الفصل الثالث والعشرون: رماد على الحلبة
سكتت الجزيرة فجأة.
لم يكن في الأفق سوى صدى المعركة التي انتهت، لا هدير انفجارات. فقط الأرض المحترقة، والأشجار المقتلعة، ورائحة الرماد.
وقف كامو نوروتوشي، أنفاسه مضطربة، نظراته تتفحّص الغابة الممزقة من حوله. قطع الصمت وهو يمسح الدم عن فمه بكمّه:
ــ "لقد حلق بما فيه الكفاية... لا أظنه سيعود فورًا."
من خلفه، ظهر زينين سورا يتكئ على سيفه، خطواته مثقلة، وصدره يعلو ويهبط.
ــ "هل... انتهى الأمر؟
" أجابه كامو وهو يومئ برأسه: ــ "نعم، مؤقتًا. استخدمنا ما يكفي من القوى لإبعاده بعد انفجار الكلام الملعون... لكننا لسنا بخير."
تقدّم ميكامارو، أو ما تبقى منه. جسده الآلي محترق من عدة مواضع، وذراعه اليمنى مفقودة تقريبًا.
ــ "تضررت بنسبة خمسة وخمسين بالمئة... لن أستمر طويلًا إذا اشتبكت مرة أخرى."
رفع سورا عينه إلى إنوماكي توجي، الذي جلس صامتًا مسندًا ظهره إلى شجرة، يضغط على حنجرته بعناية.
كامو أوضح بصوت خافت:
ــ "الأضرار أصابت الأحبال الصوتية، سيحتاج لأربع إلى ست ساعات على الأقل للشفاء."
ثم أردف بصوت متعب:
ــ "أنا فقدت أكثر من خمسة وستين بالمئة من الدم الذي خزّنته قبل المسابقة... تبقت لي القليل من الدماء فقط."
تبادل الأربعة النظرات.
لم يكن أحدهم سالمًا. ولا أحد واثقًا من أنهم نجوا فعلاً.
لكنهم على الأقل... ما زالوا واقفين.
في غرفة المراقبة، لم تكن الأجواء أكثر هدوءًا.
يوكي تسوكومو كانت تتكئ على الحائط، تعض على ظفرها بإحباط واضح. كانت تراقب شاشة تبث المشهد المتجمد بعد تحليق تودو اوي وابتعاده.
أحد الشيوخ سعل سعالًا جافًا وقال:
ــ "هؤلاء الحمقى الأربعة... فعلوها."
الشيخ موتا ياسوهيرو هزّ رأسه:
ــ "كان من الممكن أن يموت أحدهم. تصرفوا دون حساب."
أجابه شيخ الإينوماكي بنبرة حادة:
ــ "لكنه ضمن حدود القوانين. استخدموا مواردهم فقط."
ثم رمق شاشة توجي المصاب بحزن واضح.
أما ناويا زينين، فظل واقفًا، ذراعيه متقاطعتين، حاجبيه مقطّبين.
ــ "إصابات بهذا الحجم أمام طفلين؟"
نظر إلى الشاشات، ثم أردف ببرود:
ــ "قينتوكي استخدم تقنيات غير معهودة. ذلك المجال، وتلك القدرة على طيّ الجاذبية، وحتى الثقب الأسود..."
لوّح أحد المراقبين بصورة لقياسات الطاقة.
ــ "البيانات تؤكد: تقنية مركّبة من ثلاث مفاهيم—تقنية مضاده للمجال مطوّر، وتقنية الجاذبية، وتكثيف طاقة ملعونه خارق."
قال ناويا بصوت منخفض:
ــ "التحالف كان حكيمًا. حتى تودو أوي لم يستطع إيقافه وحده."
رد شيخ الكامو بحدة:
ــ "تودو ليس من عشيرتنا، لكنه أثبت قيمته."
يوكي تسوكومو صاحت فجأة:
ــ "هذا هو تلميذي الحقيقي!"
أحد الشيوخ أطلق تنهيدة ثقيلة، ثم تمتم:
ــ "لا نريد خطبًا تحفيزية الآن... المسابقة لا تزال في منتصفها."
اقترب غوجو تاكرو من الشاشة، يتفحص وجوه الناجين بصمت. قال دون أن يرفع نبرته:
ــ “لا أحد خرج سالمًا.”
هز ناويا زينين رأسه ببطء، ثم أردف:
ــ “لكننا خرجنا بنتائج أوضح.”
أشار بإصبعه نحو الشاشة التي كانت تُظهر آخر لحظات القتال، ثم قال:
ــ “غوجو قينتوكي يمتلك قدرات فريدة، وتقنيات غير معهودة… لكن مواجهته لهم دفعتهم للارتقاء.”
توقف للحظة، ثم نظر إلى صورة تودو أوي وهو يهوي في الهجوم الأخير:
ــ “وذاك الفتى… تودو أوي. قاتلهم وحده، استخدم الوميض الأسود، وواجه أربعة خصوم دفعة واحدة.”
قال شيخ الإينوماكي:
ــ “تحملُه رغم الفارق العددي والقوة يثبت أنه ليس مجرد مشارك. بل حجر أساس في هذه المعركة.”
ردّ شيخ الكامو:
ــ “ما فعله تودو في النهاية أعاد التوازن. لولاه، لما خرج أحد سالمًا.”
ظلت يوكي تسوكومو صامتة للحظة، ثم ابتسمت ببرود:
ــ “أثبت أنه يستحق أن يُنسب لي، على الأقل في هذا اليوم.”
عقّب أحد الشيوخ بتنهيدة متثاقلة:
ــ “المسابقة ما زالت مستمرة… وكل ما حدث حتى الآن هو مجرد البداية.”
غمر الغرفة صمت ثقيل.
لم يكن أيٌّ منهم يتحدث الآن عن التفوق، ولا عن الأسماء اللامعة.
بل كانوا يفكرون في القادم.
في الجزيرة التي لم تهدأ بعد.
في القتال الذي بدأ يخرج عن نطاق السيطرة.
فقط نظراتهم… كانت كافية لتُفهم الحقيقة.