[الساعة الحادية عشر صباحًا – جناح ويليام]

استيقظ ويليام على صوت الطرق العنيف على الباب، يتبعه صوت مألوف يحاول أن يكون هادئًا، لكنه يزداد قلقًا مع كل ثانية:

"سيدي ويليام! أرجوك، استيقظ! اليوم… اليوم ستصل الدوقة السابقة، السيدة لورينا."

ويليام لم يتحرك. فقط غمغم بصوت مبحوح:

"رائع… آخر ما كنت أحتاجه اليوم."

دلف كيلان إلى الغرفة بعدما لم يتلقَّ ردًا، يحمل في يده سترة مطوية وقميصًا نظيفًا، ووجهه يتصبب قلقًا.

"أرجوك، سيدي. عليك أن تستعد. سيدة لورينا ستصل خلال دقائق. إن لم تظهر، سيعتبر هذا إهانة… وربما…"

قُطع صوته حين رفع ويليام يده في الهواء كمن يعلن نهاية عرض ممل:

"أنا متعب."

قالها ببساطة قاتلة، وهو يتقلب على جنبه الأيسر مواجهًا الحائط.

كيلان اقترب بخطوات مترددة، واضعًا الملابس على الأريكة.

"لكن… ألم تكن تتحدث دائمًا عنها قبل الغيبوبة؟ قلت إنك تريد أن تراها… أن تسألها لماذا—"

"كيلان."

نطق اسمه بهدوء، دون نبرة غضب… لكنه كان أمرًا واضحًا.

"غادر. الآن."

كيلان تجمد في مكانه، يحدق به للحظات، قبل أن يطأطئ رأسه ويغادر بصمت، مغلقًا الباب خلفه.

لم يكن في الغرفة سوى السكون.

ويليام بقي ممددًا لبضع لحظات، يحدّق في لا شيء.

ثم تحرك ببطء. زحف على الأغطية حتى حافة السرير، وأسقط قدميه على الأرض.

تنفس بعمق، ثم دفع نفسه بجسده النحيل حتى وصل إلى النافذة القريبة، مستندًا إليها بكوعيه.

دفع الستارة الحريرية جانبًا… ونظر.

في الأسفل، وصلت عربة سوداء فخمة، يجرها أربعة من الخيول البيضاء.

البوّابون فتحوا الأبواب بانحناء، وخرجت امرأة ببطء.

شعر أحمر قاتم، مربوط بأناقة خلف رأسها.

عيون خضراء كزمرد، لا تحمل دفئًا، بل برود الصقيع.

خطواتها هادئة، لكنها توحي بالقوة.

لورينا ، دوقة البلاط السابقة… ووالدته.

في الساحة، كان والده، الدوق، واقفًا باستقامة ملكية، و كايل بجواره يبدو متحمسًا، بينما راين يقف بأناقته المعتادة وهو يبتسم بانضباط.

ويليام، من الطابق العلوي، راقبهم في صمت.

(كانوا ليكونوا لوحة عائلة مثالية… منمّقة، متناسقة، متحضرة.)

ضاقت عيناه، ثم همس:

"بدوني."

نبرة صوته لم تكن حزينة… كانت مجرّدة، كما لو أنه يصف لوحة فنية لا ينتمي إليها.

(أنا العار. هكذا كانوا يهمسون دائمًا. هي لم تقلها بصوت عالٍ… لكنها لم تحتج لذلك.)

(مظهري؟ شخصيتي؟ ربما كنت سبب الطلاق. من يدري؟)

مرر يده على زجاج النافذة البارد. شعره الناعم، جسده النحيل الذي ما زال يتعلم كيف يتحرك من جديد، وجهه الشاحب.

(كنت مختلفًا دائماً. ولا أحد أراد أن يشرح لي لماذا.)

تنهيدة بطيئة خرجت منه، كأنها تسحب شيئًا من روحه.

لكن… في لحظة ما، كل شيء تغير.

ارتسمت على وجهه نظرة لا مبالاة معتادة، تلك التي اعتاد أن يتخفى خلفها.

سحب الستارة مجددًا، وأسند جبهته على حافة الزجاج للحظة.

"حسنًا، لتكن زيارة ممتعة لكم جميعًا…"

ثم أدار ظهره ببطء، وسحب غطاءه الثقيل مجددًا فوق رأسه.

(لن أكون جزءًا من هذا المشهد… لا بعد الآن.)

---

كانت القاعة الزجاجية الشرقية تفيض بنور الشمس المائل، حيث رُتّبت مائدة صغيرة لتناول الشاي على الطريقة الأرستقراطية. الكؤوس من الكريستال، والملاعق فضية، والصينية مليئة بكعكات محلاة بعناية، كما لو أن الحضور هو ملكة لا دوقة سابقة.

جلست لورينا على المقعد المخصص لها، ظهرها منتصب ونظرتها تنقل بهدوء بارد بين أنحاء الغرفة. لم تكن ابتسامتها دافئة، بل مهذبة فقط.

دخل راين أولًا.

شاب طويل، مفتول العضلات، وسيم كوالده، يرتدي صدرية مخططة وأزرار مذهبة. تقدّم نحوها بانحناءة بسيطة ثم جثا على ركبة واحدة وقبّل يدها بلطف.

"أمي."

"لقد كبرت، راين." قالتها وهي تمرر أناملها الباردة على خده، بنظرة تقيّم لا أمومة.

دخل كايل بعدها.

بعكس أخيه، لم يبدُ عليه التوتر. مشى بخطوات رشيقة كراقص بارع، ابتسامة هادئة تعلو وجهه، ثم انحنى بلباقة.

"سعيدة لرؤيتك، أمي."

أجفلت حاجبها للحظة، لكنها لم تعلق.

"كبرتما… كثيرًا."

قالتها وهي تنظر إلى كل منهما، ثم التفتت ببطء نحو الكرسي الثالث الفارغ بجانب الطاولة.

"أين هو؟"

"أوه…" تردد راين، ثم نظر إلى والده الذي كان قد انضم إليهم بصمت قبل دقائق، واقفًا خلف لورينا.

الدوق لم يرد فورًا، بل تطلّع إلى الكرسي الثالث، الذي وُضعت عليه مخدة صغيرة وبعض الزهور الجافة للزينة.

"ظننتُ أنه سيكون أول من يظهر."

لورينا أبقت نظرتها على الكرسي، دون تعبير واضح، وكأنها تتأمل الفراغ لا الغائب.

"ربما…" قال الدوق بصوت منخفض، "بسبب فقدان الذاكرة… لم يدرك أن اليوم هو الموعد."

كايل عقّب بخفة، وهو يصب لنفسه الشاي:

"أو ربما يتظاهر بذلك، كالعادة."

وجه راين تقلص، لكنه لم يعلق.

قالت لورينا بهدوء: "لقد كان… دائمًا غريبًا."

لم يرد أحد.

لكن الهواء في القاعة ازداد ثِقلاً.

رفع الدوق نظره نحو النافذة العالية، حيث يمكن رؤية أحد جناحي القصر البعيدين. هناك، خلف الستائر البيضاء، كان جناح ويليام.

(كان يتحين هذه اللحظة لسنوات… هل نسي حقًا؟ أم أنه… يرفض؟)

أدار الدوق رأسه ببطء نحو ابنيه.

"هل قال أحدكما له؟"

راين هز رأسه نفيًا، وكايل قال: "أخبره كيلان. سمعته هذا الصباح."

"إذًا…" تمتم الدوق، "إنه اختار ألا يأتي."

لورينا لم تُعلّق، بل رفعت كوب الشاي إلى شفتيها، وكأنها تشرب السلام.

لكن عينيها الخضراوين تحركتا بخفة… نحو النافذة. كأنها توقعت رؤيته يراقب من بعيد. لكنها لم تجد شيئًا سوى الستائر المغلقة.

مرّت لحظات صمت طويلة.

ثم قال كايل وهو يعبث بملعقته الفضية:

"هل تودّين رؤيته يا أمي؟"

لورينا وضعت فنجانها جانبًا، وأجابت ببرود:

"إن رغب هو، سأكون هنا لبضع أيام."

ثم أضافت:

"وإن لم يرغب، فربما هذا أفضل."

أراد راين أن يقول شيئًا، لكن والده سبقه:

"هو… ليس كما كان. لا تتوقعي أن تجدينه كما تركته."

أجابت بلغة حادة:

"أنا لا أتوقع شيئًا، جوزيف."

ساد صمتٌ مرة أخرى.

ثم، بصوت خافت كأنما يحدث نفسه، تمتم راين:

"لم أعد أعرفه… لكنه تغيّر."

كايل رفع حاجبه، وأومأ.

"نعم… تغيّر. بطريقة غير متوقعة."

في الجهة الأخرى من القصر، خلف الستائر البيضاء، كان ويليام يجلس على الأرض، ظهره مسنود للحائط، رأسه مائل، ونظرته شاردة.

سمع أصوات ضحكات خافتة من الأسفل. أصوات فناجين. همسات.

لكن قلبه… كان صامتًا.

(ربما لم أكن أنا المشكلة. ربما كنتُ مجرد قطعة زائدة في معادلة ضاعت من البداية.)

مرّر أصابعه على جبينه، ثم غطّى عينيه بكفه.

"تبا… حتى ظهورها مزعج."

---

كان الهدوء يلف جناحه بعد مغادرة كيلان وإغلاق الستائر الثقيلة التي حجبت ضوء الشمس، سوى من شعاع خافت تسلل بين الطيات، سقط على الأرض مثل شريط من ذهب باهت. جلس ويليام على كرسي مريح قرب الطاولة المستديرة الصغيرة، ملفوفًا ببطانية خفيفة، عاقدًا حاجبيه وهو يحدّق في لا شيء.

"العالم… مكان ظالم."

قالها فجأة، بصوت يشبه التنهيدة الطويلة أكثر من كونه تصريحًا.

"دائمًا الابن الأوسط هو الضحية."

رفع كأس الشاي أمامه وتفحّصه كما لو أنه يملك إجابة، ثم ارتشف منه بهدوء قبل أن يتابع:

"حتى في كوريا، الأبناء الأوسطون دائمًا هم المهمّشون. لا هم الأكبر لينالوا التقدير، ولا الأصغر لينالوا الدلال. نحن… طبقة منسية، بين جبلين من التوقعات والامتيازات."

عبس وهو يتأمل السقف.

"وهنا؟ نفس السيناريو. راين البطل الذهبي. كايل الحيوي اللطيف. أما ويليام؟ فهو العار المتحرك."

هز رأسه ببطء، كأنما يأسف لحاله، ثم أردف ببطء:

"يكفي تفكيراً… بدأ الأمر يجهدني، وأنا رجل ضد أي نوع من الجهد."

ثم نادى بصوت شبه ناعس:

"كيلااااان!"

لم تمضِ لحظات حتى دخل كيلان، وقد بدا عليه التعب من ركضه شبه اليومي بين طلبات سيده غير المنطقية.

"نعم، سيدي ويليام؟"

أشار له ويليام بيده وكأنه أمير على عرشه:

"أريد كتاباً تافهًا… شيئاً لا يحتوي على دراما، ولا دماء، ولا دموع. شيء تافه لدرجة تجعلك تتساءل لماذا كتب الكاتب هذا الشيء أصلاً."

حدّق كيلان فيه لثانية، ثم تنهد:

"هل تود شيئًا شبيهًا بـ فتاة تقع في حب أمير تنكره في السوق؟"

أشرق وجه ويليام وكأن كيلان تلا عليه نشيدًا وطنيًا:

"نعم! ذوق راقٍ كالعادة، كيلان."

"اعتدتُ على ذوقك… المؤلم."

ذهب كيلان وعاد بعد دقائق ومعه كتاب بغلاف وردي باهت، عليه رسم غريب لفتاة تمسك فطيرة وتقف بجانب رجل يشبه خادمًا مبتسمًا.

تناوله ويليام بلذة وكأنه كنز ثمين، ثم جلس بوضعية مريحة جدًا على كرسيه، سحب الطاولة الصغيرة نحوه، وبدأ بتقليب الصفحات ببطء وهو يمضغ بعض المكسرات التي وُضعت له في صحن أنيق.

"قال الطبيب إن بإمكاني أكل المكسرات… لكن باعتدال." قالها بفخر، كأنما انتصر في معركة شرسة.

"سيدي، اعتدال لا يعني أن تنهي الصحن." علّق كيلان، وهو يرتب الستائر.

"لا تقطع علي لحظتي الأدبية، يا كيلان."

أخذ رشفة من الشاي، وفتح الصفحة الأولى:

“كانت روزيتا فتاة بسيطة… لكنها كانت تصنع أفضل فطيرة تفاح في المملكة.”

ضحك ويليام بصوت خافت:

"أوه نعم… هذه هي القمامة التي أريدها."

مرت الدقائق، وهو مستغرق بالكامل في الرواية التافهة. ملامحه تتبدل بين السخرية والاندهاش السخيف. كلما ظهرت عبارة مثل “كان قلبه ينبض فقط عندما ينظر إليها”، كان يرفع حاجبيه كأنه اكتشف وصفة الغباء الأدبي الخالدة.

ومع كل هذا… كان يشعر بالراحة.

الكتاب الغبي… المكسرات… الشاي… والبطانية الخفيفة. نعم، هذه هي الحياة التي يريدها.

بلا دراما. بلا أم. بلا دوق. بلا ماضٍ.

فقط “روزيتا” و“ألفونسو” و“معركة الفطائر الوطنية”.

بعد ساعة، دخل كيلان بهدوء، ووجده نائمًا على كرسيه، الكتاب مائل على صدره، يده لا تزال تمسك بحبة مكسرات غير مكتملة.

اقترب منه وهمس:

"لقد غلبك النعاس قبل أن تصل لمعركة الفطائر."

ثم سحب البطانية قليلاً لتغطيه، وعدّل موضع الكتاب بحذر كي لا يسقط.

"سيدي ويليام… مهما حاولت تجاهل كل شيء، الماضي لا يختفي."

لكن ويليام لم يرد… فقط تنفس بعمق، غارقًا في عالم من التفاهة والهدوء المؤقت.

تنهد كيلان :

“ انها فلسفة المكسرات والكتب التافهة”

---

في إحدى الردهات المضيئة في الطابق الأرضي للقصر، جلست الدوقة السابقة لورينا على أريكة مخملية بلون العاج، شعرها الأحمر الناري يتماوج في الضوء، وعيناها الخضراوان تحملان لمعة حنان دافئ. أمامها كان راين وكايل يجلسان بارتياح نادر الحدوث، الابتسامة تملأ وجهيهما، وكل منهما يتحدث بسرعة كمن يحاول تعويض سنوات من الغياب في دقائق.

"هل ما زلتِ تحتفظين بالحصان الخشبي الذي أهديتِه لك؟" سأل كايل بلهفة، عينيه تلمعان كما لو عاد طفلًا صغيرًا.

ضحكت لورينا بصوت ناعم وهي تمسد خده:

"بالطبع، لا زال في غرفتي. كنت أعلم أنك ستسألني عنه أولاً."

أما راين، فكان أكثر هدوءًا، لكنه لا يخفي سعادته.

"أنتِ تبدين بخير يا أمي… مر وقت طويل."

أمسكت لورينا يده وضغطت عليها بحنان:

"وأنت أصبحت شابًا وسيمًا بحق، راين. والدك لا بد أنه فخور بك."

لوهلة خيم الصمت عندما ذُكر اسم الدوق، لكنهم تجاوزوه سريعًا، وتابعوا الحديث عن حياتهم، دروسهم، تغير القصر، وحتى بعض مغامرات الطفولة.

في تلك الأثناء، كان الدوق جالسًا في مكتبته المليئة بالأوراق. أمامه كومة من الرسائل الرسمية والتقارير العسكرية والتجارية. عينيه مثبتتان على سطر في تقريرٍ ما، لكنه لم يقرأه منذ خمس دقائق. ذهنه كان منشغلاً بشيء آخر.

"ويليام لم يظهر… مجددًا."

كان يفترض أن يعلم بقدوم والدته. أهو فقدان الذاكرة حقًا؟ أم أنه يتجاهل؟ لم يكن واثقًا. ومع ذلك، لم يكلف نفسه عناء الاستفهام أكثر. فقط وضع القلم جانبًا، وتنهد ببطء.

"سيأتي وقت الحساب لاحقًا."

مع اقتراب المساء، اجتمعت العائلة حول المائدة الطويلة في قاعة الطعام الرسمية. الشموع المضاءة على الثريات المذهبة تعكس وهجًا دافئًا على الصحون الفضية والأواني الفاخرة. جلس كل من راين، كايل، والدوقة لورينا، وحتى الدوق نفسه في مكانه المعتاد.

وكان الهدوء يسود، إلى أن…

فتح الباب بهدوء.

دخل ويليام على كرسيه المتحرك، شعره البني غير مرتب، عيناه نصف مغمضتين كأن النوم ما زال يملك نصف وعيه. يده مستندة على جانب الكرسي، وخلفه كيلان يدفعه بهدوء.

للحظة، التفت الجميع نحوه.

راين رفع حاجبه بدهشة بسيطة. كايل نظر إليه مترددًا. أما لورينا… فحدّقت فيه مطولًا، عيناها تلمعان بتساؤل، لكنها لم تتكلم.

ويليام؟ لم يعترف بأي نظرة. فقط أدار رأسه نحو النافذة، كما لو أن المنظر الليلي أكثر إثارة من هذه الوجوه جميعًا.

أوصله كيلان إلى كرسي مجاور، ثم انحنى ليهمس له: "هل ترغب أن أساعدك؟"

أومأ ويليام بنصف ابتسامة كسولة، وتمسك بذراع كيلان لينهض ببطء، ساقاه ترتجفان قليلًا، لكنه تمكن من الجلوس بثقل على الكرسي الرسمي بجانب الطبق المخصص له.

كانت الأجواء متوترة قليلًا، لكن الدوق قال بصوته الحازم:

"ابدأوا."

لم يكن هناك حديث كثير. العائلة تناولت طعامها بهدوء. لكن ويليام كان في عالم آخر.

في طبقه، وضعت له شريحة لحم متوسطة الحجم، وبعض الخضراوات المطهية مع قليل من التوابل – لا شيء ثقيل، لكن بالنسبة له كانت وليمة.

أمسك بالشوكة والسكين ببطء، وبدأ بتقطيع اللحم وكأنها مهمة ملكية، ثم أخذ أول قضمة.

"هممممم…"

أغمض عينيه وهو يمضغ، كأن النكهات تنقله لعالم آخر. تمتم بصوت خافت وهو يبتسم:

"البهارات… يا إلهي، لقد اشتقت لهذا الطعم الملعون."

ثم ابتلع وواصل:

"أوه، اللحم… هذا هو النعيم."

كيلان، الجالس خلفه، كان معتادًا على هذه التمتمات. أما البقية، فقد كانوا أقل اعتيادًا.

راين نظر له بذهول، وكايل كتم ضحكة صغيرة. أما الدوق، فقد رفع حاجبه ثم تجاهله.

لكن الأغرب كانت لورينا، التي نظرت إلى ابنها طويلًا، ليس بدهشة بل بنوع من الدهشة الدافئة. وكأنها ترى طيفًا من طفل صغير يأكل بشهية… لا يشبه ذلك الشاب الغامض الذي كانت تتجنبه.

أما ويليام، فقد استمر بالأكل، وتمتم لنفسه بسعادة:

"الطعام هو أحد أعظم أسباب الوجود. لم أعد أهتم إن كنت ابنًا وسطًا مظلومًا، طالما هناك صحن لحم وتوابل."

"سيدي…" همس كيلان محاولًا لفت انتباهه.

لكن ويليام أشار له بإصبعه ليصمت:

"لا تقاطع تأملي الفلسفي في النكهات."

وهكذا… وسط جو مشحون بالصمت، والعيون المتسائلة، جلس ويليام يأكل بهدوء… وبسعادة.

ربما لم يكن مقبولًا… أو محبوبًا… أو حتى مفهومًا.

لكنه على الأقل… كان ممتلئ البطن.

---

[قاعة الطعام – ما بعد الوجبة]

كان ويليام لا يزال يلعق آخر أثر للصلصة من إصبعه، وعيناه تلمعان بسعادة حقيقية لا تشبهه. بدا وكأنه كائن غريب تم تدجينه بالبهارات واللحم المشوي. كيلان، خلفه، كان يتظاهر بعدم رؤية الأمر، بينما البقية يرمقونه بنظرات متحفظة… أو مشوشة.

"هممم… توابل حقيقية… أنا حي."

قالها بصدق، وربما للمرة الأولى منذ دخوله الرواية، شعر أنه إنسان عادي… إلى أن فتح الدوق فمه.

"ويليام، ابقَ بعد انتهاء العشاء."

تجمدت عضلات ويليام – تلك التي بالكاد بدأت تتعافى.

"تبًا، هذا لا يبشر بالخير."

[بعد دقائق – جميع أفراد العائلة يغادرون]

كان ويليام لا يزال على كرسيه المتحرك، نصف نائم ونصف مرتاب. الدوق جلس في مقعده الرئيسي، يحدق فيه كما لو كان مشروعًا فاشلًا يتطلب مراجعة طارئة.

"لقد مرّ شهران منذ استيقاظك."

(أوه، رائع… هو يتكلم بالأشهر. هذا نذير شؤم.)

"وبما أن وضعك الجسدي يتحسن، قررت استدعاء معلّم خاص لتقييم قدراتك."

"معلّم؟" تمتم ويليام بدهشة.

"نعم، ستبدأ دروسك الأسبوع القادم. الفيزياء، الأدب، السياسة، اللغة القديمة، وتاريخ الممالك. وبعد شهرين، ستعود للأكاديمية."

[لحظة صمت]

ثم قال ويليام بهدوء مريب:

"... ماذا؟"

"سمعتني."

"أكاديمية؟"

"نعم."

"دروس؟"

"بالطبع."

"... هاهاهاها… لحظة."

ضحك ويليام ضحكة مبحوحة، أقرب إلى بكاء داخلي، ثم ضغط على عينيه بأصابعه وقال:

"إذًا، بعد أن نجوت من الغيبوبة، وعانيت أزمة هوية، وتم تهديدي، وطُعنّت، وفقدت ذاكرتي، وهاجمني مخمور بسكين… الجائزة الكبرى هي العودة للمدرسة؟"

الدوق لم يرد. فقط شرب من كأس النبيذ.

"هذا عقاب، أليس كذلك؟ قل لي، من فضلك، هل قتلت كاهنًا في حياة سابقة؟"

[في الداخل – عقل ويليام]

(أكاديمية؟ مجددًا؟ أنا هربت من نظام التعليم الكوري لأقع في تعليم نبيل سحري خيالي؟)

(كان من المفترض أن أكون شريرًا جذابًا أو على الأقل ميتًا بدرامية! ليس… طالبًا في قسم التاريخ!)

[في الخارج]

"أنا أرفض."

قالها ويليام بحزم طفولي، كالطفل الذي أعلن ثورة ضد البروكلي.

الدوق رفع حاجبه فقط.

"أرفض الدراسة."

"ستدرس."

"لن أذهب للأكاديمية."

"ستذهب."

"أنا معاق!"

"الكرسي المتحرك لن يمنع الكتب من الوصول لفمك."

"... هذا تهديد سافر بحق ذوي الاحتياجات الخاصة."

"خذ راحتك في تفسيره."

[لاحقًا – في جناحه]

كان ويليام مستلقيًا على الأريكة، يغطي وجهه بالوسادة ويصرخ بصوت مكتوم:

"سيموت المؤلف… أقسم، إنني سأجرّه معي إلى هذا العالم."

كيلان، يقف بجانبه، يحمل ملف المعلم القادم.

"هل تريد أن أقرأ أسماء المواد؟"

"اقرأ نعوت جنازتي بدلاً منها."

"اللغة القديمة؟"

"اللغة الوحيدة التي أريدها الآن هي لغة الهروب."

"سيبدأ الدرس التاسعة صباحًا."

"أنا نائم في ذلك الوقت."

"الدوق أمر بإيقاظك بالقوة."

"... كم قبيحة هذه الأسرة."

[لاحقًا – ليلاً]

جلس ويليام في فراشه، يتأمل السقف بتأمل وجودي.

"بعد كل هذا… عليّ أن أعود لأكاديمية… مع الأبطال؟"

(سيكون هناك الابطال ، والرئيس الطلابي الوسيم، والفتاة الشريرة ذات الشعر المجعد…)

(أوه لا… أنا أحد أولئك. أنا الشعر المجعد الشرير!)

"اللعنة… أنا عجوز متنقل."

[تمتم وهو ينظر للمرآة]

"يبدو أنني لن أتمكن من التقاعد مبكرًا بعد كل شيء."

"لكن… على الأقل، لدي التوابل واللحم."

ابتسم ابتسامة تعيسة، ثم استدار في فراشه.

"حسنًا، أيتها الرواية الحمقاء… لنلعب لعبتك قليلاً."

----

[الصباح – جناح ويليام – الساعة السابعة تمامًا]

رنّ جرس الساعة الخشبية بثلاث نغمات ثقيلة، كأنها تعلن بداية معركة لا أحد مستعد لها… ما عدا كيلان، للأسف.

كانت الغرفة لا تزال غارقة في سكون ما قبل الشروق، والستائر الثقيلة تمنع أي شعاع شمس من اختراقها. ومع ذلك، وفي خرقٍ صارخ لقوانين الرحمة، فتح الباب ببطء… ودخل كيلان بخطوات مدروسة، حاملاً صينية فيها منشفة دافئة وكوب ماء.

خلفه، تبعه جاك الطبيب الفيزيائي، بذراعيه المعقودتين وتلك النظرة الصباحية المزعجة… نظرة شخصٍ يحب شغله أكثر من اللازم.

"صباح الخير، ويليام."

"اغرب عن وجهي."

كان الرد فوريًا، مكتومًا، قادمًا من تحت لحاف سميك بدا وكأنه مدجّج بدرع ضد العالم.

"حان وقت العلاج الفيزيائي." قال جاك، وهو يفتح النوافذ ليغرق الغرفة في نور مؤلم.

ويليام أطلق أنينًا طويلًا:

"لماذا؟ لماذا تعاقبونني؟ ما الذي فعلته؟ كنتُ نائمًا فقط… بسلام… دون تهديد، دون طعن، دون أكاديمية!"

اقترب كيلان بابتسامة دافئة، ووضع كوب الماء على الطاولة الجانبية.

"لقد وعدنا الطبيب أنك ستتقدم أكثر إن واظبت على الجلسات… وها أنت تتحسن."

"هذا ليس تحسنًا، هذا تعذيب تدريجي."

مدّ يده خارج اللحاف، يتحسس الفراغ، ثم سحبها بسرعة وكأنه تعرّض للصعق.

"جو بارد… لا يمكنني النهوض… جسدي هش… ومصالحي في البقاء نائمًا."

جاك لم يتأثر.

"خمس دقائق تمارين بسيطة، ويُسمح لك بالعودة للنوم."

"هل هذه رشوة؟"

"بل صفقة."

"ارفعوها لعشر دقائق نوم إضافي، وقد أفكر في الأمر."

كيلان، الذي بات يعرف تمامًا مستوى المساومة المنخفض لويليام، قال وهو يفتح خزانة ملابسه:

"لقد جهزت لك معطفًا قطنيًا دافئًا. ويمكنني أنأحضر لك قطعة خبز بالقرفة بعد التمارين."

[لحظة صمت]

خرجت رأس ويليام من اللحاف.

"... بالقرفة؟"

"نعم."

"... والخبز محمص؟"

"بكل تأكيد."

"حسنًا…" جلس ويليام ببطء، كأن جسده مصنوع من الطين الرطب. "سوف أتحمل هذه الإهانة الجسدية فقط… من أجل القرفة."

[لاحقًا – على سجادة التمرين]

كان جاك يضغط على عضلات ويليام برفق، يدفع قدميه للأمام، يعدّ الدقائق، يعدّ الثواني، بينما يهمس ويليام بكل لهجة درامية:

"أنا لست إنسانًا… أنا كومة عظام تتحرك بالإرهاب الغذائي."

"أنت تتحسن كثيرًا." قال جاك بثقة.

"ما الفائدة؟ جسدي يستجيب، لكن روحي ترفض."

"وقفت بالأمس لمدّة خمس دقائق كاملة."

"ثم سقطت كقطعة أثاث غير متوازنة!"

[كيلان يدوّن في دفتر صغير]

"مستوى الشكوى اليوم: عالٍ. مستوى الأداء الجسدي: مستقر. الرغبة في الحياة: 3 من 10."

قالها بصوت هادئ، بينما نظر ويليام إليه من على الأرض بنظرة شبه قاتلة.

"أعد كتابة التقرير، على الأقل اجعله يبدو مأساويًا."

[نهاية الجلسة – بعد ثلاثين دقيقة]

سقط ويليام على ظهره على السجادة، يتنفس وكأنه عبر صحراء كاملة.

"أنا… بطل مأساوي."

جاك نزع القفازات بابتسامة: "بل أنت طالب علاج ممتاز."

"قلت مأساوي، لا ممتاز."

"سنكرر الجلسة غدًا."

"يا الله، أين كتيبة الموت حين أحتاجها؟"

[قبل خروجه من الغرفة]

اقترب كيلان بهدوء، ووضع بجانب السرير طبقًا صغيرًا يحتوي على شريحتين من الخبز المحمص، مرشوش بالقرفة والعسل.

نظر ويليام إلى الطبق، ثم ابتسم ابتسامة حزينة:

"على الأقل… لا يزال في العالم شيء يستحق الاستيقاظ من أجله."

---

[الساعة التاسعة صباحًا – جناح ويليام]

كانت أشعة الشمس الذهبية تتسلل ببطء من بين ستائر الغرفة، تبشر بيوم جديد… يوم من الكفاح، الألم، والعِلم.

لكن ويليام كان له رأي آخر.

كان مدفونًا بالكامل تحت الأغطية، لا يظهر منه سوى خصلة شعر باهتة ترتجف بخفة كلما زفر.

دخل كيلان بخطوات هادئة، وكأن المعركة التي على وشك البدء أصبحت روتينية.

"سيدي ويليام، الساعة التاسعة. لقد وصل المعلم الجديد."

"لا."

جاء الرد فورًا، مكتومًا، كأن صوتًا من باطن الأرض يُعلن التمرد.

"يجب أن تستعد."

"سوف أُقاضي كل من اخترع التعليم."

"لقد مرّ شهران منذ استيقاظك. والدك أمرك بذلك."

"فليُعِدني إلى الغيبوبة إذًا…"

[كيلان يسحب الغطاء ببطء]

ويليام يتمسك به كمن يتمسك بالحياة.

"دعني أعيش… فقط هذا الصباح. هل أطلب الكثير؟"

"المعلم ينتظر، سيدي."

"فلينتظر حتى تنقرض البشرية!"

[خارج الغرفة – الممر المؤدي للجناح]

بدأ الخدم يتجمعون عند الباب نصف المفتوح. بعضهم يحمل صواني فارغة، وآخرون أقمشة تنظيف، لكن لا أحد يتحرك. الحدث اليومي قد بدأ.

همسات:

"إنه يرفض مجددًا، أليس كذلك؟"

"اليوم الخامس على التوالي… لكن هذه المرة هناك معلم فعلي."

"أراهن أنه سيختلق مرضًا نادرًا ليهرب."

"لا، البارحة استخدم حجة التنويم الذاتي."

[المفاجأة]

صوت خطوات إضافية تُسمع في الممر.

"هل… هل هذه السيدة لورينا؟" همس أحد الخدم.

وبالفعل، ظهرت دوقة السابقة، لورينا، بقامتها الرشيقة وشعرها الأحمر المنسدل كاللهب، ترفع حاجبًا وهي تقترب من الباب.

وقفت بصمت، تراقب المشهد من خلف كيلان، دون أن تنطق بكلمة.

الخدم تراجعوا قليلًا، فتحت لهم الطريق كأنها ملكة تراقب عرسًا غريبًا لأحد النبلاء المنبوذين.

[داخل الغرفة – لحظة الذروة]

كيلان يحاول سحب اللحاف، ويليام يتمسك به بقوة خارقة لا تتناسب مع حالته الصحية.

"سيدي، رجاءً… الخدم يشاهدون."

"دَعْهُم! فليشهدوا على الظلم التاريخي الذي أُجبر عليه!"

"إن والدتك تنظر الآن من الباب."

صمت فجأة.

ثم بصوت مخنوق:

"... أيّ والدة؟"

"الدوقة لورينا."

خرج نصف وجهه من اللحاف، ملامحه مشوشة، عيون كسولة، شعر فوضوي.

تلاقت نظراته مع والدته عند الباب… لحظة ثقيلة، مشحونة، غريبة.

نظرت إليه ببرود، بلا أي انفعال، ثم همست لخادمة بجوارها:

"هل ما زال يتصرف كالطفل؟"

سمعها. بالطبع سمعها.

عاد إلى اللحاف، غطى وجهه وهمس:

"رائع… لدي جمهور الآن."

[بعد دقيقة]

كيلان اقترب مجددًا، هذه المرة بلطف.

"سيدي… إذا رفضت الدرس، سيأتي والدك بنفسه."

"... اذهب واحضر المعلم. ليأتي إلى هنا. لكنني لن أخرج من السرير."

"أتقصد… أن تُدرّس وأنت ممدد؟"

"هذه هي شروط السلام، خذها أو ارحل."

[بعد ربع ساعة]

المعلم، رجل في الخمسينات، بملامح صارمة ونظارات على طرف أنفه، يقف وسط الغرفة، ينظر إلى تلميذه النائم على السرير، يُملي بصوت عالٍ:

"القانون الأول في تاريخ النبلاء هو احترام النظام والدروس…"

ويليام من تحت اللحاف:

"احترم نفسك أولًا. الساعة التاسعة صباحًا، جريمة في حقي الشخصي."

[لورينا تغادر الممر، تتنهد دون أن تلتفت]

"لا أظن أن حاله تغير كثيرًا…"

[كيلان يدوّن في دفتره]

مستوى المقاومة: مرتفع

مستوى التقدم: سلبي

رد الفعل على حضور والدته: تجمد مؤقت ثم إنكار

[وفي نهاية الحصة المرتجلة، بعد أن غلب النعاس ويليام مجددًا]

المعلم طوى دفتره وقال:

"هذا أغرب طالب درّسته في حياتي… لكنه لا يخلو من الذكاء."

كيلان ابتسم بصمت، وهو يعيد ترتيب الغطاء على جسد ويليام النائم:

"سيدي… فوضوي، نعم. لكن لديه أسلوبه."

---

[بعد ساعة – جناح ويليام]

كان الجو هادئًا، أشعة الشمس قد وصلت منتصف الغرفة، والبطانية الثقيلة تغطي كل شيء عدا خصلات شعر فوضوية ومخدة مبللة قليلًا من أثر اللعاب.

ويليام كان غارقًا في نومه العميق، يتنفس ببطء، وكأن العالم انتهى ولم يخبره أحد.

لكن الأبواب فُتحت فجأة بقوة، ودخل رجل لا يشبه العالم الهادئ حول ويليام.

الدوق بنفسه.

"استيقظ."

لم يكن صوتًا عاديًا. بل أمرًا عسكريًا.

لم يُجِب أحد.

الدوق اقترب بخطوات ثقيلة.

"ويليام."

همهمة ناعسة، ثم دوران خفيف في السرير، وعودة فورية للنوم.

زفر الدوق، نظر إلى كيلان في الزاوية، ثم إلى الفوضى المنتشرة حول السرير.

"استيقظ وإلا..."

"إلا ماذا؟ ستقتلني؟ أرجوك، افعل."

جاء صوت ويليام أخيرًا، مكتومًا من تحت الغطاء.

"أحتاج إلى إنقاذ إنساني."

ردّ الدوق ببرود قاتل:

"بل تحتاج إلى سحب قسري."

ومع تلك الكلمات، مدّ يده القوية، وأمسك ويليام من تحت ذراعيه، يسحبه كجثة هامدة من السرير.

"أوووه، جسدي هش! ستكسرني!"

"ليتك كنت بهذا الهشاشة حين ركلت ابن ماركيز ريفيد في حفل الخريف قبل الغيبوبة."

"تلك كانت نوبة روحية. طرد شياطين!"

"وأنا الآن أطرد كسلًا."

[الممر – طريق العذاب]

الخدم في الممر توقفوا عن الحركة.

نظرات متسعة، أحدهم كتم ضحكة، والآخر فتح فمه مذهولًا.

الدوق… يحمل ويليام ككيس بطاطس ضجر.

وويليام، بعين نصف مفتوحة، يتمتم وهو يهتز في الهواء:

"أخبر جميع أنني متُّ كما عشت… مظلومًا."

---

[غرفة التدريس – بعد دقائق]

دخل الدوق ووضع ويليام على كرسي أمام طاولة ضخمة، جلس أمامه رجل في منتصف الأربعينات، أنيق، ذو شعر أشيب ووجه متجهم يحمل نظارات دقيقة، اسمه: الأستاذ ألريك فاندور.

"ها هو تلميذك، أستاذ ألريك. اعتني به… إن استطعت."

استدار الدوق دون كلمة إضافية وخرج، تاركًا الغرفة في صمت ثقيل.

ألريك عدّل نظاراته، ثم شبك أصابعه فوق الدفتر وقال بنبرة صارمة:

"أنا هنا لتدريسك، ويليام. لسوء حظك ولسوء حظي."

ويليام، ورأسه مائل إلى جانب الكرسي، تمتم بصوت مبحوح:

"هل يمكننا عقد اتفاق؟ سأدفع لك نصف معاشك، وأنت تخبر والدي أنني كنت طالبًا مثاليًا."

"رفضت."

"هل فكرت؟ إنها صفقة رابحة."

"لن أقبل رشوة من فتى لم يفتح عينيه حتى."

"... عادل."

أخذ ألريك نفسًا عميقًا وقال:

"أنت تبلغ الخامسة عشر خلال أشهر قليلة. وهذه السنة، لكل نبيل أو وريث، تُعتبر سنة مفصلية. لأنك ستُجبر على اختيار تخصصك الأكاديمي: سحر، استراتيجيا عسكرية، سياسة، هندسة نقل، علوم إدارية، تدريب جسدي، أو فنيّ."

ويليام رمق ألريك بنظرة نصف مستيقظة.

"هل هناك خيار اسمه: التقاعد المبكر؟"

"لا."

"خيار ثاني: نفي طوعي؟"

"لا."

"خيار ثالث: أن أكون شبحًا في القصر؟"

"هذا أنت الآن، لكن لا يمكن الاعتراف به رسميًا."

---

[بعد عشر دقائق من التفسير]

ألريك يشرح أهمية كل تخصص.

ويليام يراقب ذبابة تطير عند الزاوية.

"كل تخصص سيرسم مسار مستقبلك. الأمر لا يتعلق فقط بمكانتك النبيلة، بل بما يمكنك فعله في البلاط، في القصر، أو في الميدان."

"هل هناك تخصص يجمع بين الجلوس والثرثرة دون نتائج ملموسة؟ لأنني أبرع فيه."

"... السياسة إذًا."

"أوه… يبدو مرهقًا عاطفيًا."

ألريك أغلق دفتره وقال بجفاف:

"سنعقد جلسات يومية، وسأساعدك على تحديد الأنسب لك. لكنّ عليك الحضور بوعي."

"أعدك… سأحضر بجسدي، أما الوعي، فلا أضمنه."

[كيلان من الزاوية، يدون بصمت]

جلسة أولى: نُقلت قسرًا

مستوى المشاركة: ساخر ورافض

المعلم: لم يهرب بعد، مشجع

ويليام: حي… جسديًا

---

ويليام تمطّى ببطء وهو يهمس لنفسه:

"إذا كان هذا مصيري… فليكن. سأختار التخصص الذي يزعج المؤلف أكثر."

---

2025/06/16 · 178 مشاهدة · 3979 كلمة
روزي
نادي الروايات - 2025