[غابة مساء ]
فتح زاك عينيه، متأملًا الغريب الذي يجلس أمامه وبيضة غريبة الحجم تلمع بجانبه.
"من أنت؟"
تجمد ويليام لثوانٍ، ثم استجمع كل مهاراته في الكذب التي لم يتقنها أبدًا وقال:
"أنا... تاجر بيض ضائع."
(يا إلهي، هل هذا أفضل ما وجدت؟)
"تاجر بيض؟ في هذه الغابة؟ وبهذا العمر؟"
ابتسم ويليام ابتسامة متوترة وهو يدير رأسه جانبًا:
"أجل... إنها هواية عائلية. البيض... شغفنا، نربيه، نعتني به، نغني له أحيانًا."
(لماذا أقول هذا؟ لماذا أنا هكذا؟)
نظر زاك إلى البيضة ثم إلى وجه ويليام المشكوك فيه.
لكن قبل أن يسأله المزيد، قفز ويليام واقفًا وقال:
"على أي حال! يجب أن أذهب! لدي... موعد مهم مع شجرة."
ثم انطلق يعدو هاربًا، متجاهلًا زاك، البيضة، وكرامته.
لكنه لم يصل بعيدًا.
"انتظر!"
كان زاك يركض خلفه. الأسوأ؟ البيضة تتدحرج أيضًا خلفه بحماس.
(تبًا! البيضة بدأت تتعلق بي؟ لا! هذا ضد قوانين الراحة النفسية!)
أخذ منعطفًا حادًا بين الأشجار، تسلق صخرة، ثم قفز منها بخفة، وكل هدفه واحد:
الهروب.
أخرج يده، مستعدًا لفتح بوابة فراغ باستخدام "النولا".
لكن... لا شيء حدث.
ظهر صوت النظام في رأسه:
[خطأ: خزان المانا 0%.
يرجى إعادة الشحن أو الموت بهدوء.]
"ماذاااااا؟!"
أخفض يديه، جلس على الأرض، وصرخ:
"أنا فقط أردت الهرب! أردت النوم! أردت حياة مملة بلا بيض، بلا ذئاب، بلا أبطال أغرب من الرواية نفسها!"
وصل زاك أخيرًا إليه، وهو يلهث، ثم نظر إليه قائلًا:
"أنت لست تاجر بيض، أليس كذلك؟"
نظر ويليام إلى الأعلى بوجه بائس.
(كشفتني يا شارلوك...)
"أعني... ليس رسميًا، أحيانًا أبيع البيض... في عقلي."
ضحك زاك فجأة، ثم جلس بجانبه وقال:
"أنت أغرب شخص قابلته... أعجبني هذا."
"أنا لست غريبًا... أنا ضحية. ضحية (رواية تتنفس فوق رقبتي)."
نظر زاك إلى البيضة التي توقفت عند قدم ويليام وبدأت تصدر صوت طقطقة خفيفة.
"يبدو أنها مرتبطة بك."
"وهذا ما أخشاه..."
ثم صمت كلاهما للحظة.
بعدها قال زاك بابتسامة:
"أتعرف؟ إن لم يكن لديك مكان تذهب إليه... يمكنك المجيء إلى منزلي. نحن لا نعيش في القصر، لكن لدينا حساء جيد و... الكثير من البيض."
"كأنني لم أُعذّب بما فيه الكفاية."
وقف ويليام وهو يتنهد، ثم نظر إلى السماء.
(نظام فاشل، بيضة مشؤومة، وأبطال ملتصقين بي... أهذا قدري؟)
ثم قال بصوت منخفض:
"حسنًا... لكن إن حاولت أمك أن تزوّجني لأختك، سأحرق المنزل."
ضحك زاك، ولوّح له ليتبعه.
والبيضة؟
قامت بقفزة صغيرة... كأنها سعيدة بالمنزل الجديد الذي لا يريده أحد.
---
[الأكاديمية - ساحة التدريب]
كان تيريون لا يزال في مكانه، يحدّق في البقعة التي اختفى منها ويليام منذ دقائق.
"هل استخدم الفراغ...؟"
زمّ شفتيه، ثم حاول تفعيل تعويذة تتبع الأثر.
"ماركا تراكا..."
لكن الضوء الأزرق اختفى بعد لحظة.
"فشل؟ مستحيل..."
(الولد الغبي كسر التعويذة... أو لا يعرف حتى كيف كسرها...)
انطلق تيريون بسرعة نحو الجناح الشمالي حيث يقيم ليستر، وفتح الباب بعنف.
"ويليام اختفى."
رفع ليستر حاجبه:
"اختفى؟ مجددًا؟ ألم يكن من المفترض أن تحرسه؟"
"هل تعتقد أنني فقدته في نزهة؟ استخدم مانا الفراغ واختفى من الأكاديمية كلها! لم أستطع حتى تتبّعه."
"...أوه. إذاً هو جدي هذه المرة."
(ليته كان يمزح...)
تنهّد ليستر وأغلق كتابه، ثم وقف وقال ببرود:
"يبدو أننا سنقود حملة مطاردة... مجددًا."
---
[منزل آل بريفير - المساء]
وصل زاك أخيرًا إلى قصر عائلته مع ضيفه الغريب، الذي بالكاد كان يمشي من التعب والمانا الفارغة.
"هذا هو منزلي. لا تتوقع شيئًا فخمًا، نحن فقط بارونات."
لكن عينا ويليام اتسعتا.
(الجو... النسيم... المزرعة الهادئة... والأهم، الكراسي في الحديقة تبدو وكأنها أحضان من الوسائد...)
"هذا المكان... جنة."
ضحك زاك وهو ينظر إلى انبهاره:
"لم أرك متحمسًا إلا عندما نامت البيضة."
"أنت لا تفهم... هذا المكان مثالي لنوم بلا ضغوط، بلا أبطال مزعجين، ولا نظام يصدر مهمات سخيفة."
استقبلهم البارون جون بريفير، رجل في منتصف العمر بملامح ودودة، وعينين زرقاوين مثل ابنه. ابتسم فور رؤيتهم:
"آه! زائر؟ أهلاً بك في بيت آل بريفير المتواضع."
"إنه تاجر بيض... نوعاً ما"، تمتم زاك وهو يغمز.
(أقسم أنني سأدفنه حياً لو واصل هذا الكذب...)
قادهم الخدم إلى الداخل، حيث انتشرت رائحة الخبز الطازج والحساء الدافئ.
جلس ويليام على الأريكة، وبمجرد أن لامست رأسه الوسادة، تمتم:
"سأبقى هنا للأبد. أخبر الأكاديمية أنني استقلت. من الحياة."
البيضة وضعت نفسها بجانبه بهدوء... كأنها تؤكد أنها أيضًا استقالت.
---
[غرفة الطعام ]
كان ويليام يتناول الطعام بنهمٍ، قطعة خبز تُغمس في الصوص، قطعة لحم تختفي قبل أن تلمس الطبق، وكل هذا مصحوب بهممات رضا:
(أخيرًا، طعام لا يحاول تسميمي... هذا هو السلام. هذا هو الحب. هذا هو القدر الحقيقي للنبلاء: النوم والطعام.)
قال البارون جون وهو يضحك برقة:
"يسعدني أن الطعام أعجبك. بالمناسبة، لدينا زائران قادمان لتناول العشاء، أحدهما راين من عائلة إيرونديل، صديق ريتشارد."
توقّف ويليام عن المضغ... الجملة ارتطمت بدماغه كصاعقة.
(راين؟ راين إيرونديل؟ لا تقل إنه... لا، لا مستحيل...)
وما هي إلا لحظات حتى فُتح باب القاعة ودخل شابان أنيقان. كان أحدهما ريتشارد، الابن الأكبر للبارون، أما الثاني فكان... راين.
راين إيرونديل.
شقيق ويليام الأكبر.
طويل، وسيم، بهالة الفارس المثالي... وعيونه اتسعت من الذهول ما إن وقعت على الشخص الجالس أمامه.
(أوه لا... ها نحن ذا...)
قال ويليام وهو يبتسم بخفة مصطنعة، واضعًا الشوكة جانبًا:
"أوه، ضيف جديد؟ من دواعي سروري، أنا مجرد... مسافر تائه."
لكن راين لم يتحرك. لم يرمش. فقط تحديق صادم.
"ويليام...؟"
"ويليام؟ من؟ أنا؟ لا لا، يبدو أنك مخطئ. اسمي... وليام بدون ياء."
حتى زاك بدأ يشك في صحة ما يحدث.
قال ريتشارد: "أتعرفه يا راين؟"
رد راين بنبرة مشوشة وغاضبة في آنٍ معًا:
"هذا... أخي الأصغر. الذي ذهب الا الأكاديمية . ماذا يفعل هنا؟ ولماذا يتظاهر بالغباء؟"
همس ويليام وهو يتصبب عرقًا:
(أوه رائع... لقد تم اكتشافي أسرع من المجرم في رواية بوليسية رخيصة.)
"أنا أعتقد أنني فقدت الذاكرة... أو شيئًا مشابهًا؟"
ثم تابع بصوت خافت:
"أوه لا، حتى أنا لا أصدق هذا العذر."
قال زاك وهو يحاول إنقاذ الموقف:
"ربما... فعلاً يعاني من صدمة؟ ضرب رأسه وهو يهرب من الذئاب قبل قليل."
(نعم! شكراً زاك! أنت نجم هذا الفصل!)
راين اقترب منه وهو ينظر إليه بعينين حادتين:
"سنتحدث لاحقًا... ."
(يا نظام... لماذا لا يوجد زر تراجع عن هذا؟)
---
[غرفة الضيوف الجانبية ]
ما إن انتهى ويليام من لحس آخر قطرة من الصوص، حتى شعر بقبضة مألوفة تمسك بأذنه وتبدأ بالشد كما لو كانت تحاول اقتلاع ذاكرته من مكانها.
"آه، رايـن! رفقًا! لا يزال الرأس ملتصقًا بالجسد!"
"أصمت وامشِ!"
سحب راين أخاه الاكبر كما يُسحب كيس بطاطا عنيد من السوق، وفتح باب غرفة جانبية مجاورة وأغلقها خلفه.
استدار ناحيته، وعبَر بذراعيه فوق صدره، وهو يحدق به بتلك النظرة التي تجمع بين الغضب والقلق الأخوي المكبوت.
"تكلّم. ماذا تفعل هنا بحق ؟ كيف هربت؟ والأهم... لماذا؟"
تنهد ويليام بكسل، وأدار عينيه وكأنه خُذل من الحياة ذاتها، ثم قال:
"حسنًا، باختصار... كنت أُجبر على التدريب. ليستر ضربني. تيريون رفعني ككيس قمح. هربت. استخدمت 'النولا'، نفدت المانا، سقطت في الغابة. انتهى."
"نفدت...؟" كرر راين ببطء وكأنه لم يصدق أذنيه.
"نعم، خزان المانا نفد. (وقد أخبرني هذا النظام المزعج بالأمر وأنا أركض هاربًا من ذئب يعض الهواء خلفي)."
اقترب راين بخطوتين، ثم أمسك برأس ويليام وبدأ بفرك شعره بعنف، حتى بدا وكأنه ينوي إزالة فروة رأسه.
"أحمق! أبله! أتدرك أنك تسببت بحالة طوارئ؟! بالتاكيد الأكاديمية انقلبت رأسًا على عقب! و الجميع يبحث عنك! والدك سيقتلك!... ثم يعيدك للحياة ليقتلك مجددًا!"
"آخ! رأسي! توقف! يا رجل، لا حاجة لكل هذا العنف! كنت فقط أبحث عن السلام! عن قيلولة! عن... الحرية!"
"حرية؟!" راين صرخ: "أنت نبيل، ، لا يمكنك أن تختفي هكذا!"
رد ويليام وهو يبعد يد راين:
"أنا مجرد شرير من رواية! أريد أن أعيش بسلام! هل هذا كثير؟!"
"شرير؟ رواية؟ ما الذي تهذي به؟!"
"آه، انسَ الأمر. ليس الوقت مناسبًا لفلسفتي الوجودية."
(لو أنني كنت مجرد بطل عادي، لكان الجميع قد تغاضى عني وأنا أهرب. لكن لا... أنا الشرير. الشرير الكسول... الذي تُسحب أذنه أكثر من عدد ساعات نومه.)
"حسنًا، سنُخبر البارون أننا ذاهبان في نزهة قصيرة... وسنعود فورًا إلى الأكاديمية. هل فهمتني؟"
"ماذا؟ الآن؟ لاااا! على الأقل دعني أستمتع بسريري قليلاً! لم أذق طعم الراحة منذ وُلدت!"
"ويليام!"
"حسنًا، حسنًا! لكنني سأشكوكم إلى جمعية حماية الكسالى الدولية."
---
[ساحة قصر آل بريفير - الشمس ساطعة]
ذهب راين، شقيق ويليام الأكبر والمزعج الرسمي لعائلة إيرونديل، لمقابلة البارون جون بريفير ليبلغه بنبرة رسمية وبوجه مليء بالاحترام:
"أعتذر، ولكن علينا العودة فورًا. لقد وصلت أوامر من العاصمة... بشأن ويليام."
البارون، الذي بدأ يفهم أن ضيفهم "الكسول الظريف" لم يكن مجرد ابن نبيل عادي، أومأ برأسه وهو يقول:
"بالطبع، لقد سررنا باستضافته. وإن احتاج لراحةٍ أخرى، فبيتنا مفتوح له دائماً."
وبينما كان ويليام يتسلل إلى زاوية الحديقة محاولًا التشبث بأي شجرة قد تحميه من العودة، ظهر راين كظل الموت نفسه.
"إلى العربة الآن!"
"لاااا، انتظر! هناك قانون يمنع السفر قبل الظهيرة! أو بعد الأكل مباشرة! أو في حالة... نعم، في حالة ارتفاع الرغبة بالنوم!"
راين تجاهل كل هذا، وأمسك بأذن ويليام كالعادة وسحبه بخطوات عسكرية إلى العربة المستعارة من البارون.
"أستطيع المشي وحدي! أذني ليست مقبضاً يا أخي!"
"نعم، لكنها فعالة جداً."
وبينما يصعد ويليام إلى العربة متذمراً، ظهر زاك عند الباب الخشبي للقصر، يلوّح له بابتسامة لطيفة.
"كان من الجيد مقابلتك، أيّاً كان اسمك الحقيقي. لا تنسَ... العالم ليس سيئاً كما يبدو."
(كلمات البطل الحالم... يا له من فتى نبيل. سيغيّر العالم. أما أنا... فكل ما أريده وسادة.)
وفجأة، قفزت البيضة الغريبة أمام العربة. راين رمقها باستغراب، وزاك ابتسم:
"أوه! يبدو أنها لا تريد أن تبتعد عنك."
"رائعة. الآن أمتلك بيضة مطاردة. هل يمكنني إعادتها للغابة؟"
"لا." أجابه زاك وهو يلوّح مرة أخيرة. "ربما هي من اختارتك."
(هي اختارتني؟! من أنا؟ الأميرة النائمة؟!)
صعدت البيضة إلى العربة بجانب ويليام بكل وقاحة. أما ويليام، فقد استسلم للقدر، وأسند رأسه على النافذة الخشبية.
"حسنًا... إلى الجحيم نعود."
"إلى الأكاديمية، أيها الكسول."
"أجل، هذا ما قلت."
---
[داخل العربة - البيضة تراقب، ويليام يتذمر، وراين يحاول الحديث بجدية]
كانت العربة تهتز بلطف على الطريق الترابي، بينما جلس ويليام متكئًا على حافة النافذة، يحدق في الفراغ كأنما يحاول الهروب من الواقع بنظراته فقط.
جلس راين مقابله، وعيناه لا تفارقان أخاه الأصغر. لم يكن يبتسم تلك الابتسامة الساخرة المعتادة، بل ابتسامة دافئة، نادرة الظهور على وجهه الجدي.
"لقد تغيرت، ويليام." قالها بصوت هادئ.
رفع ويليام حاجبًا ببطء، وأدار رأسه نحوه، بعينين نصف مفتوحتين من قلة النوم.
"آه، هل أصبحتُ أكثر وسامة؟ أعلم، لا حاجة للإطراء، راين."
ضحك راين بهدوء وهز رأسه، ثم أردف:
"لا، أعني ذلك حقًا. منذ استيقاظك من الغيبوبة... صرت أكثر هدوءًا، أقل تهورًا، وأحيانًا... تبدو وكأنك تُفكر."
(نعم، لأنني الآن لست ويليام الأصلي بل رجل كوري تم دهسه بشاحنة ومحب للنوم... يا لروعة .)
ويليام أطلق تنهيدة طويلة ثم قال بنبرة ساخرة:
"أجل، لقد بدأت أقرأ كتبًا فلسفية أيضًا. قريبًا ستجدني أؤلف كتابًا بعنوان: كيف تكون شريرًا نائمًا وناجحًا في نفس الوقت."
ضحك راين بصوت أعلى هذه المرة، ثم مد يده وربّت على شعر ويليام برفق.
"مهما كنت تسخر... أنا سعيد بأنك عدت. افتقدناك."
ويليام جمد للحظة، وحدّق في راين بصمت.
(هل هذا هو راين الحقيقي؟ أين الصراخ واللوم؟ هل أنا في حلم؟ أم أن المانا ما زالت تؤثر علي؟)
"هذا مزعج." تمتم وهو يحاول إبعاد رأسه. "لا تلمسني بهذا الشكل. شعري الهائل يحتاج لخصوصية."
ضحك راين مجددًا وقال:
"كما كنت دومًا... مزعج، لكن بطريقتك الخاصة."
أما البيضة؟ فكانت تلتصق بساق ويليام وكأنها تشعر بالدفء في حضوره، مما زاد من ضيقه.
(حتى البيض صار لديه مشاعر اتجاهي. اللعنة.)
---
[على الطريق المؤدي إلى العاصمة - قبل ساعة من الراحة التي لم تكتمل]
كان ويليام قد دخل في سبات عميق داخل العربة، رأسه متكئ على الوسادة، وفمه مفتوح قليلًا وكأنه يحلم بشيء لذيذ... ربما فطيرة.
(أخيرًا... الهدوء. لا صراخ، لا مانا، لا مهام سخيفة من نظام لا يرحم... فقط أنا والوسادة...)
لكن الهدوء لم يدم.
بـوووم!
اهتزت العربة فجأة، ارتفعت عجلاتها الأمامية عن الأرض ثم انقلبت على جانبها بقوة.
"آآآآااه؟!" فتح ويليام عينيه مفزوعًا، وكل ما رآه كان النافذة تقترب من رأسه بسرعة غير طبيعية.
لكن في اللحظة الأخيرة، امتدت يد قوية وأمسكت به.
"تمسك!" قال راين وهو يسحب ويليام نحوه ليمنعه من الاصطدام، ثم احتضنه بسرعة قبل أن ينكفئ الاثنان معًا داخل العربة المنقلبة.
خرج راين أولاً من الباب المكسور، ثم سحب أخاه النصف نائم والنصف مذعور.
"هل نحن... هل نحن ميتين؟" تمتم ويليام وهو يرمش بسرعة.
"كلا. فقط حادث صغير." قال راين وهو ينظر إلى السائق الذي انحنى معتذرًا:
"آسف سيدي! العجلة انفجرت!"
"أين العجلة؟ أعطني إياها، سأفجرها أنا الآن." تمتم ويليام وهو يحاول الوقوف.
راين تجاهله وأمسكه مجددًا، فصرخ ويليام:
"ضعني على الأرض! أستطيع المشي! لست دمية من القطن!"
"ستقع مرة أخرى. اصمت."
"أنت تستمتع بهذا، أليس كذلك؟!"
(أنا واثق أن راين كان يحلم دائمًا بحملي بهذه الطريقة عندما كنت طفلًا. الآن حانت فرصته اللعينة.)
نظر راين إلى الطريق وقال:
"نحن قريبون من قصر عائلة والدتنا، آل هيلدون. سنطلب منهم المساعدة في إصلاح العربة."
توقف ويليام فورًا عن الحركة وحدّق بأخيه:
"...هل قلت هيلدون؟ يعني أخوالي؟ يعني أمي؟"
"بالضبط."
"هل جننت؟ تلك العائلة بالكاد تتقبل وجودي في المناسبات! ووالدتي بالكاد تتذكر عيد ميلادي!"
(لا بل مرّة أرسلت لي بطاقة مكتوب فيها اسم شخص آخر.)
راين تجاهل تعليقاته، بينما كانت البيضة تلحقهم وهي تتدحرج بخفة وكأن شيئًا لم يحدث.
"بالطبع، حتى البيضة تذهب معهم... لم لا؟ الجميع يحب زيارة عائلة هيلدون المجيدة... إلا الضحايا مثلنا."
وبينما راين يتقدم بثبات نحو قصر العائلة الواقع على التلة، وويليام يجر خطواته بتأفف، كانت الشمس تغرب خلفهم، في إشارة مأساوية إلى بداية فصل جديد من "الحرج العائلي".
---
[على الطريق الترابي المؤدي إلى قصر آل هيلدون - الغروب ]
"أنا لا أريد الذهاب!"
"لا أريد رؤية أمي!"
"ولا خالاتي المتصنعات!"
"ولا رائحة عطر اللافندر المزيف ذاك!"
ويليام كان يسير خلف راين وهو يتذمر بكل شكل ممكن: مشيًا، همسًا، صراخًا، وحتى عن طريق التلويح بيديه كطفل غاضب.
(أقسم أن هذه العائلة مثل بئر لا نهاية له من الإحراج. هل عليّ فعلًا أن أطرق بابها بمظهري الأشعث؟)
راين توقف، استدار، حدّق به لثانية، ثم تنهد... قبل أن ينحني، ويرفع ويليام كما لو أنه كيس بطاطا ثقيل الوزن قليلًا.
"هاه؟! أتركني!"
"راين! لقد أصبحت في الخامسة عشرة! أنا كبير الآن!"
"لا تعاملني كأحد أكياس المزرعة!"
"توقف عن التذمر، ستصل أسرع بهذه الطريقة."
"أنت ثقيل أكثر مما توقعت، هل كنت تأكل كل كعكات الأكاديمية بنفسك؟"
(أنا لا آكل كثيرًا! جسدي يتضخم بسبب الضغط النفسي، هذا طبيعي!)
حاول ويليام أن يركل، أن يعض، أن ينقلب، لكنه كان معلقًا على كتف أخيه كالخس في سلة خضار، والبيضة كعادتها تتدحرج خلفهم في هدوء غريب.
"على الأقل احمل البيضة بدلًا مني!"
"هي لا تشتكي." قال راين بابتسامة ساخرة.
"لأنها بيضة!"
(هل وصلت بي الحياة لدرجة أنني أغار من بيضة؟!)
وما هي إلا دقائق حتى ظهرت بوابة قصر آل هيلدون المهيبة. كبيرة، فخمة، متعجرفة تمامًا مثل ذكرياتها في ذهن ويليام.
"إذا فتحوا الباب وبدأوا بالعناق والقبل، سأستخدم النولا وأتبخر فورًا."
"لن تستطيع. ما زال خزان المانا لديك فارغ."
"... تبا."
ومع اقترابهما من القصر، فتح الخدم البوابة، وبدأ المشهد المنتظر...
(آه، هذا هو... لحظة الحرج الرسمية... ها نحن نعود إلى الأصل.)
لكن هذه المرة، كان محمولًا ككيس بطاطا.
وهذه المرة، تتبعه بيضة.
[داخل قصر آل هيلدون - مساء ]
دخل راين بهدوء، حاملاً ويليام الذي لا يزال يتذمر كأنّه قد وُضع على مقلاة ساخنة:
"راين! ضعني الآن! أنا أستطيع المشي! لدي كرامة!"
"كرامتك أخذت إجازة من ساعة ما بدأت تتذمر للبيضة."
(سأتحدث مع نقابة الكرامات، هذه إساءة استخدام مزمن!)
وراءهما تتدحرج البيضة بلطف، كأنها قطعة أثاث مصممة خصيصًا لتدمير هدوء اللحظة.
في الصالة الفخمة، وقف رجل طويل القامة، أنيق الملبس، بملامح صارمة مثل جدار قبو ملكي... سيران هيلدون، خال ويليام.
عينا سيران وقعتا على ويليام، الذي كان لا يزال محمولًا، فانطلقت منه نظرة احتقار صافية كالثلج، باردة كأنها تقول:
لماذا هذا الكائن هنا؟
(أجل، أجل، أنا الكائن الغريب غير المرغوب فيه. تفضلوا بجلدي نفسيًا.)
راين أخيرًا أنزل ويليام الذي أسرع بالاختباء خلف ظهر أخيه، يتنفس بتوتر، وكأنه يواجه تنينًا في هيئة خال.
"خالي سيران، أعتذر عن المجيء المفاجئ." قال راين بهدوء، ثم أضاف: "العربة انقلبت ونحن في طريقنا من منزل البارون بريفير. ويليام كان... ضائعًا مؤقتًا من الأكاديمية، واحتجنا إلى مكان آمن."
سيران لم يجب على الفور، بل اكتفى بتفحص ويليام بنظرة كأنها تكشف الوزن، الضعف، وحتى العلامة المدرسية على الجورب.
ثم قال ببرود: "وهل أصبح قصر آل هيلدون مركزًا لرعاية الأطفال الشاردين؟"
(أنا لست شاردًا، أنا هارب بنوايا نبيلة... مثل النوم والهدوء!)
ويليام، رغم كل شيء، خرج برأسه من خلف راين، يهمس:
"أنا هنا فقط لأن نظام هذا العالم يكرهني. لا شأن لي بك."
لكن سيران لم يسمعه، أو تجاهله كعادته.
ثم همس ويليام داخليًا:
(كان يجب أن أهرب للغابة وأعيش مع الذئاب، كانوا على الأقل سيحترمون خصوصيتي.)
راين بقي واقفًا بثقة، واضعًا يده على كتف ويليام الذي ما زال متمسكًا به كطفل صغير في أول يوم دراسي.
"سنمكث الليلة فقط، حتى نرسل رسالة للأكاديمية. بعد ذلك، سنغادر."
"آه، وأرجو أن لا أحد يزعج البيضة." أضاف راين، مشيرًا إلى البيضة التي جلست الآن بكل براءة قرب الأريكة الفخمة، وكأنها في زيارة عائلية محترمة.
سيران رفع حاجبه... نعم، لقد لاحظ البيضة. لكنه اختار الصمت... ربما لأن الرد على وجود بيضة غامضة في القصر يحتاج كوبًا من الشاي وهدوءًا داخليًا غير متوفر.
ويليام عاد للاختباء مجددًا خلف راين، وهو يهمس:
(هل يمكنني حفر حفرة في السجاد والاختباء فيها حتى تمر هذه الليلة؟)
---
[الردهة الكبرى في قصر عائلة هيلدون - أجواء باردة]
ظهرت لورينا بخطوات هادئة رغم قلقها الظاهر، وبمجرد أن وقعت عيناها على راين، هرعت إليه واحتضنته قائلة:
"هل أنتما بخير؟ سمعت أن العربة...!"
راين طمأنها بابتسامة خفيفة وهو يربت على ظهرها، "نحن بخير، لا تقلقي، لقد كانت مجرد حادثة بسيطة."
أما ويليام، فظل خلف راين تمامًا، كأن جسده التصق بظهر أخيه الأكبر، وعيناه لا تلتقيان بوجه أمه أبداً.
(لماذا يجب أن تكون موجودة في كل مرة أتمنى فيها الانقراض فقط؟ هل هذا نوع من العقاب ؟)
وبدلًا من الرد أو التفاعل معها، جلس القرفصاء بجانب البيضة الغريبة، وبدأ يضربها بخفة بإصبعه وكأنها لعبة.
(انظري إليّ، أنا أعاني من أزمة وجودية، وأنتِ هنا تتجاهلينني منذ سنوات ثم تبتسمين لراين كأن العالم وردي؟ رائع، حقاً رائع.)
كان سيران، خال ويليام، واقفاً على درجات السلم بيدين معقودتين خلف ظهره، يراقب المشهد بعينين حادتين.
حدّق بسكون في ويليام وكأنه يحاول حفر شخصيته إلى العظام.
ويليام التفت نحوه ببطء، ثم همس داخليًا بسخرية:
(نعم، نعم... أعتقد أنني حصلت على الجائزة الكبرى لكوني أكثر شخص غير مرغوب فيه في هذا القصر. لحظة تاريخية فعلاً.)
عاد سيران يوجه حديثه إلى راين ببرود:
"أحضرت الطفل الهارب؟"
رد راين بنبرة رسمية، "إنه لم يهرب، فقط... حدثت ظروف، وسنحتاج إلى مساعدتكم في تأمين عربة بديلة."
سيران أطلق تنهيدة طويلة وهو يشيح بوجهه، ثم أشار نحو أحد الخدم، "هيئوا جناح الضيوف."
ثم عاد ينظر إلى ويليام، "لا تتسببوا بالمشاكل هذه المرة."
ويليام رفع حاجبه وتثاءب بلا اهتمام، ثم تمتم داخليًا:
(هل أنا سبب زلازل الأكاديمية وحوادث العربة؟ آسف، نسيت أنني الشرير الكسول الذي لا يستطيع حتى الاستحمام بدون مشقة.)
البيضه قفزت بخفة تجاه ويليام، وراحت تلتصق به، مما جعله يتنهد ويهمس:
"أنتِ الوحيدة اللي ما حكّت راسي اليوم، تهانينا."
وهكذا، دخلت الفوضى إلى قصر هيلدون، ومعها البيضة التي لم يفقس لغزها بعد... ومعها ويليام، الشرير الكسول، الذي لا يريد سوى النوم في زاوية مظللة بعيداً عن كل هذه الفوضى.
---
[قاعة الطعام في قصر هيلدون ]
دعت لورينا ابنها الأكبر بلطف، "راين، تعال وتناول الطعام. لا بد أنك مرهق من الطريق."
لكن قبل أن ينطق راين بكلمة، كان ويليام قد تجاوزهم بخطوات واسعة، وكأن صوت الدعوة قد وُجّه له تحديدًا.
(دعوة؟ من يحتاج دعوة عندما يكون الجوع يهدد بتفجير معدتك؟)
دخل القاعة كمن يقتحم قلعة، وجلس على الكرسي الأقرب للطعام، سحب الصحون نحوه وبدأ يلتهم محتوياتها بسرعة مثيرة للشفقة - أو للإعجاب، حسب وجهة النظر.
"مممم... يا سلام، هذا الرز... هذا اللحم... آه، إنه يوم حظي."
همهماته كانت عالية كفاية ليشعر الجميع بالخجل... باستثناءه طبعاً.
جلس راين إلى جواره، يبتسم بهدوء بينما يحاول الحفاظ على بعض من الكرامة الملكية، في حين أن البيضة كانت مستقرة بجانب كرسي ويليام، تتمايل كلما ضرب الملعقة بالصحن.
لورينا كانت تراقبه من الطرف الآخر للطاولة، ملامح وجهها غير مقروءة.
سيران جلس أيضًا، لكنه أطلق تنهيدة طويلة كأن روحه خرجت مع الهواء.
"أوه، لقد كبر الصغير فعلاً..." قالها بتهكم وهو يرفع كوب الشاي إلى فمه.
ويليام، بفمه الممتلئ، أشار بالملعقة نحو الطبق التالي، مخاطبًا راين:
"ذاك الشيء، ناولني إيّاه... لا، لا، الثاني... أحسّه يقول لي كلني."
(آه، الأجواء فخمة، الطعام لذيذ، العائلة تراقبني وكأنني كائن فضائي... رائع، ما أحتاجه فقط الآن هو قيلولة بعد الطعام وسأعتزل هذه الحياة بسعادة.)
ثم أطلق تنهيدة رضا وبدأ يتغزل بصوت منخفض في طبق الحساء:
"يا للجمال، لو كنتُ شاعراً لكتبت ديواناً في حسنكِ أيتها النعمة الدافئة..."
راين ضحك بهدوء، أما لورينا، فظلت تنظر إليه وكأنها تحاول فهم شيء ضاع منها منذ زمن، بينما سيران تمتم لنفسه:
"نعم... بالتأكيد ليس هو الطفل ذاته الذي كان هنا قبل ثلاث سنوات."
البيضة، بدورها، أصدرت صوت بَك صغير، جعل ويليام ينظر نحوها ويهمس:
"حتى أنتِ فهمتِ الطعم؟ تعالي نقسم الحلوى."
---
[جناح الضيوف ]
بمجرد أن انتهى ويليام من التهام كل ما يمكن التهامه - وأشياء ربما لا يجب التهامها - جاء أحد الخدم بانحناءة محترفة:
"سيدي ويليام، سأرشدك إلى جناح الضيوف لتستريح."
"أخيراً... كلمات تفهمها روحي."
(النوم... يا إلهي، كم اشتقتُ إلى وسادة ليست محشوة بالضغط النفسي.)
سار خلف الخادم بخطى متثاقلة، والبيضة تتدحرج بجانبه بوفاء لا يليق بكائن غير مكسو بالقشرة.
وصل إلى غرفة أنيقة، سرير ناعم، ستائر مخملية، إضاءة خافتة مثالية لدراما منتصف الليل.
استلقى على السرير بإسراع يليق بجندي هارب من معركة، ثم زفر براحة:
"آه... أنا في الجنة...جنة فيها بطاطس، وسرير، ولا توجد أكاديمية."
(وأفضل ما فيها؟ لا يوجد تيريون... ولا ليستر... ولا أحد يسحبني من أذني!)
لكن بينما بدأ يغوص في النعاس، شعر بحركة صغيرة بجانبه.
فتح عيناً واحدة... لتقع على البيضة.
كانت مستلقية بجانبه تماماً، كأنها شريكة غرفة.
"همم؟ هل أنتِ... ناوية ان تنامي بجانبي؟"
مد يده ودفعها بلطف إلى طرف السرير...
فتدحرجت... ثم عادت.
"أوه لا، ما هذا الولاء؟ أنا لست والدك! ولا والدتك! ولا حتى... البيّاض!"
(أعصابي لا تحتمل تربية مخلوق سري... أنا شرير... شرير كسول... لست بطلاً شغوفاً يربّي تنيناً!)
تنهد ثم غطى رأسه بالوسادة:
"اسمعي، إذا كنتِ بتفهمي الكلام، اذهبي لراين. عنده صدر حنون... وأنا صدري للنوم فقط."
(أو ذهبي لريو... يحب الكائنات الغريبة... مثلك ومثلي.)
لكن البيضة لم تتحرك.
فقد استقرت بجانبه بسلام، كما لو كانت تقول: أنا هنا... للأبد.
"جميل... ... أصبحت شريرا بنسخة حضانة."
غرق في السرير أكثر، وهو يتمتم بيأس:
" إذا فقست واصبح لديك صوت عالي... سعيدك للكهف... مع خصم في تقييم الرعاية."
[بينما في الطابق السفلي...]
في قاعة الجلوس، جلس راين أمام أمه لورينا وخاله سيران، يشرح ما حدث بهدوء، بينما يتجنب ذكر الكم الهائل من الصداع الذي تسبب به ويليام.
لورينا تنهدت، "لا زلتُ لا أستوعب كيف أصبح بهذا الشكل..."
سيران قال وهو يحتسي الشاي:
"تحوّل غريب... لكن أظن سيعود لطبيعته قريباً."
ورايـن، بابتسامة هادئة، تمتم:
"مهما كان السبب... على الأقل هو حيّ. وهذا يكفيني الآن."
---
[جناح الضيوف - منتصف ليل ]
فتح راين باب الغرفة بهدوء، ينوي أن يطمئن فقط على شقيقه قبل أن يخلد للراحة... لكنه تجمّد في مكانه عندما وقعت عيناه على المشهد أمامه.
ويليام كان ملقى على الأرض، وجهه شاحب، جسده يتلوى بتشنجات خفيفة، وقطرات العرق تتصبب من جبينه.
البيضة بجانبه، تصدر وميضاً باهتاً وكأنها قلقة بدورها.
"ويليام؟!"
اندفع راين نحوه فوراً، جاثياً على ركبتيه بجانبه، ووضع يده على جبهة أخيه - كانت تشتعل كالجمرة.
(ليست هذه المرة الأولى...)
شدّ راين قبضته وهو يتذكّر.
(منذ استيقاظه من الغيبوبة، بدأت هذه النوبات... حرارة مفاجئة، تشنج، أنين... وكأنه يعاني من شيء أكبر من مجرد مرض.)
ويليام كان يئن من الألم، يهمس بكلمات غير مفهومة، وذراعه اليمنى كانت ملتصقة بصدره بطريقة غير طبيعية.
راين لمسها بحذر، فأصدر ويليام صوتاً حاداً من الألم.
"لقد أصيب بذراعه وهو يسقط... تباً."
رفع راين جسد ويليام بحذر، ضامه إلى صدره وكأنه يحمل شيئاً قابلاً للكسر، ووضعه على السرير مجددًا، غطاه بلحاف ناعم، ثم جلس بجانبه يراقب أنفاسه المتقطعة.
(ما الذي يحدث لجسدك؟ هل هذه نوبة مانا؟ أم أن... شيئًا آخر يتحرك داخلك؟)
مرت لحظات صامتة، سوى من صوت أنين خافت...
راين أخرج من جيبه منديلاً وبدأ بمسح جبين أخيه بلطف.
"لا تقلق، سأبقى هنا... كما بقيتُ دائماً، سواء تذكّرت ذلك أم لا."
البيضة دحرجت نفسها ببطء إلى جانب السرير، ثم توقفت وبدأت تومض بهدوء... راين حدق بها، حاجباه معقودان.
(حتى هذه البيضة... غريبة. لا تشبه أي شيء سبق أن رأيته.)
لكنه عاد بنظره إلى ويليام، الذي بدأ أنينه يهدأ تدريجياً، وعيناه نصف مغلقتين.
"راين..."
همس بها ويليام دون وعي، قبل أن يغيب مجددًا في غيبوبته المحمومة.
ابتسم راين بخفة.
"أنا هنا، أيها الفوضوي الصغير."
[خارج الغرفة - الخدم يهرولون لإحضار الطبيب، والسماء تغيم فوق قصر هيلدون.]
---
[جناح الضيوف - الذكريات لا تنام حتى لو هدأت الحمى]
كان الطبيب قد غادر لتوّه، بعد أن حقن ويليام بمادة خافضة للحرارة، وكتب توصية بالراحة التامة وتطبيق كمادات باردة على جبينه.
أصبحت حرارة جسده أقل توهجًا، وأنفاسه بدأت تستقر رويدًا رويدًا.
راين جلس بجانبه، لا تزال يده تمسّد شعر أخيه الذي بدا شاحبًا، ومتعبًا بشكل غير مألوف.
من خلف الباب، سُمعت ضحكات خافتة وصوت فناجين توضع على الطاولة.
"الشاي بالياسمين، كما تحبينه، لورينا."
قال سيران بصوت رائق.
"أوه، شكرًا لك، أخي."
ردت لورينا بابتسامة ناعمة.
"أما ذلك الولد، فلا تقلق، بالتأكيد هذه إحدى حيله المعتادة."
هكذا أضافت، وكأنها تتحدث عن خادم متمرّد، وليس عن ابنها المريض.
راين سمعهم. ولم يتحرّك.
(لم يتغيّر شيء، أليس كذلك؟ ما زلتم تنظرون إليه بتلك الطريقة... وكأن وجوده خطأ.)
أدار نظره إلى ويليام، الذي بدا نائمًا أخيرًا دون ألم.
وأفلت زفرة بطيئة.
(هل هو يتذكّر؟ هل يتذكّر ما حدث في تلك الليلة؟)
أغمض راين عينيه، فانساب شريط الذكريات كالسيل:
[قصر إيرونديل - قبل سبع سنوات]
كانت أصوات الصراخ تخترق الجدران كالسكاكين.
راين، بعمر الحادية عشر، كان يركض في الممر باحثًا عن كايل، بينما ويليام ابن الثامنة كان واقفًا عند زاوية الدرج، وجهه مشدوه.
من خلف الباب المغلق، كان دوق جوزيف يصيح:
"هل تظنينني أحمق؟! هذا الطفل... لا يشبه أحدًا منّا!"
ثم صوت ارتطام زجاج.
"جوزيف!"
صرخت إيرينا بغضب، "لقد أخبرتك! ويليام ابنك!"
"ابني؟ ابني؟! أفي الثامنة ولا يزال لا يستطيع التحكم بماناه؟! حتى شعره... حتى ملامحه!"
ويليام كان قد تجمّد، والدموع تنهمر دون أن يشعر.
راين سحب ذراعه بسرعة:
"ويليام! تعال، لا تستمع لما يُقال!"
لكن الطفل لم يتحرّك، فقط همس:
"...أنا لست اخوك، أليس كذلك؟"
[العودة إلى جناح الضيوف - الحاضر]
راين فتح عينيه ببطء، ونظر إلى أخيه النائم.
(كنتَ صغيرًا جدًا على سماع شيء كهذا... كيف تحملت؟ كيف كبرت؟ بل كيف بقيتَ على قيد الحياة؟)
مدّ يده نحو جبين ويليام، بدافع الاطمئنان، ثم نفض يده وكأن الألم الذي شعر به للتو كان حقيقيًا.
(منذ تلك الليلة تغيّر كل شيء. أصبحتَ أكثر انطواءً... لا، بل أكثر صمتًا و اكثر عدوانية. وحتى عندما كنت تتحدث... كنت تتحدث مع نفسك.)
كان الضوء الخافت يملأ الغرفة، والبيضة التي لا تنفك عن مرافقة ويليام بدأت تصدر وميضًا خفيفًا بجانبه، كأنها تحرسه.
(والآن، بعد كل هذا... عدت إلى الحياة من الغيبوبة، مختلفًا، متألمًا، ووحيدًا من جديد.)
راين رفع نظره إلى السقف، ثم تمتم:
"أقسم، هذه المرة لن أدعك تواجههم وحدك... حتى لو لم تخبرني بما تشعر به، سأكون هنا."
صمت... سوى من صوت تنفّس ويليام المنتظم.
[خارج الغرفة - لورينا تضحك على نكتة قالها سيران، وكأن العالم بخير.]