مع انتهاء الحفل أخيرًا، وعودة الموسيقى لتحاول تغطية صدمة ما حدث، تم اقتياد ويليام من قبل الخدم وكيلان إلى جناحه، حيث انتظره الطبيب "جون" ليتفقد الجرح على عنقه.

رغم أن القطع لم يكن عميقًا، إلا أن الطبيب عبس عند تنظيفه وقال:

"هذا الجرح قريب جدًا من الشريان… كان بإمكانه قتلك لو ضغط أكثر بسنتيمتر واحد."

ويليام، كالعادة، أجاب وهو ينظر إلى السقف:

"إذًا أضف ذلك إلى قائمة إخفاقاته… حتى القتلة هنا هواة."

---

وبعد تضميد الجرح بعناية، وقبل أن يتمكن كيلان من إقناعه بالراحة، جاء أحد الخدم بأمر مباشر:

"الدوق يطلب حضور ويليام إلى مكتبه. حالًا."

"رائع." تمتم ويليام، "من حفلة إلى ساحة إعدام، بدون استراحة شاي."

---

تم دفع كرسيه إلى مكتب الدوق، وهناك، وقف أمامه بينما يقف راين و كايل إلى الجانبين، كتماثيل منحوتة بجمود.

الدوق كان خلف مكتبه، عيناه تشتعلان غضبًا لم يعبّر عنه بالكلمات بعد، لكنه أخيرًا قال بصوت منخفض وثقيل:

"هل تستطيع أن تشرح لي سبب تصرفك الوقح في الحفل؟"

"أي جزء؟ النوم؟ العصير؟ السكين؟ أحتاج جدول زمني." تمتم ويليام بنصف ابتسامة.

"كفّ عن السخرية!" صاح الدوق، وهو يضرب راحته على الطاولة.

"لم تلقِ التحية على أي شخص، لا على ضيوف، ولا عليّ، لم تحترم تقاليد البيت، كنت وقحًا ومتخاذلًا أمام الجميع!"

---

راين بقي صامتًا، رغم أن قبضته مشدودة.

كايل، على الطرف الآخر، نظر بعيدًا كأنه غير معني، لكن عينيه لم تفارق وجه ويليام.

ويليام تمتم وهو ينظر إلى الأرض:

"ألم يكن يجب أن يكون الاحتفال عن راين؟ لما هذا التركيز عليّ؟"

الدوق تجاهل السؤال تمامًا.

"لقد أحرجت العائلة. إن لم تكن مستعدًا لتكون عضوًا جديرًا باسم إيرونديل، فلا داعي لحضورك من الأساس."

صمت خيم الغرفة…

ثم فجأة، وضع ويليام يده على رأسه.

"أوه… هذا غريب…"

عينيه اتسعتا، ثم بدأت أنفاسه تتسارع.

"مؤلم…"

وضع يده الأخرى على صدره، كأن شيئًا داخله يُسحق.

راين تحرّك للأمام لا إراديًا، وكايل شهق بخفة.

"ويليام؟" نطق الدوق بعبوس.

لكن فجأة، انحنى ويليام إلى الأمام، صرخة ألم خرجت من حلقه، يده تمزق شعره من شدة الصداع، ثم سقط على ركبتيه.

"ااااااه ...كـ… كلاين… أحد…!"

قبل أن يسقط بالكامل على الأرض، اندفع الدوق وأمسك بذراعه في اللحظة الأخيرة.

"استدعوا الطبيب، فورًا!" صاح.

ويليام، بين وعي ولا وعي، رأى وجوههم جميعًا تتلاشى كأنها مرسومة على الماء.

"أنا… فقط أردت… قيلولة…" تمتم، قبل أن يغيب في العتمة.

انحنى راين بسرعة، يحاول تثبيت رأسه.

كايل اقترب لأول مرة، وجهه خالٍ من السخرية.

الدوق كان قد حمله بذراعيه، وجهه جامد لكن عينيه قلقتان بشدة.

"جون! أين الطبيب؟!" دوّى صوته في أرجاء القصر.

**

وفي تلك اللحظة، لأول مرة منذ زمن طويل… لم يردّ ويليام بكلمة.

فقد كان غائبًا تمامًا، بينما النظام، في ركن مظلم من وعيه، بدأ يظهر نافذة وامضة:

[تحذير: تداخل غير مستقر بين الوعي الحالي والذاكرة المحجوبة… إعادة المعايرة مطلوبة.]

---

تمتم ويليام :

"أحيانًا يسقط الشرير حتى من دون أن يتحرك"

---

جلس الدوق على أريكة جلدية في زاوية المكتب، يحتضن ويليام كما لو كان يحمل حفنة من الزجاج المكسور. رغم سنوات البُعد والبرود، الآن، لم يكن أمامه سوى ابنه النحيل يتلوى بهدوء بين ذراعيه، وحرارته ترتفع كأن جسده يشتعل من الداخل.

أنفاس ويليام صارت متقطعة، شفتاه تتحركان بكلمات غير مفهومة، وجفونه ترتجف كأنها تخوض كوابيس لا تسمح بالخروج.

ثم فجأة، وسط سكون الغرفة…

دفن وجهه المرتجف في عنق الدوق.

نظرة صدمة خافتة مرت في عيني كايل شهق دون قصد، أما راين فقد تقدّم خطوة بلا وعي.

الدوق بقي ساكنًا للحظة، يده مشدودة على ظهر ولده.

(هذا الطفل... متى أصبح نحيفًا لهذا الحد؟)

لكن قبل أن ينبس أحدٌ بكلمة…

اندفع باب المكتب وفتح بعنف.

دخل رجل مسن، طويل القامة، يرتدي عباءة رمادية بخيوط ذهبية حول الياقة، صوته كالسكين:

"من سمح له بالسقوط في هذه الحالة؟"

كان الطبيب الملكي، ميرلين . أشهر معالج سحري وطبي في المملكة.

"ميرلين!" نهض الدوق جزئيًا وهو لا يزال يحتضن ويليام، "لقد فقد وعيه، وحرارته لا تنخفض—"

"أعطني المجال!" أمر الطبيب، وهو يُخرج أدواته من حقيبة أنيقة.

اقترب الطبيب، نظر إلى ويليام بعينين متمرستين، وضع كفه فوق جبينه للحظة، ثم قال بجفاف:

"هذا ليس مرضًا عابرًا. جسده لم يتعافَ بالكامل بعد ثلاث سنوات من الغيبوبة، والضغط الذي تعرض له هذا اليوم—جسديًا ونفسيًا—كفيل بتفجير جهازه العصبي."

سحب أداة صغيرة، وبدأ بتفقد ردات الفعل في العين والنبض.

ثم أضاف بنبرة أكثر صرامة:

"هناك أيضًا نشاط غير مستقر في الفصّ الخلفي من الدماغ… قد يكون مرتبطًا باستعادة ذكريات دفينة."

قال الدوق بقلق: "ما الذي تقترحه؟"

"يحتاج خمس حقن. واحدة في الذراع اليمنى، واحدة في الخصر لتخفيف التشنجات، واحدة في الظهر لتقويم العمود العصبي، واثنتان في الفخذ لتحفيز الدم."

ثم نظر للدوق نظرة مباشرة.

"وسأحتاجك أن تثبّته بنفسك، سيبدأ بالهياج عند الإبرة الثانية."

الدوق لم يتردد. وضع ويليام برفق فوق الأريكة، ثم جلس خلفه وسنده بجسده، وأمسك به من الكتفين بقوة محسوبة.

"مستعد."

ميرلين لم يضِع ثانية.

الإبرة الأولى غرست في ذراعه بلطف، وويليام بالكاد تأوه.

الثانية، عند الخاصرة… وهنا انتفض جسده فجأة، وصرخ صرخة باهتة:

"لا… لا أريد… كفى…"

الدوق شدّ ذراعيه حوله أكثر.

"أنا هنا، ويليام. لا شيء سيؤذيك الآن."

الثالثة غرست في ظهره، مباشرة عند الفقرة الرابعة. ويليام ارتجف بكامل جسده، ثم بدأ يلهث كأنه غرق للتو.

"ما هذه… الحرارة…؟"

راين اقترب أكثر، قبضتيه ترتجفان، يريد أن يفعل شيئًا، لكنه لا يعرف ماذا.

كايل ظل في الزاوية، وجهه شاحب، يتجنب التقاء الأنظار.

"الإبرتان الأخيرتان!" قال ميرلين.

غرزهما في فخذ ويليام بسرعة وخفة… ثم وضع يده فوق قلبه وهمس بتعويذة طبية.

بدأ جسده يهدأ. النفس المضطرب صار أكثر اتزانًا.

وبينما يغفو أخيرًا، تمتم بصوت خافت:

"أكره الحفلات… أكره… هذا العالم…"

الدوق لم يقل شيئًا، فقط بقي ممسكًا به، كما لو أنه يخشى أن يسقط من بين يديه مرة أخرى.

"سيرتاح لبضع ساعات." قال ميرلين وهو يمسح جبينه، "لكنه سيحتاج مراقبة مستمرة. إن عانى من هجوم آخر كهذا… قد لا ينجو المرة القادمة."

سكت الطبيب ثم أضاف:

"والأهم… أن تتوقفوا عن معاملته كعارٍ عائلي. جسده قد يتعافى، لكن قلبه لن يصمد طويلاً تحت هذا الحمل."

غرفة المكتب امتلأت بالصمت… لكن هذه المرة، لم يكن هناك من يجرؤ على قول كلمة.

ويليام، في حضن والده، استراح أخيرًا… بينما ظلال الماضي والمستقبل تتحرك في الخلفية، تبحث عن فرصة لجرّه إلى الهاوية مرة أخرى.

---

بعد أن هدأ تنفسه واستقرت حرارته، أمر الدوق بحمل ويليام إلى جناحه الخاص.

بهدوء رسمي، وكأن لا شيء استثنائي قد حدث، رفعه الخدم تحت إشراف "ميرلين"، ثم وضعوه فوق سريره المألوف، ذلك السرير الذي لم يُغادره إلا مؤخرًا بعد ثلاث سنوات من الغيبوبة.

وقف الدوق بجانب السرير لثوانٍ. تأمل ملامح الابن الذي بالكاد يعرفه. وجهه بدا شاحبًا ومرهقًا، لكن في داخله لم يكن شيءٌ يذوب. لم يكن حنانًا. لم يكن ندمًا.

بل فقط… سكون بارد، كالحكم.

استدار نحو كيلان، وقال بصوت لا يقبل النقاش:

"ابقَ معه حتى أطلبك. راقِب أي تغيرات."

"أمر مولاي."

ثم خرج.

---

[مكتب الدوق – بعد نصف ساعة]

جلس الدوق خلف مكتبه، يطالع ورقة، ثم يرميها. يحاول مراجعة ملفات الحفل، الهدايا، ترتيب تحالفات جديدة… لكنه لم يقرأ سطرًا واحدًا كاملًا.

عقله ظل ينجرف مرارًا وتكرارًا نحو "ويليام".

(ثلاث سنوات من الغيبوبة… شهر واحد فقط منذ استيقاظه… ثم فجأة، يصبح مركز الفوضى مجددًا.)

قبض كفه على الذراع الخشبي للكُرسي بقوة، ثم همس لنفسه:

"لا يهم إن فقد ذاكرته… الذنب لا يُمحى."

بدأت الذكريات تتقاطر داخله، كضربات مطر فوق سطح معدني:

ويليام ابن الحادية عشر عشرة، يدفع أحد الخدم عن الدرج لأنه "نظر إليه باستغراب".

ويليام في الثانية عشرة، يصفع شقيقه كايل بسوط تدريب، لأنه تجرأ على السخرية من شعره البني.

ويليام في الثانية عشرة، يكسر ذراع أحد النبلاء الصغار بحفل عام، فقط لأن الأخير رفض الرقص مع إحدى الأميرات اللواتي دعاهن ويليام.

حتى المعلمين كانوا يخافونه، لا بسبب قوته، بل بسبب مزاجه غير المتوقع…

(كان أشبه ببركان يمشي، كل من اقترب منه، احترق… حتى والدته.)

عند هذه الفكرة، عبس أكثر، وحدّق في نقطة مجهولة أمامه.

(لا يمكن إنكار أن الناس كانوا يهمسون دائماً… عن شعره المختلف، عن عينيه الزرقاوين… عن كونه "ابنًا غير شرعيًا". لكنني... لم أتصرف، لم أدافع، ولم أؤكد شيئًا.)

(تركت الشكوك تتخمّر… ثم طلقتها.)

أغمض عينيه، لكن ملامح الأم عادت إلى ذهنه.

---

كانت امرأة صامتة، باردة. تحب الموسيقى والهدوء. لم تكن أماً حنونًا، لكنها لم تكن شريرة. لكن بعد طلاقهما، اختفت. واختفى معها ما تبقى من الطمأنينة في حياة القصر.

---

(ربما… كنت السبب.)

لكن ما لبث أن عض على لسانه من الداخل، حتى شعر بطعم الدم.

"لا، لا مجال للضعف. ما فعله هذا الصبي لا يُغتفر. لقد لوّث اسم العائلة، وشوه صورة الوريث."

حتى الآن، رغم استيقاظه، رغم ضعفه الواضح، ما زال يرفض الانصياع. لا يُسلِّم. لا يخضع. لا يعتذر.

---

(ذلك التحدي الهادئ في عينيه… وكأن كل شيء لعبة.)

عاد للحظة داخل الحفل. حين سكب عليه العصير، لم ينفجر. لم يصرخ. لم يدافع حتى.

بل نام!

نام كأن كل الإهانة لا تستحق جفنه.

(هل هو تكبُّر؟ أم يأس؟)

طرق أحدهم الباب.

"مولاي، الطبيب ميرلين أرسل تقريرًا محدثًا عن حال ويليام."

"اتركه على الطاولة."

"أمرك مولاي."

بقي الدوق في مكانه. لم يتحرك.

حدّق بورقة التقرير، لكنه لم يمد يده لفتحها.

(لا يهم. فليكن ضعيفًا. مريضًا. نائمًا. لا يغفر.)

أغمض عينيه مرة أخرى، وقال بصوت خافت، بالكاد يُسمع:

"ما زال ويليام… ذلك العار."

لكن داخله، في أعمق نقطة في القلب، لم يكن الصمت صلبًا كما يظن.

هناك صوت صغير، بعيد، غامض، يتساءل:

(…وماذا لو تغير؟)

---

لم يكن هناك ضوء.

لا نافذة، لا أرض، لا سقف.

فقط فراغ أبيض باهت يحيط بكل شيء، لا يحمل لونًا حقيقيًا، ولا صوتًا، سوى أنفاس خافتة… أنفاس ويليام.

فتح عينيه، لكنه لم يشعر بجسده. فقط وُجد هناك، يقف في هذا السكون الغريب.

وفجأة… صوت بكاء.

بكاء ناعم، متقطع، كأن أحدهم يحاول كتمه… لكنه يفيض من بين الأصابع.

استدار، وعيناه اتسعتا بصمت.

كان هناك طفل.

في الثانية عشرة من عمره تقريبًا. يجلس على الأرض، ركبتيه مطويتين نحو صدره، رأسه مدفون بين ذراعيه، يبكي.

كان بشعر بني، غير مرتب، وعيون زرقاء دامعة، وملامح مألوفة… مؤلمة.

"...أنتَ؟"

همس ويليام، كأن الهواء قد سُرق من رئتيه.

ذلك كان هو.

ويليام الأصلي.

أو على الأقل، تمثيلٌ طفوليّ له… قبل أن يفسده كل شيء.

الضجيج، الكراهية، الإشاعات، الصراخ، الإهمال، والخوف.

الطفل ظل يبكي. ولم يرفع رأسه.

اقترب منه ويليام ببطء. كان يريد أن يصرخ عليه.

(بسببك أنا هنا…

بسببك ورثت كل الكراهية، كل النظرات…

أنت السبب في أن الجميع يراني وحشًا…

لماذا كنت أحمق لهذه الدرجة؟ لماذا لم تهرب؟ لماذا لم تقاوم؟)

فتح فمه، ليتفوه بكل شيء… لكن…

لم يصدر صوت.

لم يستطع.

لم يخرج سوى أنين باهت، كأنه لم يعد يملك شجاعة الكلمات.

الطفل لم ينظر إليه.

فقط قال بصوت ناعم مهتز، دون أن يرفع رأسه:

"أنا آسف… لم أكن أريد أن أكون سيئًا.

كنت فقط… وحيدًا."

كلمات بسيطة. مخنوقة. مثل حبل ملتف على روحٍ صغيرة.

وفجأة، كل الغضب في صدر ويليام تبخر، أو على الأقل تجمّد.

(ما فائدة صراخي عليه؟

هل ألوم طفلًا لم يحتمله أحد؟

لم يرَ حبًا؟ لم يُحتضن؟)

اقترب أكثر، ثم جلس على ركبتيه أمامه، وأخيرًا…

مد ذراعيه، واحتضنه.

الطفل ظل ساكنًا للحظة… ثم انفجر بالبكاء داخله، وجهه مدفون في صدره، ويداه ترتجفان.

ويليام شعر بعقدة غريبة في حلقه، كأن شيئًا كان يُفك، بهدوء، للمرة الأولى.

(أنا أكرهك…

لكنني أيضًا أفهمك.

وأنت لست أنا بعد الآن.)

همس لنفسه:

"لا بأس… لقد عدت."

**

[في العالم الحقيقي – غرفة ويليام]

شهق فجأة.

فتح عينيه بسرعة، وجسده متعرّق.

الغرفة مظلمة. بجانبه مصباح صغير، وعلى الكرسي يجلس كيلان نائمًا، رأسه مائل للجانب.

تحسس صدره… كان ينبض.

يداه ترتجفان.

لكنه لم يكن يشعر بالرعب، بل بنوع غريب من… السلام المؤلم.

(ما كان ذلك؟

هل هو حلم؟

هل رأيت… روحي؟)

نظر للسقف وهمس بابتسامة صغيرة، مرهقة:

"كان يبكي، لكنه ليس وحشًا… فقط طفل مهجور."

ثم أغلق عينيه مجددًا، وهمس بابتسامة ساخرة:

"وأنا؟

أنا مجرد البديل الذي جاء لينام مكانه."

----

[الصباح التالي – جناح ويليام]

فتح ليام عينيه ببطء، يتنفس بثقل. كان جسده لا يزال ثقيلًا من الحمى والدواء، لكن دماغه… للأسف… يعمل بكفاءة تامة، وهذا وحده كارثة.

"اللعنة… ما زلت هنا."

تمتم وهو يدفن وجهه في الوسادة.

(كنت آمل أنها كانت هلوسة بسبب الحرارة… الفراغ، الطفل الباكي، الوجع النفسي المجاني…

لكن لا. أنا لا أزال في جسد ويليام.

اللعين، المتنمر، الشرير من الدرجة الثانية، القاعدة السفلية لهرم الشخصيات.)

رفع رأسه وحدّق بالسقف بعينين نصف مغلقتين.

"هل تعرف ماذا؟ أنا مستاء… جدًا."

تقلّب على جانبه وقال بامتعاض:

"هذا المؤلف الأحمق… نعم، أنت! أينما كنت، أراك هناك تكتب بابتسامة شريرة،

تقول: (لنمنح الأبطال دفعة درامية… نقتل الخلفية!)

من الطبيعي أن ويليام يُستخدم كسلّم في الرواية الأصلية.

هم يلمعون… وأنا أتفحّم."

شد الغطاء حوله وأكمل:

"والأسوأ؟ أنني لم أعد حتى أكره البطل.

إنه غبي، نعم. متفائل بطريقة تثير الغثيان…

لكنني أحيانًا… أحسده.

لديه هدف. لديه دعم. لديه نظام بطل متطور مثل التطبيقات المدفوعة."

زفر، وهو ينظر إلى يده:

"أما أنا؟ أمتلك هذا الجسد المحطم، وماضٍ لا يغفره أحد، ونظام؟

أوه نعم، أين هو ذلك النظام؟

اختفى بعد أن أجبرني على اختيار مهارة، ثم فص ملح وذاب.

هل لديه عطلة صيفية؟"

وقف فجأة وهو يئنّ من الألم، وسحب نفسه حتى جلس على الأريكة.

(أنا في بداية الرواية… حسب ما أتذكر، الأحداث الكبرى لم تبدأ بعد.

ما زلنا في فصول التهيئة…)

"وإذا كنت أنا هنا بدل ويليام…

فهل هذا سيؤثر على سير الرواية؟

هل سيؤدي هذا لتغيير الأحداث؟

هل يمكنني… كسر هذا النص؟"

توقف لحظة، ثم هز رأسه ساخرًا:

"لكن لماذا أفعل؟

لست هنا لأكون البطل، ولا لأصلح أي شيء.

أنا مجرد ضيف، ومكسور الظهر فوق ذلك."

ثم قال بصوت أعلى:

"أيها النظام؟ هل تسمعني؟

لن أُصلح العالم. لا تخطط لشيء بطولي.

أنا هنا فقط لأتأكد أنني لن أُقتل في الفصل العاشر مثل ويليام الأصلي."

مرّ لحظة من الصمت.

لا رد.

"... توقعت ذلك."

[الخارج – أحد الخدم يمرّ قرب جناحه]

سُمع صوت صراخ مكتوم من داخل الغرفة:

"أحمق! هذا ليس سيناريو، هذه فخّ بلا كُتيّب تعليمات!"

[داخل الغرفة]

جلس ليام أخيرًا على الأريكة، يحدق في الفراغ، يهمس لنفسه:

"أنا لا أريد أن أغير هذا العالم…

أنا بالكاد أتحمل وجودي فيه."

ثم أطلق زفيرًا طويلًا، ونظر إلى السقف بابتسامة ساخرة:

"لكن بما أنني هنا…

فلنرَ إلى أي مدى يمكنني أن أستفز هذا النص قبل أن ينهار."

---

"عقل شرير... ولكن كسول"

[الساعة التاسعة صباحًا – جناح ويليام]

جلس ويليام على الأريكة، ملفوفًا ببطانية كأنها درع ضد الواقع.

كانت عيناه مفتوحتين منذ ساعة، لكن جسده ما زال في وضعية "لا أريد التعامل مع هذا العالم".

كانت أفكاره تتزاحم كما تفعل الفواتير آخر الشهر، لكن أهمها كان:

"كيف أهرب؟"

(الخطة بسيطة نظريًا.

أنتظر حتى تُشفى ساقاي بالكامل، أبدأ بالزحف نحو الخزنة العائلية، أسرق ما يكفي من المال، أستأجر عربة، وأخرج من هذا القصر الأبله.

أختفي في بلدة صغيرة، أعيش باسم مستعار، وأبيع الفطائر في كشك شعبي…

قد أسمّيه: "عجينة ويليام السحرية".)

"… لكن انتظر، من سيخبز الفطائر؟ أنا؟ لا. خطأ قاتل."

ارتكز على مرفقه، وجلس ببطء شديد وكأنه خُلع من الزمن، ثم همس لنفسه:

"أنا لا أطبخ. لا أعمل. لا أتحرك بسرعة.

وليس لدي أي مهارة حقيقية… غير التذمر والبقاء على قيد الحياة بصعوبة."

عاد للاستلقاء وقال بيأس:

"ماذا لو هربت، ثم أصبت بزكام في الغابة؟ من سيحضر لي الشاي؟

الخدمة الذاتية قاتلة."

فكر قليلاً، ثم قال:

"إذًا، الخطة (أ) فشلت."

(ماذا عن الخطة (ب)؟

أبقى هنا في القصر.

لا أحد يطردني رسميًا…

لدي جناح، سرير دافئ، طعام، حديقة، وحتى كرسي متحرك بشريط جلد فاخر.

كل ما علي فعله هو… التصرّف كعضوٍ نافع في هذه العائلة.)

"لكن هذا يعني أن أتحمل أبي، وأخي المتفجر راين، ونظرات كايل المشككة، والجلسات العائلية، والأعياد، ومجاملات النبلاء…"

"تبا. هذه الخطة (ب) تتطلب جهدًا نفسيًا… بل عضليًا أيضاً. سأحتاج إلى عضلات وجه لابتسامة مزيفة."

(ولا ننسى… الطبيب الفيزيائي.)

تمدد ببطء، وبدأ يتحدث مع السقف:

"كل الطرق تؤدي إلى السير…

لا مفر من السير… كأن الحياة كلها تقول لي: «تحرك، أيها الكسول المترف.»"

تنهّد تنهيدة طويلة ودرامية، ثم لف البطانية على رأسه.

(من كان يظن أن العيش بكسل يتطلب هذا القدر من الجهد؟

أين ذهبت الأحلام الجميلة؟ أين خطة «أنا أنام والآخرون يعملون؟»

هل انتهت في الفصل الأول؟)

ثم فكر:

"هل أحتاج إلى خطة (ج)؟ خطة متقدمة؟ مثل… التظاهر بالجنون؟

أو ادعاء فقدان الذاكرة؟ أو حتى اختلاق نبوءة غامضة تجعل الجميع يخافون مني؟"

(لا… ذلك سيتطلب تمثيلًا. وأنا… بصدق؟ لا أملك الطاقة.)

طرق

صوت طرق خفيف على الباب، تلاه صوت مألوف.

"ويليام، هل أنت مستيقظ؟"

تنهد ويليام وكأن القدر نفسه دخل الغرفة.

"لا… لكن تفضل، دمرني."

دخل جاك، الطبيب الفيزيائي الذي يشبه القدر المنزلي: دائم الطرق، ومصمم على «تحسينك».

كان يحمل ملفات، وشريط قياس، وتعبير وجه حماسي أكثر مما يجب.

"رائع، مستيقظ! سنبدأ بجلسة اليوم. هناك تقدم ملحوظ، ونحتاج إلى اختبار مرونة العضلات الخلفية للفخذ. ألم يقل لك جون إنك تتحسن؟"

حدق به ويليام نظرة فارغة، ثم قال ببطء:

"جاك… أخبرني بصدق، هل أنت إنسان؟ أم آلة تعذيب طبية؟"

ضحك جاك:

"دعك من المزاح. هل أكلت فطورك؟ سنحتاج إلى طاقة."

"طاقة؟ لأجل ماذا؟ شق نفق في جبل؟"

بدأ جاك بإعداد أدواته بينما يتابع:

"سنبدأ بجلسة تحريك مفاصل، ثم ننتقل إلى تمارين الضغط على الساق، ثم جلسة سحب الكتفين، وربما نجرّب الوقوف ثلاث مرات."

"ثلاث…؟ جاك، هذه محاولة اغتيال."

"هذا اسمه إعادة تأهيل."

"أنا أسميه انتقامًا شخصيًا."

جاك لم يرد، بل رفع الحاجب وكأنه يقول: «ستقوم حتى لو سحبتك بأسناني.»

ويليام زفر، وغمغم:

"هذا العالم لا يمنحني فرصة.

حتى حلم الكسل… صار يحتاج إلى عضلات."

وتمتم وهو يتمدد كالسلحفاة المستسلمة:

"على الأقل لو كان هذا أنمي، لكان لدي حلقة فلر للنوم."

"الهرب مكلف… والبقاء أسوأ"

---

[الساعة التاسعة والنصف صباحًا – جناح ويليام]

كانت الغرفة شبه صامتة إلا من صوت قلب ويليام الذي بدأ يخفق بخوف غامض… لا من الموت، بل من التمارين.

وقف جاك عند نهاية السجادة الطويلة، ممسكًا بلوح خشبي مغطى بالملاحظات، بينما كان ويليام يجلس على طرف سريره كمن يستعد للذبح الطقسي.

"اليوم لدينا هدف بسيط!" قال جاك بابتسامة مرعبة.

"كم هو بسيط؟" سأل ويليام بنبرة متوجسة.

"نقف… لمدة خمس دقائق."

"... خمس دقائق؟ هذا ليس بسيط. هذا معجزة سماوية. خمس دقائق؟! هذا أطول مما أتحمله في حوار مع والدي."

"هيا، ويليام. لقد رأينا تحسنًا ملحوظًا في عضلاتك الخلفية والرباعية. لم تعد عظامك تصرخ عند الحركة!"

"لأنها استسلمت، ليس أكثر."

بدأ جاك يمدد عضلات ساقيه بذراعين ماهرتين، يتحسس بها توتر العضلات ونقاط المقاومة.

ويليام حاول أن يصرف تركيزه عن ألم التمدد بتأليف مسرحية في رأسه:

(المشهد الأول: ويليام في الأسر.

المشهد الثاني: ويليام في غرفة التعذيب.

المشهد الثالث: ويليام يخطط للفرار… لكنه يتعب، فينام.)

"خذ نفساً عميقاً، وابدأ بالضغط على قدميك."

أطاعه ويليام، أو بالأحرى أطاعت عضلاته بعد تردد ثلاث ثوانٍ كاملة.

ومع دفعة خفيفة، وقف.

كانت ساقاه ترتعشان كما لو كان على منصة عالية في عاصفة، لكن… لقد وقف.

"أنت… واقف!" صاح جاك بحماس.

ويليام نظر حوله، وكأنه ينتظر تصفيقًا جماعيًا، أو على الأقل موسيقى ملحمية، لكن كل ما حصل عليه هو صوت تنفسه المتوتر.

"أنا واقف…" تمتم بدهشة، ثم رفع رأسه.

(أنا… واقف.

منذ ثلاث سنوات لم أفعل هذا.

كنت أظن أنني سأبقى ألتصق بالكراسي والسلالم للأبد.)

بدأت الدقيقة الأولى تمر، ويليام متجمد كالتمثال.

المؤلم؟ نعم.

المثير؟ ربما.

الممل؟ بلا شك.

لكنّه شعر بشيء مختلف.

انتصار صغير.

في الدقيقة الثالثة، بدأ العرق يتشكل على جبينه، لكن لم يهتم.

في الدقيقة الرابعة، كادت ساقه اليسرى أن تخونه، لكن ثبتها.

في الدقيقة الخامسة، بدأ العد التنازلي:

"… خمسة، أربعة، ثلاثة، اثنان، واحد—!"

وسقط برفق، حيث التقطه جاك قبل أن ينهار ككومة ملابس قديمة.

"لقد فعلتها، سيد ويليام!"

"لقد… نجوت… من خمس دقائق جحيم."

"هل تشعر بالعضلات تتحرك؟ هذا دليل حياة!"

"نعم… إنها تتحرك، لكنها تشتكي أيضاً."

جلس على كرسيه المتحرك، يتنفس بعمق، بينما ذهنه يدور في دوامة:

(هل هذا… فخر؟

هل أنا أشعر بالإنجاز؟

يا إلهي، هل أتحول إلى شخص مجتهد؟ لا لا، هذا خطر.)

لكن جزءًا صغيرًا داخله كان يبتسم… بخجل.

ليس لأنه حقق معجزة.

بل لأنه، للمرة الأولى، شعر بجسده كجزء منه، لا كقيد عليه.

"أحسنت، سنكرر التمرين في المساء." قال جاك وهو يدون ملاحظاته.

"المساء؟ أنت تسخر مني. جسدي يحتاج إلى إجازة حتى الغد."

"التكرار هو مفتاح التحسن."

"الكسل هو مفتاح البقاء عاقلًا."

وهو يُدفع نحو النافذة، نظر إلى الشمس المشرقة، وفكر:

(خطوتي الأولى… كانت حرفيًا مجرد وقوف، لكنها بداية.

ليس لأنني أريد أن أكون بطلاً، بل لأنني لا أريد أن يُسحبني أحد من تحت السرير لأقوم.)

ابتسم بخفة، ووضع يده على صدره، حيث لا يزال يشعر بالنبض.

(يبدو أنني… لست عديم الأمل تمامًا.)

---

[الساعة الثانية بعد الظهر – جناح ويليام]

كان ويليام قد أنهى جلسة التمرين الأولى بشق الأنفس، وجلس مستلقيًا على أريكته المفضلة، محاطًا بالوسائد، يغوص ببطء في حالة نصف وعي مريحة.

الشمس تنعكس بخفوت عبر زجاج النافذة، والهدوء في الجناح يوحي بلحظة سلام نادرة…

…إلى أن ضربته صورة غريبة فجأة.

صورة وجه.

امرأة ذات عيون خضراء باهتة، تحيطها هالة من الشعر الاحمر ناري، وترتدي فستاناً ملكياً لا تشوبه شائبة.

مهيبة. باردة. صامتة.

"…والدتي؟"

قال الكلمة كأنها شيء لا يستخدم كثيرًا. أشبه بقطعة أثاث مهجورة في قبو الذاكرة.

[اسمها: دوقة لورينا فيردان، زوجة الدوق الأولى، وسيدة البلاط الشمالي.]

(غدًا… حسب جدول الزيارات الرسمي… موعد قدومها.)

ارتجف شيء داخله، ليس خوفًا، بل نوع من القلق الغريب الذي لا يعرف له اسمًا.

ومع القلق… تدفقت الذكريات.

كان عمره سبع سنوات، مختبئًا خلف عمود حجري طويل، يراقب من بعيد.

في ساحة القصر الداخلية، كانت لورينا تحضن ابنها الاول، راين، بينما يركض كايل الصغير بين قدميها وهي تضحك.

أما هو… ويليام… فكان يراقب فقط.

لم تلتفت نحوه.

لم تبتسم له.

لم تفتح ذراعيها له مرة واحدة.

حتى حين اقترب بخجل ذات مرة، أوقفته بلمسة ناعمة لكنها حاسمة على كتفه، وقالت:

"ابقَ نظيفًا، ويليام. لا أريد أن تتسخ ملابسي."

ذكريات كثيرة لم تكن صادمة… لكنها كانت فارغة.

زيارات قصيرة.

نظرات بعيدة.

جمل قصيرة لا تحمل دفئًا:

"هل تأكل جيدًا؟"

"عليك أن تتوقف عن افتعال المشاكل."

"لا تكن عبئًا."

(لم تكن تكرهني بالضبط… لكنها لم تحبني.)

لم يكن له مكان في أحضانها.

أمه كانت سيدة سياسية. أنيقة. صارمة. ترى العالم كمزيج من الصفقات، والألقاب، والانتصارات.

أما هو، فقد كان… وصمة. ذكرى لزواج بارد.

ولم يكن ذلك غريبًا.

فـ لورينا لم تختر أن تكون أماً له.

هو نفسه لم يختر أن يولد في هذه العائلة.

"غدًا تأتي أمي…"

همس بالكلمة وكأنها اختبار لنفسه.

أمي.

هل تستحق أن تُقال؟

هل يمكن حتى أن تُنطق؟

هل "أمي" هي من يربت على رأسك حين تخاف؟

أم من تمر عليك مرور الضيف، تسألك كم عمرك وتنسى الإجابة في ذات اللحظة؟

كان قلبه ينبض ببطء، لكن رأسه يغلي.

(هل يجب أن أراها؟

هل ستلاحظ الفرق فيّ؟

هل ستقول شيئاً؟

هل ستعرفني أصلاً؟)

شعر بجسده يرتجف، ليس من الحمى… بل من الغضب الكامن، الغضب الذي تراكم لسنوات، وتحوّل إلى لا مبالاة ميتة.

"ربما عليّ ألا أخرج من غرفتي غدًا."

قالها، لكنه لم يكن مقتنعًا تمامًا.

(إذا لم أخرج، سأظل ذاك الطفل في الظل.

وإن خرجت… سأصبح ذكرى مزعجة في يومها الملكي.)

ابتسم بمرارة:

"خياراتي دائمًا سيئة."

تمدد على الأريكة، مغمض العينين، ويداه متشابكتان على بطنه.

لكنه لم يقدر على النوم.

فوجه لورينا – ذلك الوجه البارد، المتعالي – ظل يطفو خلف جفنيه المغلقين.

(غدًا ستأتي دوقة…

وغدًا… سأقرر إن كنت سأكون ويليام ابنها،

أم ويليام الغريب…

الذي لا يدين لها بشيء.)

2025/05/31 · 207 مشاهدة · 3633 كلمة
روزي
نادي الروايات - 2025