[بعد يومين]

[ صباح مشمس في غرفة ويليام]

الستائر فُتحت بعنف. الشمس انفجرت على وجه ويليام كأنها صفعة ملكية.

"آه… قتلتوني..." تمتم ويليام وهو يغطي وجهه بالبطانية.

"سيدي الصغير، لقد انخفضت حرارتك تمامًا. حان وقت العلاج الفيزيائي!" قالها كلاين بنبرة فيها فرح خبيث.

"وهل هذا إنجاز لنحتفل به؟ كنت مرتاحًا وأنا مريض..." تمتم بكسل.

قبل أن يكمل تذمره، فُتح باب الغرفة من جديد.

دخل الدوق بخطوات واثقة، وخلفه رجل طويل القامة، ذو جسد رياضي، وشعر أسود مُسرّح بعناية، وبشرة ناعمة .

"سيدي الصغير، هذا هو الطبيب الفيزيائي الجديد، السيد جاك هارلو." قال كلاين وهو ينحني.

رفع ويليام رأسه بتكاسل، وحدّق مباشرة في وجه القادم الجديد.

ثم قال… بصوت عالٍ:

"أوه… أنت وسيم."

جاك – الذي كان يتهيأ لتقديم نفسه – توقف في مكانه، متفاجئًا.

الدوق قطب حاجبيه.

ويليام لم يتراجع، بل أضاف وهو يغمض نصف عينيه:

"عظام فك ممتازة… أنف مستقيم… وعضلات كتف مشدودة. رائع."

جاك احمر خده قليلًا وقال بلباقة:

"شكرًا لك، سيدي الصغير… لكن دعنا نركّز على العلاج."

"آه لا بأس… فقط قف هناك، ودعني أحدق بك عشر دقائق. هذا علاج نفسي، أليس كذلك؟"

كلاين كتم ضحكة.

الدوق قال بصوت صارم: "كفى هراءً، وانهض."

"أوه؟ ظننت أنني مشلول؟ ألا يجدر بي التدرّج؟ هذا استبداد جسدي."

"إنه علاج فيزيائي، وليس سباق خيول، ابدأ فورًا." قال الدوق.

---

[ – بداية الجلسة]

جاك جلس على ركبتيه بجانب السرير، وبدأ يتحقق من المفاصل.

"نبدأ بتحريك الكتف بلطف… قل لي إن شعرت بألم."

"أشعر بالألم العاطفي لرؤية إنسان يعمل بجد أمام عاطل مثلي." قال ويليام.

جاك تجاهل التعليق، وبدأ برفع ذراعه اليمنى.

"آآه… أوه… آه—" تأوه ويليام بصوت مسرحي.

الدوق قطب: "هل تؤلمك حقًا؟"

"كلا، فقط أجرّب دراما جديدة. أليس هذا مقطعًا ممتازًا للمسرحية؟"

جاك عضّ على شفته ليمنع نفسه من الضحك.

---

"الآن، سنحاول الجلوس."

"أرفض."

"…عذرًا؟"

"هذا ضد مبادئي. الجلوس يعني الاستعداد، وأنا أعيش حياة غير مستعدة لأي شيء."

"ويليام!" قال الدوق بنبرة تهديد.

ويليام تنهد، ثم تمتم:

"غرامات، شتائم، إرث مسروق… لكن لا أحد يفكر في راحتي."

ثم جلس ببطء، وكأنّه يحمل عبء البشرية على ظهره.

جاك أشار له بلطف:

"أحسنت، والآن نرفع الركبة اليمنى."

ويليام نظر له، ثم إلى ركبته، ثم قال:

"هل يمكن أن ترفعها عني؟ أنا لا أؤمن بالمجهود."

---

أنهى جاك الجلسة الأولى بنجاح جزئي.

"رائع، سيدي الصغير. هذا تقدم جيد."

"أشعر أنني شيخ هارب من دار العجزة." تمتم ويليام، ثم أشار نحو جاك:

"لكنك وسيم كفاية لتعذّبني مجددًا غدًا."

جاك ابتسم محرجًا، ثم غادر مع الدوق.

---

وقف الدوق مع الطبيب جاك عند باب الغرفة.

"ما رأيك؟ هل حالته تسمح بالتأهيل الكامل؟" سأل الدوق.

"جسده ضعيف، لكن لديه مرونة جيدة. إذا تابع الجلسات يوميًا، سيتعافى خلال ٣ إلى ٦ أشهر."

"تابع معه بحزم. وإن بدر منه أي كسل… أبلغني فورًا."

"حسنًا، سيدي الدوق."

---

ويليام استلقى على السرير، منهكًا.

"آآه… هذا أسوأ من الموت بالشاحنة…"

(لكن لا بأس… خطة الكسول مستمرة. لن أكون شرير الرواية بعد اليوم… سأكون مجرد صفحة منسية.)

----

[ منتصف النهار، غرفة ويليام]

بينما كان ويليام مستلقيًا على فراشه الفاخر، محاطًا بوسائد ناعمة وعطر خفيف من زهور شتوية، انفتح الباب بهدوء، ودخلت خادمة شابة تحمل صينية خشبية أنيقة.

على الصينية... وعاء حساء رمادي اللون، قطعة توست جاف، وبعض الخضراوات المسلوقة عديمة الحياة.

ويليام نظر إلى الصينية، ثم إلى وجه الخادمة... ثم إلى الطعام مرة أخرى.

"…ما هذا؟ طعام سجن؟"

الخادمة انحنت بأدب، "هذه وجبتك الصحية، سيدي. من إعداد الطباخ بإشراف الطبيب."

"أين اللحم؟ أين الجبن؟ أين الصوصات التي ترفع ضغط الدم وتمنحني طاقة الحياة؟" زمجر بصوت مبحوح.

"ممنوع، سيدي. معدتك لا تحتمل الدسم بعد غيبوبة ثلاث سنوات."

ويليام تمتم:

"لو كنت أعلم أنني سأعيش على أوراق مسلوقة، لكنت بقيت في الغيبوبة."

دخل كلاين في تلك اللحظة، صافًّا يديه.

"سيدي الصغير… اسمح لي بإطعامك."

"لماذا؟ هل يدي أيضًا ممنوعة من العمل؟"

"أوامر الطبيب… يجب أن تتحرك عضلاتك تدريجيًا."

"مَن هذا الطبيب؟ لماذا يعرف الكثير عن الحرمان؟"

جلس كلاين بجانبه، وبدأ يطعمه بلطف. ملعقة تلو الأخرى، وكل لقمة تُغرق روح ويليام في الحزن.

"…طعمه مثل الكرتون. لا، الكرتون ألذ."

كلاين تجاهل التذمر، فقط ابتسم بصبر.

ويليام أغمض عينيه، وفكر بخبث:

(لا بأس… سأجد طريقة لأهرب إلى المطبخ… أو سأرشي أحد الطباخين. نعم… خطة التهام الكعك السري تبدأ قريبًا.)

انتهى كلاين من إطعامه، مسح فمه بلطف، ثم قال:

"استرح الآن يا سيدي، سأعود لاحقًا ."

"بالتأكيد… بعد أن أهضم حزني."

غادر كلاين، وتركه في هدوء… لدقيقة واحدة.

---

الباب يُفتح مجددًا… بخفة هذه المرة.

يدخل فتى صغير، ذو شعر ابيض ، بعيون حمراء لامعة… كايل.

وقف أمام سرير ويليام، لا يتكلم، فقط يحدّق فيه.

ويليام فتح عينًا واحدة ونظر إليه.

"هل أنت شبح؟ لماذا لا تتكلم؟"

كايل ببرود: "كنت أتحقق مما إذا كنتَ حقًا فقدت ذاكرتك… أو فقط تتظاهر."

"وما الذي ستفعله إن كنت أتظاهر؟ تشتكي عليّ؟" قال ويليام بتكاسل.

"لا. سأُسقطك من النافذة."

"…مخيف." تمتم ويليام، ثم غطى وجهه بالبطانية.

"حسنًا، تَحقّقت. وداعًا." قالها كايل وهو يهمّ بالخروج.

لكن قبل أن يغلق الباب، سمع صوت أخيه الكسول:

"انتظر… أغلق الباب بلطف… لا تُدخل ضوءًا."

كايل أغلق الباب بخفة، دون أن يودّع.

ويليام تمتم من تحت البطانية:

"حتى الأطفال في هذا العالم مرهقين… أحتاج إلى عالَم فيه وسائد، وسكون… وأطعمة مقلية."

----

السماء كانت ملبدة بالغيوم، والهواء ساكن. في الغرفة المعتمة التي أضيئت ببضع شموع على الجدران، كان ويليام مستلقيًا بكسل على سريره، ملفوفًا ببطانية ثقيلة، وعيناه نصف مغمضتين، يحدق في السقف كأنه يقرأ رواية هناك.

طرق خفيف على الباب.

ثم فتح دون إذن.

دخل الدوق "جوزيف" بخطوات حازمة، بملامح متجهمة لا تعرف المزاح.

ويليام تمتم بملل:

"آه، هل حان وقت العقاب اليومي؟ أو محاضرة قبل النوم؟"

قال الدوق بجمود: "استعد. ولي العهد في طريقه لرؤيتك."

فتح ويليام إحدى عينيه ببطء، وكأنه سمع اسمًا غريبًا.

"ولي... من؟"

"ولي العهد، إيثان. وريث العرش. الشخص الذي تجرأت على تحدّيه في المبارزة قبل ثلاث سنوات. الذي كدت تقتل أخاك بسببه… والذي أنقذك من الإعدام لاحقًا."

"…آه، ذاك؟"

"ستكون مهذبًا. ستعتذر. وإن أسأت مجددًا، لن يُنقذك أحد هذه المرة… حتى لو توسّلت إلي."

"أنا لا أتوسّل. أنا أختار الاستلقاء والموت بصمت."

قالها ويليام وهو يدس رأسه في الوسادة.

الدوق عبس بعمق وغادر دون كلمة.

بعد دقائق…

فتح الباب مجددًا.

دخل الفتى الأشهر في المملكة، بوجهه الوسيم وشعره الاسود القصير، يرتدي زيًا ملكيًا أنيقًا، ووراءه كايل الذي بدا مترددًا.

ولي العهد، الأمير ايثان، وقف وسط الغرفة بنظرة حادة ووقار لا يناسب عمره الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة.

"ويليام ." نطق اسمه كما لو أنه يُعلن حكمًا.

ويليام لم يتحرك. فقط مدّ ذراعه نحو الطاولة المجاورة يبحث عن شيء ما.

كايل همس: "هو… نائم؟"

"أنا مستيقظ." تمتم ويليام بصوت خافت، ثم نظر إلى ولي العهد نظرة باهتة، ورفع حاجبًا.

"أوه… ولي العهد نفسه زارني. هل أحضرت حلوى بالمناسبة؟ لا؟ مؤسف."

ويليام ضيّق عينيه، ثم قال: "كنت أظن أنك فقط أحمق... لكنك وقح أيضًا."

ويليام جلس ببطء، كأنه يكافح الجاذبية.

"لقد فقدت ذاكرتي… هذا ما يُقال، أليس كذلك؟" قالها وهو يتثاءب.

"ذاكرتك لا تمنعك من الاعتذار."

"بل تمنعني من الشعور بالذنب. أنا لا أتذكر شيئًا لأشعر بالسوء حياله."

اقترب ايثان خطوة، قال ببرود: "قبل ثلاث سنوات، أطلقت تهديدًا أمام العرش، وقلت إنك ستقتلني بسيفك، ثم حاولت الاعتداء على كايل في ساحة التدريب. هذا ليس سوء تفاهم… هذا خيانة."

ويليام مال برأسه جانبًا، بتعب.

"خيانة؟ هذا يبدو خطيرًا جدًا… لو كنت أتذكر، لكنت قلقت."

"أنت لا تأخذ الأمر على محمل الجد." قال ولي العهد، نبرته تزداد برودة.

"هل تريده أن يركع، صاحب السمو؟" قال كايل بتوتر.

"لا، أريد فقط اعتذارًا. أمامي."

ويليام مدّ يده إلى فنجان الماء بجانبه، شرب منه ببطء، ثم قال:

"أنا آسف… لأنني فقدت ذاكرتي، ولأنكم تتوقعون مني الكثير… لكن للأسف، الاعتذار الحقيقي يحتاج مشاعر. وأنا حاليًا… بلا ذكريات، بلا ندم، وبلا طاقة."

ويليام حدّق فيه طويلاً، ثم تمتم:

"حقًا… تغيرت كثيرًا يا ويليام."

ثم استدار للخروج، وصوته حاد:

"أتمنى أن لا يكون هذا مجرّد تمثيل."

غادر ولي العهد، وتبعه كايل، لكن قبل أن يخرج، التفت إلى ويليام وهمس:

"أنت تكذب، أليس كذلك؟"

ويليام رد بابتسامة ناعسة:

"أوه، من يدري؟"

ثم أسند رأسه إلى الوسادة.

(هذا يكفي تفاعلًا اجتماعيًا لليوم… لنعد إلى الشيء الوحيد الذي أجيده: النوم.)

---

حلّ صمت ثقيل بعد خروج ولي العهد و كايل من الغرفة.

أطلق ويليام تنهيدة طويلة، واستلقى ببطء مجددًا، كأن الحوار القصير استنزف آخر ذرات طاقته.

(إذًا، لقد أغضبت ولي العهد… جميل. قد أكون حطمت رقمي القياسي الجديد في تجميع الأعداء دون أن أتحرك من السرير.)

نظر إلى السقف بعين نصف مفتوحة، ثم فكر ببطء:

(هل هذا سيجعل وضعي أسوأ؟ ربما… لكن هل يهم؟ لا.)

مرر يده فوق وجهه بتعب.

(أنا لست ويليام الحقيقي. لست أنا من حاول قتل أخيه أو تحدّى وريث العرش. إنهم يظنون أني تمثيل جديد… حسنًا، دعهم يظنون ما شاؤوا.)

ثم ضاقت عيناه باسترخاء.

(في الروايات… حين يتجسد أحدهم في جسد شرير، عادةً ما يبدأ بالاعتذار، البكاء، إصلاح الماضي… وكل هذا الهراء. لكنني؟ أنا فقط… نعسان.)

ابتسم لنفسه ابتسامة صغيرة ساخرة.

(ما الجدوى من تصحيح حياة ليست لي؟ أنا مجرد عابر طريق في جسد محترق.)

سحب البطانية حوله كشرنقة.

(ليكن… دع العالم يشتعل. سأنام.)

---

الهدوء يعم القصر، عدا عن صوت خافت لأنين يأتي من الغرفة.

وجه ويليام أصبح شاحبًا، بشرته مبللة بالعرق، وشفتيه جافتين.

كان قد انقلب في نومه دون وعي، وسقط نصف جسده عن السرير. بطانيته ملتفّة حول ساقيه، ويده متدلية نحو الأرض. عيناه نصف مفتوحتين، تتوهان بين الوعي والهلوسة.

---

طرق ثقيل، ثم دخل الدوق دون انتظار رد.

"ويليام، لدي ما أقوله بخصوص تصر—"

توقف.

عينيه توسعتا على الفور.

"…ويليام؟"

هرع نحوه لأول مرة منذ سنوات. أمسكه من كتفيه، وجهه صار باردًا كالثلج، وأنفاسه متقطعة.

"خادم!" صرخ بصوت هزّ جدران الغرفة.

"أحضر الطبيب فورًا! الآن!!"

---

الغرفة غمرها التوتر.

الطبيب عاين ويليام بسرعة، وضع يده على جبهته ثم فحص عينيه، نبضه، وأخذ نفسًا عميقًا.

"حمّاه ارتفعت بشكل حاد. على الأرجح جسده لم يتحمل التغير المفاجئ في الغذاء والنشاط… كان يجب أن يُراقب بعناية أكبر."

الدوق قبض على معطفه بعنف: "كان علينا أن نتوقع هذا! ثلاثة أعوام بلا حركة! ألا يمكنك فعل شيء؟"

الطبيب أومأ بجديّة:

"سأحقنه فورًا بمخفّض للحرارة وسوائل مغذية… لكننا سنحتاج مراقبة دقيقة الليلة. الحرارة بهذا المستوى يمكن أن تُحدث ضررًا في الأعضاء."

بدأ الطبيب بإعداد الحقن.

---

ويليام لم يكن واعيًا تمامًا، لكن عقله لا يزال ينبض بأفكار مشوشة.

(…بارد… ثم حار… أين أنا؟ لماذا… رأسي ثقيل…)

شعر بوخز الإبر تدخل جلده، شيء بارد يسري في عروقه، وصوت الطبيب يهمس بأوامر لا يفهمها.

(…كل هذا… مزعج… لماذا… كل هذا الألم…؟)

حاول أن يرفع يده لكنه لم يستطع.

(كنت أريد فقط… الراحة…)

---

الدوق وقف أمام الباب، يحدق في الظلام بصمت.

الطبيب خرج أخيرًا وقال:

"لقد بدأت الحرارة تنخفض… سيحتاج للمراقبة حتى الصباح. لكن علينا البدء بخطة علاج غذائي متوازنة، وبرنامج فيزيائي تدريجي. جسده أضعف مما ظننا."

الدوق نظر إلى الأرض.

"...افعل كل ما يلزم."

"وسأرسل تقارير يومية لحالته."

"جيد. أعلِمني بأي تغيير."

---

في داخل الغرفة، ويليام يفتح عينيه بصعوبة، يرى السقف غير واضح.

(…ربما كنتُ متعجرفًا قليلاً… لكن… هل أستحق هذا؟)

ثم استسلم مجددًا للنوم.

لكن هذه المرة، حلمه لم يكن كسولًا.

بل، رأى في حلمه نارًا… وسيفًا مكسورًا… وصوتًا يقول:

"لا يمكنك الهروب ."

----

الضباب كثيف… والهواء مشبع برائحة الدم.

تحت سماء رمادية، وقف ويليام في وسط ساحة معركة مدمّرة، يرتدي درعًا مظلمًا تفوح منه الهالة السحرية، ويمسك بسيف طويل مغطى بالدماء.

كل شيء بدا حقيقيًا… مؤلمًا. حتى رئتيه تتألمان من الركض.

أمامه، وقف ولي العهد أيثان ، وقد تدلى رداؤه الأزرق الملوكي، ووجهه مغطى بالجروح والخدوش. عيناه تشتعلان بغضب.

"ويليام… هذه نهايتك." قالها الأمير، بينما خلفه وقف كايل، مصابًا، يسعل دمًا، ويداه ترتجفان وهو يحاول النهوض.

إلى جانبه وقف بقية الأبطال … كلّهم على أهبة الاستعداد.

لكن الأغرب من كل شيء…

هو أن ويليام كان يرد القتال. بشراسة.

لم يكن ذلك الراكان الكسول الذي يخشى بذل الجهد.

بل محارب يُكابر على الألم.

سيفه يضرب، خطواته تنزف، أنفاسه محترقة… لكنه يقاتل.

"أنتم… لستم من يقرّر مصيري!" صرخ وهو يندفع نحوهم.

ضرباته كانت دقيقة، مدروسة، تنمّ عن تدريب طويل.

لكن في النهاية… طُعن.

اخترق السيف بطنه، والدّم تفجّر كأنما انفجرت ذاكرة.

"آاااااااه!!!" صرخ ويليام بألم حقيقي، صوت مزّق الهواء.

---

"سيدي!!!" فزع كلاين وسحب الغطاء.

وجد ويليام جالسًا على السرير، أنفاسه محمومة، وجهه يتصبب عرقًا، وعيناه متسعتان.

"حلم… مجرد حلم." تمتم ويليام، وهو يمرر يده المرتجفة على جبينه.

كلاين هرع بجانب السرير: "هل تؤلمك معدتك مجددًا؟! هل أستدعي الطبيب؟"

"لا، لا… أنا بخير…" تنفس بعمق، محاولًا استعادة توازنه.

(يا للجحيم… كان ذلك… واقعيًا جداً.)

تراجع إلى الوسادة، استلقى مجددًا، لكنه لم يغمض عينيه.

(ذلك لم يكن مجرد حلم. شعرت بالهواء، الألم، كل شيء… هل هذه… ذاكرة؟ أم مجرد هلوسة بسبب الحمى؟)

ارتجف قليلًا، ثم غطى عينيه بذراعه.

(أياً يكن… لا أريد هذا.)

---

(ذلك الغبي… ويليام الأصلي. ما الذي كنت تفعله في حياتك؟)

(كان لديك كل شيء… وجه يجلب المتابعين، ولدت بدوقية غنية، عائلة مرموقة، عبيد يخدمونك… ومع هذا… قررت أن تكون أحمق متنمر بائس؟)

(أنت حتى لم تمتلك موهبة السيف… فقررت تحطيم من يمتلكها؟ وخاصة أخوك الصغير؟)

ضحك بسخرية، ضحكة قصيرة مبحوحة:

"حقاً… غبي."

سحب الغطاء فوق رأسه مجددًا:

(لكن هذا جسدي الآن… وهذه الفوضى ملكي. وربما… لا بأس ببعض المسرح.)

ثم فكر قبل أن يغفو:

(عندما استيقظ … سوف أبدأ فصلاً جديداً من الكسل… لكن بشكل أكثر احترافية.)

---

مرت أربعة أسابيع منذ تلك الليلة المحمومة… أربعة أسابيع من الحساء قليل الملح، الإبر الكثيرة، والتمارين اليومية التي يعتبرها ويليام إهانة وجودية لكرامته الكسولة.

ورغم كل التذمر… التزم.

"لماذا؟" سأل نفسه ذات مرة.

(لأنني أريد أن أعود للنوم بشكل مريح دون أن يصرخ ظهري. لا أكثر، لا أقل.)

جلساته مع الطبيب الفيزيائي "جاك "، كانت كأنها معارك صامتة بين رجلين لا يتفقان أبدًا:

جاك: شخص طويل، عضلي، ذو وجه حاد لا يعرف المزاح.

ويليام: شبح بشري متدثر بالبطانيات، وجهه دائمًا مغمور في وسادة، ونظرته تقول "دعني أموت بسلام."

---

[اليوم الساعة 7 صباحًا]

صوت الباب يُفتح برفق.

"سيدي الصغير… حان وقت العلاج." قال كلاين بصوت متردد، وهو يدخل بحذر يشبه من يوقظ وحشًا نائمًا.

ردّ الصوت من تحت البطانية:

"غير متوفر. اطلب لاحقًا."

"الطبيب جاك بانتظارك بالفعل خلف الباب…" أضاف كلاين، بينما يُزيح الستائر.

الشمس اخترقت الغرفة، ويليام تأوه وكأنما أصابته قنبلة ضوئية.

"خائن… أيها العجوز خائن… اتفقتَ مع الشيطان." تمتم ويليام وهو يُغطي عينيه.

دخل جاك في اللحظة التالية، بخطوات ثابتة.

"استيقظ، سموّ ويليام. نبدأ التمارين الآن."

"أوه، صباح الجحيم. هل تفكر يومًا في التقاعد؟" قال ويليام بنبرة مُهلكة وهو يتدحرج من السرير مثل كيس بطاطس.

"إن كنت تستطيع السخرية، فهذا يعني أن جسدك بخير."

"هذا لسان، وليس عضلة فخذ. لا تخلط الأمور، جاكي العزيز."

"قلت لك، لا تناديني جاكي."

"جاكي جاكي جاكي جاكي..." تمتم ويليام مثل طفل صغير.

تنهد الطبيب بشدة، ثم التفت إلى كلاين:

"ساعده في النهوض. سنبدأ بتمارين الساقين اليوم."

"هل هذا ضروري؟ أعني… أنا أُخطط لعيش بقية حياتي على سرير فاخر. ساقاي مجرد ديكور الآن."

"بل هما الوسيلة لتذهب بنفسك إلى المرحاض… إلا إذا أردت أن أستدعي الممرض كل مرة."

"...سأتمرن."

---

ويليام ممدد على السجادة الخاصة بالعلاج، وجهه مفرود مثل بطانية رطبة، وجاك يرفع ساقه اليمنى ويضغط برفق.

"آآآآه! أنت تحاول تمزيقي!"

"إنها مجرد إطالة بسيطة."

"ليست بسيطة عندما تشعر أنك قطعة خبز تُقطع بسكين جليدية!"

"تنفّس. اثنان… ثلاثة… أربعة…"

"أنت تستمتع بهذا… أرى الابتسامة في عينيك… أيها الشيطان المتنكر بطبيب."

"كلاين، أمسكه من الكتف."

"خيانة أخرى؟! لماذا الجميع ضدي؟!"

---

تمدد ويليام على الأريكة كجثة متعبة.

"أشعر وكأن عضلاتي تبكي وتكتب وصيتها…"

"أنت تتقدم، سيدي الشاب." قال جاك وهو يرتب ملفه. "أعتقد أنك ستتمكن من المشي خلال شهرين، وربما أقل إن استمر التقدّم بهذا الشكل."

"هل هذا تهديد أم وعد؟"

"كلاهما." ثم خرج الطبيب بصمت.

تنهد ويليام.

كلاين بدأ يُعيد ترتيب الوسائد حوله برفق.

"هل ترغب في الإفطار الآن، سيدي؟"

"فقط إن كان يتضمن كعكًا بالزبدة وسجقًا مشويًّا."

"لديك فواكه مهروسة وشوربة العدس…"

"...سأصوم حتى الموت."

"سأحضرها على أي حال."

"...خائن."

---

تمدد ويليام بكسل، ناظرًا إلى السقف:

(شهر مضى… وما زلت على قيد الحياة، رغم توقعي أن أُقتل من الملل أو الحساء.)

(ابتعدت عن العائلة قدر الإمكان، تجنّبت النظر في عيونهم، ولم أعد أفتعل المشاكل… ممتاز.)

(إن ظللت بهذا الإيقاع، سأحظى بحياة آمنة وناعمة. لا قتال، لا بطل، لا ولي عهد.)

(والأفضل؟ لا سيوف. أبغض السيوف.)

ابتسم وهو يغطي نفسه بالبطانية.

"أستحق جائزة نوبل للكسل."

----

بعد جلسة العلاج الفيزيائي المرهقة، كان ويليام ممددًا فوق الأريكة كجثة أرستقراطية أنيقة، يشعر بأن عضلاته قد خانته وبأن الحياة قد بالغت في ظلمه.

(سأموت. حتمًا. فقط أريد وسادة تبكي لأجلي.)

لكنه لم يمت. بل حدث الأسوأ.

TING!

ومضة ضوء ظهرت فجأة أمام عينيه المتعبتين، تتشكل في نافذة شفافة كُتب عليها بخط ساطع:

---

[تم التفعيل: نظام إعادة تأهيل الشخصية الشريرة "ويليام "]

• هدف النظام: تحويلك من عار نبيل إلى شخصية نافعة، محترمة، ومحبوبة.

• النتيجة المتوقعة في حال الفشل: النفي، السجن، أو الإعدام (مرة أخرى).

---

ويليام ارتفع ببطء على مرفقه، يحدّق في اللوحة التي تُطفو أمامه.

"...هاه؟ نظام؟"

ظهر صوت آلي – فخم وفاخر أكثر مما ينبغي – يقول:

[تم الكشف عن مستوى انحدار الشخصية: فوضوي، كسول، غير متزن عاطفيًا، عديم الطموح.]

[جارٍ تحميل المهام الإجبارية الأولى…]

• مهمة رقم 01: ابدأ صباحك بـ10 دقائق من تمارين الإطالة.

• مهمة رقم 02: اعتذر من ولي العهد خلال 3 أيام.

• مهمة رقم 03: اكسب احترام أحد أفراد العائلة.

[المكافآت: +1 نقطة ترميم السمعة، +2 طاقة، +ميزة: مقاومة الخمول]

---

ويليام بقي يحدّق، عابسًا، قبل أن يتمتم بسخرية:

"من أرسل هذا النظام؟ عدوي؟"

[رفض المهمة سيتسبب بخصم نقاط من “مؤشر البقاء”]

[عدد الفرص المتبقية: 3]

فتح عينيه كليًا لأول مرة.

"...مؤشر البقاء؟"

ظهر شريط أحمر في زاوية الشاشة:

[مؤشر البقاء: 76%]

[تنبيه: قد تنخفض النسبة عند إظهار سلوك متهور، أو استفزاز أحد الأبطال، أو الانزلاق في الكسل المفرط.]

"...أوه. النظام يهددني."

---

ويليام جلس، شعره البني مبعثر، نظر للنافذة ببرود وقال:

"أكرهك. وأرفض كل مهامك."

[رفض مُسجّل. المؤشر انخفض إلى 71%]

"...هل تراقبني الآن؟"

[النظام: تتم مراقبة كل تحركاتك. أنصحك بالنهوض الآن.]

"...هذا تطفّل. أعطني زر كتم الصوت أو سأتظاهر بالموت."

[لا يمكن إيقاف النظام. لا يمكن تجاهله. لا يمكن خداعه.]

"…رائع." قالها ويليام وهو يسند رأسه على الوسادة.

(الآن لدي مدرّب شخصي إلكتروني… وأنا أكره الرياضيين.)

ثم فكر فجأة: (هل هذا النظام ظهر لويليام الأصلي؟ إن كان كذلك، فلا عجب أنه جنّ وجرب قتل أخيه. فقط فكرة وجود هذا الشيء يوميًا كفيلة بإصابة أي شخص بالجنون.)

---

[معلومة سريعة عن المستخدم:]

• الاسم: ويليام

• العمر: 15

• الصحة: منخفضة

• الذكاء: مرتفع

• الطموح: غير موجود

• السمعة: "هل هذا هو ابن الدوق؟ حقًا؟"

• نقاط القوة: المراوغة، الوجه الوسيم، القدرات الخطابية

• نقاط الضعف: كل ما يتطلب جهدًا

---

ويليام شبك ذراعيه خلف رأسه وقال بابتسامة ساخرة:

"لن أصلح نفسي. لن أتحول إلى بطل. ولن أعتذر. أنا لست ويليام الأصلي، لذلك لن أتحمل مسؤولية هراءه."

ثم أغلق عينيه وقال:

"فعلًا… نظام خاطئ، في جسد خاطئ، في حياة لا أريدها. والآن… قيلولة، أيها النظام. راقبني كما تشاء."

[المهمة رقم 04: قاوم الرغبة في النوم الزائد عن 10 ساعات يوميًا]

[رد المستخدم: رفض.]

[مؤشر البقاء: 69%]

----

[بعد لحظة صمت طويلة]

ويليام شبك يديه خلف رأسه.

(جميل. النظام يتحدث بلغتي.)

(لكن… من أين جاء؟ هل هذا مرتبط بالرواية؟)

(انتظر… في الرواية، لم يُذكر شيء عن نظام…)

بدأ يفكر بتمعّن، نظرة الذكاء تعود لعينيه الباردتين.

(روايات التجسيد دائمًا تعطي أدوات تساعد البطل على تصحيح المسار… غالبًا ليُصبح صالحًا أو بطلًا.)

(ولكن أنا؟ لا أرغب بتغيير مصير الشرير. أريد فقط النجاة… بأقل مجهود.)

ابتسم ببطء، ناظرًا إلى السقف.

"سأتجاهلك مثل تجاهلي للواقع."

"لكني سأستخدمك مثل وسادة إضافية."

"أنا والنظام… إلى الجحيم معا"

---

بينما كان ويليام مستلقيًا على الأريكة كعادته، مستمتعًا ببعض دقائق الراحة قبل ان بزعجه احد ، ظهر أمامه ضوء أبيض باهر أعماه للحظات.

TING!

[تم تفعيل واجهة المستخدم الخاص بالنظام - “نظام التحفيز الإجباري”]

فتح ويليام عينه اليمنى بنصف اهتمام، يتمتم:

"أوه، عادت الشاشة المنحوسة… ماذا الآن؟"

[المضيف: ويليام ]

[الحالة: خاملة - منخفضة النشاط - مقاومة للتطور]

[التحفيز: إجباري]

يرجى اختيار فئة تطوير ذاتك من بين الخيارات التالية:

---

1. فئة مستعمل الأسلحة البيضاء

اختصاصك: تختاره بنفسك

شرح: القدرة على استعمال السيوف، الرماح، الأقواس، السلاسل… مع إمكانية دمج الهالة لاحقًا.

درجات: مبتدئ → سيد للسلاح

ملاحظة: «عالم مغطى بالجروح والعرق».

---

2. فئة متحكم بالعناصر الطبيعية

اختصاصك: يُختار بناءً على انجذاب العنصر إليك

شرح: تحكم بعناصر مثل النار أو الماء، مع ضعف أو قوة بحسب خزان المانا والانسجام.

تحذير: يتطلب حفظ رموز قديمة، تركيز عالٍ، لغة مجهولة... ومجهود.

ويليام: "هوايتي الرئيسية هي نسيان مكان جواربي، تريدني أحفظ رموز؟"

---

3. فئة ذوي السمات

اختصاصك: تم اختياره بالفعل ولا يمكن تغييره

شرح: التحدث بالكلمات يُحدث الأفعال، لا حاجة لتدريب بدني… مجرد تركيز ومانا.

قدرات: استخدام الأثير و مانا معا، تركيز العقل، نافذة "الحالة"

ويليام: "الكلام؟ هذه فئة روحيّة، أنا وُلدت لها."

---

4. فئة مستدعي الأرواح

اختصاصك: التعاقد مع الأرواح والكائنات الروحية

شرح: استدعاء أرواح بعقود، تواصل روحي، تبادل طاقة

تحذير: الأرواح أحيانًا غاضبة. وغريبة. وأحيانًا... جائعة.

ويليام: "أرواح؟ لا أريد مشاركة غرفتي مع أحد."

---

5. فئة المتخصص البدني

اختصاصك: تعزيز الجسد بالمانا

شرح: قوة خارقة، قفز، مقاومة… تدريب شاق.

تحذير: تمزق عضلي إذا بالغت.

ويليام: "تمرّن حتى تنهار؟ عذرًا، أنا أقوم بذلك بدون تمرين حتى."

---

6. فئة الناسك / الممارس الروحي

اختصاصك: الانسجام مع الطاقات الروحية

شرح: تأمل، رؤية المستقبل، كشف الهالات

ويليام: "إذا استطعت الجلوس متأملاً لساعتين دون نوم، فأنا قديس."

---

7. فئة مجهولة [مقفلة]

الاختصاص: غير معروف

المستوى: لا يمكن تحديده

القدرات: غير مذكورة

تحذير: لا يُنصح باختياره.

ويليام: "كل ما لا يُنصح به... يبدو أكثر راحة."

---

ويليام تأمل الخيارات.

فكر. تنهد. ثم قال بابتسامة كسولة:

"لن أختار."

[العد التنازلي للاختيار: 00:01]

"...أنا أنام."

TING!

[تم اختيار الفئة: الفئة المجهولة – بناءً على تردد المضيف وتجنبه جميع الخيارات]

[تفعيل الفئة: جارٍ... لا يمكن الرجوع.]

ضوء خافت رمادي أحاط بجسده للحظة، شعر بقشعريرة، ثم اختفى كل شيء.

[الفئة: مجهولة – تم الاختيار.]

[سيتم إعلامك عند فتح القدرة الأولى لاحقًا.]

[النظام: تسجيل الخروج مؤقتًا.]

---

"ماذا؟ ماذا يعني هذا؟!"

حاول النقر على الهواء، لكن النافذة اختفت بالكامل.

"...أوه، رائع. فئة غامضة. مصير غامض. مسؤوليات غامضة."

"كل هذا فقط لأني أردت النوم؟!"

تمدد على الأريكة مجددًا، يحدّق في السقف.

(أنا في رواية. لدي وجه وسيم. نظام متعجرف. فئة مجهولة. أعداء أقوياء. ومعدل طاقة منخفض.)

"هذا رسميًا أسوأ سيناريو شرير متجسد…"

ثم ابتسم.

ابتسامة كسولة، لكن فيها لمحة من تحدٍ صغير… لأن الفوضى بدأت للتو.

[—نهاية الفصل—]

2025/05/07 · 275 مشاهدة · 3540 كلمة
روزي
نادي الروايات - 2025