"همم؟!!" تمتم يوريكو الذي بدا متسائلًا

"اااء... لا شيء لقد كنت أظنك والدي " رد أوساجي خائب الأمل مبعدًا ناظريه

"آهه ، أبي لم يعد بعد ، أكنت تريد شيئًا؟ " قال متثائبًا و هو يفرك شعره

"لا لا شيء إطلاقًا " قالها و قد أمسك بباب غرفته ينوي انتظار والده لوقت أطول

"هااااي أنت !! إنني أخوك ، إن كنت تملك شيئًا لتقوله فلتقل فأنا بمثابة أبيك إن كنت لا تعلم" قال ضاحكًا و لم يبدُ أنه واعٍ

"بالفعل أنتما لستما مختلفين " تمتم ممتعضًا و كأن ذكرى ما عادت لخاطره كان يحاول نسيانها و قد هم بالعودة لغرفته و مع ذلك بدا أن يوريكو لم ينصت لتلك التمتمات فقبض على يده قائلًا بنفاد صبر

"هياا ألن تفرغ مافي جعبتك يا ساحري الصغير؟؟"

رد أوساجي مستسلمًا و كأنه يريد أن يتخلص منه سريعًا "أردت أن أتحدث مع أبي في أمر زواج "

انفرجت حدقتا عيني أخيه بذهولٍ مطلق حتى أنه ما عاد يتثائب و اختفت عن قسماته الثمالة

"ما الذي ؟؟؟!! ماذا؟؟ " قال متلعثمًا و فغر فاه ببلاهة

"كما قلت تمامًا "

*****

قص أوساجي على أخيه عن الفتاة التي قابلها بالأمس و عن المشاعر التي تختلجه نحوها و أنه يريد استشارة والده في أمرها

بقيَ يوريكو يستمع إليه بإنتباه شديد حتى أتم أوساجي حديثه ، حينما انتهى أطبق يوريكو بيده على فمه و بدت عيناه شاردتان ، ثم هم فجأة بالحديث قائلًا

" أتدري ربما قد لا يوافق أبي "

"ماذا؟؟؟ و لم لا؟" تسائل مستفهمًا بعصبية

"همم حسنًا أنت تعلم أنت لا تزال صغيرًا في السن و أيضًا كرجل يود أن يتقدم للزواج فأنت لا تملك أي مميزات فلمَ عساها تقبل بك"

" هاي أنا لم أطلب منك رأيًا ، أنت الذي طلبت مني أن أحدثك و قد فعلت و لكن يبدو أنه كان خطأً مني أن أستجيب لك " قال و قد هب من مقعده غاضبًا ثم انطلق نحو الباب بأقدام صلبة و ما كاد يخرج من الغرفة حتى ناداه يوريكو

" لحظة واحدة لم لا تدعني أكمل حديثي ؟؟" هب من مقعده و اقترب من أخيه الذي ما زال الغضب عن محياه

"حسنًا دعني أنا أحدث والدي في هذا الشأن ، بإمكاني أن أقنعه بكل سهولة ، دع هذا الأمر لأخيك الكبير، فقد يتلكأ و يرفض إن حدثته أنت لكن بإمكاني أن جعله يعدل عن رأيه سريعًا ، لا تقلق" قال يوريكو بابتسامة واثقة بينما انتاب الشك خلج أوساجي لكنه لم يملك سوى القبول باقتراحه

*****

عاد أوساجي مرة أخرى إلى غرفته ، أغلق الباب و قام بإسناد ظهره إلى الباب ثم أخذ نفسًا عميقًا ، كانت تلك أول مرة تستمر فيها محادثة مع أخيه أكثر من دقيقة و قد كان هذا غريبًا و غير معتاد

انزلق على الأرض من الإرهاق ، تذكر أنه لم ينم الليلة الماضيه ، هو لم ينل قسطًا من النوم لخمسة أيام فشعر بالإعياء و حينما نهض قاصدًا السرير وجد أشعة الشمس تضيء غرفته

كان قد نسي النافذة مفتوحة فاستطاع أن يرى الشمس تشرق ، بدا شروق الشمس ذاك دافئًا و صافيًا و كأنه أمٌ تدندن أغنية لطفلها بينما تهدهده بين أحضانها ، و تذكر في هذه اللحظة ما قالته ميساكي بالأمس

~أتعتقد أن بإمكاننا أن نرى البشر كالألوان؟~

حينما فكر في كلماتها و تطلع لشروق الشمس تذكر أخيه يوسوكي

" يوسوكي تعني أشعة الشمس الذهبيه " تمتم بهذه الكلمات بينما استرجع ذكرى أخيه المتوفي

رائحة النسيم ذكرته بأخيه حينما ودعه لآخر مرة قبل أن يذهب للحرب ، كان الجو حينها صافيًا و كانت الشمس قد أشرقت على جبين أخيه الأبيض و ابتسامة أدفئ من الشمس تعلو محياه

~أخي إلى أين أنت ذاهب في هذا الصباح الباكر ؟؟ ~ تسائل أوساجي الصغير و هو يفرك عينه بيده الضئيلة

ابتسم أخوه برفق و قد ثنى ركبتيه حتى يصل لطول أخيه الصغير

~ سأذهب لأساعد الأطفال يا صغيري ، سأحميهم أيضًا من الأشرار، إنهم أطفال في مثل عمرك لكنهم لا يجدون مكانًا آمنًا ليناموا فيه لذلك سأساعدهم ثم سأعود إليك لنكمل لوحتك سويًا ~ قال يوسوكي فاركًا شعر أوساجي الذي كانت العبرات تلمع في مقلتيه

~ لكنني لا أريدك أن تغادر، فليساعدهم شخصٌ آخر ، ماذا سأفعل وحدي إن رحلت؟~

رد و قد أمسك ببدلة أخيه الحربية و الدموع تسيل على خديه الصغيرين الذان بدءا بالاحمرار و كأن أزهار الكرز تتفتح على وجنتيه

~ أرجوك لا تذهب.... لا تتركني وحدي~ بدى صوته ضعيفًا و هشًا و امتقع وجهه بشدة

احتضنه يوسوكي قائلًا بصوت حنون ~ لا بأس سأعود قريبًا و حينها لن أتركك وحيدًا أبدًا ..أبدًا ، و إذا شعرت بالوحده فغني تلك الأغنية التي كنا نغنيها مع أمي حينها ستجدني أمامك أدندنها معك حتى تغيب الشمس و تغلق السماء ستائرها و سنراقب الشهب معًا كما اعتدنا تحت السماء المرصعة بالنجوم و سنأكل الكثير من الحلوى معًا حتى تمتلئ بطوننا ثم سنستلقي على العشب لنتحدث عن الأواني الخزفية ثم نغط حتى تدغدغنا الشمس في الصباح لتوقظنا~

هز أوساجي الصغير رأسه بينما لا يزال متمسكًا بأحضان أخيه و كانت الدموع قد انهمرت على وجنتيه كشلال يبكي على فراق أحبابه ، كانت خيوط الشمس قد بدأت بالتسلل نحو الغابة فبدأت زقزقة العصافير بالتجلي فابتعد يوسوكي عن أخيه حتى لا يتأخر و حمل حقيبته استعدادًا للرحيل و حالما هم بالرحيل التفت لأخيه و ابتسم له قائلًا " لا تنهي كل الحلوى فسأعود قريبًا" و قد كانت أشعة الشمس قد أضاءت وجهه فكان كالعسجد المتألق

ظل أوساجي الصغير ممسكًا بصحن الحلوى يدندن أغنيته الطفولية كل صباح في انتظار اللحظة التي يشرق فيها وجه أخيه مرة أخرى تحت أشعة الشمس .. لكنه لم يفعل

ليس لأن يوسوكي لم يفِ بوعده و لكن لأن الصغير لم يصدق أن كومة اللحم الممزقة المدفونة تحت قدميه لأخيه العزيز ذي الوجه الحسن

*****

استيقظ أوساجي على صوت طرقات الخادمة على بابه ، كان قد غرق في النوم دون أن يدرك ، وقف بخمول و هو يمسح وجهه بكمه ثم فتح الباب بكسل للخادمة و شيء من الدموع يلمع تحت جفنه لكنه قد اكتفى بوضع يده على عينه بشرود كي يخفيها

أخبرته أن والده يطلب حضوره في مكتبه ثم استأذنت للرحيل

أغلق الباب بعد أن سمح لها بالرحيل ، لم يدرك في البداية سبب هذه الدعوة لكنه تذكر بعد لحظات حديثه مع أخيه ، تمنى من كل قلبه أن يكون الأمر كما يظن و أن أخاه لم يخذله كما يفعل دومًا

*****

طرق الباب بهدوء فدخل و ألقى التحية على والده ، لم يكن والده وحده بل كان أخوه جالسًا قبالته يحدق فيه بنظرات مبتهجة

نظر نحو والده فوجد قسمات السعادة تشق طريقها عبر خديه فظن أن طلبه قد قوبل بالإيجاب

جعله هذا الظن يشعر بالطمأنينه ، لم يكد ينبس ببنت شفة حتى قال والده و قد بدت السعادة تتطاير من عينيه و قد تقدم نحوه مربتًا على كتفه بقوة ضاحكًا

" أوساجي أريد منك أن تنتقي أفضل كيمونو لديك ، آهه لا لا أتعلم لتشتري واحدًا جديدًا ، إن لدينا اليوم مناسبة تستحق أن تنفق عليها كل ما في جيبك " قال والده متحمسًا كطفل صغير

التفت نحو أخيه و شعر بالسعادة تغمر قلبه فقد أدرك أن والده قد قبل طلبه حقًا و بسرور بالغ !!!

أراد أن يشكر أخاه حقًا .. لا بل أن يحتضنه بكل ما أوتيَ من قوة ، رغم الخلافات العظيمة التي تحول بينهما إلا أنه نسيَ كل ذلك في لحظة واحدة دون أن يدرك كيف و لمَ ، لم يستطع أن يخفي ابتسامته الكبيرة و كان الرد من أخيه بابتسامة أكبر غطت وجنتيه

" عن أي مناسبة تتحدث يا أبي ؟" حاول أوساجي أن يتظاهر بالبراءة و قد بدأ يشعر بالخجل يعتريه

خرجت ضحكة غليظة من بين فكي والده ثم أردف قائلًا " تتحدث و كأن يوريكو لم يخبرك ، حسنًا دعني أذكرك فربما نال النسيان من ذاكرتك الشابة ... اليوم سنلتقي بالسيد سوزوكي كي نطلب يد ابنته لأخيك "

فرج عيناه على مصرعيهما و فغر فاه ببلاهة ، ظن أنه قد أخطأ السمع ، نظر لأخيه لكن أخاه لم يحرك ساكنًا و بقيت الابتسامة تتخذ موضعها لم تتزحزح ، أدرك حينها أنها لم تكن سوى ابتسامة خبيثه كابتسامة أفعى تستعد للانقضاض على فريستها

" أبي عما تتحدث ؟ من الذي سيتقدم لخطبة من ؟" قالها ببحة خفيفة بسبب الغصة التي تسد حلقه حتى أنه لم يعلم كيف استطاعت تلك الكلمات أن تجد طريقها للخارج

" همم؟ ماذا بك يا بني ؟ لقد قلت أن أخاك سيتقدم للزواج من الآنسة ميساكي ، هيا أسرع و ارتدي شيئًا جيدًا ، إنه يوم مهم لأخيك ، من ظن أن تحدث مثل هذه الصدفة الغريبة " قال الأب و قد بدى مستعجلًا

" آهه حسنًا عليَ الآن أن أذهب لأرسل لهم رسالة أننا قادمون إلى فندقهم ، لا يجب علينا أن نفاجئهم " أردف الأب و قد خرج من مكتبه بسعادة كبيرة تغمره

لم يكن أوساجي قد استطاع أن يدرك شيئًا مما قاله والده ، شعر أن رأسه يدور ، كانت أنفاسه تتقاطع و عيناه قد احمرتا ، نظر لأخيه علّه يفهم شيئًا منه ، لكن أخاه بادره بنظرة باردة ثم ابتسم له بابتسامته الخبيثة مرة أخرى متكئًا على ذراعه ، شعر أوساجي أن ابتسامته تلك قد أشعلت فتيل غضبه

" ما الذي حدث ؟؟! أولم أكن أنا الذي ..." لم يقدر على إكمال جملته لأن يوريكو قد هب واقفًا أمامه قائلًا

" اعذرني يا ساحري الصغير فأنت تعلم أنني أولى بالزواج منك ، كما أنك لو حاولت أن تقارن بيني و بينك فستكون الإجابة واضحة صريحة أمامك " كانت الكلمات تخرج منه سهلة يسيرة فبدا مهتمًا بأظفاره أكثر من كلماته

" كما أني لم أرد إحراجك أمام أبي فأنت تعلم أن أبي لن يستطيع أن يقول في وجهك أنك .." اقترب أكثر من وجه أخيه هامسًا و في صوته شيء من الضحك " أنك لا تستحق أن تحظى بحياة مثلنا "

انفجر فجأة أوساجي دافعًا إياه بعيدًا بعصبية و قد تملكته شعلة الغضب " ولم لا يمكنني ؟! أنت تعلم الحقيقة جيدًا و تعلم أنني أستحق حياة أفضل منكم جميعًا ، لكن لا أحد منكم يريد أن يعترف بذلك "

اتخذ خطوات سريعة نحو أخيه و أشار نحو صدره بسبابته بحدة قائلًا " أنت تعلم أنني من جعل الحرب لعبة في أيديكم سهلة الربح ، أنا وحدي و لا أحد سواي ، أنا الذي قتلت المئة جندي وحدي بينما كنتم أنتم تجمعون الذهب كاللصوص الحثالة ، أنا الذي تعرضت لأبشع القتالات و رأيت أكوامًا من الجثث تتكدس من حولي بينما كنتم أنتم تشربون الشاي و تتسامرون حول الطقس ، و بعد كل ما فعلته لأجلكم تقول أنني لا أستحق أن أعيش مثلكم؟؟ أتمزح معي يا هذا؟ " صرخ و قد احمر وجهه من الغضب و بدت قطرات العرق تتناثر من وجهه بسرعه و قبض على رداء يوريكو بغلظة

"أجل بالضبط ، لذلك أنت لا تستحق أن تبقى حيًا ، لأنك لست مثلنا ، لست إنسانًا حتى " قال مربتًا على كتف أوساجي بمروحته الرصاصية

" و ماذا لو لم أكن ؟؟ ألست أخاك ؟ أتقوم بتمزيقي و تعذيبي فقط لأنني لا أشبهك؟! أحقًا هذا هو معنى أن يكون المرء أخًا في نظرك"

شعر بأن الفتيل الذي أشعله أخاه قد انبثق منه ذكريات أليمه عاشها لسنوات طويلة لكنها ظهرت أمامه مطمسة المعالم غير واضحة الصورة ، بدأت من تجريده من كونه إنسانًا و انتهت بتحطيمه و تحقيره لذاته

وضع يوريكو يده على كتف أخيه بعد أن زفر بهدوء قائلًا " اذهب و ارتدِ زيًا جيدًا ، و إياك أن تنسى أنك لست سوى فتًا ملعونًا و تذكر إن كان هناك شخص عليك أن تحمل له فضل كونك حيًا حتى هذه اللحظة فهو أنا ، و فقط كوني شخصًا عطوفًا لا يعطيك حق رفع صوتك في حضرتي ، تذكر جيدًا لمَ أنت هنا يا... هذا " ثم تركه وحيدًا و خرج

شعر أوساجي بالانهيار ، انهارت روحه و عقله و جسده ، تمنى لو بإمكانه فقط أن يصرخ .. أن يبكي كالأطفال ، لكن ذلك لم يحدث فقط تسمر في مكانه صامتًا ، لم يبدِ أ رد فعل فقد اكتفى بالعودة لغرفته و انتشال اللوحة التي قد رسمها لميساكي عن الحائط ، حدق فيها طويلًا بعينان لا روح فيهما ، التفت نحو صندوقه فدفن لوحته الصغيرة التي اتشحت بالحبر الأسود بين أوراق كثيرة بعضها مغطى بالحبر

ثم التفت باحثًا عن سريره و قد شعر بأنه تائهٌ في مكان ظن أنه مألوفٌ لديه ... لكنه أدرك أنه لم يكن و لن يكون

2024/02/05 · 38 مشاهدة · 1952 كلمة
نادي الروايات - 2025