لم يتحرّك حتى بعد أن جئتُ .

هل غضب ؟، أم ربما هو نائمٌ وعيناه مفتوحتان ؟

لأنني كنتُ أعلم بخطئي ، اقتربتُ منه بهدوء وجلست بجانبه بكل احترام .

عندها فقط التفتَ إيدن نحوي ، يبدو أنّه لم يكن نائمًا وعيناه مفتوحتان .

" آسفة ... كان عليك أن توقظني ، ألا تشعر بالتعب ؟"

ابتسم إيدن وهو يشبك ذراعيه ، مظهرًا دهشته مما قلت .

" ظننتُ أن أمرًا قد حدث ، لذا نزلتُ لأتفقدكِ ، لكنكِ كنتِ نائمةً كأنكِ لا تعرفين شيئًا عن الدنيا ، حتى أنني اعتقدتُ أن صوت شخيركِ سيخترقُ السقف "

" هـ-هل كنتُ أشخر ؟"

سألتُ وأنا محرجة ، بالنظر إلى عمق النوم الذي كنتُ فيه ، ربما يكون ذلك صحيحًا .

" كنتُ أمزحُ فقط ، في الحقيقة ، كنتِ نائمةً بهدوءٍ شديدٍ لدرجةِ أنني ظننتُ أنكِ ميتة "

" الشمسُ لم تشرق تمامًا بعد سيد إيدن ، عليك أن تنال قسطًا من الراحة ولو قليلًا ..."

" لا أظنُ أنني أستطيعُ النوم "

" إذًا ، هل أنامُ أنا بدلاً منك ؟"

عندما سألتُ وكأنني كنتُ أنتظر تلك اللحظة ، نظر إليَّ إيدن بنظرة تقول ' ما هذا الكلام الغريب ؟'

" في مثل هذه اللحظات يُقال ' إذًا سأبقى لأؤنسك ' "

" لكنني لا أرغبُ في الحديثِ معك "

أنا لا أريدُ الخضوع لجلسةِ استجوابٍ أخرى .

" يا إلهي ..."

هزَّ إيدن رأسه ، مظهرًا استسلامه لحالتي .

" هل حدثَ أيُّ شيءٍ خلال نومي ؟"

" لا شيء يُذكر ، لا يوجد ناجون ، ويبدو أن عدد الوحوش يزداد تدريجيًا "

بينما كنت أستمعُ إلى كلام إيدن ، جلستُ أمام حافةِ منصةِ المراقبة ، ثم ناولتُه زجاجةَ الماء التي أحضرتها معي .

' كم نحن محظوظون لأننا ملأنا خزانَ الماءِ قبل أن تصبحَ القريةُ على هذا الحال ...'

لكن ، قبل أن ينفد ماء الخزان ، سنحتاج إلى صنع فلتر جديد .

أخذ إيدن الزجاجة مني وبدأ يشرب منها بنهم .

" حقًا ، يبدو أن الحظ يأتي بجانب الآنسة شيري "

لم أستطع أن أقولَ له ' هذا لأنني أعرفُ المستقبل وأستعددتُ له مسبقًا '، لذا اكتفيت بالابتسام فقط .

" ماذا لو ... كان الوضعُ نفسهُ في جميع أنحاء البلاد ؟، ماذا لو كان العالمُ قد انتهى بالفعل ؟"

" هذا مستحيلٌ "

" انظر إلى هناك ، هل رأيتَ سرعةَ تحول الناس إلى وحوش ؟، إذا كانت نسبةُ العدوى ١٠٠% ، فالاحتمالية واردةٌ "

أطبق إيدن شفتيه بصمتٍ ، ثم أسندَ رأسه بخفة إلى الحافة ، ونظر إليَّ نظرةً عميقة .

" إذًا ، هل يعني ذلك أنه لم يتبقَّ في العالم سواي أنا وأنتِ ؟"

كانت الطريقةُ التي قال بها ذلك غريبةً جدًا .

خصوصًا عندما نظر إليَّ بتلك الجاذبية ، أليس هذا غشًّا ؟

" ألا تظنُ أنَّ هنالك أشخاصًا آخرينَ مختبئينَ ، مثلنا ، يحاولون البقاءَ على قيدِ الحياةِ ؟"

على الأقل ، أورورا ما زالت على قيدِ الحياة ، مع رجالها ، بالطبع .

" علينا أن نصلي من أجل ذلك ، لا بد من وجودِ أملٍ ، مهما كان بسيطًا "

تمتمَ إيدن بصوت خافتٍ ، من وجهة نظري ، بدا إيدن وكأنه أول شخص قد تخلى عن الأمل .

كان يحدّقُ نحو القريةِ بوجهٍ مملوءٍ بالتفكير العميق .

بدا أنّ هناك شيئًا مختلفًا تمامًا عن طبيعته المعتادةِ ، إذ ارتسمت عليه هالةٌ ثقيلةٌ .

استمر الصمتُ الثقيلُ لوهلةٍ ، ثم فتحَ إيدن فمهُ بحذرٍ ليكسر ذلك الصمتَ الخانقَ .

" إذا كانت نهايةُ العالم قد جاءت حقًا ، ولم يبقَ في هذا العالم سواي أنا وأنتِ ، فقد يصبحُ الوضعُ خطيرًا بعض الشيء "

" وما الخطرُ في ذلك إذا لم يبقَ غيرنا ؟"

" هذا هو الخطرُ بعينه ، هل الآنسة شيري تثق بي حقًا ؟"

سألني إيدن وهو يسندُ ذراعه إلى ركبتهِ المثنية وينظر نحوي بابتسامة ماكرة بدا و كأنَّه اختبار .

لماذا يتصرفُ بهذه الطريقةِ المتحايلة ؟، كنت أعتقدُ أنَّ شخصيتَهُ المتزنةَ ستظلُ ثابتةً ، لكنَّه بدا وكأنَّ عينيه فقدتا بريقهما المعتاد .

هل السبب هو أنا ...؟

شعرت أنني بحاجةٍ إلى إعادةِ اتزان إيدن .

بالاصح دعنا نقُل إنَّه شعورٌ بالمسؤوليةِ تجاهه .

يجب أن يظل إيدن في مساره الصحيح .

ففي الرواية التي أعرفها <الحبُّ في عالمٍ مدمر> كان إيدن دائمًا كذلك .

" نعم ، أنا أثقُ بك "

" إلى أيِّ حدٍ ؟"

هل يحاول رفع مستوى الحديث تدريجيًا ؟

" إلى الحدِ الذي أستطيعُ تحمّلهُ "

" وأين ينتهي ذلك الحدُّ بالضبطِ ؟"

" عند النقطة التي لا أضطرُ فيها إلى ضربكَ بقبضتي "

بمعنى آخر ، طالما أنه لا يثيرُ غضبي إلى تلك الدرجةِ ، فكلُّ شيءٍ بخير .

حدّقَ إيدن فيَّ بصمتٍ ، وكأنَّه فقد القدرةَ على الكلامِ ، ثم انفجر ضاحكًا .

غريبٌ أن يكون ضحكهُ جميلًا للغاية ...

بعد أن مسحَ وجهه بيديه بهدوء ، قال ليَّ بنبرةٍ مغايرةٍ .

" كنتُ أتساءلُ لماذا جعلني القدرُ عالقًا معكِ ، لكن يبدو أنَّه من حسنِ الحظ أنَّكِ أنتِ من بقيَّت معي "

" لا تُهِنني أمامَ وجهي هكذا "

" إنها مجاملةٌ "

ردّ إيدن وهو يهزّ رأسه بإنكار .

رغمَ ذلك ، بدا وكأنَّ عينيه قد استعادت بعضًا من الحياة ، وهذا كان كافيًا بالنسبة ليَّ .

رفعتُ المنظار وأخذتُ أتفحّصُ القريةَ مجددًا ، مع شروقِ الشمسِ بالكامل ، علينا أن نتحرك .

لكنّ حديث إيدن عن الاحتمالات لم ينتهِ بعد .

" كنتُ أفكرُ في السابق ، لو أنَّ نهايةَ العالمِ جاءت غدًا ، ما الكلمات الأخيرة التي سأتركُها للعالمِ ؟، صحيح أنّني لم أتمنَّ أبدًا حدوث هذا السيناريو لكنني لم اتوقف عن التفكيرِ "

لم أتوقع أبدًا أن يخطرَ لإيدن مثل هذا التفكير .

نظرتُ إليه بدهشةٍ ، فأعادَ سؤاله بنبرةٍ جادةٍ .

" أليس هذا تفكيرًا طبيعيًا ؟، ألا يتخيل الجميعُ ذلك ؟"

" لا ، في الواقع أظنُ أنَّك الوحيدُ الذي يفعلُ ذلك ، فأنا لا أفعل ذلك "

تذكرتُ المقولة الشهيرة ' لو أنّ العالم سينتهي غدًا ، سأزرع شجرة تفاح اليوم* '

(هذه مقولة شهيرة غالبًا تُنسب إلى مارتن لوثر ، وهو عالم لاهوت ألماني عاش في القرن السادس عشر ، ومع ذلك ، لا توجد أدلة تاريخية قوية تثبت أنه قالها بالفعل ، تعكس هذه العبارة روح الأمل والتفاؤل والعمل حتى في أحلك الظروف ، فهي تشير إلى فكرة أن الإنسان يجب أن يواصل فعل الخير والعمل الإيجابي بغض النظر عن المصاعب أو النهاية المحتملة ، زرع شجرة تفاح ، مع العلم أن العالم سينتهي ، يُظهر إيمانًا عميقًا بقيمة العمل بحد ذاته ، وبتأثيره حتى لو كان غير مباشر أو طويل الأمد)

لكنني لم أكن من النوعِ الذي ينخرطُ في مثل هذه التأملاتِ العاطفية ، إذا انتهى العالمُ ، فأولُ ما سأفكرُ فيه هو بناءُ مخبأ .

" أنتِ ..."

توقف إيدن عن الكلامِ فجأةً .

" ماذا ؟، لماذا توقفتَ هكذا ؟، انتً تجعلني أشعرُ بالغرابةٍ "

" لم أقابل من قبل شخصًا بتفكيرٍ أحادي مثلكِ "

" هاه أنت تعود إلى إهانتي "

" إنها مجاملةٌ ، أؤكد لكِ "

" بل إهانة "

" العيشُ بتفكيرٍ بسيطٍ مثلكِ أفضلُ بكثيرٍ من التعقيدِ ، هذا يجعلُ الحياةَ أكثرَ سعادة "

" لقد عشتُ بسعادةٍ من قبل ... هذا في الماضي "

كان هذا حتى تذكرتُ حياتي السابقةَ ، وحتى دمّرت نهايةُ العالم كلَّ شيءٍ .

استدرتُ نحو إيدن وأسندتُ ظهري إلى الحافةِ .

جملتهُ الأخيرة ... هل يعني أنَّه هو نفسه يفكر بطريقةٍ معقدة ؟، هذا أمرٌ مفاجئ .

من مظهره وسلوكه ، يبدو وكأنَّه شخصٌ بسيط .

لكن عند التفكيرِ ، رفضه لخلافةِ لقب دوقِ لانكستر ليصبح شرطيًا كان دليلًا على ذلك التعقيد .

" إيدن ، هل تفكرُ بطريقةٍ معقدةٍ ؟، هذا لا يبدو متناسبًا مع مظهركَ ، هل جعلكَ ذلك تعيسًا ؟"

" لم أكن تعيسًا ، لكن كان لديَّ الكثير لافكرَ به "

كان وجه إيدن هادئًا ، لكنه بدا وكأنَّه يخفي الكثير من الحكايات غير المرويةِ .

لم تُذكَر تفاصيلٌ كثيرة عن ماضي إيدن في الرواية ، بالطبع .

فإيدن لم يكن أحد أبطالِ الرواية ، بل كان في موضعِ الأخ الأكبر للبطلة .

" ما الذي كنتَ تفكرُ بشأنه ؟، أليس كل الناسِ يتمنّون أن يكونوا الوريث الوحيد لدوقية لانكستر ؟"

" هذا بالضبطِ ما كنتُ اقلق بسببه ، كوني وريث دوقية لانكستر "

ما الذي يقصده بهذا ؟

" والدي كان رجلاً رائعًا ، أو على الأقلِ هذا ما كنتُ أعتقده حتى قبل خمس سنوات "

قبل خمسِ سنوات ؟، كان هذا وقت تبنّي أورورا ، ربما شعر بالإستياء بسبب أن فتاةً غريبةً أصبحت فجأةً أخته .

" لكن ما زال دوق لانكستر يتمتعُ بسمعةٍ طيبةٍ جدًا ، أليس كذلك ؟"

" ظاهريًا ، نعم ، لقد كان خداعهُ مثاليًا إلى حدِ أنَّ ابنه لم يشك به "

" خداع ...؟"

لم أذكر أن الرواية الأصلية تناولت هذا الأمر .

ماضي عائلة أورورا لم يتم التطرقُ إليه في الرواية .

" رغم أنَّه لم يلطّخ يديه بالدماء مباشرةً ، إلا أنه كان متورطًا في جميع أنواعِ الجرائمِ والأعمال غيرِ القانونيةِ "

كان إيدن يتحدثُ بلا ترددٍ عن الفضائح التي تمسُ عائلته ، والتي تعتبرُ بمثابةِ وصمةِ عارٍ شخصيةٍ له أيضًا .

شعرتُ بالارتباكِ قليلاً ، هل من المناسب أن يخبرني بمثلِ هذه الأمورِ ؟، أنا شيري سينكلير ، بعد كلِّ شيءٍ .

" ألذلك أصبحتَ شرطيًا ؟"

هزَّ إيدن رأسه بالإيجاب .

" يمكنكِ اعتبار ذلك هروبًا جبانًا "

" لكن على الأقل كان لديكَ ضميرٌ ، لم تتجاهل الأمر تمامًا ، وهذا يختلف عني "

كنتُ أعلم أن عائلة سينكلير توسّعت في أعمالها بطرقٍ غيرِ مشروعةٍ .

لكن ، على عكسِ إيدن ، لم أكن أملكُ ضميرًا .

لم أهتم بألم الآخرين أو نظراتهم ، بل كنتُ أبحثُ فقط عن سعادتي الخاصةِ .

حدقَ إيدن في وجهي بصمتٍ ، لم يقل شيئًا ، لكن من المؤكدِ أنَّه كان يفكرُ في الأحداثِ الكثيرةِ التي تورطت فيها عائلةُ سينكلير .

بعد تنهيدةٍ عميقةٍ ، قال بصوت هادئ .

" أنا لستُ بذلك الشخص الضميري أيضًا ، فأنا لم أتمكن من الإطاحةِ بوالدي ، لذا فقط غادرتُ لأكفّر عن خطاياي في مكانٍ آخر "

مثل الأحمق .

قال الكلمة الأخيرة بصوتٍ منخفضٍ لدرجة أنني لم أكن متأكدةً مما إذا كنتُ قد سمعتها بشكلٍ صحيح ، ومع ذلك ، كان صوته هادئًا للغاية .

" قلتُ ذلك لأنني أعتقدُ أنَّ الآنسة شيري تظنُّ أنّني شرطيٌ صالح ، لكن نيتي منذ البدايةِ لم تكن نقيةً ... في النهايةِ ، دمُ عائلة لانكستر يجري في عروقي "

" بغضِّ النظر عن النوايا أو البدايات ، فإنَّ الأشخاصَ الذين ساعدتهم يقدّرون ما فعلته من أجلهم "

رغم أنني قلت ذلك بعنايةٍ لمحاولةِ مواساته ، بدا أن كلامي لم يُخفّف عنه .

" كان الأمر مجرد وعد قطعتهُ لنفسي ، أن أقبضَ على الأشخاصٍ مثل والدي ، ولهذا ، ربما في يومٍ من الأيام ..."

توقف إيدن عن الحديثِ فجأةً ، لكنني شعرتُ أنني فهمتُ ما كان يريدُ قوله .

ربما كان ينوي يومًا ما أن يطيح بدوق لانكستر .

" في الواقعِ ظننتُ أنكِ تشبهين والدي ، لذلك كنتُ أكرهكِ "

" ماذا ...؟، هل تشتمني الآن فجأةً ؟"

حتى إنه قال إنني أشبهُ والده !، لا أعرفُ الكثيرَ عن دوقِ لانكستر ، لكن هذا بدا مهينًا جدًا .

لم يسبق أن وصفني أحدٌ بأنني أشبه والده .

2025/01/17 · 57 مشاهدة · 1793 كلمة
فاسيليا
نادي الروايات - 2025