كان جليا للجميع أن دونور يضغط على أسنانه وعقد حاجبيه , كما التمع الغضب المكبوت في عينيه , لكن فجأة تتدخل العمة ميريا بلهجة غير مبالية

" فلتكفا عن شجار الأطفال هذا ... "

ثم حولت العمة ميريا نظرها نحو أرون وغيرت نبرتها نحو الجدية :" أرون , أنا لن أعاتب على كلامك البذيئ , ولكن أخي الصغير في وقت كهذا نحن نحتاج لبعض الوقت بمفردنا , نحن نقدر دعوتك لمساندتنا ولكن كنت سأفضل تأجيل ذلك لإشعار آخر "

" أنا أعتذر على مابدر مني من وقاحة , لم أكن أنوي أخد الأمور لهذا المنحنى " أرون فهم الوضع , ووقف ليبادر بالإعتذار لكل من في الطاولة


عند سماع كلمات العمة ميريا واعتذار أرون , بدأ دونور بالإبتسام الساخر ولكن لم يسلم بدوره من نظرات العمة ميريا :" وأنت كذلك , كف عن تعليقات السخيفة , إعتقدت أنك نضجت بما يكفي لتتجنب مثل هذه التصرفات الطفولية دونور "

تحجر دونور هو الآخر وأشاح وجهه بعيدا غير قادرا على النظر بعيون أخته الكبيرة ولكن مع ذلك اعتذر هو الآخر بصوت خافث : " أنا آسف "

حركت العمة ميريا الكرسي لتقف " جيد , سوف أخد استراحتي ... لا يزال علي جمع ملابسي من أجل سفر اليوم "

أومأ أرون وذكر العائلة بشأن الرحلة : " بعد ساعة سوف يجلب الخدم العربات مع الأحصنة , لذلك حاولوا أن توضبوا بسرعة الأغراض التي تحتاجونها " أومأ الجميع لذلك وعم الهدوء بينما سمع فقط أصوات الأشواك والملاعق تتحرك

كان جان غير مهتما بما يجري بين أفراد عائلته ولكن متحمس لرؤية العاصمة والمدن التي سيسلكون منها في طريقهم , كما جهز مذكرته لتدوين كل الملاحظات التي يستطيع تحصيلها عن القارة , لقد كانت بالنسبة له بمثابة رحلة اكتشاف أكثر من كونها رحلة سفر نحو العاصمة


جاء أخيرا موعد الانطلاق وأخد الجميع أغراضهم ينتضرون أمام البوابة الخارجية للقصر مترقبين وصول العربات ,لكن فجأة سطع ضوء من العدم أمام البوابة ما جعل الجميع يشهر أسلحتهم نحو الضوء ,

ضل منظر التأهب هذا لثواني عديدة بينما الضوء يحوم أمامهم , ثم أخيرا ينكشف شخصا ما من ذلك الضوء وكان ذلك الشخص إمرأة فاتنة الجمال تبتسم نحونا , كانت تملك هذه المرأة عيون عسلية وشعر أسود طويل متناغم مع بشرتها البيضاء كبياض الثلج مما أضفى جمالا فريدا على وجهها , كما كانت تمتلك جسد بالغ وإنحاءات مثالية متناسقة مع صدرها الكبير والذي لم تكلف نفسها عناء تغطية جزءه العلوي , بعد رؤيتها رَسَمَ أرون هو الآخر ابتسامة رفيعة على شفتيه ورفع يده ليوقف الحراس , ثم تحدث للآنسة التي ظهرت فجأة بنبرة محترمة : " الآنسة إليزابيث , أقوى وأجمل ساحرات إمبراطورية موريال وصاحبة منصب اللواء بالجيش الملكي , لم أتوقع أن يأتي شخصا بجمالك ومكانتك لبيتي المتواضع , هل يمكن أنك تحملين أي أوامر من الملك ؟ "

ردت الآنسة الجميلة بإيماءة خفيفة وابتسامة خجولة :" إنه شرف عظيم بالنسبة لي حتى أقابلك شخصيا الكونت أرون كيزر , وكما تَوقٌَع فخامتكم , لقد جئت وفقا لأوامر جلالة الملك لوريس من أجل نقلكم آنيا للقصر الملكي "


رفع أرون حاجبيه بينما يحك ذقنه : " ألن يسبب لك ذلك استنزاف للمانا , الآنسة إليزابيث ؟ فكما تعلمين نحن مقبلين على الحرب "


" إنها أوامر جلالته , لقد تم إرسالنا لجلب جميع العائلات النبيلة لذلك لا داعي للإعتراض , كما لن يكلفني نقلكم الشيئ الكثير ,سوف يحتاج الأمر مني فقط قليلا من الراحة حتى أستعيد المانا مجددا " تابعت الرد بابتسامة خجولة


"كما هو متوقع من لواء الإمبراطورية , سوف نكون ممتنين لنقلنا للقصر الآنسة إليزابيث "

تجاهت إليزابيث فجأة رد أرون وحولت نظرها نحو جان الذي كان يلعب بملابسه , وبدأت ترمقه بنظرات تحمل علامات الشك ثم اختفت للحضة من أمام أرون , بينما شعر جان بشيئ ما قادم نحوه والذي كانت ردة فعله الغريزية فورية , حيث تراجع بسرعة نحو الخلف لبضع خطوات قبل أن تظهر إليزابيث أمام المكان الذي تراجع منه , لتظل هنالك مسافة بينهما


تفاجأ الجميع من صنيع إليزابيث , لكن دوغلاس وإلونيا وأرون فاجأهم أكثر ردة فعل جان لأنهم يعلمون معنى أن تتفادى ساحر قوي كإليزابيث , فهم جان سريعا أنه خُدِع من طرف إليزابيث وجلب الأنظار نحوه .



تابعت الأنسة إليزابيت الإبتسام نحو جان ثم اختفت مجددا من مكانها وضهرت أمامه لكن هذه المرة وقف بثبات وهدوء متجاهلا تحركها ثم انحنت نحو الأسفل وتقدما نحو وجه جان مضهرة صدرها لعيونه الصغيرة واضعة يدها الرقيقة على كتفه وهمست بصوت خافث لم يسمعه سواهما

" هاها , لقد فزت"


" ماخطب هذه العاهرة المجنونة معي ؟ "جان لم يكلف نفسه للرد بل ضل يرمقها بنظرات غير مبالية , لقد تراجع سابقا فقط لكون غريزته حذرته من شيئ قادم , لم يعلم أنها خدعة من طرف إليزابيث , لذلك لم يسمح لنفسه بابتلاع الطعم مجددا وجذب انتباه أي من أفراد عائلته فضل ساكنا ولم يتفادى ضهورها مجددا بجانبه .


تراجعت إليزابيث من جانب جان نحو أرون وقامت بانحناءة خفيفة : " أعتذر السيد أرون , أنا فقط أحببت أن أمزح مع هذا الصغير الوسيم , هل أستطيع أن أعرف إبن من ؟ "

" هاهاها , إنه إبني ليو كيزر " رد أرون بابتسامة فخورة وراضية وكأنه يمتلك شيئ ثمين لا يقدر بثمن

" حقا ؟ إنه لطيف جدا , أتمنى لو أستطيع مقابلته لاحقا " تابعت إليزابيث بنبرة لطيفة و النظر نحو جان بابتسامة خجولة

ضلت الملامح الباردة لجان تقاوم الغضب ,بينما واصل أرون الإبتسامة الواثقة والفخورة : " أظن أنه باستطاعتك فعل ذلك لأنه سوف يذهب معنا لمقابلة الملك , أليس كذلك ليو ؟ هاها "

ضحكت الآنسة إليزابيث هذه المرة وكأنه لم تسع مقاومتها "هاهاها جيد جدا , أتطلع لرؤيتك ليو الصغير ...اا عفوا نسيت... آسف جدا أنني جعلتكم تنتضرون , سوف أنقلكم الآن "

بدأت تهمس بشيئ ما ثم وجهت يدها نحو الخلاء ليظهر مجددا ذلك الضوء على شكل بوابة وبادرت في شرح ما سنفعل : " إن الجهة المقابلة للبوابة ستنقلكم نحو القصر مباشرة " أومأ الجميع لها واتجهوا صوب البوابة ,بينما ضلت إليزابيث ترمق جان بنظرات غريبة مع ابتسامتها الخجولة


تجاهل جان نظراتها وضل بجانب أمه حتى يمر للجهة المقابلة , لم يملك الوقت لتحليل هدف الساحرة من اختباره أو رغبتها في مقابلته بالمستقبل , لقد تمنى فقط تجاوز البوابة ورؤية العاصمة بأم عينيه


" فييو "


مر جميع أفراد العائلة من البوابة ولكن كان جميعهم يملكون ملامح ملتوية واضح عليها المرض والغثيان

" لاأعلم عدد المرات التي سافرت بها عبر بوابات الإنتقال , لكن سوف تضل هي أكثر وسيلة مريعة بالنسبة لي لأجل السفر , سأذهب للحمام " تحدث أرون وهو ممسكا بطنه

جان تجاهل الشعور بالغثيان وفتح عينيه بشكل واسع عندما رأى المدينة من نوافد القلعة , بدت عجيبة وبسيطة لكن خلابة وساحرة , كانت ممتدة على مدى البصر بلا أسوار أو حدود , شوارعها ممهدة بالإسفلت و يتخللها العشب و الحدائق , بينما الأبراج والمنازل والقلاعي تحيط بشكل دائري قصىر الملك , كانت تصاميم وألوان المباني الباهتة تملك طابعا ورونقا خاص يذكره بالقرون الوسطى من عالمه السابق , نوافد كثيرة و نقوش هندسية منمقة مع تماثيل بشرية رخامية منتشرة بشوارع المدينة , لكن تظل كل هذه البنايات والمرافق منخفضة الإرتفاع مقارنة بقصر الملك , كما كانت المدينة صاخبة إلى حد ما , لأنك تستطيع سماع صوت المواطنين والتجار والخيول والعربات في كل ساحاتها , كما كان هناك نهر يشق المدينة وفي نهاية النهر تستطيع رؤية تمثال ضخم جدا لبشري تربط قدميه ضفتي النهر , بينما يحمل شعلة بيده نحو الأعلى , ويبدو من الواضح أنه يملك دلالات رمزية و تاريخية عتيقة بالنسبة للإمبراطورية , سخر جان في صمت من نفسه ومن تخميناته التي لم تستطع توقع ولو 1% من هذا التصميم الغريب للمدينة .

" مرحبا بك الكونت كيزر , لقد خصص لكم الملك جناحا جاص تحت تصرفكم بالقصر , كما طلب مني أن أخبرك أن تأتي بسرعة للبلاط " عرض شيخ عجوز يديه أمام عائلة الكيزر مع انحناءة خفيفة وابتسامة ودودة

" الشيخ غلاديوس يستقبل عائلتي المتواضعة شخصيا , أنا حقا ممتن لكرم الملك ولوقتك أيها العجوز , لقد مر زمن طويل على رؤيتك " تحدث الجد مارلو بلهجة بهيجة و مرتاحة


" هاهاها , مارلو كيزر ألم تمت بعد ؟" سخر غلاديوس وتوجه للجد مارلو من أجل عناقه

" هاهاها اللعنة عليك ... أنا أصغر منك أيها العجوز " عانق الجد مارلو هو الآخر وسخر من غلاديوس


"جدي خد العائلة إلى الجناح , أنا علي الذهاب لمقابلة الملك " قاطع أرون هذا الجو الودي بتعبير جاد

" هاها لا توجد مشكلة , غلاديوس سوف يرينا المكان " ألقى الجد مارلو العبئ على كاهل العجوز غلاديوس ولكن لم يقابله بالرفض بل كان سعيدا أيضا لأنه سيحضى بوقت مع صديقه : " بالتأكيد أيها العجوز هاهاها "

أخد أرون طريقا مختلفا متوجها نحو البلاط الملكي ببعد أن تحولت تعابيره إلى الجدية والتفكير , بينما العائلة أخدت الطريق الآخر نحو الجناح .





إدا لاقيت أخطاء بالفصل راح اصححها بعدين *-*


صور تخلية للمدينة بتلاقيهم بالتعليقات




--------------------------------------------------------------------------

أتمنى تخلي رأيك أو انتقاداتك للرواية


رأيك يهمني عشان أطور أسلوب كتابتي وكذلك أسلوبي في السرد القصصي









2020/11/07 · 624 مشاهدة · 1427 كلمة
Hicham-Aous
نادي الروايات - 2024