الفصل السابع عشر – “خيوط في العاصفة”
⸻
كان المنطاد يشق طريقه بهدوء في السماء، متجهًا نحو الجزيرة الموعودة، والغيوم الكثيفة تتماوج من حوله كأنها تراقب بصمت ما يجري في داخله.
داخل إحدى المقصورات الخشبية الخاصة، جلس كامو نوروتوشي ، ساكنًا كما لو أنه في حالة تأمل. لكنه في الواقع، كان يغلي من الداخل. جسده لم يتحرك، لكن دماغه كان يعمل بأقصى طاقته.
“فرصي بالفوز… لا تتجاوز العشرين بالمئة.” هكذا قدّر الأمور ببرود.
طرق الفوز الثلاثة كانت واضحة:
الأولى ، طرد لعنة الرتبة الثانية. خيار مباشر، لكنه محفوف بالمخاطر. تلك اللعنة لن تكون سهلة. سيحتاج إلى السرعة، والمفاجأة، والحظ.
الثانية ، جمع النقاط عبر طرد لعنات متعددة. لكن ذلك يتطلب تنقلاً سريعًا، قتالات متتالية، وقدرة على الاستمرار… ومع وجود خصوم من مستوى قينتوكي وتودو، فالفرص تتقلص مع كل لحظة.
الثالثة ، القضاء على باقي المشاركين. خيار دموي… لا يناسب صورته أمام العشائر الأخرى، لكنه قانوني طالما لم يتسبب بإصابات دائمة.
تنهد بعمق، ثم أغمض عينيه للحظة.
“غوجو قينتوكي… ظهوره غيّر كل شيء.” ظهرت ملامحه في ذهنه، فتى بأعين سداسية أرجوانية وشعر أبيض… مرعب رغم هدوئه.
“إن لم أسقطه… لن يفوز أحد.”
فتح عينيه مجددًا. التفكير أصبح واضحًا. يحتاج إلى تحالف. ربما مؤقت… ربما هش. لكن لا خيار آخر.
“سأستخدم اسم الكامو. لن يجرؤ أحد على خيانتي بسهولة تحت رايته.”
⸻
في مقصورة أخرى، كانت الأجواء مشتعلة بطريقة مختلفة.
زينين ناويا ، الشاب المتغطرس الذي كان يكره فكرة أن يتفوق عليه أحد، كان على وشك الانفجار. وقف داخل المقصورة، يذرعها ذهابًا وإيابًا، ذراعه تضرب الحائط بين حين وآخر.
ــ “أعين سداسية؟ أخرى؟! هل تسخر منا عشيرة الغوجو؟!”
كان زينين سورا ، المشارك الفعلي، جالسًا على المقعد، حافظًا على رباطة جأشه. لكنه لم يتكلم بعد.
استدار ناويا فجأة، وحدّق فيه:
ــ “أنت، سورا. اسمعني جيدًا.”
رفع سورا عينيه دون رد.
ــ “ذلك الوغد… قينتوكي. لا أهتم من يكون. لكن وجوده… إهانة.”
اقترب أكثر، وانحنى أمامه:
ــ “أريدك أن تسقطه. مهما كلّف الأمر.”
سورا أبقى نظراته ثابتة، ثم قال بهدوء:
ــ “التحالف سيكون ضروريًا إذًا.”
ضحك ناويا بسخرية:
ــ “لم أكن أظنك ذكيًا لهذه الدرجة… ابحث عن من يمكنه مساعدتك، لكن لا تنسى… لا تعود بدون رأسه.”
وقبل أن يرد، دوى طرق خفيف على باب المقصورة.
فتح سورا الباب بحذر.
وقف أمامهما كامو نوروتوشي ، بذراعه المتشابكة وتعبيره الهادئ كالعادة.
ــ “هل لديكما دقيقة؟”
ناويا لم يتحرك، أما سورا فأشار له بالدخول.
قال نوروتوشي بهدوء:
ــ “أعتقد أننا نتشارك الهدف ذاته… إسقاط غوجو قينتوكي. وربما أيضًا… تودو أوي.”
تبادل الثلاثة النظرات. ناويا رفع حاجبه:
ــ “هل أتيت لتطلب الحماية؟”
أجابه نوروتوشي بهدوء قاتل:
ــ “بل أتيت لأمنحكم فرصة لعدم الإقصاء المبكر.”
سورا أمسك سيفه، ليس للقتال… بل كتأكيد على الجدية.
ثم قال ناويا وهو يبتسم:
ــ “لنرى إن كنت تستحق ثقتنا.”
⸻
في مقصورة أخرى، كان موتا كوكيتشي – أو بالأحرى، ميكامارو – يراقب كل شيء عبر شاشته الداخلية. أصابعه تتحرك بسرعة على اللوحة أمامه، يراقب تدفق الطاقات، وخرائط التضاريس، والتقارير الحرارية.
“غوجو قينتوكي… يمثل أكبر خطر.” كتب ذلك في تقرير داخلي لنفسه.
ثم توقف عند تودو أوي. أظهر المجسّ الحراري خاصته نمط حركة لا يشبه أي مشارك آخر. طاقته لا تهتز. كأنه متعطش فقط… للقتال.
“التحالف ضروري.” أدرك ذلك. لكن مع من؟
فكر للحظة: سورا؟ بارد لكنه كفء. نوروتوشي؟ طموح… وخطير. تودو؟ مستحيل.
لكنه لم يقرر بعد. فقط كتب في تقاريره:
لم يُحسم بعد
⸻
في مقصورة غريبة من نوعها، كانت الضحكات تعلو بطريقة لا تشبه باقي المنطاد.
غوجو ساتورو ، مستلقٍ على الأريكة، يمسك بكيس حلوى الموتشي، يمرر قطعة تلو الأخرى إلى فمه وكأن العالم لا يهمه.
غوجو قينتوكي ، جالس إلى جانبه، كان يشارك الضحك، يطلق تعليقات ساخرة بين الحين والآخر،
ميغومي ، الجالس في الزاوية، يحدق بهما كما لو أنه يتمنى أن يختفيا.
قال ميغومي أخيرًا، منزعجًا:
ــ “نحن ذاهبون إلى مسابقة قتالية… لا نزهة!”
رد قينتوكي بابتسامة:
ــ “في بعض الأحيان، الهجوم العقلي هو البداية الأفضل.”
ثم التفت إلى ساتورو:
ــ “هل أكلت كل الموتشي؟!”
ــ “من يهتم؟ لم تأخذ حصتك عندما عرضتُها!”
أما تاكرو، الذي كان يمر بجوار المقصورات، فتوقف فجأة.
“هذا… قينتوكي؟”
تجمّد في مكانه.
“منذ متى يضحك بهذا الشكل؟ في التدريبات… كان دائمًا صامتًا، مركزًا، لا يفتح فمه إلا للقتال. الآن… يضحك؟”
تأمل للحظة، ثم دخل إليهم.
ــ “بما أنكما تأخرتما، لم تسمعا القوانين.”
أشار إلى قينتوكي وميغومي، وبدأ بشرح القواعد بالتفصيل، نبرته حازمة، وصوته لا يترك مجالًا للنقاش.
انتهى، ثم خرج دون أن يعلّق على تصرفات ساتورو، لكنه تمتم لنفسه:
ــ “آمل فقط أن لا تتحول المسابقة إلى سيرك.”
⸻
وبعد دقائق من التحليق المستقر… بدأ المنطاد بالانخفاض.
الأرض ظهرت أخيرًا… جزيرة خضراء في منتصف بحر رمادي. أشجار شاهقة، ضباب يتلوّى بين تلالها، وسكون غريب يخيم عليها… كأنها تخفي أكثر مما تُظهر.
همسات خفيفة بدأت تنتشر بين المشاركين.
الجزيرة… وصلت.
انتهت الرحلة… وبدأت المعركة.
⸻