7 - دليل الكسول في اختيارات المستقبل... أو كيف تهرب من المسؤولية بأناقة

[غرفة التدريس - بعد دقائق]

أخرج الأستاذ ألريك دفتراً جلديًا سميكًا، فتحه أمام ويليام الذي كان يجلس كأنه نُفي إلى كرسي التعذيب.

"بما أنك الآن رسميًا ضمن المرحلة الانتقالية، ويليام، فمن واجبي كمعلّمك أن أشرح لك التخصصات المتاحة في الأكاديمية الملكية العليا... رغم أنك تنظر إليّ كأنني أقرأ تعويذة مميتة."

"أنا فقط أحاول إرسال روحي بعيداً. لا تقلق، استمر."

رفع ألريك حاجبه، لكنه تجاهل السخرية وبدأ يشرح بصوت واضح:

1. السحر

> "تخصص من يحلمون بالقوة، أو من يملكون موهبة فطرية."

يشمل الفروع: السحر العنصري (نار، ماء، هواء، تراب)، السحر الروحي، سحر الشفاء، والتحكم العقلي.

يتطلب قدرة مانا عالية واستعدادًا للتأمل، الدراسة النظرية، والتحكم الذهني.

الوظائف المستقبلية: ساحر البلاط الملكي، قائد معارك سحرية، مستشار استراتيجي.

ويليام يفكر:

> سحر؟ يبدو رائعًا في الروايات... لكني بالكاد أستطيع رفع كوب الشاي دون أن ترتجف يدي. هل أريد أن أنفجر من الداخل بمحاولة تحكم مانا؟ لا.

---

2. الاستراتيجيا العسكرية

> "للذين يحبون التخطيط، الحرب، والسلطة."

يدرّس فنون المعارك، قيادة الجيوش، تكتيك الدفاع والهجوم، والخداع الحربي.

يشمل التدريب على الخرائط، دراسة الحروب السابقة، واختبارات قيادة عملية.

المستقبل: جنرال، مستشار عسكري، قائد فِرَق.

ويليام يهمس:

> آه، نعم. الخيار المحبوب للبطل دائمًا. يصرخ الأوامر وهو على حصان أبيض. وأنا؟ لدي انزلاق فقري وشعور دائم بأن الحرب صاخبة جدًا.

---

3. السياسة والإدارة

> "تخصص الكذب المنمق، والتحكم بالمصير من خلف الستار."

تعلم الدبلوماسية، الاقتصاد، القانون، وطرق إدارة الدولة.

يشمل فنون التلاعب، تقنيات الحوار، وفهم طبقات المجتمع.

المستقبل: دوق، وزير، مستشار ملكي، أو ملك الظلال!

ويليام يبتسم فجأة:

> هممم... الكذب؟ التسويف؟ الحديث كثيرًا وعدم تنفيذ شيء؟ هذا يشبه حياتي قبل وأثناء وبعد الغيبوبة. هذا... مغرٍ.

---

4. الهندسة السحرية / النقل

> "تخصص العباقرة المجانين... أو من لديهم صبر على الآلات."

تصميم عربات سحرية، أسلحة حديثة، أدوات مانا، وحتى بوابات انتقال.

يتطلب فهمًا عميقًا للفيزياء، المانا، والدقة الحسابية.

المستقبل: مبتكر تقني، مهندس القصر، مخترع خارق.

ويليام يعبس:

> هل ذكرت أنني رسبت في الرياضيات ثلاث مرات في المدرسة؟ حتى الآلة الحاسبة كانت توبّخني.

**

5. التخصص البدني / القتالي

> "تخصص من يحبون الضرب... أو لا يملكون دماغًا للفروع الأخرى."

يشمل تدريبًا مكثفًا على فنون القتال، السيف، الرمح، المصارعة، والمقاومة الجسدية.

المتدربون يُلقون في غابات، كهوف، سجون... لا تسأل.

المستقبل: فارس، حارس ملكي، صياد وحوش.

ويليام يفكر بنظرة فارغة:

> أنا لا أستطيع الوقوف لأكثر من خمس دقائق دون أن أشعر وكأن رئتي انزلقتا من مكانهما. هذا مستبعد.

---

6. الفنون التطبيقية / الموسيقى / الرسم

> "تخصص من لا يناسبهم أي شيء آخر... ويجعلونه يبدو رائعًا."

دراسة الفنون الجميلة، المسرح، العزف، وفن الخطابة.

مهم في البلاط، ولديه حضور اجتماعي قوي.

المستقبل: فنان ملكي، شاعر البلاط، مستشار جمالي.

ويليام يرفع حاجبًا:

> إذا تمكنت من إقناعهم بأن التثاؤب فن، فهذا تخصصي. لكن المجتمع النبيل لا يحب "الشرير السابق" يعزف على البيانو وسط حفلة.

---

[صمت طويل]

ألريك ينظر إلى ويليام بتوقع، وكأن كل تلك المعلومات أثارت شغفه.

لكن ويليام جلس بصمت، يضع خده على راحة يده، وقال ببطء:

"هل يمكنني اختيار تخصص: 'النوم العميق'؟ تبدو كل التخصصات... متعبة."

ألريك لم يُفاجأ. تنهد ببساطة، ودوّن في دفتَره:

> "مرشح متميز لتخصص السياسة... بسبب ميله الفاضح للتهرب."

---

كيلان كان يراقب من الباب، يحاول ألا يضحك.

دوّن على ورقة صغيرة:

> اختيارات ويليام:

السياسة: 70%

النوم: 100%

الواقعية: 0%

---

[نهاية الدرس]

ألريك قال بصرامة:

"لديك أسبوع لتقرر التخصص. بعدها، ستبدأ حصصك العملية."

ويليام تمتم:

"وهل لدي خيار ثالث... أن أختفي خلال أسبوع؟"

"سأعتبر هذا تحفيزًا."

---

[خارج غرفة التدريس - بعد خروج ويليام على كرسيه المتحرك]

كان يتحدث مع نفسه:

"لو عشت في عالمنا، كنت سأدخل قسم الفلسفة... وأتظاهر أنني أفهم كل شيء."

ثم أضاف:

"لكن بما أنني في رواية، سأختار التخصص الذي يُزعج المؤلف أكثر. شيء يجعل القارئ يتساءل: لماذا هذا الكسول لا يزال حيًا؟"

"كيف تفشل في ستة تخصصات دون بذل أي مجهود"

---

[ممر حجري - قرب الدفيئة الزجاجية]

كانت العربة ذات العجلات الخاصة تسير ببطء على الأرض المبلطة بالحجر الأنيق. كيلان يدفع ويليام بهدوء، ونسيم الصباح العليل يتسلل عبر الأشجار المحاذية.

وفجأة، خلال مرورهما قرب الدفيئة الزجاجية المزينة بالورود الملونة، سُمع صوت ضحك... صاخب، واضح، دافئ.

التفت ويليام لا إراديًا، وعيناه وقعتا على المشهد داخل الدفيئة:

لورينا، والدته، كانت تجلس تحت ضوء الشمس المصقول عبر الزجاج، تتحدث بسعادة مع راين وكايل. يدها تلامس شعر كايل بحنان، وتبتسم لراين وكأنها تحفظ وجهه في قلبها.

ضحكات خفيفة. مزاح. دفء لا يوصف.

تصلبت ملامح ويليام.

حدّق للحظة، صامتًا. لا عضلة تحركت في وجهه.

ثم، كأن المنظر قد لسع عينه، أشاح بنظره بسرعة، كأنه لم ير شيئًا.

كيلان شعر بتوتر الجو... لم يقل شيئًا، فقط شد قبضته على مقبض العربة وأكمل الدفع بصمت.

--

[حديقة القصر - بعد دقائق]

"كيلان."

"نعم، سيدي ويليام؟"

"أحضر لي كتابًا سخيفًا... جدًا. من النوع الذي يجعلك تندم أنك تعلمت القراءة. وأيضًا بعض المقرمشات، وشاي. أريد نوع الكاب السخيف أيضًا... ذو الريشة."

"... مفهوم."

[بعد عشر دقائق - ويليام في الحديقة]

كان يجلس تحت مظلة زهرية اللون، مرتديًا قبعة ذات ريشة أرجوانية ضخمة جعلت أحد الطيور يكاد يغازله. أمامه طاولة صغيرة تحوي:

كتاب بعنوان: "فتاة الأرنب والساحر الغامض"

طبق من المقرمشات الرفيعة المطعّمة بالعسل

إبريق شاي دافئ تفوح منه رائحة اللافندر

وسادة مطرزة بنقش "أنا لا أدرس، أنا أتأمل"

فتح الكتاب، قرأ أول سطر، ثم قال بصوت مسموع:

"آه... هذا أسوأ مما توقعت... ممتاز."

---

[من بعيد - عند أحد مداخل الحديقة]

تجمع بعض الخدم، يراقبونه من خلف الأشجار.

"هل هذا... سيد ويليام؟"

"نعم، لكنه لا يصرخ، لا يضرب، ولا يهدد بقطع ألسنة أحد."

"إنه يقرأ رواية حب... بينما يأكل مكسرات!"

"كان سابقًا يرمي الكتب على رؤوسنا!"

"هل فقد ذاكرته فعلًا... أم أننا دخلنا في رواية أخرى؟"

[أحدهم يهمس]

"لكن بالرغم من كل شيء... لا أجرؤ على الاقتراب منه."

"ولا أنا. نظراته تشبه شخصًا خطط لاغتيالك في رأسه خمس مرات بالفعل."

"ربما لأنه كان يخطط ذلك فعلاً."

"صحيح... نسيته كان مرعبًا."

---

[عودة إلى ويليام]

كان يقرأ صفحة مليئة بالحوار الساذج:

> "قالت الفتاة: 'لكني أحبك يا ساحر الغابة!'

فرد الساحر: 'لا تفعلي، أنا ملعون بحب الأرانب.'"

ضحك ويليام، بهدوء حزين:

"هذا... هذا أسخف شيء قرأته في حياتي. أحب ذلك."

رفع فنجان الشاي وأخذ رشفة طويلة.

"هل يعرفون أنني أسمعهم؟ الخدم؟ يتحدثون عني؟ لا بأس...

ليتك تعلم، أيها الكاتب العزيز، أنني سأجعل هذا الطقس التافه أسلوبي الجديد في الحياة."

---

[بعيدًا في الدفيئة]

ضحك آخر يأتي من جهة لورينا وأولادها. صوت كايل ينادي: "أمي، تذكّري ذلك اليوم عندما..."

أغلق ويليام الكتاب فجأة، ثم وضعه على الطاولة.

نظر نحو الأفق، بلا تعبير.

"كان يمكن أن تكون عائلة لطيفة جدًا... بدوني."

لكن تلك النظرة الحزينة لم تلبث أن تبخرت، وتحوّلت إلى تذمر داخلي:

"لكن الآن لا وقت للدراما... أحتاج أن أعرف ما إذا كانت الأرنب ستنجو من لعنة الساحر."

فتح الصفحة التالية ببطء، وعاد للقراءة.

---

[كيلان يعود]

"أحضرت فطائر صغيرة كما طلبت."

"ممتاز، ضعها هنا. وقل للحداد أن يصنع لي مظلة مزخرفة بجمجمة حورية بحر."

"... لماذا؟"

"لا أعلم، فقط شعرت أن ذلك سيقلق والدي."

---

[صوت أحد الخدم يتمتم]

"لقد تغيّر."

"ربما... أو ربما يتآمر بصمت."

"أرجو فقط ألا نُصبح جزءًا من كتابه القادم."

---

كان ويليام ممددًا على الكرسي الوثير، ساق على ساق، في وضعية "لا تقاطعني، أنا أعيش دراما شخصية خيالية". أمامه طاولة صغيرة فيها كتاب بعنوان:

"أحببتُ الأمير... لكنني كنتُ تنينًا!"

إلى جواره طبق نصف فارغ من المقرمشات، وإبريق شاي يوشك على البرودة.

كان يقلب الصفحات ببطء، ملامحه باردة لكن عينيه تلمعان قليلاً وهو يقرأ:

> "همس الأمير في أذنيها: 'حتى لو كنتِ تنينًا، سأظل أحبك.'

فأجابت بدموع: 'لكنني أحرقت جدتك... عن غير قصد.'"

"آه... مؤلم وجميل... مثل حب من طرف واحد لقطعة بيتزا ساخنة."

[الصمت ينكسر - خطوات سريعة]

طَق طَق طَق

صوت أحذية ثقيلة يخترق الحديقة، الباب يُفتح بعنف كالمعتاد، ويدخل دوق جوزيف، مُرتدٍ معطفه الأسود الطويل، يرافقه رجل أنيق ببدلة رمادية داكنة، يحمل حقيبة جلدية، ونظارات دائرية.

"ويليام."

"هممم؟" قالها ويليام دون أن ينظر إليهم، بينما يقلب الصفحة التالية.

الدوق تقدم بخطى ثابتة، توقف أمامه، وصوته غليظ بارد:

"غدًا... لديك جلسة في المحكمة الإمبراطورية."

"رائع..." تمتم ويليام دون اهتمام، "أتمنى لهم التوفيق."

الدوق تجاهل الرد وتابع:

"الماركيز ريفيد رفع قضية عليك. بسبب ما فعلته بابنه في حفل الخريف... قبل ثلاث سنوات."

ويليام رمش ببطء، ثم نظر إلى الأفق:

"ركلتُ ابنه؟"

المحامي - الذي بدا أنه تعوّد على عبث هذه العائلة - تقدم وقال بنبرة رسمية:

"نعم يا سيدي. موكّل ويليام ركل ابن الماركيز مباشرةً في... المنطقة الحساسة. أمام عشرات النبلاء. تم تسجيل الحادثة ضمن تقارير الحفل، ووُصفت بأنها 'ركلة نجمية ذات كعب معدني'."

ويليام رفع حاجبًا، وقال:

"كنتُ عنيفًا لهذا الحد؟ أشعر بالفخر... نوعًا ما."

الدوق تجاهل نبرة السخرية وتابع ببرود:

"القضية غدًا. وقد جهّزنا لك محاميًا - السيد إليوت كارمين - أحد أفضل العقول القانونية في العاصمة. لقد أخذ تقريرًا طبيًا بحالتك الحالية وأعدّ خطة دفاع."

أومأ المحامي إليوت بهدوء، ثم فتح الحقيبة وأخرج بعض الوثائق:

"سيدي ويليام، سأدافع عنك وفق الخطوط التالية:

1. سنقدّم تقريرًا طبيًا يُثبت أنك فاقد للذاكرة بسبب الغيبوبة الطويلة.

2. سنطعن في أهلية الذاكرة لتذكّر نية الجريمة، وبالتالي نستبعد تعمُّد الركلة.

3. سنستدرج خصمنا ليعترف بأن ابنه استفزك سابقًا.

4. وفي النهاية، سنقترح تعويضًا ماليًا بسيطًا كـ 'بادرة حسن نية' لتهدئة الماركيز، بينما نظهر بمظهر الضعف الصحي."

ويليام قال بهدوء، بينما يغلق كتابه مؤقتًا:

"فهمت... خطة ممتازة. هل تنتهي بدون أن أذهب؟"

المحامي: "لا... للأسف، يجب حضورك."

"آه... للأسف."

[الدوق يضيق عينيه - ينظر إلى ويليام الذي عاد للقراءة بلا اهتمام]

"ويليام... هل أنت تُدرك خطورة الموقف؟"

"نوعًا ما. لكن التنين في الرواية على وشك أن يتحول لفتاة بشرية، لذلك أحتاج تركيزًا أكبر."

الدوق زمجر، وفجأة...

صفعة!!!

وجه ويليام ينحرف مجددًا جهة اليسار، الكتاب يسقط من يديه.

"آآآخ... مهوس بصفع وجهي."

الدوق ينحني، يُمسك بياقة قميص ويليام ويسحبه بقوة حتى صارت وجهيهما متقاربين:

"استمع جيدًا يا نكرة.

أنا غطّيت فضائحك لسنوات. وهذا هو آخر خيط قبل أن ينقطع الحبل.

أمام القانون، لا أحد يهتم بكسلك، أو فقدان ذاكرتك، أو هوايتك الجديدة بقراءة الروايات الرومانسية.

أنت ابن دوق جوزيف. تمثّلنا. وستظهر غدًا أمام المحكمة... منتصب القامة، متماسك الأعصاب، أو..."

ضغط أكثر على الياقة حتى كاد يخنقه.

"...أجعلك تتمنّى لو بقيت في الغيبوبة للأبد."

ثم، بكل قسوة...

يدعس الكتاب بقدمه.

صوت الورق يتمزق.

ويليام نظر للأسفل، ثم إلى الحذاء، ثم إلى أبيه...

"...أنت... دعست على التنين."

الدوق: "سأدعس على عنقك إن لم تُطع."

المحامي تنحنح:

"سيدي... الورق... أدلة الجريمة أصبحت جزئية..."

الدوق التفت إليه كأنه سيصفعه هو أيضًا.

---

[بعد دقائق - الدوق يغادر المكان، تاركًا وراءه رائحة التهديد]

ويليام جلس في مكانه، ملامحه شبه جامدة، ثم همس لنفسه:

"غدًا... محكمة، ها؟"

تنهد بعمق.

"أتساءل إن كان القاضي سيسمح لي بإحضار وسادة... أو على الأقل كتاب تنين الجزء الثاني."

---

[من بعيد - الخدم يراقبونه من الشرفة]

"هل... هل سيذهب للمحكمة حقًا؟"

"ربما ينام في قفص الاتهام."

"أو يطلب كوب شاي أثناء النطق بالحكم."

"في كل الأحوال... سيكون العرض رائعًا."

---

[الصباح الباكر - غرفة ويليام]

لم يكن ضوء الشمس قد اخترق الستائر بعد... لكن باب الغرفة فُتح بعنف مرة أخرى.

دخول لا يسبقه طرق. لا يُمهّد له صوت.

بل فقط... طاقة عنيفة كأنها عاصفة ثلجية اقتحمت المكان.

"استيقظ!"

صرخة مدوية أيقظت حتى العنكبوت الذي كان قد بنى منزله على السقف.

ويليام، الذي بالكاد فتح عينه، تمتم:

"أهذا... حلم أم كابوس إضافي؟"

لكن الإجابة لم تتأخر... فقد اقترب الدوق جوزيف من سريره، وسحب الغطاء فجأة:

"اليوم المحكمة، أيها الفشل. لا وقت للنوم أو التظاهر بالموت."

ويليام تذمّر:

"أوه... كنت آمل أن أستيقظ في عالم آخر. عالم لا توجد فيه محاكم، أو أب متسلّط، أو... بنطال ضيّق."

الدوق تجاهله، وبدأ بشدّه بعصبية ليُلبسه السترة الرسمية:

"لا تحاول التهرب. لا تعترض. لا تثر الفوضى. لا تتكلم إلا إذا طلب القاضي. لا تبتسم. لا تنم. لا تتنفس بصوت مرتفع."

ويليام تمتم وهو بالكاد يرفع ذراعه:

"هل أستطيع الوجود على الأقل؟"

الدوق جرّه من السرير، ثم وضع فردتي الحذاء بإيقاع عنيف كأنه يضرب طبول الحرب.

"إن سبّبت لي إحراجًا... فسأُعيدك إلى الغيبوبة شخصيًا."

ويليام تمتم بسخرية:

"يا سلام... عائلة دافئة حقًا."

---

[بعد قليل - عند عربات العائلة]

كان باقي أفراد عائلة إيرونديل ينتظرون بالخارج بجانب العربة السوداء المزينة بشعار التنين الفضي.

كانت الدوقة لورينا واقفة بهدوء، تمسك مظلتها البيضاء وتبدو كما لو كانت تذهب لحفل شاي لا جلسة محكمة. ملامحها الباردة لا تنظر لويليام حتى.

بجانبها كان راين، الابن الاكبر، بتسريحة شعر مثالية وثقة غير مبررة.

وكايل، الابن الأصغر، الذي بدا وكأنه الوحيد المتوتر فعلًا.

راين ابتسم بسخرية حين رأى ويليام يُجرّ جرجرة نحو العربة:

"أوه، ويليام العزيز، توقعتُ أن تأتي محمولًا... لكن ليس بهذه الطريقة."

ويليام لم يرد، فقط استلقى داخليًا.

(لماذا لم تصدمني الشاحنة مرتين؟)

---

[داخل العربة - الطريق نحو المحكمة]

صمت ثقيل سيطر على العربة.

راين كان يراجع أوراقًا قانونية وكأنها سيناريو مسرحية.

كايل ينظر بقلق إلى ويليام، وكأنه خائف عليه.

أما لورينا... فكانت تتأمل الأزهار عبر النافذة. لم تلتفت إليه ولو مرة.

ويليام ألقى نظرة عليها، ثم همس بمرارة:

"هل نسيتِ أن لديك ابنًا ثالثًا؟ أم أنني مجرد... وصمة في نسب العائلة؟"

لم ترد. لم تتحرك حتى.

الدوق زفر ببرود:

"لا تثر المتاعب."

---

[ساحة المحكمة الإمبراطورية - بعد ساعة]

كان القصر الإمبراطوري قد فتح أبوابه، وجميع الأرستقراطيين تجمعوا لحضور الجلسة المنتظرة.

صف من العربات الفخمة تملأ المدخل، وأصوات الخيول والجنود تُعلن الهيبة.

فرسان بالدرع الرسمي نادوا:

"دوقية إيرونديل! دوق إيرونديل وعائلته يصلون إلى المحكمة!"

أصوات الهمسات تنتشر كالنار في الهشيم.

"إنه ويليام!"

"ألم يكن في غيبوبة؟"

"سمعت أنه فقد ذاكرته... أو يتظاهر بذلك."

"هل سيعتذر؟ أم يهاجم القاضي بالكرسي؟"

[ويليام يُحمل مجددًا...]

كان كيلان، الخادم الشخصي، ينتظره على باب العربة كرسي متحرّك.

دون كلمة، حمله كالخروف النائم، ووضعه بلطف على الكرسي، ثم بدأ بدفعه عبر الساحة.

ويليام، بوجه ميت تمامًا، قال:

"أشعر أنني بيضة محشوة بالعار."

كيلان همس مبتسمًا:

"لا بأس يا سيدي... البيض أحيانًا يتحوّل إلى كعك."

ويليام رمش ببطء:

"...هل تحاول المواساة؟ أم أنك جائع؟"

---

[في الداخل - قاعة المحكمة الكبرى]

كان المجلس قد امتلأ.

على المنصة العليا جلس القاضي الأعلى رونالد غريفن، بوجه صارم وشارب حاد كأنّه سيف.

على المقاعد الذهبية جلس الإمبراطور أدريان، بملامح رسمية، إلى جانبه ولي العهد إيثان - صديق كايل - الذي يراقب بهدوء وتسلية واضحة في عينيه.

وكان النبلاء جميعهم في أماكنهم، يتهامسون، يتفرجون.

وحين دخلت عائلة إيرونديل...

صمت تام.

ثم همسات أقوى:

"إنه هناك... ويليام الشرير النائم..."

"يبدو كجثة أنيقة."

"هل يحاول استعطاف المحكمة بكرسي متحرك؟"

**

[ويليام يُوضع في مكانه - تحت أنظار الجميع]

أمام الجميع... يجلس ببرود، رأسه مائل، يبدو على وشك النوم.

لكن عينيه تتحركان، تراقبان كل شيء.

(إذن هذا هو المسرح... وأنا النكتة المعلّقة في المنتصف.)

---

[المحامي إليوت يقترب منه بصوت منخفض]

"سيدي ويليام... فقط أجب بما أخبرتك. لا تضف شيئًا. لا تنم. لا تضرب أحدًا."

"...لا أعدك بشيء."

---

[القاضي يضرب بمطرقته]

"الجلسة تبدأ الآن. قضية: الماركيز ريفيد ضد ويليام دوق جوزيف الثاني."

الأنفاس تُحبس... والأعين كلها تتوجه إلى الكائن الكسلان الجالس على الكرسي المتحرك.

ويليام، بصوت بارد هامس لنفسه:

"...وأنا لم أتناول حتى فطوري."

---

[داخل المحكمة الإمبراطورية - قاعة الجلسات الكبرى]

ضرب القاضي بمطرقته الخشبية الثقيلة.

"الجلسة رقم 418: قضية اعتداء جسدي في حفل الخريف.

المدّعي: الماركيز ريفيد.

المدّعى عليه: ويليام دوق إيرونديل الثاني."

الهمسات تلاشت. الصمت خيّم. الجميع ينظر نحو الشاب الجالس في الكرسي المتحرك... بجسد مرتخٍ وعينين نصف مغمضتين.

"الحضور: جلالة الإمبراطور أدريان ، وولي العهد الأمير إيثان، وهيئة من نبلاء المملكة."

**

[صوت القاضي]

"السيد إليوت، دفاع المتهم... تقدم بمرافعتك."

وقف إليوت ، المحامي الرسمي لعائلة إيرونديل. رجل نحيل، أصلع من الأعلى، يرتدي نظارات مدورة، صوته هادئ ومهذب:

"سيدي القاضي، موكلي - السيد ويليام - قضى ثلاث سنوات في غيبوبة بسبب إصابة في الرأس، وقد خرج منها حديثًا.

تشخيص نقابة الأطباء الملكية، وعلى رأسهم الدكتور ميرلين، يُؤكد أن موكلي يُعاني من فقدان ذاكرة جزئي ومؤقت، بالإضافة إلى تصلب عضلي وضعف إدراكي.

وعليه، فإن تحميله مسؤولية فعل حدث قبل الغيبوبة يُعد ظلمًا بيّنًا، خاصة وأن المتهم لا يتذكّر الواقعة ولا سياقها."

---

[ضحكة خفيفة تُسمع فجأة من الصفوف الأمامية]

رجل بشعر رمادي مصفف بعناية، يجلس بجوار الماركيز ريفيد، يبتسم بسخرية ويقف:

"معذرة، سعادة القاضي.

أنا ليونيل كرافيس، المحامي المعتمد لعائلة ريفيد، وعضو النقابة القانونية العليا.

وأنا لا أوافق على هذه المسرحية."

القاضي يرفع حاجبه: "تفضل، السيد كرافيس. قدم اعتراضك."

ليونيل، بخطوات ثابتة وثقة مفرطة، تقدّم أمام المحكمة:

"إصابة الرأس لا تعني براءة.

الغيبوبة ليست تبريرًا للجرائم.

موكلي - الماركيز ريفيد وابنه ريتشارد - تعرّضا لإهانة جسدية علنية في حفل رسمي، أمام شهود ونبلاء وأعضاء من العائلة الملكية.

وقد تسببت الركلة التي تلقاها من المدّعى عليه بخلع في الفك السفلي، وارتجاج في الدماغ، بالإضافة إلى ضربة في منطقة حساسة و... إحراج اجتماعي دائم ."

همسات النبلاء تعود مجددًا...

"ركله على وجهه؟!"

"أوه، هذا الطفل مجنون فعلًا..."

**

[ليونيل يتقدم خطوة أخرى]

"سيدي القاضي، أطلب السماح بطرح أسئلة مباشرة على المتهم."

إليوت قفز واقفًا:

"اعتراض! موكلي ليس في حالة تسمح باستجوابه المباشر!"

لكن القاضي، بعد لحظة تفكير، قال بهدوء:

"إن كان المتهم قادرًا على الحضور... فهو قادر على الرد."

---

[ليونيل يقترب من ويليام]

"سيدي ويليام... هل تذكرني؟"

ويليام - ممدد في كرسيه، ينظر إلى لا شيء - تمتم:

"لا. ولا أريد."

ضحكات مكتومة في القاعة.

ليونيل:

"هل تتذكر أنك ضربت ابن الماركيز ريفيد في حفل الخريف؟"

"...لا أذكر حتى هذا الحفل."

"هل تنكر الحادثة؟"

"...لا أنكر ولا أؤكد. أُصبت في رأسي، كما ترى."

ليونيل اقترب أكثر، محاولًا الضغط:

"لكن، أليس من المريب أن تستيقظ فجأة... وتحضر المحكمة... وتجلس ببرودٍ يُشبه الاحتقار؟"

ويليام رفع رأسه ببطء، لأول مرة... ونظر إليه.

"أجل. هذا مريب. وربما... رائع."

---

[القاضي يتنحنح: "تابع سؤالك يا سيد كرافيس."]

ليونيل يبتسم بمكر:

"أيها المتهم... هل تستطيع أن تُنكر أنك وصفتَ ابن موكلي بأنه 'نقّاقة ممتلئ الوجه' أمام الجميع؟"

إليوت: "اعتراض! هذا خارج سياق الجريمة!"

القاضي: "أُسجّل الاعتراض... لكن أريد إجابة."

ويليام أمال رأسه وقال بهدوء شديد:

"...حتى لو قلتُها، فهل هي تهمة؟ أم حقيقة يصعب تقبّلها؟"

ضحكات النبلاء انفجرت... والإمبراطور رفع حاجبه، كاتمًا ابتسامة.

---

ليونيل عض شفته. ثم هجم بسؤال:

"هل ترى نفسك مسؤولًا عن ما فعلته قبل الغيبوبة؟"

هنا، ويليام - فجأة - انتصب في كرسيه قليلًا.

رفع يده ببطء، ثم قال:

"هل تسمح لي، سعادة القاضي... أن أستخدم حقي في تحدّي قانوني مباشر؟"

---

صمت.

حتى إليوت التفت نحوه بدهشة:

"ويليام... ماذا تفعل؟!"

القاضي: "أنت... تتحدى محامي الخصم؟"

ويليام أومأ ببطء، ثم قال:

"بموجب المادة رقم 47-ب من قانون المحاكمات الشفوية في حالات الفقدان العصبي - وهو قانون قديم من زمن الإمبراطور ألبرون الثالث - يحق للمتهم أن يطلب المواجهة القانونية المباشرة، بشرط أن يكون في كامل وعيه لحظة المواجهة، بغض النظر عن حالته السابقة."

القاضي رفع حاجبه بدهشة.

ليونيل عبس.

إليوت شهق.

و راين في الخلف تمتم:

"هل هذا هو أخي الكسول...؟!"

---

[المحكمة تسمح بالمواجهة]

بدأ التحدي القانوني: عشر أسئلة متبادلة، من الطرفين، يُسمح فيها باستخدام كل نصوص القانون، والشهادات، والسجلات.

ليونيل بدأ الهجوم، سائلًا ويليام عن قانون الدفاع الذاتي، وعن الاعتداءات في الحفلات الرسمية.

لكن ويليام... كأن شيئًا تبدّل في عينيه.

بدأ يرد بثقة، يُسند أقواله بالمادة كذا والفقرة كذا، ويذكر قوانين منسية من الأرشيف، ويقاطع ليونيل بثغرات في منطقه.

حتى قال:

" ابن الماركيز ريفيد أهانني لفظيًا، ودفعني قبل أن أضربه. وهذا موثق بشهادة النبيل فريموند، والماركيزة أليسيا، بحسب محضر الحفل في الأرشيف الإمبراطوري."

---

ليونيل فقد أعصابه:

"أنت لا تتذكر حتى من أنت!! كيف تذكر هذه التفاصيل؟!"

ويليام ابتسم بهدوء، وقال ببرود:

"قالوا إنني نسيت... لكن لم يقولوا إنني غبي."

ضحكات مكتومة. صدمة. الدوق جوزيف فاغر فاهه. لورينا أخيرًا تلتفت نحوه.

الإمبراطور تمتم بهدوء:

"...فتى خطير."

[الحكم يصدر]

"بناءً على المواجهة القانونية، وتناقض شهادة المدعي، وتوثيق الاعتداء الأولي من طرفه...

تحكم المحكمة ببراءة السيد ويليام.

ويُغرم الماركيز ريفيد بتعويض مالي قدره سبعة آلاف قطعة ذهبية لعائلة إيرونديل..."

صراخ! ضجة! استغراب!

الماركيز يصرخ: "هذا خداع! هذا تمثيل!"

لكن المحكمة انتهت... وويليام فقط تمتم وهو يُغلق عينيه:

"...هل أستطيع أن أنام الآن؟"

---

[داخل قاعة المحكمة - بعد لحظات من صدور الحكم]

المطرقة الأخيرة للقاضي كانت قد هبطت منذ دقيقة فقط، لكن الصدى ما زال يتردد في القاعة، مثل صفعة على وجه كل من كان يتوقّع سقوط ويليام.

لكن الأكثر احمرارًا من وجه الماركيز ريفيد، هو وجه محاميه ليونيل كرافيس.

كان يقف بجانب موكّله، ويداه ترتجفان... سواء من الغضب، أو الإذلال.

---

ليونيل، بصوت مرتفع اخترق الهدوء:

"هكذا إذًا؟ تُبرّأون شخصًا اعترف بارتكاب الجريمة؟!"

همسات النبلاء تعود:

"هل يجرؤ على مجادلة الحكم؟"

"إنه أحمق... المحكمة حسمت أمرها!"

لكن ليونيل لم يصمت.

استدار ببطء نحو ويليام، الذي كان ما يزال جالسًا في كرسيه المتحرك، وابتسامة كسولة تزيّن وجهه، كأنه في نزهة، لا محكمة.

قال ليونيل بنبرة مليئة بالاحتقار:

"أيها السيد ويليام... أو ربما يجب أن أقول: السيد المُدعي المزيّف...

هل هذه هي طريقتك في النجاة؟ بالاختباء خلف مادة قانونية منسية؟ وبالتمثيل كأنك طفل فقد الذاكرة؟"

---

ويليام لم يرفع حتى حاجبيه. فقط نظر نحوه نصف نظرة، ثم قال:

"...هل أنت غاضب لأنك خسرت؟ أم لأنك كشفت عن جهلك بالقانون أمام الجميع؟"

ضحكة مكتومة من أحد النبلاء سُمعت في الخلف.

---

لكن ليونيل لم يتراجع.

تقدّم خطوة... ثم قال بصوت أعلى:

"أمثالك لا يستحقون شرف المثول في هذه القاعة.

أنتم وصمة على اسم النبلاء! عار على المحاكم! ألا تخجل من نفسك، أيها النائم المستيقظ؟"

هنا، القاضي ضرب بمطرقته:

"السيد كرافيس! هذا تجاوز... الحكم صدر، والجلسة رُفعت!"

لكن ليونيل أصرّ، ورفع صوته أكثر:

"أيها القاضي، أنا أعترض على هذا الاستهزاء بالقانون!"

ويليام، ببطء، رفع إصبعه:

"لحظة."

التفت الجميع نحوه.

"...سعادة القاضي، أطلب رسميًا حماية المادة 12 من قانون المحاكم العامة، البند الثالث:

يُمنع توجيه أي إهانة لفظية للطرف المُنتصر بعد صدور الحكم، ويُعد ذلك إساءة مباشرة للمحكمة نفسها."

القاضي ارتبك... لكنه قرأ المادة في ملفه، ثم نظر إلى ليونيل وقال:

"السيد كرافيس... إن واصلت، سيتم تغريمك بتهمة الإهانة العلنية."

ويليام، دون أن يُحرّك عضلة من وجهه، قال:

"...كم هو جميل أن يكون القانون في صفّنا، أليس كذلك؟"

ثم التفت إلى كيلان، وقال ببرود:

"كيلان."

"نعم، سيدي؟"

"أنا سئمت من هذا المكان... أخرجني من هنا. لكن لا تنسَ أن تمر فوق قدمي هذا المحامي قليلًا."

"...مفهوم."

كيلان بدأ بدفع الكرسي المتحرك.

ويليام - بكل وقاحة - مر بجانب ليونيل... ثم توقّف لوهلة، ونظر إليه من الأسفل للأعلى، بابتسامة لزجة:

"...أنت تعرف، لديّ صديق سابق كان يقول إن الشخص الذي يصرخ بعد الخسارة... عادةً ما يكون قد خسر في كل شيء."

همهمة ضحك صاخبة اندلعت في القاعة.

ثم أضاف:

"كان يجب أن تراجع القانون قبل أن تأتي إلى هنا. أو على الأقل... أن تتعلم أن تغلق فمك في الوقت المناسب."

[الخروج من المحكمة]

ويليام غادر ببطء، بكرسيه المتحرك، كأنه ملكٌ يُحمَل على عرش من عجل، في حين كيلان يسير بفخر كأنه قاد حملة ناجحة.

كل نبلاء القاعة وقفوا مشدوهين.

بعضهم تمتم:

"هل كان يتظاهر فقط؟"

"ذلك الشاب... داهية بحق."

"الآن فهمت لماذا خافوا منه سابقًا..."

أما الإمبراطور، فقد ضيّق عينيه، ثم قال لنفسه:

"إنه لا يشبه والده... لكنه أكثر خطورة منه."

و راين، من الخلف، كان يضحك في كمّه:

"...ويليام، أنت فعلاً أحمق عبقري."

و كايل نظر إليه بشك، قائلاً:

"إما أنه فقد الذاكرة فعلًا... أو أنه أخطر ممّا نتوقع."

أما لورينا، والدته، فقد رفعت حاجبها ... وارتسمت على وجهها ابتسامة نادرة لم تُر منذ سنوات:

"ابني... بدأ يُشبهني."

---

[داخل عربة العودة - طريق غابة إيرونديل]

كانت العربة تسير بسرعة ثابتة على الطريق الحجري المظلل بالأشجار، وصوت الخيول يختلط بصوت العجلات. من داخل العربة، الجو مشحون بالتوتر... فالدوق لم يكن سعيدًا.

الدوق بصوت غاضب:

"لقد كنتَ وقحًا أمام الإمبراطور والنبلاء جميعًا! هذا ليس استعراضًا في حانة!"

ويليام، ممدّد بجسده شبه المعطل، اكتفى بلف رأسه جهة النافذة قائلاً:

"لا أستطيع التحكم بلساني وأنا على كرسي متحرّك... يبدو أن اللسان فقط يعمل بكفاءة هذه الأيام."

كايل اختنق ضحكًا، لكن نظرة والده أسكتته فورًا.

لورينا، والدته، اكتفت بالنظر من النافذة بلا تعبير. كعادتها.

ارين تمتم:

"سنعاني بسببك... كما في السابق دائماً."

ويليام، بنبرة كسولة:

"لو متّ، فلن تعانوا مجددًا. فكروا بالأمر كاستثمار."

لكن لحظات هذا التوتر لم تدم.

فجأة - ومن بين الأشجار - انطلقت صافرة عالية!

ثم - BOOM! - انفجار سحري صغير أمام العربة، تلاه إطلاق سهام كثيف من كلا الجانبين!

"هجوم!!"

العربة توقفت بقوة. الحصانان الأماميان سقطا مضرجين بالدماء، بينما عجلات العربة ارتطمت بالصخور وتمايلت. الخدم صرخوا، والحرس قفزوا بأسلحتهم.

الدوق صاح بأمر قاطع:

"احموا العربات! تشكيل قتالي!"

راين رفع يده، وبدأت دوامة لهب تتكوّن من حوله، قبل أن يُطلقها تجاه الأشجار.

كايل أخرج سيفه الطويل، واندفع للخارج كالبرق، يتصدى للسيوف القادمة برشاقة مذهلة.

الدوق نفسه قفز نحو الأمام، سيفه الضخم يقطع الهواء، كل حركة منه تسقط خصمًا.

لكن وسط الفوضى... كان هناك من نُسي.

"سيدي ويليام!!"

كيلان اندفع إلى داخل العربة، حيث كان ويليام قد انقلب أرضًا بفعل التوقف المفاجئ.

"أوه عظيم... هذا ليس الوضع المثالي لمن يعاني تيبّس عضلي."

كيلان حمله على كتفه بسرعة، لكن قبل أن يتحرّكا بعيدًا، خرجت ثلاثةُ ظلال من خلف الأشجار.

قطاع الطرق؟ لا... لا. كانت تحركاتهم مدرّبة. خالية من الخطأ.

مغتالون.

واحد طويل يرتدي سترة جلدية داكنة، سيفان قصيران في يده. آخر مقنّع بحربة طويلة. والثالث يحمل قوسًا ومجموعة من السهام السحرية.

أعينهم الثلاثة استقرت على ويليام...

"ذلك هو الهدف."

كيلان شهق:

"تبًا... سموّك، تمسّك بي!"

"أتمسّك بك؟ أعتقد أنني بالكاد أستطيع الإمساك بقدري، كيلان."

"هذا ليس وقت المزاح!!"

كيلان وضع ويليام خلف شجرة سميكة، واستعد للدفاع.

لكنه لم يكن كافيًا.

قوس سحري أطلق سهمًا بسرعة الضوء.

كيلان صدّه... لكن اثنين آخرين انطلقا.

أحد السهام أصاب كتف كيلان! سقط مترنحًا، وصرخ من الألم.

"آآآه... سموّك... اهرب!!"

"آه، نعم، سأقفز على ساقي المعطلتين وأطير... فكرة رائعة، كيلان."

كان ويليام ملقى بين الأعشاب، يلهث... يداه لا تقويان حتى على رفع عصا. عيناه تحدقان في ظلّ قاتل يقترب منه بخطوات بطيئة.

القاتل الأول قال:

"قالوا إنه طفل عنيف... لكن يبدو كقط ضعيف الآن."

ويليام بصوت منخفض، دون نبرة:

"...أنا أيضاً خُدعت."

رفع القاتل السيف فوق رأسه.

ثانية... ثم ينزل!

لكن فجأة...

طننغ!

سيف ثالث صدّ الهجوم!

كان كايل.

"لم يعلّمني أبي كيف أتعامل مع الأغبياء... لكن سأجرّب."

اشتعلت المعركة قرب ويليام، بينما هو ممدّد على الأرض، عاجز... غاضب من عجزه.

"كم أنا مثير للشفقة..."

لكنه رأى فجأة خنجرًا انزلق من يد أحد القتلى على العشب، قربه تمامًا.

ببطء... بذل جهدًا لمدّ يده.

أصابعه بالكاد تتحرك... الذراع ثقيلة، كأنها حجر.

(هيا... تحرّك...)

الخطر يقترب مجددًا... أحد المغتالين التف حول كايل، وبدأ يركض نحو ويليام من الخلف.

كيلان كان ينزف. راين مشغول بالقتال. الدوق يُقاتل في الأمام.

لا أحد رآه... إلا ويليام.

"حركة واحدة... أو تموت."

(سأموت... إلا إذا...)

بكل عزيمته، أمسك بالخنجر... ورفعه.

2025/07/03 · 149 مشاهدة · 4173 كلمة
روزي
نادي الروايات - 2025