[الحديقة الخلفية – ظهيرة دافئة]
كانت الشمس تعانق السماء بلا خجل، والنسيم يداعب أوراق الأشجار وكأنه فنان يوقع لوحته الأخيرة. ويليام، ببطء شديد، كان يحاول النهوض من كرسيه المتحرك.
مرّ شهرٌ كامل من جلسات العلاج الفيزيائي، التدليك، تمارين التمدد، وأوامر صارمة من "طبيب كايل المجنون" الذي صار يعتبر كل ضعف جسدي عائقًا أمام العلاج .
"هذا هو اليوم… اللحظة البطولية." تمتم ويليام، يضع يديه على مسندي الكرسي، وحاجبيه معقودين بعزم من نوع جديد.
دفع بجسده للأعلى…
اهتز قليلًا…
قدماه ارتجفتا…
ثم—
وقف.
لمدة ثلاث ثوانٍ كاملة.
"أنا… أقف؟" تمتم بدهشة، وكأنه طفلٌ رأى أولى خطواته مسجلة بكاميرا خفية.
"أنا فعليًا…"
ثم بدأت الدنيا تميل.
الساق اليمنى صرخت، اليسرى خانت العهد.
قبل أن يبدأ السقوط السينمائي، امتدت يد ثابتة من الخلف.
كلاين.
"لا تتحمس كثيرًا، بطل. هذا العشب ليس وسادة."
"بل هو أفضل وسادة على الإطلاق." قالها ويليام، يترك وزنه يتكئ على كلاين بالكامل، ثم ينظر نحو الأرض الخضراء كمن وجد كنزًا.
"تعلم، أشعر أنني لم ألمس العشب منذ زمن…"
"أنتَ لم تفعل. كنتَ منشغلاً بالكوابيس والحمى." رد كلاين وهو يثبّت ويليام، ثم ينظر إليه باستغراب.
لكن ويليام لم يكن يستمع.
مدّ يده نحو العشب كما لو كان عاشقًا يلمس وجه محبوبه بعد غياب.
"كم أنتَ ناعم… ورطب… وبارد قليلًا…"
"هل تتغزّل في التربة؟"
"أنا في حالة حب."
ثم – بقرار متهور ونابع من قلب كسول – قال:
"دعني أستلقي عليه. الآن."
"الطبيب قال لا—"
"الطبيب لا يفهم علاقتي بالأرض."
ولم ينتظر.
سحب نفسه ببطء وسقط بجانب الكرسي المتحرك على العشب.
ظهره استقر فوق الخُضرة، يداه مبسوطتان، عينيه مغمضتان.
"هذا… أفضل من كل وسائد القصر."
كلاين، وهو واقف فوقه ورافع حاجبًا، تمتم:
"هل نخبر جاك أنك وجدت هدف حياتك؟ أم أنه مجرد استراحة ما قبل الهروب من التدريب؟"
"كل ما سبق."
ثم أضاف ويليام، مبتسمًا:
"أنا الآن لست أرستقراطيًا، و، ولا وريثًا مرفوضًا… أنا مجرد إنسان مستلقٍ على العشب. وهذه أعظم حرية حصلت عليها منذ استيقظت."
لحظة هادئة مرت.
ثم قال ويليام، وهو يغلق عينيه أكثر:
"إذا لم أستيقظ بعد عشر دقائق، لا توقظني. وإذا استيقظتُ، حضّر لي شيئًا مثلجًا."
"سوف أُحضّر لك عصيرًا… وأضعه على وجهك."
"رائع… دافع آخر للنوم العميق."
----
تفكير داخلي:
"خطوة للبشرية، وقيلولة للبطل الكسول"
---
بعد عشر دقائق، وربما أكثر قليلاً (حسب تقديرات ويليام الكسولة)، عاد الواقع ليطالب بجسده.
فتح عينيه بتثاقل فوق العشب، فقط ليجد ظلّ شخص مألوف ينظر إليه من الأعلى.
"هل مت؟" سأل صوت كلاين الساخر.
"ليس بعد… فقط في سبات تأملي."
"حان وقت الغداء."
"هذا تهديد؟"
"أمرٌ رسمي من معدتك."
---
بصعوبة أقل من الأيام الماضية، ساعده كلاين على النهوض وأعاده إلى الكرسي المتحرك.
"ستدفعني؟" سأل ويليام بنصف ابتسامة.
"هل لديك خيار آخر؟"
"نعم، التدحرج."
"…"
"حسنًا، ادفعني."
---
بينما كان يُدفع عبر الممرات الواسعة، بدا القصر وكأنه أبطأ من المعتاد. ربما لأن معدته بدأت تدندن ألحان الثورة، أو لأنّه بدأ يشعر بشيء شبيه بالتحسن.
حين اقتربوا من باب قاعة الطعام، لمح وجهًا مألوفًا:
الدوق جوزيف.
واقف، أنيق، هادئ كالجليد.
وبجانبه، يجلس كلٌّ من راين، الأخ الأكبر، وعيناه تراقبان المشهد بحذر، وكايل، الأخ الأصغر، بذات النظرات التي تقول: لماذا لم تمت بعد؟
"هيا، إلى المعركة." تمتم ويليام، وهو يُدفع للداخل.
كلاين ساعده على الجلوس فوق أحد الكراسي العالية ذات الذراعين، بعناية تامة وكأن ويليام قطعة أثرية قابلة للكسر.
"هل يمكنك الجلوس جيدًا؟"
"أنا جالس. نصف الجيد كافٍ."
---
صمتٌ قصير ساد القاعة.
الدوق لم يقل شيئًا، فقط رمقه بنظرة قصيرة، ثم عاد ليتناول طعام.
راين ألقى نظرة جانبية، قبل أن يهمس لأحد الخدم بتقديم الأطباق ل ويليام.
كايل، كالعادة، لم يُخفِ الاحتقار في عينيه. لكنه لم يتكلم، ربما لأن الدوق حاضر.
ويليام؟ كان مشغولًا بشيء أهم:
الطعام.
أمام عينيه، لأول مرة منذ أسابيع، لم يكن هناك حساء شفاف عديم المذاق، بل:
قطعة صغيرة من دجاج مشويّة بتوابل!
بطاطا مهروسة.
بعض الخضار المطهية.
(هل… هل أنا أحلم؟) تمتم في عقله، وهو يمد يده ببطء، وكأن الطعام قد يختفي إن تحرّك بسرعة.
أخذ لقمة…
"ممممممم…"
"هل يصدر صوتًا أثناء الأكل؟" تمتم كايل باستياء.
"دعه." قال راين فجأة. "إن كانت تلك أول لقمة صلبة له منذ شهر، فليحتفل بها على طريقته."
"بالضبط!" قال ويليام، ورفع الشوكة مثل بطل حصل على كنزه ملكي.
"هذا… هذا يمضغ! هذا لا يُشرب!" ثم نظر نحو الطبق بإجلال.
"لطالما قلت إن الطعام الحقيقي هو علاج الروح… أما الحساء؟ فحكم بالإعدام، ببطء."
كلاين، وهو واقف خلفه، تمتم بابتسامة: "هل يجب أن أحضر شموعًا وموسيقى؟"
"لو سمحت."
---
بقي يتناول طعامه ببطء، بحركات هادئة لكن سعيدة، وكأنّه في موعد غرامي مع وجبته.
أما الدوق، فرمقه أخيرًا وقال:
"التحسن في حالتك لا يعفيك من آداب المجلس."
ويليام، دون أن ينظر إليه، قال:
"أنا أمارس أعلى درجات الاحترام… تجاه هذه البطاطا."
ثم أضاف دون خجل:
"وأنا لا أتذكر أنني مُجبر على تحية رجل لا يزور ابنه إلا عندما يُستدعى من الطبيب."
راين شبك أصابعه، نظراته انتقلت بين الاثنين، وكايل كاد يسقط شوكته.
الدوق لم يرد. فقط أدار وجه و اكمل طعامه.
لكن الشرخ الصامت كان كافيًا.
---
ويليام، بعد بضع دقائق، تراجع قليلًا في كرسيه، ومسح فمه بمنديل القماش الفاخر.
"لأكون صادقًا… هذه أفضل وجبة في حياتي منذ استيقظت ."
"لم يكن ماضيك سابقة يستحق الذكر، إذًا." علق كايل.
"ربما… لكن على الأقل، في هذه الوقت، الطعام يُمضغ."
---
بعد انتهاء وليمة الغداء الفاخرة — التي شعر ويليام أنها تستحق الاحتفال بتمثال صغير على الأقل — مدّ ذراعيه وقال متنهّدًا:
"كلاين، أعتقد أنني بحاجة إلى التمدد في جناحي الملكي. الجسم السمين لا يتحرك بنفسه."
كلاين ضحك بخفة، ثم اقترب ليساعده على الوقوف:
"سأحتاج إلى عضلات جديدة بعد هذا الأسبوع."
"خذها من كايل، لا أعتقد أنه يستخدمها."
---
بخطوات متثاقلة، ساند كلاين ويليام حتى الكرسي المتحرك، ثم دفعه عبر الممرات.
وصلوا إلى جناح ويليام الخاص، حيث الهواء مشبع برائحة الكتب القديمة والوسائد المهملة.
وما إن دخل، حتى أطلق ويليام تنهيدة خفيفة وابتسم بسعادة حقيقية:
"آه… مقعدي، وسادتي، سجادتي ذات البقعة المشكوك فيها… لقد اشتقت إليكم."
كلاين رفع حاجبه: "من المفترض أن ترتاح الآن."
"أريد أن أبحث عن كتب تافهة."
"...كتب تافهة؟"
"نعم. كتب بلا معنى، بلا هدف، بلا أخلاق. روايات سخيفة، مغامرات أطفال، قصص رومانسية رديئة بعبارات متكررة."
تمتم ويليام
"المكتبة، والكتب التافهة جدًا"
كلاين ضيّق عينيه بشك: "أليس المفترض بك دراسة شيء مفيد؟"
"بالضبط. لذلك سأفعل العكس."
"…"
---
وبينما كان كلاين يدفع الكرسي باتجاه المكتبة القريبة للجناح، صادفا شخصًا لم يكن أحد ينتظر ظهوره في هذا المكان:
راين.
واقف بجانب أحد أعمدة الرواق، يمسك كتابًا عسكريًا، ويراقب المشهد بصمت.
التقت عيناه بعيني ويليام… ولوهلة ساد الصمت.
راين رفع حاجبه قليلاً، كما لو كان يقول:
ما الذي تفعله هنا؟
ويليام رمقه بنظرة باردة، ثم نظر بعيدًا وكأنه لم يره أصلًا.
تجاهله تمامًا.
ثم تمتم بنبرة مسموعة:
"البعض يقرأ كتب الحرب، البعض يقرأ كتب الحياة… وأنا أبحث عن كتاب يُخبرني كيف أستمر بالكسل باحتراف."
كلاين كتم ضحكته بينما راين لم يتحرك، فقط عاد ينظر إلى كتابه بصمت.
---
دخل كلاين وويليام المكتبة الخاصة، التي كانت أكبر من أن توصف بكلمة "خاصة".
رفوف شاهقة، سلالم دوّارة، وغبار يروي تاريخًا من الإهمال.
"هل تود أن أساعدك في اختيار شيء له قيمة؟"
"أريد كتابًا بعنوان بطلي هو بائع الخبز الذي صار إمبراطورًا دون سبب واضح، أو المدرسة السحرية حيث الجميع يحبني لأني وسيم. أشياء عميقة كهذه."
"…لن تجدها هنا."
"إذًا اجلب لي أي شيء عليه غلاف ملون ومقدمة سخيفة."
---
بينما بدأ كلاين بالبحث، ترك ويليام نفسه يتمدد في الكرسي، ينظر إلى السقف، ويتمتم:
"هل من الممكن أن أطلب من النظام مهارة: قراءة دون فهم؟"
[النظام: هذه المهارة مفعّلة لديك مسبقًا.]
"…وقح."
---
وبينما تغوص المكتبة في صمت مريح، جلس ويليام بهدوء وابتسامة خفيفة على وجهه.
حتى إن لم يكن يملك سببًا كبيرًا للفرح، يكفيه أنه تجاهل شقيقه، وحصل على طعام لائق، والآن في طريقه لتضييع وقته بسلام.
وربما… فقط ربما، كان ذلك يومًا جيدًا.
"المكتبة: ملجأ الكسالى وتجاهل الأشقاء"
---
في زاوية من مكتبة بحجم دير مهجور، رفع ويليام كتابًا من رف منخفض مغبر، ونفخ عليه ليخرج سحابة من الغبار جعلت كلاين يسعل ثلاث مرات.
ويليام قرأ العنوان بصوت مبحوح:
"《أحببتُ الأمير لأنه أنقذ قطتي》؟"
صفحة الغلاف كانت وردية، والشخصية الرئيسية تملك عيونًا بحجم كرات التنس.
ابتسم ويليام وقال بثقة:
"وجدته."
كلاين حاول أن يبتلع رأيه، لكنه تمتم:
"هل… هل هذا حتى رواية أم مذكرة طفل مهووس؟"
"لا يهم. أهم شيء: لا تحتوي على خريطة عسكرية، ولا شجرة عائلية، ولا مصطلحات سحرية."
"…سأخذها لك إذًا، يا سيد الترف العقلي."
---
وبعد دقائق، كان كلاين يدفع الكرسي المتحرك في اتجاه الحديقة.
السماء زرقاء، الطيور تغني، ويليام يتمطى كقطة مدللة على كرسيه، والكتاب بين يديه.
"أريد كرسي ظل. ووسادة خلف ظهري. وإن أمكن، شيء بارد أشربه ولا أحتاج أن أمسكه."
كلاين: "هل ترغب أيضًا في خادم يقرأ لك؟"
ويليام فكر قليلًا، ثم قال: "ضعه على قائمة الأمنيات."
---
وضعه كلاين تحت شجرة ضخمة، وبدأ يضبط الوسائد والغطاء الخفيف.
ويليام، بكل جدية، فتح الكتاب الوردي.
وسرعان ما غرق في أول جملة:
> "نظرتُ في عينيه البنفسجيتين وقلت: يا أيها الأمير، هل تحبني أم تحب قطتي؟"
حدّق ويليام في الجملة لمدة دقيقة.
ثم تمتم: "تحفة. هراء خالص. ممتاز."
---
مرّت عشر دقائق، والخدم في الطابق العلوي بدأوا يهمسون لبعضهم:
"هل… هل السيد ويليام يقرأ؟"
"إنه لم يقرأ حتى قائمة الطعام طوال خمس سنوات!"
"إنه يجلس في الشمس دون أن يشتكي!"
"ربما تلقى ضربة على رأسه أقوى مما اعتقدنا…"
---
وفي زاوية الحديقة، كان الدوق واقفًا، واضعًا يديه خلف ظهره، ينظر إلى ويليام من بعيد بوجه جامد.
عن يمينه راين، وعنه يسارًا كايل.
راين تمتم ببرود:
"هل… يقرأ رواية رومانسية للمراهقين؟"
كايل عبس: "هذا… غير لائق."
الدوق عبس أيضًا، لكن دون قول شيء.
"هل هذا نوع جديد من التمرد؟"
---
أما ويليام، فكان في عالمه الخاص، يقرأ بنبرة داخلية ساخرة:
> "قال الأمير: أحب قطتك لأنها تشبهك. فرددت: وهل ستربت على رأسي أيضًا؟"
ويليام تمتم: "يا إلهي… أحتاج إلى تخدير نفسي."
ثم أدار رأسه ببطء ولاحظ مجموعة من الأشخاص يراقبونه.
"لماذا ينظر الجميع لي وكأني اخترعت النار؟"
رفع يده ببطء ولوّح بلا حماس نحو الدوق ومن معه، لكن سرعان ما خفضها وقال لكلاين:
"أشعر أنني حيوان في قفص عرض… أين السكر المحروق لجذب انتباه الجمهور؟"
كلاين ضحك، ثم قدّم له كوب عصير مثلّج.
"لا تهتم. على الأقل أنت تجعل الجميع في حالة صدمة هادئة."
---
وهكذا، استمر ويليام في تقليب صفحات روايته الغبية، بينما من حوله تتصاعد التساؤلات، وتخبطات داخلية:
هل تحوّل فعلاً؟
هل هذه خطة؟
هل هو متجسد من عالم آخر؟
(حسنًا، السؤال الأخير لن يخطر ببال أحد، لحسن الحظ.)
---
وبينما الحديقة تمتلئ بالعيون المتلصصة والهمسات، أغلق ويليام الكتاب، ووضعه على صدره، ثم أغمض عينيه.
تمتم بكسل:
"سأنام قليلاً… أحتاج استيعاب المشاعر السطحية التي قرأتها للتو."
ووسط ضوء الشمس الدافئ، وتهامس الحضور، غطّ ويليام في قيلولة هانئة.
كالعادة… في أوج دراما العائلة الأرستقراطية، كان ويليام… نائمًا.
---
ويليام ضد جون: الملحمة الفيزيائية الكبرى"
[الصباح – الساعة السابعة تمامًا – جناح ويليام]
كان الضوء يتسلل بخجل من الستائر الحريرية، وعصافير الحديقة تزقزق بنشاط مريب لا يليق بيوم جديد من المعاناة…
وفجأة…
"دخول!"
انفتحت الأبواب الثقيلة وكأن أحدهم اقتحم قلعة، ودخل كلاين بخطوات حيوية مزعجة، يليه رجل طويل، واصلع، عريض الكتفين، يحمل حقيبة طبية من الجلد الأسود ويبتسم ابتسامة… مرعبة.
"صباح الخير، سيد ويليام!" قالها كلاين بمرح.
ويليام، الذي كان نصف مدفون في سريره، عابس الوجه، تمتم وهو يدفن رأسه تحت الوسادة:
"أرفض هذا الواقع… أرفض هذا الصباح… وأرفضك أنت وهذا الرجل الذي يبدو وكأنه يصنع الأدوية في قبو مظلم."
"اسمي جون اتيت بدل من جاك ، سررت بلقائك!" قال الأصلع بابتسامة لامعة بشكل مريب.
"…أجل، وأشعر بأنني سأندم على هذا اللقاء." همس ويليام دون أن يرفع رأسه.
كلاين سحب البطانية بحركة درامية، فأصدر ويليام صوت احتضار.
"إنه يوم تمارينك، ألن تكون متحمسًا؟"
"أتحمس فقط عندما يتم إلغاء الأيام."
"سيد ويليام، أنت تتحسن!" قال جون وهو يفتح دفترًا صغيرًا. "لقد بدأت تظهر استجابة جيدة في الأطراف السفلية. إن واصلنا البرنامج، قد تتمكن من المشي دون مساعدة."
"ما حاجتي للمشي؟ لديّ كرسي بعجلات، وخادم يحملني، وذريعة ممتازة للكسل. لماذا تهدمون هذا الإنجاز؟" قالها ويليام، متكئًا على ذراعه ككاتب بائس في رواية مأساوية.
جون لم يتأثر. على العكس، أخرج شيئًا يشبه عصًا مطاطية وبدأ بتسخين يديه.
"اليوم سنبدأ بتمارين توازن القدمين، وبعض الحركات البسيطة لتقوية الظهر."
"توقعتك تعزف على الناي، لكن يبدو أنك موسيقي من نوع آخر." تمتم ويليام وهو يُسحب خارج السرير رغماً عنه.
وضعه كلاين على بساط التمارين أمام النافذة، حيث النسيم لطيف، لكن الجو مريب.
"والآن، سيد ويليام، ارفع قدمك اليمنى… لا، ليس إلى هذا الحد. نحن لا نحاول الطيران، فقط التوازن."
"أنا لا أرفعها، إنها ترتعش وحدها." قال ويليام وهو يتمايل كطائر فقد الاتجاه.
جون ضغط على ظهره بلطف: "حافظ على استقامة العمود الفقري. تخيل أنك شجرة."
"أنا شجرة مقطوعة."
**
بعد عشر دقائق من العرق والمعاناة والآهات المسرحية، جلس ويليام وهو يتنفس وكأنه شارك في معركة تاريخية.
"هل… هل انتهينا؟"
"لا، نحن فقط في البداية!" قال جون بابتسامة مرعبة.
"يا رب خذني الآن."
وبينما جون يشرح تمرينًا جديدًا يُدعى "رفع الجذع الديناميكي" (الذي يبدو كاسم تعذيب)، همس ويليام لكلاين:
"هل تعلم؟ جون هذا… لديه طاقة شريرة. لست مرتاحًا له."
"إنه يساعدك لتقف مجددًا، سيد ويليام."
"بل يدفعني نحو قبر مبكر."
في النهاية، وبعد ساعة كاملة من الصراخ، التذمر، والتمارين التي وصفها ويليام بـ"محاولات قتل فاشلة"، أعاده كلاين إلى سريره.
جون كتب ملاحظاته وقال بابتسامة مشرقة:
"أراك غدًا! ولا تنسَ تمارين التنفس."
"سأنسى. وعد شرف." قال ويليام وهو يغطي نفسه حتى أنفه.
وبعد خروج الطبيب، تمتم ويليام وهو يحدّق بالسقف:
"هذا أكثر الصباحات نشاطًا في حياتي… وأكرهه."
لكن رغم التذمر، لم يكن بإمكانه إنكار شيء بسيط:
لقد شعر بجسده ينبض… ببطء، لكنه ينبض.
وبينما أغمض عينيه قليلاً، فكر بسخرية:
(إذا استطعت النجاة من جون… يمكنني النجاة من أي شيء.)
"ألم عضلي… ومعلم أصلع"
---
[قبل نصف ساعة من بداية الحفل – جناح ويليام]
كان ويليام قد انتهى لتوه من النجاة من جاك، معركة صباحية حطّمت آخر فتات كرامته الجسدية. استلقى بهدوء فوق سريره، ملفوفًا كالتمساح المُنهك، وابتسامة نصر صغيرة ترتسم على وجهه.
(أخيرًا… انتهى اليوم. لا مزيد من التمارين، لا مزيد من الصراخ، فقط… أنا والسرير والكسل.)
لكن الحياة، أو بالأحرى "الدوق"، كان له رأي آخر.
كلاك!
انفتح باب الغرفة بقوة توحي بأن هناك اقتحامًا يحدث، ودخل الدوق إيرونديل بخطوات واثقة وعينين حادتين.
"ويليام. استعد."
ويليام لم يرفع رأسه حتى، واكتفى بغمغمة متعبة:
"هل أنت هنا لتجرب تمارين جاك أنت أيضًا؟ سريري محجوز حاليًا."
"اليوم عيد ميلاد راين الثامن عشر. ستنزل وتحضر الحفل."
سكت المكان.
…ثم رفع ويليام رأسه ببطء، وعيناه تحدقان وكأن الدوق نطق بعبارة كفرية.
"عيد… ميلاد؟ راين؟ اليوم؟"
"نعم."
"الآن؟"
"بعد نصف ساعة."
"نصف…؟ نصف ساعة؟!"
رفع ويليام يده ببطء، مشيرًا لنفسه:
"أنا مريض. شبه مشلول. غير مستقر نفسيًا. ألا يجب أن أعفى تلقائيًا من المناسبات الاجتماعية؟!"
لكن الدوق لم يكن في مزاج للنقاش. بل تقدم بخطوات ثقيلة نحو ويليام، أمسكه من ذراعه، ورفعه وكأنه دمية قماش.
"ستحضر. لا فضائح. لا تصرفات غريبة. لا تتذمر."
"كل هذه الأشياء… هي أنا!" صرخ ويليام وهو يُسحب باتجاه خزانة الملابس.
---
الدوق بنفسه بدأ في تجهيز البدلة الرسمية.
أخرج قميصًا أبيض فاخر، وسترة مطرزة بخيوط ذهبية، وبنطال داكن شديد الرسمية. أما ويليام… فكان يجلس بجمود، ذراعيه متدليتان، وعيناه نصف مغلقتين.
"أنا جثة… جثة تُلبس بدلة، هذا تعذيب ضد حقوق الموتى." تمتم ويليام بينما كان الدوق يُلبسه بالقوة.
"قف بشكل مستقيم." قال الدوق.
"أنا أقف بالحد الأقصى الذي تسمح به الفيزياء."
"ارفع رأسك."
"أفضل أن أدفنه."
"ويليام، لا تُسبب مشاكل اليوم. هذا يوم مهم لعائلتنا."
"لم أُدعَ لعائلة، دُعيت لجمهور يحدق بي كظاهرة."
---
بعد خمس دقائق من معركة مصغرة في عالم الأزياء، أصبح ويليام نسخة نبيلة غير متحمسة.
شعره ممشط، بدلته مصقولة، وحذاؤه يلمع بدرجة خطيرة. لكنه بنفسه؟… طاقة ميتة تمشي على قدمين.
"الآن، إلى الحديقة."
"هل سأرمي نفسي في نافورة قبل البدء؟ الخيار مفتوح."
[الحديقة الخلفية – لحظة الوصول]
وصل ويليام على كرسيه المتحرك، يدفعه كلاين، والدوق يسير خلفهما.
كانت الزينة الذهبية معلقة على الأشجار، الطاولات مرصوصة بفخامة، والضيوف من النبلاء يتحركون برقي مصطنع.
عائلة ويليام كانت جميعها هناك: راين، يقف بوسامة وبزته العسكرية المطرزة؛ كايل بوجهه المشكك كعادته.
وما إن رأى راين أخاه يُدفع بالكرسي، حتى شد فكيه قليلًا، لكن لم ينبس بكلمة.
أما ويليام… فقد استقر بنظرات هادئة، مُنطفئة، ووجهٍ جامد.
"لا أحد يحدثني. لا أحد يلمسني. لا أحد يتوقع مني أن أقول شيئًا لطيفًا."
قالها لكلاين بصوت منخفض.
"أنت… تبدو أنيقًا اليوم، سيد ويليام."
"هذه إهانة أم مدح؟"
اقترب منهم راين، وقف أمام ويليام للحظة… قبل أن يقول ببرود:
"ظننت أنك لن تحضر."
"ظننت ذلك أيضًا." قالها ويليام وهو يتنهد وكأنه يؤدي مهمة وطنية.
"على الأقل تصرف كما لو كنت حيًا، ليس من اللائق أن تجلس هكذا في حفل."
"أنا أبذل مجهودًا خارقًا لأبقى منتصبًا. هذه سقفي الاجتماعي."
"توقف عن لعب دور الضحية."
"أنا لا ألعب. أنا أعيش فيه."
الدوق كان واقفًا على بُعد، يُراقب.
وبينما ويليام يحدق في كعكة الحفل، فكر بجديّة:
(هل يمكنني الغطس داخلها؟ والاختفاء؟ مجرد فكرة…)
---
كانت الموسيقى تعزف مقطوعة كلاسيكية رصينة، والطاولات مصفوفة بعناية، والنبلاء يتبادلون المجاملات المصطنعة على خلفية أطباق مزخرفة بكافيار وفواكه مستوردة.
وفي أحد أطراف الحديقة، جلس ويليام على كرسيه المتحرك، بكامل أناقته، تعابير وجهه ثابتة، وعيناه نصف مغمضتين. بدا وكأنه نصب تذكاري لشخص لم يوافق على وجوده.
وبينما انشغل الجميع في تهنئة راين، بدأ الضيوف يلاحظون وجود "الابن المنسي"، ذاك الظل الذي قيل إنه كان في غيبوبة لسنوات، وها هو الآن يظهر… وكأنه خرج من قبر نبيل.
"هل هذا… هو ويليام؟"
"نعم، ذاك الذي هاجم فارسًا في سن الثانية عشر…"
"ظننت أنه لم يعد يمشي."
"إنه لا يمشي. أظنه… يُدفع."
"بصراحة، يبدو كأحد ضحايا مأساة أدبية."
"انظروا لعينَيه، لا بريق فيهما. تمامًا كما وُصف في تقارير الطبيب النفسي."
"تقول الشائعات إنه يتكلم مع نفسه…"
"أظن أنه نائم."
كان الجميع يتحدث… بصوت منخفض، لكن يكفي لأن تصل الهمسات، كالرطوبة، إلى مسامع ويليام.
لكنه؟ لم يبدِ أي رد فعل.
بل اكتفى بتثبيت نظره على الطاولة الأقرب، حيث جلس طفل يأكل قطعة من التارت بتعبير مندهش.
(تلك الكعكة تبدو مثالية… ولكنني عالق هنا.)
تحوّلت نظرته نحو السماء.
ثم… أغمض عينيه.
وأسند رأسه إلى أحد جوانب الكرسي.
واستسلم.
نعم. نام.
وسط الحفل، وسط النظرات، وسط الهمسات… نام.
كأن النوم هو درعه الوحيد ضد هذا العالم الأرستقراطي الصاخب.
وقف كيلان خلفه، ساكنًا.
كان يعرف أن ويليام سمع كل شيء. رأى كيف شد على طرف بطانيته قليلاً، وكيف اتجهت عيناه قبل إغلاقهما إلى الأرض، حيث لا أحد.
(إنه يتظاهر باللامبالاة… لكنه سمعهم.)
شعر كيلان بوخز في صدره.
(لماذا يعاملونه كعار؟ كأنه لم يكن طفلًا بينهم؟)
نظر نحو الدوق، الذي كان منشغلاً بتبادل التهاني مع أحد القادة.
(وحتى والده… لم يتحدث إليه سوى لتوبيخه.)
ثم عاد ينظر إلى ويليام، الذي الآن بدأ يُصدر صوت تنفّس هادئ، نائمًا بسلام وسط الحشد.
"سيد ويليام…" همس كيلان بصوت منخفض.
(أنت أقوى مما يظنون… حتى لو لم ترغب بأن تكون كذلك.)
تقدّم بعض الخدم من بعيد.
"هل يجب علينا إيقاظه؟ هذا مشين."
لكن كيلان رفع يده.
"لا، دعه ينام. إنه لا يزعج أحدًا."
"ولكن الدوق…"
"سأتحدث معه."
مرّ بعض الأطفال النبلاء بجانبه، وضحك أحدهم وهمس لصاحبه:
"انظر، حتى في عيد ميلاد أخيه، ينام كالأحمق!"
لكن الطفل الآخر، بعينين أكثر فضولاً، قال:
"أمي قالت إنه كان عبقريًا… قبل أن ينهار."
وابتعدا.
أما ويليام… فقد بقي مغمض العينين، لكنه ابتسم قليلاً.
(أنا أحمق؟ ربما. لكنني نائم، وأنت لست كذلك. لذا… من الرابح هنا؟)
استمر الحفل.
الموسيقى، الضحكات، الكؤوس تُرفع، الأحاديث تتبادل…
وفي زاوية بعيدة عن الصخب، تحت ظلال شجرة معمرة، جلس ويليام كأكثر المدعوين هدوءًا… ونُبلًا.
كان النسيم خفيفًا، يداعب أوراق الشجر في حديقة قصر إيرونديل، حيث استمر حفل راين الثامن عشر على قدمٍ وساق.
الموسيقى خفتت قليلًا، والمضيفون بدؤوا يقدمون العصائر المثلجة والفواكه الطازجة في أكواب زجاجية راقية. وكان ويليام لا يزال في مكانه، رأسه مائل قليلًا، نائمًا أو متمارضًا كعادته.
كيلان بقي واقفًا قربه، يراقب بصمت، حتى اقترب منهم أحد الخدم ليضع صينية العصائر على الطاولة القريبة.
ولم يكن أي شيء ينذر بالخطر… حتى اقترب شاب ذو شعر أسود مصفف بعناية ونظرات غطرسة مغلّفة بابتسامة باردة.
"آه، إذا لم يكن هذا هو ويليام المشهور!"
فتح ويليام عينه ببطء شديد، بعين واحدة فقط.
(صوت تافه. رائحة عطر رخيصة. هل أنا في كابوس؟)
نظر له دون أن يحرّك جسده.
"إيغن وسترلينغ،" قدّم نفسه الشاب، وكأنه يخطب في جمهور.
"ابن ماركيز وسترلينغ، مساعد نائب رئيس أكاديمية بيرغن العليا للفنون القتالية… على الأقل، هذا ما سأكون عليه قريبًا."
أطلق ضحكة متكلفة.
ويليام رفع حاجبه ببطء، ثم قال بصوت ناعس:
"مبروك… أيًّا كان ما قلته."
إيغن لم يحب نبرة ويليام الباردة.
تقدم منه، ووقف أمامه مباشرة.
"أتعرف، اعتدت أن أعتقد أنك أسطورة مأساوية… لكنك مجرد مهزلة تمشي على عجلات."
كيلان تحرك فورًا ليقف حاجزًا، لكن ويليام أشار له بتكاسل.
"لا بأس… فليتكلم. يبدو أن جرح كبريائه ينتعش حين يرى كرسياً متحركاً."
إيغن كز على أسنانه، ثم التقط كأسًا ممتلئًا بعصير التوت الأحمر الداكن من الطاولة.
"هل تريد أن تكون مركز الانتباه؟ إذًا، تفضل."
وبدون تحذير…
سكب العصير بالكامل على صدر ويليام، ملطخًا بدلته البيضاء الفاخرة بلون أرجواني قاتم.
شهقة خافتة خرجت من بعض النبلاء القريبين. أحد الأطفال انفجر ضحكًا. كيلان صرخ:
"توقف!"
لكن إيغن اكتفى بابتسامة باردة، واستدار، وقال:
"الآن أصبحتَ ممتعًا للمشاهدة، ولو لمرة."
ظل ويليام ساكنًا.
العصير تساقط على رقبته، اخترق ياقة قميصه، وتقطّر على بنطاله المخملي.
ثم رفع عينيه نحو السماء… وابتسم.
"على الأقل الآن أملك عذرًا لتغيير ملابسي… وربما الانسحاب من الحفل."
كيلان، رغم غضبه، حاول تجفيفه بمنديل.
"سيدي، دعني آخذك للداخل."
لكن ويليام، وهو لا يزال مبتسمًا بتلك الطريقة اللامبالية التي يغيظ بها خصومه، قال:
"لا، دعني أجلس قليلاً. أريد أن أشعر كم من الوقت سيستغرق حتى يدرك أحدهم أن ابن الدوق قد أُهين علنًا… أمام الجميع… ولم يتحرك أحد."
نظر حوله، ورأى والده، راين، وبعض الحاضرين.
الجميع رأى.
الجميع تجاهل.
(حسنًا… فهمت الدرس مجددًا. لست ابنًا في هذا البيت. أنا عار يُرجى أن يصمت.)
لكنه قال بصوت مسموع، وهو يغلق عينيه مجددًا:
"يوم جميل… أليس كذلك، كيلان؟"
كيلان لم يعرف ما يقول. نظر حوله، ثم قال بحذر:
"هل… هل تريدني أن أُعاقبه؟"
"لا.( النظام قد يتدخل، ويعطيني مهمة قتالية سخيفة فيها ‘الانتقام من النبيل المزعج’ أو شيء كهذا… لا أريد أن أُجر إلى تدريب المبارزة)."
**
وقبل أن يجيب كيلان، ظهر أحد الحاضرين متسللاً بخجل:
"هل… تحتاج شيئًا لتنظيف ملابسك يا سيدي ويليام؟"
ويليام فتح عينيه قليلاً، ورأى فتاة صغيرة، ربما ابنة أحد البارونات، تحمل منديلاً مبللاً بخجل.
ابتسم بلطف، وقال:
"أشكرك… لكنني معتاد على البقع."
ثم تناول المنديل، وربّت على رأسها بخفة:
"احتفظي به… يوماً ما قد تسكبين عصيرًا على ثوب أحدهم."
وفي ظل شجرة التوت، جلس ويليام… ملطخًا، لكنه أكثر نبلاً من كل النبلاء.
---
كانت الأجواء قد بدأت بالتحسن قليلًا. الموسيقى عادت، الحضور تظاهروا بتجاهل ما حدث مع العصير، والبعض بدا منشغلًا أكثر بالكعك المزخرف من "الفضيحة الصغيرة" التي لطّخت بدل ويليام.
ويليام نفسه جلس بهدوء على كرسيه المتحرك، وقد جف العصير على ملابسه، بينما عيناه نصف مغمضتين كعادته، في وضعية "أنا هنا جسديًا فقط".
لكن… السلام لا يدوم طويلًا في مثل هذه التجمعات.
وفي منتصف الحفل، وسط الضحكات والمجاملات، تعالت فجأة صوت كؤوس تتحطم وصراخ خافت.
أحد النبلاء، شاب طويل نحيل، ذو شعر فوضوي وعينين زائغتين، كان يتمايل بين المدعوين ممسكًا بزجاجة خمر فارغة، وجهه محمر، ونظرته زجاجية.
"هاه... ههههه… ابن الدوق، أليس كذلك؟" تمتم بصوت مشوش.
اقترب بخطوات متعثرة من كرسي ويليام، الذي لم يفتح عينيه بعد، وكأنه لم يسمع.
"لطالما… لطالما أردت أن أصفع أحدكم، أبناء الطبقة العليا… دائماً تنظرون إلينا كحثالة!"
ولم يُمهل أحدًا وقتًا للتدخل.
في غمضة عين، سحب خنجرًا صغيرًا من حزامه، وأمسك شعر ويليام، ثم وضع النصل البارد على عنقه.
"سأقتل هذا القذر عديم الفائدة… الآن!"
تجمّد الحفل.
الصمت التام.
الأنغام توقفت، المدعوون حدقوا بذهول، بعضهم شهق، آخرون تراجعوا للخلف.
الدوق جوزيف ، الذي كان واقفًا بجانب أحد النبلاء الكبار، اتسعت عيناه قليلاً… لكنه لم يتحرك فورًا.
راين، الأخ الأكبر، قبض على مقبض سيفه بغريزة تلقائية، عينيه تتأجج غضبًا.
كايل، الأصغر، حدّق بصدمة… لكنها تلاشت سريعًا لتحل محلها نظرة معقدة، خليط من التوتر والريبة.
أما كيلان، فقد اندفع فورًا، لكن الفرسان أمسكوا به من كتفيه، خائفين من استفزاز النبيل السكران وإيذاء ويليام.
أما ويليام؟
فتح عينيه أخيرًا.
نظر إلى الرجل الذي يهدده، ثم إلى السكين على رقبته، ثم إلى زجاجة الخمر الفارغة.
"...أنت تعلم أنك ستموت بعد هذا، أليس كذلك؟" قال ببرود مدهش.
النبلاء تجمدوا من كلامه.
الرجل صرخ:
"اصمت! لا تتحرك! أنا… أنا أطالب بالعدالة!"
"عدالة؟" همس ويليام، "أنا بالكاد أستطيع الوقوف. هل أنا تهديد لهذه المملكة؟"
النصل ضغط أكثر على رقبته، وسيل من الدم الخفيف بدأ بالانزلاق، لكن ويليام لم يرتجف.
بل تمتم بصوت منخفض:
"أوه… على الأقل إن قتلتني الآن، سأتهرّب من العلاج الفيزيائي غدا …"
الصمت انكسر أخيرًا بصراخ:
"أبعد سلاحك عن أخي فورًا!"
راين شق الحشد مندفعًا، يتبعه الحرس الخاص.
لكن ويليام رفع إصبعه بكسل وقال:
"لحظة. لا أريد موته السريع… دعوه ينهي خطبته، من يدري؟ ربما سيطلب فدية."
الرجل تلعثم، مرتبكًا من عدم مبالاة ضحيته.
"أنا… سأقتل ابن الدوق! سيتذكرني الجميع!" صرخ.
ويليام تنهد.
"أنت بالكاد تذكر نفسك، أيها النبيل الفاشل. أنا لا أتذكر حتى اسمك، رغم أن سكينك على عنقي."
راين هدر:
"احترم نفسك، ويليام! ليس الوقت للمزاح!"
"أنا لا أمزح. أنا فقط واقعي. احتمال نجاتي منخفض… وأفضل أن أبدو مثيرًا للسخرية بدلاً من مثير للشفقة."
في تلك اللحظة، تحرك أحد الحراس الملكيين بخفة مذهلة، وألقى خنجرًا صغيرًا أصاب يد الرجل مباشرة، فأسقط السكين وهو يصرخ.
وخلال ثوانٍ، كان الرجل على الأرض، مقيدًا، يئن، يصرخ بأنه مظلوم، وسط نظرات صادمة من المدعوين.
ويليام، وقد ابتعد عنه التهديد، نظر إلى رقبة قميصه الملطخة بالدم الآن، وقال ببرود:
"…عصير التوت كان ألطف من هذا."
ثم أغلق عينيه مجددًا، وأمال رأسه للخلف.
كيلان انحنى بجانبه.
"هل أنت بخير؟!"
"بخير؟ لا. لدي بقع جديدة على بدلتي. وهناك من لمس شعري… لم أغسل شعري بعد."
أحد الخدم جاءه بمنديل.
راين اقترب، حائر بين الغضب والقلق.
"هل أنت… هل جننت؟ لمَ لم تصرخ؟ تتحرك؟ تدافع عن نفسك؟!"
ويليام تمتم:
"أنا كنت نائمًا… ثم صرت رهينة… ثم أنقذتموني… لا أرى الفرق."
الدوق تنهد بصوت مسموع هذه المرة، ثم استدار، وقال للحراس:
"خذوا هذا المجنون… واعتذروا رسميًا لكل الحاضرين."
أما ويليام، فتمتم وهو يُدفع مجددًا على كرسيه:
"أعيدوني لغرفتي… الحفلات تقتلني ببطء."
---
عنواين صحف كانت
"الرهينة الأكثر مللًا في التاريخ"