# الفصل الثاني: أروقة الذاكرة الملتوية

[هذه المحطة هي محطة الحقد، محطة الحقد.]

[الأبواب ستفتح من الجهة اليمنى….]

تتردد هذه الكلمات في أذني، صدىً باهتًا لواقع لم أعد أدرك كنهه. هل أنا في مترو أنفاق؟ أم أن هذا مجرد وهم آخر من أوهام السيرك الذي أعيش فيه؟ الصمت الخانق يلفني، صمت أثقل من أي صمت عرفته، كأنه صمت القبور التي لا تزال تتنفس. أغمض عينيّ، أحاول طرد هذه الأصوات، هذه الصور الملتوية التي تقتحم عقلي دون استئذان. لكنها تزداد وضوحًا، تزداد إلحاحًا، كأنها تسحبني إلى أعماق هاوية لا قرار لها.

أنا جزء من هذا الصمت، جزء من هذا الرعب الذي يتسلل إلى كل زاوية من زوايا وعيي. أتذكر، أو هكذا أظن، أنني كنت أخشى قصص الرعب. كنت أتجنبها، أضغط على زر "غير مهتم" كلما ظهرت صورة مصغرة مخيفة على شاشتي. فهل يليق بشخص مثلي، شخص يرتجف من مجرد فكرة الخوف، أن يكون بطلًا في قصة رعب؟

'من الأفضل أن تقتلوني...' همست لنفسي، صوتي بالكاد مسموع في هذا الفراغ. 'هذا على الأقل سيكون رحيمًا.'

لم تكن لدي حتى الطاقة لأفهم ما يحدث. غطيت وجهي بكلتا يدي، محاولًا إنكار هذا العالم، إنكار هذا السيرك، إنكار هذا الجنون الذي يلتهمني ببطء. أردت أن أختفي، أن أذوب في العدم، أن أعود إلى ذلك الفراغ المريح الذي سبق استيقاظي في هذا المكان الملعون.

وفي تلك اللحظة.

ومضة.

[المركز الأول: صندوق البضائع الحقيقية لسجلات استكشاف الظلام]

"……؟!"

رفعت رأسي، عيناي تحدقان في الفراغ. كان هناك شيء يطير عبر مجال رؤيتي، شيء يشبه المفكرة، أو ربما قطعة من الورق. هل هي حقيقية؟ أم أنها مجرد هلوسة أخرى؟ أغمضت عينيّ وفتحتهما عدة مرات، لكنها ظلت هناك، ترفرف أمامي، كأنها كيان مستقل بذاته. قطعة من الورق تطير، تبدو وكأنها مزقت من كتاب قديم، حوافها مهترئة، وحروفها باهتة. حاولت الإمساك بها، لكنها كانت تتملص مني، تبتعد كلما اقتربت، كأنها تسخر من محاولاتي اليائسة.

"ما هذا بحق الجحيم؟" تمتمت، صوتي أجش من الخوف والارتباك. "هل هذا جزء من العرض؟"

لم أكن متأكدًا مما إذا كان هناك من يسمعني، فالمهرجون والدمى كانوا صامتين، عيونهم الزجاجية تحدق في الفراغ، أو ربما فيّ. شعرت ببرودة تتسلل إلى عظامي، برودة ليست من الجو، بل من إدراك أنني وحيد تمامًا في هذا الجنون.

توقفت الورقة فجأة، تطفو في الهواء أمامي مباشرة. كانت تحمل عنوانًا مكتوبًا بخط غريب، خط يبدو وكأنه ينتمي إلى عالم آخر: "دليل الناجي في سيرك الوعي الممزق".

دليل؟ ناجي؟ هل هذا يعني أنني في خطر؟ هل هذا يعني أن هناك طريقة للخروج من هذا الكابوس؟

مددت يدي ببطء، مترددًا. هل يجب أن ألمسها؟ ماذا لو كانت فخًا؟ ماذا لو كانت مجرد خدعة أخرى من خدع هذا السيرك الملعون؟ لكن الفضول، ، دفعني إلى الأمام. لمست الورقة، وشعرت بكهرباء خفيفة تسري في أطرافي. لم تكن مجرد ورقة، بل كانت تتوهج بضوء خافت، كأنها تحمل حياة خاصة بها.

وبمجرد أن لمستها، انفتحت الورقة، وتحولت إلى ما يشبه الشاشة الشفافة، تعرض لي نصوصًا وصورًا تتغير بسرعة. لم أستطع قراءة كل شيء، لكن بعض الكلمات والصور علقت في ذهني: "الخوف هو الوقود"، "الضحكات المنسية"، "الدموع المسروقة"، وصورة لمهرج يبتسم ابتسامة عريضة، لكن عينيه فارغتان تمامًا.

شعرت بدوار خفيف، كأن عقلي يحاول استيعاب معلومات أكثر مما يستطيع. أغمضت عينيّ مرة أخرى، وعندما فتحتهما، كانت الشاشة قد اختفت، وعادت الورقة إلى شكلها الأصلي، تطفو أمامي.

"ما هذا؟" سألت بصوت خافت. "هل هذا حقيقي؟"

لم أتلق أي إجابة. الصمت عاد ليخيم على المكان، لكن هذه المرة كان صمتًا مختلفًا، صمتًا يحمل في طياته ترقبًا، كأن السيرك كله ينتظر مني أن أفعل شيئًا ما.

تذكرت فجأة شيئًا آخر من تلك الفصول المرجعية. صندوق البضائع. هل يمكن أن يكون هناك شيء آخر في هذا السيرك، شيء يمكن أن يساعدني على فهم ما يحدث؟

بدأت أتجول في السيرك، أبحث عن أي شيء يمكن أن يشبه "صندوق البضائع". كانت الأجواء مظلمة، والإضاءة خافتة، مما أضاف إلى الشعور بالضياع والارتباك. مررت بخيام مهترئة، وعربات قديمة، وألعاب صدئة. كل شيء كان يوحي بالنسيان، بالماضي الذي لم يعد موجودًا.

وصلت إلى زاوية مظلمة، حيث كانت هناك عربة كبيرة، تشبه عربات السيرك القديمة، لكنها كانت مغطاة بالغبار وشباك العنكبوت. اقتربت منها بحذر، وشعرت بنبضات قلبي تتسارع. هل هذا هو؟ هل هذا هو "صندوق البضائع"؟

كانت العربة مغلقة بإحكام، لكنني لاحظت وجود قفل قديم وصدئ. حاولت فتحه، لكنه كان عنيدًا. شعرت بالإحباط يتسلل إليّ. هل هذا هو مصيري؟ أن أظل عالقًا في هذا السيرك الملعون، أبحث عن إجابات لن أجدها أبدًا؟

فجأة، تذكرت شيئًا آخر من تلك الفصول المرجعية: "القدرات الخارقة". هل يمكن أن تكون لدي قدرات خارقة؟ هل يمكن أن أكون قادرًا على فتح هذا القفل بطريقة ما؟

مددت يدي نحو القفل، وأغمضت عينيّ. حاولت أن أركز، أن أستدعي أي قوة خفية قد تكون كامنة في داخلي. شعرت بحرارة خفيفة تتجمع في يدي، ثم شعرت بشيء يتغير في القفل. فتحت عينيّ، ورأيت القفل يتفكك ببطء، كأن قوة غير مرئية قد قامت بفتحه.

"لا أصدق هذا!" همست، عيناي تتسعان من الدهشة. "هل فعلت هذا؟"

دفعت باب العربة، وفتحت على مصراعيها، كاشفة عن الظلام في الداخل. ترددت للحظة، ثم دخلت. كانت العربة أكبر مما تبدو من الخارج، وكأنها تتسع لعالم كامل بداخلها. كانت هناك صناديق مكدسة، وأشياء مغطاة بأغطية قماشية.

بدأت أبحث بين الصناديق، أزيح الغبار عن الأشياء، أبحث عن أي شيء يمكن أن يكون له معنى. مررت بدمى محطمة، وأزياء مهرجين ممزقة، وأدوات سيرك صدئة. كل شيء كان يوحي بالخراب، بالماضي الذي لم يعد موجودًا.

وفي زاوية مظلمة، رأيت صندوقًا خشبيًا كبيرًا، يبدو مختلفًا عن باقي الصناديق. كان يحمل علامات غريبة، رموزًا لم أفهمها. اقتربت منه، وشعرت بشعور غريب، شعور بالانجذاب، كأن الصندوق يناديني.

"لنرى ما لديك هنا يا فراي العجوز"، قلت بصوت خافت، مستخدمًا تعبيرًا غريبًا لم أكن أعرف من أين جاء. هل هو جزء من ذاكرتي المفقودة؟

فتحت الصندوق، وإذا بي أتجمد في مكاني، عيناي مفتوحتان على مصراعيهما. كيف لا أفعل بعدما رأيت ما يقبع داخل الصندوق؟

ارتجفت شفتاي عندما حملت ذلك الجهاز الأسود الذي رافقني لسنوات طويلة. لا شك في ذلك... هذا كان حاسوبي الشخصي.

أمسكته بعناية ووضعته فوق المكتب القديم داخل العربة، وبقيت أحدق فيه كالمجانين. انتبهت لبعض الكدمات المنتشرة في كل مكان على سطحه... كدمات أصيب بها عندما أسقطته في الماضي.

هذا كان الحاسوب الذي استعملته لسنوات طويلة. الحاسوب الذي كتبت الرواية وأنا أنقر على لوحة مفاتيحه.

فقط ما الذي يحدث هنا؟ هل هم يسخرون مني؟ هل هذا جزء من لعبة؟

بصوت مرتجف وترقب، فتحت الحاسوب، متطلعًا للمستقبل، أو ربما للماضي الذي لا يزال يطاردني. هل سيخبرني هذا الحاسوب بالحقيقة؟ هل سيكشف لي عن هويتي الحقيقية، وعن سبب وجودي في هذا السيرك الملعون؟

شاشة الحاسوب أضاءت ببطء، كاشفة عن سطح مكتب مألوف، لكنه بدا غريبًا في هذا المكان. كانت هناك أيقونات لبرامج لم أعد أتذكر استخدامها، وملفات لم أعد أتذكر محتواها.

فتحت مجلدًا يحمل اسم "رواياتي". كان فارغًا. لا شيء. شعرت بخيبة أمل عميقة. هل كل هذا كان مجرد وهم؟ هل هذا الحاسوب مجرد نسخة طبق الأصل، لا يحمل أي ذكريات حقيقية؟

لكنني لم أستسلم. بدأت أبحث في الملفات المخفية، في المجلدات التي لم تكن ظاهرة للعيان. كنت أعرف، بطريقة ما، أن هناك شيئًا ما، شيئًا مهمًا، ينتظرني.

وبعد بحث طويل، عثرت على ملف واحد، ملف يحمل اسمًا غريبًا: "مشروع سيرك الوعي الممزق".

فتحت الملف، وشعرت بقلبي يخفق بسرعة. كانت هناك نصوص، صور، رسومات بيانية. كل شيء كان يشير إلى أن هذا السيرك، هذا الجنون الذي أعيش فيه، لم يكن مجرد كابوس، بل كان مشروعًا، مشروعًا كبيرًا، مشروعًا ربما كنت أنا جزءًا منه.

قرأت السطور الأولى، وشعرت بالدم يتجمد في عروقي. "الهدف: إنشاء بيئة محاكاة نفسية متقدمة لاختبار حدود الوعي البشري."

بيئة محاكاة؟ هل هذا يعني أنني لست حقيقيًا؟ هل هذا يعني أن كل ما أراه، كل ما أشعر به، هو مجرد وهم؟

استمررت في القراءة، وكل كلمة كانت تزيد من ارتباكي وخوفي. كانت هناك تفاصيل عن "المشاركين"، عن "التحكم في الذاكرة"، عن "إعادة برمجة الواقع".

ثم وصلت إلى جزء يتحدث عن "المشرف". كان هناك اسم مكتوب بخط عريض: "كاي".

"كاي"؟ هل هذا أنا؟ هل أنا المشرف على هذا المشروع؟ هل أنا من خلق هذا السيرك؟ هل أنا من وضع نفسي في هذا الكابوس؟

شعرت بضحكة هستيرية تتصاعد من أعماقي. ضحكة مجنونة، ضحكة لا تنتمي إليّ، لكنها كانت تخرج مني، تملأ العربة، تملأ السيرك، تملأ العالم كله.

إذا كنت أنا المشرف، إذا كنت أنا من خلق هذا، فهل يمكنني إيقافه؟ هل يمكنني الخروج من هذا الكابوس؟ أم أنني محكوم عليّ بالبقاء هنا إلى الأبد، أتجول في أروقة ذاكرتي الملتوية، أبحث عن حقيقة لن أجدها أبدًا؟

أغلقت الحاسوب فجأة، وكأنني أحاول إيقاف تدفق المعلومات التي كانت تنهال عليّ. شعرت بالبرد يلفني، برودة ليست من الجو، بل من إدراك أنني قد أكون أسوأ عدو لنفسي.

خرجت من العربة، وأغلقت الباب خلفي. لم أعد أرى السيرك بنفس الطريقة. لم يعد مجرد مكان مهجور، بل أصبح سجنًا، سجنًا بنيته بنفسي.

نظرت إلى المهرجين والدمى، وشعرت بنظراتهم تلاحقني. هل هم يعرفون؟ هل هم يضحكون عليّ؟ هل هم جزء من هذا المشروع؟

عدت إلى المكان الذي وجدت فيه الورقة الطائرة. كانت لا تزال هناك، تطفو في الهواء، كأنها تنتظر مني أن أقرأها مرة أخرى.

مددت يدي، وأمسكت بها. هذه المرة، لم تكن هناك كهرباء، لم يكن هناك توهج. كانت مجرد ورقة عادية.

قرأت العنوان مرة أخرى: "دليل الناجي في سيرك الوعي الممزق".

هل أنا ناجٍ؟ أم أنني مجرد سجين في هذا السيرك الذي لا نهاية له؟

الكلمات الأخيرة في الدليل كانت: "لا تثق بأحد، ولا حتى بنفسك."

شعرت باليأس يتسلل إلى قلبي. إذا لم أستطع أن أثق بنفسي، فكيف سأجد طريقي للخروج من هذا الكابوس؟

نظرت إلى السماء المظلمة فوق السيرك، وشعرت بالنجوم تبتسم لي بسخرية. هل هذا هو مصيري؟ أن أظل عالقًا هنا، أبحث عن إجابات لن أجدها أبدًا؟

فجأة، سمعت صوتًا، صوتًا خافتًا، كأنه همس من بعيد. "العرض لم ينته بعد، كاي."

التفتت بسرعة، لكنني لم أر أحدًا. هل كان هذا مجرد وهم آخر؟ أم أن هناك شخصًا آخر في هذا السيرك، شخصًا يعرف الحقيقة؟

شعرت ببرودة تتسلل إلى عظامي مرة أخرى. هذا السيرك لم يكن مجرد مكان، بل كان كيانًا حيًا، كيانًا يتنفس، كيانًا يراقبني، كيانًا ينتظر مني أن أخطو الخطوة التالية في هذه اللعبة المجنونة.

أدركت أنني لم أعد مجرد بطل في قصة رعب، بل أصبحت جزءًا من العرض، جزءًا من الجنون.

والعرض، كما قيل لي، لم ينته بعد.

2025/07/05 · 8 مشاهدة · 1613 كلمة
نادي الروايات - 2025