8 - ~ بداية غير موفقة و مهمة غامضة~

" أوساجي ... هااي أوساجي ، استيقظ أيها الكسول " سمع أوساجي صوتًا صغيرًا حادًا يناديه ، ظنه حلمًا لكن الصوت ظل يتكرر ، فتح عينيه ليجد طفلين توأمين يبدوان في 12 من عمرهما جالسين بجواره

"ماذا ؟؟ ما الذي يحدث ؟" قال بصوت ناعس ثم عاد ليغرق في النوم بلا إدراك ، فنظر له الطفلان متعجبان ثم حدقا في بعضهما البعض مذهولين

" أنسكب عليه دلو ماء ؟؟" قال أحد الطفلان بجدية

" لا هذا فعل فظ ، لنقم فقط بكسر كوب على رأسه " رد الآخر معاتبًا أخاه

" لكن سكب الماء أفضل و مضحك أكثر " قال مقهقهًا بهدوء

"مستحيل ، كسر الأواني هو الأمتع " رد الآخر بعصبية

"لكن أختي سوكي قد تجعلنا نغسل الصحون لأسبوع كامل إن كسرنا كوبًا " علق الآخر متململًا

حاول أن يغمض جفناه لكن سماعه لنوايا الطفلان الخبيثة جعلته يهب من السرير رافعًا رأسه فجأة ففوجئ الطفلان صارخيّن

"أرأيت أيها الأحمق كلامك الكثير قد جعله يستيقظ !! " ثم نظر كلاهما بغم لأوساجي و قد لويا شفتيهما ثم وقفا و الحزن يكسيهما ، و اتجها سائرين نحو الباب لكنه أوقفهما سائلًا

"عذرًا ؟ لكن لمَ أيقظتماني؟ أليس الوقت مبكرًا؟!" سأل بصوت ناعس بينما يفرك عيناه

التفتا في ذات الوقت فبدا و كأن أحدهما كان مرآة للآخر ، فقالا بصوت واحد " لقد حان وقت التدريب " ثم حدقا فيه و غرقا في نوبة من الضحك الصاخب لولا أن أوقفهما صوت صارم صدر من جوار أوساجي

كان صوت الفتى الذي وجده أوساجي نائمًا بالأمس ، و قد قام من فراشه معتدلًا في جلسته واضعًا يده على وجهه بعصبية ثم خفض يده ببطء رافعًا عينه نحوهما فرمقهما بنظرة حادة كذئب يوشك أن ينقض على فريسته ، فارتعش المسكينان فقررا الفرار من الغرفة كفأران صغيران فارتطم أحدهما بالجدار مرتدًا للخلف ، فسحبه الآخر للخارج سريعًا بينما خده قد اصطدم مرة أخرى بالجدار

أدار أوساجي رأسه ليرى ذلك الشخص الغاضب فوجده شخصًا بالغًا و قد كانت العضلات تغطي جسده الشاب ، و رغم ذلك بدا نحيفًا بعض الشيء ، و كان ذا شعرٍ بني اللون و بدت عيناه بذات اللون دون اختلاف

لم يكلف الفتى نفسه عناء الالتفات لضيفه الجديد بل لقد رمقه باستحقار بطرف عينه ، ثم التفت على جانبه الآخر بعد ذلك ليعاود الخلود لنومه

حسنًا ، لقد كان ذلك صباحًا عجيبًا!!

خرج أوساجي من الغرفة ليجد الطفلان يقفان وراء الباب في انتظاره كي يدلاه على مكان يغتسل فيه و قد كان أحدهما يفرك خده المحمر بألم و الآخر يحدق فيه متأسفًا

بعدما انتهى من الاغتسال أخذاه للساحة المطلة على القاعة ، فوجد العديد من الأطفال يحملون سيوفًا خشبية و يتقاتلون فيما بينهم ، ظن أنهم يتشاجرون و لكنه مع الوقت اكتشف أنهم يتدربون ، علامَ يتدربون ؟و لمَ؟ ذلك ما لم يستطع فهمه

ظل جالسًا في مكانه حتى رأى السيد الغريب -أو دعونا نلقبه الآن بالمعلم- يتقدم نحوه قائلًا

" اليوم سيبدأ تدريبك أيها الفتى " قال و قد رمى باتجاه أوساجي سيفًا

التقطه أوساجي بصعوبة ؛ ذلك لأن السيف كان أثقل من سيفه الذي اعتاد على حمله

" عن أي تدريب تتحدث؟"

" أتعتقد أنني أعني تدريب الطبخ ؟" قال ساخرًا بابتسامته المعهوده

رد أوساجي و قد بدا محرجًا "أ.. أنا لم أعني ذلك "

لكن المعلم ضحك مربتًا بيديه على ظهر أوساجي بقوة ، ثم همس له قائلًا و قد وضع ذراعه حول عنق أوساجي" أعلم أنك قد شاركت في الحرب منذ ست أو سبع سنوات ، و أعلم جيدًا أنك لست ضعيفًا كما تدعي ، لكن دعنا نقل أنك لا تستطيع إظهار سوى جزء ضئيل من قوتك و أيضًا غير قادر على التحكم بها "

صُدِم أوساجي مما قاله المعلم و التفت له فارجًا عينيه على مصرعيهما متأملًا ذلك الوجه الذي لا تبدو عليه البراءة كما كان يظن و لم يستطع النطق بكلمة

نظر له المعلم مبتسمًا " أيمكننا أن نبدأ بتدريبك الآن ؟"

ابتلع أوساجي ريقه بصعوبة و قد شعر بنوع من التهديد يحيط به

*****

اتخذ كل منهما موضعه للقتال ، توقف الأطفال عن التدريب و جلسوا ليشاهدوا تدريب الأخ الجديد ، أمسك أوساجي بالسيف بكل قوته و يبدو أن وزن السيف لم يعد يشكل عقدة له، بينما المعلم يقف و بحوزته عصًا خشبية ، و كان أحد الأطفال يقف بينهما ليقوم بالعد

"واحد ، اثنان.... " ترقب الجميع الرقم ثلاثة بحماس بالغ

"ثلاثه" نطق الطفل بسرعة و حماس شديدين ثم ابتعد سريعًا كي لا يصاب

انطلق أوساجي بسرعة فائقة أذهلت الأطفال و ضغط على سيفه بقوة كبيرة تكاد تحطم مقبض السيف ، و بادر برفع سيفه على المعلم مستديرًا من خلفه برشاقة كبيرة لم يتوقعها أحد مستهدفًا عنقه ، لم تكن نيته التدريب بل قتل ذاك الرجل ! مهما كان الثمن كان مستعدًا لفعلها حتى بيديه العاريتين

حنى أوساجي جسده مستهدفًا عنق المعلم من الأعلى و قد تناثرت حبيبات الرمل من حولهما بسبب قفزته العالية عن الأرض ، و فقط في تلك اللحظة التي فصلت بين السيف و رقبة المعلم ، أدار المعلم عينيه نحو أوساجي بمكرٍ و هدوء ثم بدأ يقبض على عصاه بروية و كأنه لا يخشى الزمن

شعر أوساجي برعشة دبت في صدره ، لم يكن هنالك وقت للتراجع ، السيف بالفعل لم يعد بينه و بين رقبة المعلم سوى شعرة و ليس بإمكان ساقيه أن تتحركا بسرعة كافية لتدفعا المعلم بعيدًا لكنه حاول رغم ذلك متحديًا ثقل جسده

و في تلك اللحظة قد شعر بأن الوقت قد توقف و كل هؤلاء الأطفال المتجمهرين قد اختفوا ، و لم يبق أمام عينيه سوى المعلم و عصاه الخشبية الثابتين بهدوء و يكأن المعلم قد تنبأ بكل حركة قام بها أوساجي فلم تصبه أي دهشة و لم يغمض له جفن

في ذلك الحين كان أوساجي قد لاحظ خصر المعلم و هو يستدير نحوه ، ربما كانت هذه آخر ذكرى رآها أوساجي في هذا المشهد

و بسرعة بالغة لم تدركها عيني أحد و بتلك العصا الخشبية البسيطة سحق المعلم جانبًا من جسد أوساجي الذي شمل على ذراعه التي حاول أن يستخدمه كدرع لكنه فشل حتى غارت العصا لأمعاءه التي قد أصيبت أيضًا بتلك الضربة بعنف

شعر أوساجي بأن ذلك السيف الخشبي قد صنع من حديد أو ربما فولاذ فليس من المنطقي لعصًا خشبية أن تقوم بضربة صلبة كهذه

لم يكن بإمكانه صد تلك الضربة و شعر بأن ذراعه قد تمزقت من فرط الألم و أن أحشاءه قد تكدست على جانبه الآخر

و في النهاية و لعدم قدرته على المقاومة ارتد ... لا بل لنقل رُمِيَ على إثر تلك الضربة بعيدًا عن موقع القتال باتجاه الأشجار التي تُسَيّج القصر ، اصطدم بشجرة غليظة فلم يصبها أذىً سوى أنها تأرجحت مفزعة الطيور ، لكن على الجانب الآخر فقد زاد الاصطدام من وقع الألم على جسده

ثم سقط على الأرض و قد ارتطم جسده ببعض الحجارة المفتتة ، لكن لم يكن لها أثر كبير مقابل ضربة المعلم و اصطدامه بالشجرة اللتان كانتا كفيلتان بجعله يتلوى و يتأوه من الوجع ، فلم يعد يشعر سوى بأن أمعاءه تتآكل و تعتصر ، و لم يكن قادرًا على تحريك ظهره و بالكاد استطاع أن تحريك يده ليضعها على جانبه ضاغطًا على موضع ألمه لكنه في النهاية لم يستطع التحمل و تقيأ دمًا

انطلق العديد من الفتيان ليطمئنوا على حاله و ليتأكدوا أن روحه لم تصعد للسماء بعد

و عندما اطمئنوا أنه لا يزال يتنفس رغم تشوه ملامحه بالدماء التي تقيأها و الكدمات التي سببتها الحجارة حملوه للقاعة و أحضروا سوكي لتعالجه

قدمت سوكي حاملة بين يديها علبة كبيرة و بجوارها أتت الطفلة الخجولة تمسك بطرف ثوبها

جلست سوكي ثانية ركبتيها بجوار أوساجي الممدد على حصير القاعة و بدأت بفتح علبتها لتخرج منها أعشابًا مطحونة و أخرى لا تزال على حالها و بعض الأقمشة

في تلك الأثناء كان الأطفال ملتفون حوله يراقبونه بشيء من الفضول و الشفقة ؛لكونها مرته في الأولى في التدريب

جلست الطفلة الخجولة -التي تبدو في السادسة أو السابعة من عمرها- بجوار سوكي و قد كانت تربت على رأس أوساجي بلطف كما لو كانت تربت على حيوان أليف ، ثم أخرجت زهرة صغيرة من الأوبي خاصتها لتضعها على صدره الذي كان يعلو و يهبط بسرعة ثم عادت لتمسح على رأسه برفق

لكن فجأة اختطفت سوكي تلك الزهرة و طحنتها مع أعشابها الأخرى بينما تأمر الفتيان بتنظيف وجه أوساجي بماءٍ بارد ، في ذلك الحين لم تدرك سوكي أنها لم تطحن الزهرة فحسب بل أيضًا مشاعر الطفلة البريئة ، ظلت الصغيرة تراقب زهرتها البرتقالية تطحن أمام عينيها بصمت

في ذلك الحين و بينما جميع من في القاعة مشغولون بمساعدة ذلك الأخ الجديد لمح أوساجي المعلم واقفًا في مكانه يحمل عصاه و ينظر له مبتسمًا و لم يفهم أوساجي حينها معنى تلك الابتسامة ، فأدرك حينها أن الفارق بينه و بين هذا الرجل شاسع كالفرق بين السماء و المحيط و أن طريقه لم يكن ممهدًا كما كان يظن بل مليء بالكثير من العقبات و الحفر

فعاد ليحدق في السقف بشرود لكنه لاحظ حينها تربيتات الطفلة الصغيرة فالتفت نحوها ببطء قائلًا بصوت مبحوح بالكاد يمكن سماعه

" شكرًا "

فرجت الصغيرة عيناها بذهول و احمرت وجنتاها مرة أخرى ، و توقفت عن التربيت و دفنت وجهها في ظهر سوكي بينما تحتضنها لتخفي وجنتاها الصغيرتان بينما سوكي تصرخ قاطبة جبينها بعصبية

" سورا ابتعدي ... يا إلهي !! و أنا التي ظننت أنه بقدوم شخص بالغ ستقل أعبائي آخخ ... أيها الأحمق لا تشرب الماء الملوث " صرخت موبخة فتًا صغيرًا كاد أن يتذوق ماء الكمادات الباردة

" و أنت امضغ هذه " قالت ملقية بعضًا من أعشابها الطبية في فم أوساجي فبدأ بمضغها في صمت دون اعتراض بينما استغلت بعض الفتيات ذلك فبدأن بتضفير خصل شعره التي أعجبتهن نعومتها ، و الأولاد استغلوا انشغال سوكي فبدأوا يلعبون بالكمادات الباردة بإلقائها على بعضهم البعض و سورا الخجولة لا تزال محتضنة ظهر سوكي

*****

حينما حل الظهر كان حال أوساجي قد تحسن بفضل أدوية سوكي التي أبطلت الألم و كان بإمكانه تحريك ظهره بحرية أكبر من ذي قبل رغم امتلاء جسده بالضمادات بسبب كدماته

خرج من القاعة قاصدًا المعلم ، التفت يمينًا و يسارًا باحثًا عنه فكان الأخير مستلقيًا تحت شجرة يتأمل وريقاتها التي تلمع تحت ضوء الشمس الساطع

حاول أن ينطق لكنه شعر أن الكلمات ثقيلة على لسانه لذلك حاول بجد إخراج بعض الكلمات من حلقه " أيها السيد ، أتقبل باتخذاي تلميذًا لك ؟" قال بصوت متحشرج و كأنه كان مستعدًا للموت أكثر من قول تلك الجملة ، لكنه فقط الآن عليه أن يضع كبريائه ذاك لوقت جانبًا

خفض المعلم بصره عن الشجرة متطلعًا في عيني أوساجي بحدة ثم وقف على قدميه قائلًا

" من الأفضل أن تناديني بالمعلم من الآن فصاعدًا "

*****

مر أسبوعان على تدريب أوساجي ، و قد بدأ يدرك موطن نقاط ضعفه جيدًا و حاول أن يعالجها بتدريب مكثف

و لم يعد التوأمان مصدر إزعاج له فقد أدرك لاحقًا أن تهديداتهما تلك كانت مجرد خدعة حتى يستيقظ سريعًا فيدأ يعتاد عليهما ، و قد كانا يتحدثان معه كثيرًا و لقد استطاع التعرف على مناطق مختلفة من الجبل الذي يسكنوه بفضلهما

أما بالنسبة للمعلم فلم يعد يحمل ضده أي ضغينة فقد أدرك أنه شخص عبقري يستحق التقدير و قرر أن يتعلم منه قدر الإمكان

لكن إن كان هناك شيء يزعجه في هذا المكان فهو ذلك الفتى الذي ينام بجواره ، لقد كان ينظر له دومًا بنفور و اشمئزاز ، و من بين الجميع كان هو الوحيد الذي لم يحاول أن يتحدث معه بل لقد كان دومًا ما يرحل من أي مكان يتواجد فيه أوساجي متعمدًا ذلك لمضايقته و لإحساسه بالضيق

كان ذلك الفتى يشعر أوساجي بعدم الراحة و الضيق فذلك الغموض الذي يحوم حوله يثير فيه الريبة و القلق

و ذات يوم حينما كان أوساجي يستكمل تدريبه الأسبوعي مع المعلم ، لاحظ أن ذلك الفتى كان يقف بعيدًا و ينظر له باشمئزاز واضح للعيان ، و لم يحاول حتى أن يخفيه ، بل بدا الأمر و كأنه يريد أن يعلِمَه ببغضه له فقد كان يحدق في عينيه ببغض و جرأة و كأنه على وشك إعلان حرب في أي لحظة

و حينما حل وقت الاستراحة ، سأل سوكي عن أمر هذا الفتى فردت عليه بوجه متوتر

" هوتارو في العادة ينظر للجميع بهذه الطريقة ، و خاصةً الأفراد الجدد ، لذا لا تحمل همًا ... هااي ... أتريدني أخبرك سرًا ما؟ "

التفتت حولها حتى تتأكد أن هوتارو ذاك ليس متواجدًا ، كانت تلك عادة لاحظها أوساجي في سوكي ، فهي تحب الحديث عن الأسرار التي تكتشفها بنفسها عن الآخرين ، فاكتشاف الأسرار أيًا كان نوعها هواية لها و ربما ذلك يفسر حبها لتعلم الطب و عشقت لعلم النباتات

همست ضاحكة بوجه خبيث " إنه يشعر بالغيرة حينما يرى المعلم يدرب أحد غيره"

"سوكي!!!" جاء صوت هوتارو الغاضب من ورائها ففزعت منتفضة من مكانها و كادت أن تسقط على وجهها لكنها تماسكت بسرعة فقالت محاولة ماء وجهها

"ماذا بك أنا فقط أمزح ههه ، هاي يا إلهي سورا لقد جرحتي يدكِ" ثم فرت بسرعة من القاعة نحو الساحة مهرولة نحو الفتاة التي حدقت بها متعجية

بعدما هربت سوكي حدق هوتارو في أوساجي و أحاطه بنظراته المشمئزة المعتادة لكن أوساجي اكتفى بالالتفات مبتعدًا عنه دون إبداء رد فعل

فابتسم هوتارو مستهزءًا دون أن ينبس بحرف ثم خرج من القاعة سائرًا صوب الغابة بينما سوكي تراقبه بتوجس

*****

حل الليل و حان موعد النوم و قد كان الفتيان في طريق عودتهم من الينابيع الساخنة ، و كانت سوكي جالسة عند القاعة في انتظار هوتارو و حينما ظهر أمامها قفزت أمام وجهه قائلة

" المعلم في انتظارك ، يبدو أنه سيتم توبيخك يا عصفوري " قالت ضاحكة

"أتريدني أن أصطحبك إلى الأعلى كي لا تشعر بالخوف ؟" قالت ساخرة و قد امتلأ خداها بالقهقهات الساخرة

"سوكي ألا تعتقدين أن مزاحك قد قد أصبح ثقيلًا؟ " قال و قد كانت ملامحه لاتزال غاضبه كالعادة لكنها امتزجت هذه المرة بالتوتر الذي حاول أن يخفيه

" حسنًا حسنًا لا وقت للمزاح الآن ، هيا اصعد لغرفة المعلم سريعًا كي توبخ بسرعة فعليك الخلود للنوم باكرًا ، سأضع منديلًا تحت وسادتك حسنًا ؟" قالتها و قد امتلئ فمها بالضحك مرة أخرى ثم هربت كسنجاب صغير كعادتها الطفولية

كانت غرفة المعلم في الطابق الثاني من القصر حيث لم يكن هناك سوى غرفتين ، إحداهما مغلقة و يمنع لأي أحد دخولها ، و الأخرى للمعلم و لا يمكن لأحد أن يدخلها إلا بإذنه ، و بالتالي فالطابق الثاني محرم على أي أحد فيما عدا سوكي لأنها تنظفه كل أسبوع ، و هوتارو نادرًا ما يصعد إلى هناك إلا لكي يوبخ على تصرفاته الفظة ، لكن لا أحد يعلم كيف يكون ذلك التوبيخ سوى سوكي الفضولية التي كانت تخطف منه الاعترافات بينما تعالج جروحه

وصل هوتارو للغرفة فأخذ نفسًا عميقًا ثم زفر زفرة قوية ، و طرق الباب ثم دلف إلى الغرفة بهدوء فوجد المعلم جالسًا على النافذة يحدق في السماء بشرود أو هكذا كان يظن هوتارو حتى سمعه يناديه قائلًا

" هوتارو ، اجلس "

أطاع هوتارو معلمه بهدوء و قد أطبق على عينيه بقوة و مد ذراعيه استعدادًا لتلقي عقابه

" لديك مهمة جديدة و هي في غاية الأهمية و الخطر على حد سواء ؛ لذلك لا مجال للخطأ ، فخطأ بسيط قد يعني رأسك فهؤلاء الأشخاص لا يمزحون " قال المعلم بصرامة دون أن ينظر لهوتارو الذي صعق لأنه كان يتوقع توبيخًا و ليس مهمة ، فأحس بالطمأنينة و زال عنه الخوف فأعاد ذراعيه لموضعهما ببطء بينما ينظر نحو العصا الخشبية بابتسامة و كأنه قد انتصر عليها هذه المرة

"معلمي أنا لم أخطئ يومًا في مهمة ، فلا تقلق كل شيء سيسير على ما يرام ككل مرة" قالها و قد ملأت السعادة وجنتيه لتلقيه مهمة خطيرة كهذه وحده

" ستجلب لي خريطة جبل الشمال ، ستجدها في قصر الجنرال أسانو "

" أسانو ؟؟" أليست تلك العائلة في هييآن (كيوتو) ؟؟" سأل هوتارو متعجبًا ففي العادة لم تكن مهامة تشمل مدن بعيدة كهذه بل كانت تقتصر على أوساكا و المدن الصغيرة التي تجاورها فحسب

"أجل و لذلك ستأخذ معك أوساجي "

" ما الذي يعنيه ذلك ؟؟ لم سأخذه معي ؟ " قال و قد اشتعل غيظًا و غضبًا لكنه استطاع أن يتحكم في حدة صوته حينما أدار المعلم رأسه نحوه و قد اعتلته نظرة جافة حتى التزم الصمت

" أريد اختباره و أنت تعلم ما أقصد "

صمت هوتارو و حنى رأسه بامتعاض قائلًا "متى سنذهب لتنفيذ المهمة ؟"

"غدًا صباحًا ، و لا داعي لتطلعه على أي شيء فأنا قد أخبرته بالفعل هذا الصباح أنه راحل معك "

هز هوتارو رأسه موافقًا ثم خرج من الغرفة مغلقًا الباب خلفه بهدوء ثم أسند ظهره على الباب عاضًا على شفتيه حنقًا قابضًا على يده بعصبية

" لنرى إن كنت ستنجح إذًا " قال و قد ارتسمت تجاعيد الغضب على وجهه

2024/04/01 · 30 مشاهدة · 2633 كلمة
نادي الروايات - 2025