هل هذه حبكة شرف جديدة؟"

"لا." قال كايل وهو ينظر إليه مباشرة. "بل هي عبء اخترت أن أتحمله."

سكت الاثنان، ولفهما صمت ثقيل.

رياح خفيفة مرت بين الأغصان.

ثم تكلم ويليام:

" أتعلم، عندما كنت في الغيبوبة، رأيت أشياء... ليست أحلامًا، بل أكثر كابوسية. رأيت نسخة مني... تحرق كل شيء. تضحك على رماد العالم. ربما ما زالت داخلي."

كايل وقف وقال بهدوء:

"وأنا هنا لأتأكد أنك لن تكون وحدك... سواء ظهرت تلك النسخة أم لا."

أدار ظهره ومشى قليلاً، ثم توقف وقال:

" ابقَ تحت الشجرة، الكسول. سأجلب لك شيئًا من المطبخ."

ويليام رمقه بدهشة ثم تمتم:

" كايل، الغبي العاطفي... يا لي من أخ محظوظ."

ثم عاد ليستلقي، وأغمض عينيه، وفي قلبه شعور خافت... لم يكن حبًا، ولا ندمًا، بل شيء ثالث لا اسم له. شيء يشبه بداية جديدة.

---

[مكان مجهول - قبو بارد تفوح منه رائحة العفن]

فتح ويليام عينيه ببطء، أول ما رآه كان سقفًا متشققًا، ثم جدران حجرية باردة تحيط به. مقيد اليدين بسلاسل سحرية، وسوار معدني يطوّق عنقه، ينبض بطاقة تمنع تدفق المانا داخله.

أطلق تنهيدة ثقيلة.

"واو، قبو؟ مجددًا؟ هل هذه هواية وطنية في هذا العالم؟"

حاول تحريك قدميه، لكنه وجد نفسه مقيدًا إلى كرسي حديدي مغروس بالأرضية. تأمل الظلام المحيط، ثم رفع حاجبًا بسخرية حين سمع خطوات قادمة.

دخل رجلان. الأول، لم يكن إلا اللورد راينولد، بوجهه البارد المليء بالكراهية، والآخر، رجل نحيف بعينين زرقاوين وشعر أسود لامع... الدبلوماسي من إمبراطورية سابارا.

ويليام تمتم: "إذا كان هذا كابوسًا، فأنا مستعد للاستيقاظ الآن... أو على الأقل لاحتساء قهوة."

راينولد اقترب وقال بازدراء: "مزعج كما توقعت..."

أما الرجل الآخر فقال بصوت بارد لكن ناعم كالسُم: "إنه أكثر إدراكًا مما قالوا... للأسف."

" آه، آسف لأنني لست ميتًا بعد؟ سأبذل جهدًا أكثر في خيبات الأمل لاحقًا ." قال ويليام وهو يتصنّع الابتسامة.

لكن في داخله، كانت عينيه تبحثان: أي أثر لسحر؟ أي صوت خارجي؟ هل سيتبع أحد أثره؟ لا شيء.

الطوق حول عنقه كان من أحجار اللاثيوم-مادة نادرة، تعزل تدفق المانا بشكل شبه تام.

ويليام نظر إلى راينولد وقال:

"إذاً، ما خطتكم؟ التعذيب؟ القتل؟ أم مجرد مونولوج شرير طويل؟"

"كلا، فقط اختفاء... غريب. ستُحمّل الإمبراطورية سابارا المسؤولية، ويبدأ النزاع، وتنهار المعاهدة."

الرجل من سابارا أضاف: " وجودك خطر... فأنت تعرف أكثر مما يجب، وقد بدأت تفكر كحاكم."

ويليام أطلق ضحكة قصيرة: " أنا؟ حاكم؟ أرجوكم، كل ما أردته كان متجر حلوى ومكانًا أنام فيه!"

لكن في عينيه كان شيء آخر... نار هادئة تحترق.

كان يعلم أن لا أحد قد ينقذه... لا أحد سوى نفسه.

لكنه كان بحاجة للوقت.

" هلّا أخبرتني كيف حصلت على هذه السلسلة؟ تبدو غالية... هل تصنعونها يدويًا في سابارا؟ أم تسرقونها من الجثث؟"

الرجل عبس، لكن راينولد قال ببرود: " استمتع بساعاتك الأخيرة، يا ابن العار."

ثم استدار الاثنان، وهمّا بالخروج.

ويليام أغلق عينيه وهمس: "لن يأتي أحد، أليس كذلك؟"

لكن شيئًا بداخله، صغيرًا جدًا، لم يُطفأ... أحدهم قد يأتي.

وإن لم يفعل، فسيحترق معهم جميعًا.

---

[ القبو - بعد دقائق من خروج راينولد ورجل سابارا]

جلس ويليام في ظلال القبو البارد، يُحرك يديه المقيّدتين بهدوء بينما يحدّق إلى السقف الحجري. الغبار يتساقط ببطء، والضوء الخافت من مصباح سحري في الزاوية بالكاد يكشف ملامحه.

" حسنًا ..." همس بنبرة متثاقلة وهو يُريح رأسه على كتفه، " أعتقد أن هذا رسميًا... أسوأ موعد غداء على الإطلاق."

أخذ نفسًا عميقًا، ثم بدأ الحديث مع نفسه وكأن لا شيء يحدث:

"هل من الممكن أن أطلب البطاطا المشوية؟ أو ربما شريحة لحم؟ لا بأس حتى إن كانت نصف ناضجة، فقط لا تكون تلك الحساء البارد الغامض الذي يقدّمه السجانون عادة."

توقف لحظة، نظر للفراغ أمامه ثم فجأة صرخ بصوت عالٍ:

" أيها اللورد راينولد! يا عزيزي، يا منفي الكرامة، يا شمعة المؤامرات، هلّا أرسلت أحد الحمقى الصغار لإحضار بعض الطعام؟"

صدى صوته ارتد في الجدران، تبعه صمت طويل.

ابتسم بكسل، كأنّه يعلم أنهم يستمعون، ثم تابع، بنبرة درامية تمثيلية:

" أقسم أن هذا السجن لا يليق بمكانتي الاجتماعية. أين الرائحة الزكية؟ أين المقبلات؟ على الأقل بعض المكسرات؟"

وهو يثرثر، تحرك ظل خلف باب القبو، ثم فُتح الباب بقوة. ظهر أحد الحراس، غاضب الوجه، ومعه صحن صغير عليه قطعة خبز جافة وبعض الماء في كوب معدني.

ألقاها الحارس أمامه قائلاً: " اصمت أيها الأحمق المدلل !"

أجاب ويليام بابتسامة مشعة: " أوه، شكرًا، لقد كنت أظن أنكم نسيتُم ضيافتي!"

مدّ عنقه للأسفل بجهد، محاولًا التقاط الخبز بفمه، قبل أن يتوقف ويتنهّد: "آه، هذا ليس أنيقًا. لا يليق بي."

رفع رأسه، وحدّق إلى الحائط المقابل كأنه يتأمل لوحة فنية، ثم بدأ يتمتم:

"الآن لنتحدث جدّيًا... راينولد ليس ذكيًا بما يكفي ليخطط هذا وحده. رجل سابارا هو من يقود. هذا واضح. و... القيد لا يزال نشطًا. لذا لا يوجد مانا. لكن يمكنني استخدام شيء آخر..."

حدّق إلى الأغلال... ثم إلى الأرضية... ثم ارتفع حاجباه قليلاً.

"أوه... هل هذا شق صغير؟ صغير جدًا، لكنه متصل بالمصباح السحري؟ هه... إذًا هذا مكان قديم ولم يتم تجديده بالكامل، يا للعجب، يا للحظ..."

ثم عاد فجأة للصراخ بمرح:

"أيها اللورد راينولد! لدي ملاحظة بسيطة! قطعة الخبز هذه تشبه نعل حذاء جدي، أيمكنكم تحسين الطهي؟ سأموت قبل أن تُنفذوا مؤامرتكم، لكن من الجوع!"

في الأعلى، كان راينولد يحدّق في كرة سحرية تُظهر ما يحدث في القبو. عضّ شفتيه بغضب.

قال رجل سابارا ببرود: "سيكسر في النهاية... أو سيجن."

راينولد عبس، لكن لم يكن يعلم... أن هذا الجنون ليس إلا قناعًا.

ويليام، وهو يقضم الخبز الجاف بأسنانه، تمتم:

"إن لم يأتِ أحد، فسأصنع لنفسي مخرجًا... بيدي إن اضطررت. لكنني لن أُقتل على يد مهرّج مثلك يا راينولد."

ثم ابتسم، بابتسامة كسولة، وقال:

"لكن أولًا... سأحتاج لقيلولة."

---

[ في أعماق القبو - منتصف الليل]

أحكم الظلام قبضته على المكان، لا صوت سوى قطرات الماء المتساقطة، وصوت ويليام وهو يهمهم أغنية غير مفهومة. كان جسده مستلقياً، نصف نائم، بينما عيناه تراقبان الحجارة القديمة بعينين شبه مغمضتين، كسول كما يبدو، لكن عقله يعمل.

كان قد قرر انتظار اللحظة المناسبة، ولكن... شيء ما تغير.

فجأة... خلف جفنيه المغلقين، ومضة من النور الأزرق الداكن ظهرت. ليست نولا الفضية النابضة، ولا استرا زرقاء التي عرفها من قبل.

بل رمز... نقش!

تشكّلت دائرة سحرية معقّدة، مكونة من رموز قديمة لم يرها من قبل إلا في إحدى الصفحات المهترئة التي قرأها ذات مرة من كتاب " الأسس السحرية الأولى ". كتاب حظرت الأكاديمية تداوله لأنه يتحدث عن ما سُمي بـ " الأركانا "، أقدم أنواع المانا، والتي قيل إنها ماتت مع موت العصور الأولى.

عيونه انفتحت ببطء. الهواء حوله اهتزّ، لكنه لم يكن مانا حرًّا... بل قوانين. مفاهيم.

همس بدهشة: "أركانا؟... مستحيل... لم ينجُ منها شيء."

في داخله، صوته الداخلي الغامض الذي ظهر أول مرة حين رأى الأسترا، تكلّم مجددًا، لكن بصوت مختلف. أعمق. أقدم.

"لقد لامست قاعدة السحر، يا ويليام... الأسترا والنولا يتصارعان. أنت لست جسدًا متوازنًا لهما... لكن الأركانا؟ إنها مفتاح التوازن."

رفع يده المقيّدة ببطء، والرمز ظهر على راحة كفه. لم يصرخ، لم يتشنج، فقط... ابتسم.

" إن كانت هذه حقًا الأركانا..." مدّ إصبعه نحو أحد الأقفال الحديدية. همس: "Arcanum: Fractura."

صوت طنين... ثم تحطّم القفل كأن شيئًا فكّ شيفرة عمرها قرون.

القيد انكسر. واحد تلو الآخر.

وقف ببطء، يحرّك يديه بحرية لأول مرة منذ أن خُطف. صوت قيد رجله الأخير تحطم بنقرة من إصبعه.

لكن بدلاً من الهرب مباشرة، جلس على برميل مقلوب، وبدأ يرسم بدقة دوائر على الأرض بأظافره، كما لو كان يُعد مسرحًا لمسرحية.

تمتم:

"لا يوجد شيء أكثر رعبًا من خروف هادئ... ثم يتحول إلى ذئب يبتسم. دعونا نُرِهم الجانب الآخر من المجنون الكسول."

---

[في الطابق الأعلى - غرفة المراقبة]

صرخ راينولد فجأة: "مستحيل! الأقفال... انكسرت؟!"

ساحر سابارا وقف مذعورًا، يصرخ: " إنه يحرر نفسه! مستحيل، القيد من سلاسل مانا مطوّقة!"

لكن كرة المراقبة السحرية احترقت فجأة.

---

[القبو - بعد دقائق]

الباب انفجر من الداخل، واندفع الحراس راكضين، لكن ما رأوه جعلهم يتجمدون.

كانت الأرض مرسومة بدائرة متكاملة من النقوش، متوهجة بلون أزرق فحمي، وفي المنتصف يقف ويليام، مرتديًا قميصه الممزق، وعيناه تتوهجان بالضوء الخافت.

قال للحارس الأول الذي رفع سيفه:

" أقترح أن تنزل سلاحك... فالأركانا لا تحب الحديد."

السيف سقط فورًا. لم يتحدّث الحارس... بل ركض.

---

[القلعة - في مكان آخر]

كان كايل يبحث في الممرات، وإيثان يراجع إحدى الخرائط، حين شعر الاثنان بذبذبة سحرية ضخمة تحت الأرض.

قال كايل، وهو يتجه ناحية الأسفل:

" هذه... ليست مانا. ما هذا بحق الجحيم ؟"

إيثان شهق: " لا، هذا مستحيل... هل هذه... أركانا؟!"

---

[العودة إلى القبو - الساحة المحترقة]

وقف ويليام في المنتصف، محاطًا بثلاثة من قتلة سابارا المرهقين، أحدهم فاقد للوعي.

قال وهو يتثاءب:

"صراحة، كان يمكن أن أنام ليلة أخرى بسلام. لكن لا، يجب أن تختبروني، وأن تقيّدوني، ثم تتوقعوا أن أكون ممتنًا."

أدار نظره نحو الباب المحطم.

"حسنًا... وقت العودة إلى السطح. لنرَ إن كان أحدهم قد أعد لي فطورًا."

خطا إلى الأمام... وظل النقش الأركاني خلفه يتلاشى، كأن العالم نفسه لم يتحمّل ظهوره.

[ داخل القبو المدمر - دقائق بعد استخدام الأركانا ]

في اللحظة التي رفع فيها ويليام قدمه ليغادر المكان، اجتاحته موجة من الهتاف، صياح، وقع أقدام ثقيلة، وانفجار ضوء مانا أزرق ملكي.

الباب الضخم تحطم، والفرسان الإمبراطوريون اقتحموا المكان بعتادهم الذهبي والعلم الإمبراطوري مرفرف فوقهم.

وقف قائدهم، ونظر إلى الجثث الممدة، وإلى النقوش الغريبة المتلاشية على الأرض، ثم نظر إلى ويليام، الذي ما زال واقفًا نصف نائم، مغطى بآثار المعركة، شعره مبعثر، ويده تحك عنقه بكسل.

صاح القائد:

"وليام إيرونديل... باسم الإمبراطور، أنت متهم بالخيانة العظمى والتآمر مع سحرة سابارا! سيتم احتجازك فوراً !"

رفع ويليام حاجبه بكسل: " آه؟ هل هذه مزحة أخرى من النظام؟ لا؟... رائع."

وقبل أن يتمكن من قول كلمة أخرى، تم تطويقه بالأصفاد السحرية التي قيدت مجاري المانا مجددًا، وسُحب من قدميه حرفياً بينما يتذمر:

"آه... ألم يكن من الأفضل أن أعود للنوم؟ على الأقل كنت مرتاحاً..."

[ سجن القصر الإمبراطوري - الزنزانة المنعزلة ]

جُر ويليام إلى الزنزانة ببطء وهو يتمتم طوال الطريق. كانت الجدران باردة، والجو رطب، والغرفة خالية من أي شيء سوى سرير حجري.

جلس، ورفع رأسه نحو السقف قائلاً:

" ها قد عدنا مجددًا إلى هذه الفصول الدرامية... حسناً، يا حظي."

لم تمر ساعة حتى فتح باب الزنزانة بقوة، وظهر كايل، شعره غير مرتب، وجهه قلق، وعيناه تكاد تدمع من شدة التوتر.

"وليام!" "أنت بخير؟! ماذا حدث؟! الجميع يتحدث عنك...! أنا..."

ويليام لم يرفع عينه حتى. " لا حاجة لدراما الأخ المشفق الآن. اذهب."

كايل: " لكن-"

"قلت، اذهب." نطقها ببرود، وعاد ينظر إلى الجدار.

تردد كايل للحظة، همّ بالكلام، لكنه عض شفته، ثم استدار وخرج، والباب يُغلق خلفه بصدى ثقيل.

[بعد ساعة - الزيارة الثانية]

فتح الباب مجددًا... لكن هذه المرة كانت الخطوات أثقل، أكثر هيبة، وأكثر تهديدًا.

الدوق جوزيف.

شعره مربوط، عباءته الرسمية مفتوحة قليلاً كأنه خرج مسرعاً. عيناه الحمراوان تحدقان في ابنه الجالس على حافة السرير، قدمًا فوق الأخرى، يهمهم أغنية.

" أخيرًا وصلت، يا دوقي العزيز؟" قالها ويليام وهو يتثاءب.

لم يرد جوزيف، بل أدار وجهه للحارس: " افتح الباب، واغلقه خلفي. لا أحد يدخل."

فتح الحارس الباب بتردد، وأغلقه. صمت.

ثم... "ششششطط!"

خلع الدوق حزامه الجلدي، ورفعه دون كلمة.

ويليام جفل، لكن لم يتحرك. "ها نحن ذا... العنف الأبوي ..."

"جلدة!" "جلدة!" "جلدة!" "جلدة!" "جلدة!"

خمسة... خمس جلدات صامتة، سريعة، من دون رحمة. صرخ ويليام: "آااخ! مهلاً! لديّ حق قانوني! أين مجلس الطفولة؟! أيها النظام! استدعِ محاميي!"

الدوق تجاهل صراخه، والتقطه بعدها من أذنه كالطفل، وسحبه واقفًا.

"لماذا... تفعل هذا بي!؟"

قال الدوق، وجهه هادئ، لكن صوته ممتلئ بالغضب:

"لأنك رغم كونك تملك دماء إيرونديل، تتصرف كأحمق متعجرف! لقد سببت فضيحة... مرة أخرى! خُطفت، قاتلت، انفجرت، سجنت، والآن الجميع يتحدث! وتتهم بالخيانة؟!"

ويليام فرك أذنه الملوية: " آه... لم أطلب كل هذا... لقد كانوا يخططون لقتلي."

جوزيف صمت قليلاً، ثم تمتم:

"أعلم. ولهذا... أنا هنا."

توقف للحظة، نبرة صوته أصبحت أخف، لكن لم ينظر إليه مباشرة.

"سأخرجك... بعد أن تُحاكم علنًا، وتُثبت براءتك بنفسك. أنا... سأدعك تتصرف بطريقتك، فقط... هذه المرة، لا تفشل."

همس ويليام ببطء، بعد أن جلس على الأرض يفرك جلده:

" دوقي العزيز... حقًا تحتاج دورة في الأبوة."

رد جوزيف وهو يغادر:

" وأنت تحتاج دورة في البقاء بعيدًا عن المشاكل، لكنك فشلت في ذلك أيضًا."

الزنزانة تُغلق مجددًا. ويليام يبقى وحده.

لكنه ابتسم، رغم الألم.

" حسنًا... محكمة اليوم؟ يا له من عرض ممتع سيكون."

---

[ قاعة المحكمة الإمبراطورية - الصباح التالي]

كانت الشمس بالكاد قد ارتفعت حين امتلأت قاعة المحكمة الإمبراطورية عن آخرها. نبلاء، فرسان، سحرة، وحتى بعض التجار، تجمعوا لحضور الحدث المنتظر: محاكمة ويليام إيرونديل بتهمة الخيانة العظمى.

جلس الإمبراطور أدريان على العرش المرتفع، يراقب بهدوء، يده تستند إلى خده، وعيناه متألقتان بتسلية خفية.

إلى جواره، جلس الدوق جوزيف، صامت كالجبل، لكن كل نَفَس فيه كان توترًا مكبوتًا.

وفي زاوية القاعة، وقف اللورد راينولد، بوجهه المتغطرس، وإلى جواره رجل ذو معطف داكن من سابارا، يدّعي أنه شاهد.

ثم... فُتحت أبواب المحكمة، ودخل ويليام.

ليس بخطوات ثقيلة، بل بخفة، كأنه يدخل حفلة شاي. مظهره بسيط، شعره بني مشوش، وابتسامة كسولة ترتسم على وجهه.

همس أحد النبلاء: "هل... هل يبتسم؟ في محاكمته؟"

رد آخر: "إنه مجنون رسمي."

جلس ويليام أمام القضاة، المحامي إليوت خلفه يتنهد، بينما همس:

" قلت لك أن ترتدي شيئًا رسميًا."

أجابه ويليام: " كنت نائمًا يا رجل... هذا أقصى ما أستطيع فعله."

[بداية المحاكمة]

أُعلن عن بدء الجلسة، وتُليت التهم على ويليام: - التورط مع جواسيس . - القتل دون تصريح. - تشويه سمعة لورد نبيل.

رد ويليام بهدوء:

"يا له من سجل رائع. أين جائزة 'أكثر شخصية درامية في الإمبراطورية'؟"

ضحك خفيف انطلق من صفوف الخلف، بينما كتم الإمبراطور ضحكة حقيقية.

[الجولة الأولى: الهجوم]

بدأ اللورد راينولد حديثه: " هذا الصبي... منذ عودته، وهو يجلب الخراب. وأنا، اللورد النبيل المخلص، شُوّهت سمعتي بسبب أكاذيبه!"

ويليام شبك يديه وقال: "إذن، اعتبرني أحمقًا للحظة. لو كنت أفتري عليك، فلماذا كنت تجتمع ليلًا مع مبعوث ساباري غير مسجل في السجلات الدبلوماسية؟"

شهق الجمهور. نظر راينولد بارتباك. "ماذا- هذا غير-"

رفع ويليام إصبعه، ونظر إلى الإمبراطور:

"بحق قانون اللقاءات الدبلوماسية لعام 321، المادة 18، أي تعامل رسمي مع كيان أجنبي دون تسجيل يُعد خيانة صامتة. هل عليّ أن أقرأ الفقرة؟"

قال الإمبراطور بكسل:

"تابع، يبدو أنك حفظت القانون أكثر من وزيري."

أكمل ويليام:

" ثم، وبحسب تقرير الفرسان الذين اقتحموا الموقع، واعتراف المبعوث نفسه، كان راينولد قد زوّره باسم رئيس نقابة العطور ليغطي اجتماعه. عطور؟ في قبو؟ في منتصف الليل؟" رفع حاجبه بازدراء: "إما أن هذه صفقة حب سرية، أو مؤامرة."

ضحك بعض النبلاء، حتى المحامي إليوت ابتسم أخيرًا.

[الجولة الثانية: الدفاع الذكي]

"أما عن تهمة القتل... هل تقصدون الجواسيس الذين كادوا يقطعون رأسي؟ رائع."

سحب ويليام عقدًا صغيرًا من جيبه - قطعة أمان سحرية أعطاها له أحد الفرسان، مُعتمدة رسميًا.

" هل ترى هذا؟ يشير إلى أنني كنت هدفًا لمحاولة اغتيال. الدفاع عن النفس حسب المادتين 102 و 103. وهل تعرف ما هو مثير للسخرية؟"

نظر راينولد بقلق.

"أنني، برغم كل شيء... لم أقتل راينولد. للأسف."

ضحك الجمهور، وكتم الإمبراطور ضحكة جديدة، فيما كتم الدوق جوزيف ضيقه بقبض يده.

[الجولة الثالثة: النهاية]

سأل القاضي:

" هل هناك شيء أخير، ويليام إيرونديل؟"

أجاب:

"نعم. لو كنت خائنًا... لكنت تصرفت بذكاء أكثر. هذا غبي حتى بالنسبة لي."

[الحكم]

بعد مداولات قصيرة، أعلن القاضي:

" بعد مراجعة الأدلة، والتقارير، وشهادة شهود القبو... يُبرأ ويليام إيرونديل من جميع التهم. ويُحتجز اللورد راينولد للتحقيق في خيانة محتملة."

[ردود الفعل]

صرخ راينولد: " لا! إنه يتلاعب بكم! إنه-"

سحبه الحرس خارجًا.

الإمبراطور صفّق ببطء: "حسنًا، أيها الشقي الكسول... لا بد أن أرفع من ميزانية حلوى القصر."

الدوق جوزيف، رغم كل شيء، تنحنح وتوجه لويليام ببطء: " تصرفت... بذكاء. هذه المرة."

ويليام وقف، ورفع إصبعه:

"أنا دائمًا ذكي. فقط لا أعرض ذلك كل الوقت... حفاظًا على التوازن الكوني."

وانحنى برشاقة أمام الجميع.

---

ما إن انتهت محاكمة ويليام وأُعلن عن براءته، حتى بدأ النبلاء بمغادرة القاعة، بعضهم مذهول، بعضهم خائف من ذكاء ذلك الفتى الكسول، والبعض الآخر فقط... جائع.

أما ويليام، فكان على وشك الانصراف حين...

[ طنــن !]

ظهر أمام عينيه إشعار ضوئي من النظام، متوهجًا وسط الهواء:

> [تهانينا! لقد نجحت في تبرئة نفسك وكشف الخائن!] [تم منحك المكافأة: +10 ذكاء / +1 كاريزما / فتحت مهمة جديدة: "تغيير مصير الرواية"] [تنبيه: أحداث الرواية بدأت بالانحراف عن المسار الأصلي]

حدّق ويليام في الإشعار لثوانٍ، ثم... صرخ بصوتٍ عالٍ:

"مستحيل! أنا فقط أردت قطعة حلوى! لم أطلب تغيير مصير رواية كاملة!"

التفت الجميع نحوه، بما فيهم الإمبراطور، النبلاء، وحتى كايل الذي كان يحاول التسلل من الباب.

اقترب أحد الحراس بتردد:

"سيدي... هل أنت بخير؟"

نظر ويليام نحوه، عيناه متسعتان، وهو يلوّح بيده في الهواء:

"ألم ترَها؟ إنها هناك! إشعار! في الهواء! إنها المؤامرة الكونية!"

كايل دفن وجهه في كفيه. الناس بدأوا يتهامسون:

" هل... هل أصيب بجنون بعد المحاكمة؟" "سمعت أنه يسمع أصواتًا." "قلت لك، منذ غيبوبته وهو ليس طبيعيًا!"

لكن ويليام تجاهلهم تمامًا. بل، وبكل بساطة، استدار وهتف:

" أنا ذاهب لتناول الحلوى. لا أحد يوقفني. إن كان هذا قدري، فسأعيشه بسكر!"

[المطبخ الإمبراطوري - بعد دقائق]

جلس ويليام على الطاولة الكبيرة، وأمامه جبل صغير من كعكات الفراولة، وشوكولاتة دافئة، وصحن من المكرون اللذيذ.

وهو يمضغ بسعادة، قال لنفسه:

" حسنًا، حسنًا... أحداث الرواية تنحرف. الخائن انكشف مبكرًا، الإمبراطور يضحك على نكاتي، ودوق جوزيف لم يسحب سيفه بعد... إما أنني عبقري، أو هذه قصة ساخرة جدًا."

ثم نظر إلى قطعة كعك بتأمل عميق:

"هل سأصبح بطل الرواية؟ لا... هذا مرهق جداً. فقط دعوني الشرير الذي ينجو دائمًا."

ثم فتح النظام مجددًا وهو يتمتم:

"أرني المهمة الجديدة يا مزعج. ولتكن مهمة يمكن إنهاؤها بالقيلولة، رجاءً."

**

[في مكان آخر - خلف الستار]

كان الإمبراطور أدريان يحدق بملف كتب عليه اسم ويليام إيرونديل. ابتسم ببطء وقال:

"هذا الفتى... أصبح أكثر متعة مما توقعت."

أما دوق جوزيف، فكان يقرأ تقارير عن المانا الجديدة التي ظهرت في القبو وقت الإنقاذ. وفي قلبه، بدأ الخوف القديم يعود:

"ابني... أي نوع من الكائنات أصبحت؟"

ويليام، في تلك اللحظة؟ كان يهمهم بلحن من ابتكاره بينما يغمس قطعة حلوى بالشوكولاتة ويبتسم بانتصار.

"من يحتاج إلى سحر حين يكون لديك سكر؟"

---

بينما كان ويليام يضع قطعة من كعكة الليمون في فمه، ظهر إشعار جديد في الهواء فجأة، يلمع بلون أحمر ينذر بالخطر:

> [تحذير: الحرب بين إمبراطورية سابارا والإمبراطورية الملكية قد اندلعت رسميًا!] [تحليل: تسارع الأحداث بنسبة 43% عن المخطط الأصلي للرواية.] [ملاحظة: تدخلك المبكر أدى لتغير التوازن السياسي والعسكري.]

توقف ويليام عن المضغ.

نظر إلى الإشعار... ثم نظر إلى كعكته... ثم إلى السقف.

وبصوتٍ منخفض، قال:

"...هاه؟"

ثوانٍ من الصمت. ثم:

"ماذا يعني أنني عجّلت الحرب؟ أنا لم أفعل شيئًا! كنت آكل فقط! كنتُ نائمًا أغلب الوقت!"

قام من كرسيه فجأة، وأخذ يدور في المطبخ كمن يبحث عن زر " تراجع ".

كايل الذي دخل ليرى إن كان ويليام بخير، وجده يتمتم وهو يحدق في الفراغ:

"الأبطال الخمسة ما زالوا في سن المراهقة، أحدهم يعاني من حب المعلّمة، الثاني لم يكتشف حتى قدرته! والثالث... الثالث يعتقد أن السحر يأتي من الخضار!"

كايل : "...هاه؟"

لكن ويليام لم يعره أي اهتمام. بدأ يقرأ الإشعار مجددًا، وأصابع يده تعبث بشعره البني الفوضوي:

"أنا لست البطل هنا! تصنيفي شرير ثانوي! مهمتي الوحيدة كانت التسبب ببعض الأزمات، ثم أموت بطريقة درامية! أين أنا الآن؟ وسط حبكة من نار!"

توقف فجأة. أخذ نفسًا عميقًا. نظر نحو كايل الذي كان يرمشه بدهشة.

"كايل... قل لي، هل يجب أن أفعل شيئًا؟"

كايل، المتفاجئ من الجدية النادرة في صوت ويليام، فتح فمه ليجيب، لكن ويليام لوّح بيده وقال:

"في الواقع، لا. لا تقل شيئًا."

[غرفة ويليام - بعد دقائق]

دخل إلى جناحه، خلع حذاءه، رمى عباءته على الأرض، ثم رمى نفسه على السرير بكسل ملوكي.

استدار ببطء، رفع الغطاء، تمتم:

"أنا لست البطل... ولا أريد أن أكون. أنا مجرد رجل جميل، نائم، وكسول."

ثم حدّق في السقف مجددًا:

"إذا أرادت الرواية حربًا، فلتبدأها. سأشارك حين يصبح لدي وقت، أو إذا كان هناك بوفيه مفتوح في الجبهة."

سحب الغطاء فوق رأسه وهو يبتسم، وأغمض عينيه ببطء، يتمتم:

"أبطالكم سيتأخرون، والمانا خاصتي لا أفهمها بعد، لكن لا تقلقوا... سأنام جيدًا هذه الليلة."

"الحرب؟ آسف، أنا نائم"

ثم غرق في النوم، والإشعار الأحمر ما زال معلقًا في الهواء، يتوهج في صمت.

[خارج الغرفة - في نفس اللحظة]

وقف الإمبراطور أدريان يحدق في الباب المغلق، وقال لدوق جوزيف:

"هل... هل هو نائم؟"

أجابه جوزيف بوجه متجهم:

"نائم، ويمضغ حلوى، ويرفض التدرب. ابني نموذج حي للكسل الإمبراطوري."

أما النظام؟ فقد أضاف سطرًا جديدًا في سجله:

> [اللاعب: ويليام إيرونديل. التصنيف الحالي: شرير غير مبالٍ. التأثير في الأحداث: غير مقصود، لكن بالغ.]

--- الفصل القادم الاسبوع الجاي أن شاء الله مع سلامة

2025/08/04 · 99 مشاهدة · 3498 كلمة
روزي
نادي الروايات - 2025