كان زارين قد بدأ يشعر بثقل الرحلة على كتفيه. لم يكن وحده في هذا الطريق المظلم، فقد أحس بعيون تخترق الظلام وتراقبه في كل خطوة يخطوها. كان الجو غائمًا والريح تحمل رائحة الغابات المسحورة، كما لو أن الأرض نفسها كانت تهمس له بأن الرحلة لن تكون سهلة.
مرَّ اليوم الأول في الغابات الهادئة، حيث كان يعتقد أن الأرض قد تجمدت من فرط السكون. إلا أن تلك الغابات، التي كانت في الظاهر مكانًا للسلام، تخفي وراءها مخلوقات قديمة وأرواحًا غاضبة. في الزمان البعيد، كانت هذه الغابات ملاذًا للمقابر السحرية، حيث دُفنت الأسرار التي لا يجب أن تُكشف. وكان من المعلوم أن من يجرؤ على السير فيها قد يُبتلى بأرواح ضائعة تلتهم روحه وتجعله جزءًا من المجهول.
وفي إحدى الليالي، عندما كان زارين يتبع طريقًا ضبابيًا بين الأشجار، شعر بشيء غريب. كانت هناك حركة في الظل، خطوات ثقيلة تقترب منه. التفت بحدة، فوجد نفسه أمام رجل ضخم، يرتدي درعًا مغطى بالصدأ ووجهه مخفي تحت قناع حديدي.
“أنت لست الوحيد الذي يبحث عن السجل المفقود، يا زارين”، قال الرجل بصوت خافت، وكأن صوته جاء من عمق الأرض.
لم يكن زارين بحاجة إلى الكثير من التفكير ليفهم أن هذا الشخص ليس مجرد مسافر عادي. لقد كان أحد الملاحقين الذين سمع عنهم. هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في الظل، وجاؤوا من مختلف أنحاء الأرض للبحث عن الكتاب، بعضهم للسيطرة عليه، وآخرون للدمار الذي قد يجلبه.
“من أرسلك؟” سأل زارين، وهو يستعد لسحب سيفه.
“الذين يتبعون الطريق المظلم”، قال الرجل، محركًا يده في الهواء، كأنه يشير إلى شيء ما في الفضاء. “ولكنني لست هنا للقتال، بل للإنذار. الكتاب ليس شيئًا يمكن تحمله. من يفتحه قد يفتح أبواب الجحيم.”
رغم تحذيره، شعر زارين بشيء غريب في قلبه. هذا الرجل كان يعرف الكثير عن الكتاب، أكثر مما كان يعرفه هو. ولكن زارين كان قد تعهد أن لا يتراجع. كانت أسئلته أكبر من أن تُجاب بكلمات بسيطة.
“أين هو الكتاب؟” سأل زارين بحزم، بينما كانت يده تتحرك إلى سيفه ببطء.
ابتسم الرجل القناع ابتسامة خفيفة، ولكنها كانت باردة، لا حياة فيها. “إنه أقرب مما تظن. ولكن لا تظن أن الوصول إليه سيكون سهلًا. ستواجه أعداء أقوى منك، وأنت لن تكون وحدك في هذه المعركة.”
في تلك اللحظة، قُطِع الحديث عندما اهتزت الأشجار وسمع صوتًا مدويًا في السماء، كأن شيئًا ضخمًا كان يقترب بسرعة. ارتفعت الرياح فجأة، وجعلت الظلال تتراقص في كل زاوية.
“الوقت ليس في صالحك، زارين”، قال الرجل، ثم اختفى في الظلام قبل أن يدرك زارين ما حدث.
وقف زارين، قلبه يخفق بقوة، وهو يعلم أن أول خطوة في رحلته قد تكون الأكثر خطرًا. لقد أصبح محاصرًا بين الأعداء في الظل، وأصبح الهدف الآن أكبر من مجرد الكتاب. سيكون عليه أن يواجه أعداء ليسوا فقط على الأرض، بل في قلبه نفسه.
كان يعلم أن الظلام قد لا يرحمه، ولكن كان عليه أن يكمل. فالسجل المفقود لم يعد مجرد لغز يجب حلّه، بل أصبح علامة على الحرب القادمة. حرب قد تغير العالم إلى الأبد.