# الفصل الثالث:
تلك الصرخة، التي مزقت صمت السيرك، كانت كافية لإيقاظ حتى الموتى. لم تكن صرخة ألم، بل صرخة ذهول، صرخة إدراك مرير. تبعتها همهمات، ثم تزايدت الأصوات، كأن خلية نحل قد أيقظت فجأة. لم أكن بحاجة إلى أن أرى لأعرف. لقد بدأت اللعبة الحقيقية.
"العين اليسرى لرجل بالغ من فصيلة الدم A." ترددت الكلمات في أذني، صدىً للإعلان الذي ظهر فجأة في الهواء، معلقًا كشبح مرئي. لم يكن مجرد إعلان، بل كان تحديًا، اختبارًا للحدود البشرية. نظرت حولي. الوجوه التي كانت قبل لحظات جامدة، كدمى السيرك، بدأت تتغير. الخوف، الارتباك، ثم بريق خافت من الأمل، أو ربما الجنون، بدأ يلمع في العيون.
"هل... هل هذا حقيقي؟" تمتمت فتاة شابة، عيناها تتسعان، كأنها لم تصدق ما تراه. كانت ترتدي فستانًا ورديًا باهتًا، وشعرها الأشقر يتناثر حول وجهها الشاحب. كانت تبدو هشة، كزهرة رقيقة على وشك الذبول. "عين... عين بشرية؟"
"لا بد أنها مزحة!" صرخ رجل ضخم، عضلاته تتصلب تحت قميصه الضيق. كان يمسك بيده قضيبًا حديديًا صدئًا، كأنه يستعد لمعركة. "من يجرؤ على فعل هذا؟"
لكن الصمت الذي أعقب كلماته كان أبلغ من أي إجابة. لم تكن مزحة. لم يكن هناك من يضحك. كان هذا هو الواقع الجديد، الواقع الذي فرض نفسه علينا بلا رحمة.
شعرت بيدي ترتعش. لم يكن خوفًا، بل كان ترقبًا. لقد رأيت هذا من قبل، في تلك الروايات التي قرأتها. هذه هي اللحظة التي تتكشف فيها الطبيعة البشرية الحقيقية. اللحظة التي يتحول فيها الضحايا إلى جلادين، والأبرياء إلى وحوش.
"علينا أن نجدها!" صاحت امرأة في منتصف العمر، صوتها حاد كالشفرة. كانت ترتدي معطفًا فاخرًا، لكنه كان ممزقًا وملطخًا بالغبار. "إذا وجدناها، يمكننا الخروج!"
بدأ الناس يتحركون، يتدافعون، يفتشون في كل زاوية من زوايا السيرك. كانت الأجواء مشحونة، كأن عاصفة على وشك الاندلاع. كل شخص كان ينظر إلى الآخر بشك، كأن العدو ليس الوحوش التي قد تظهر، بل الشخص الواقف بجانبه.
"فصيلة دمي A!" صرخ شاب نحيل، شعره يتدلى على عينيه. كان يرتدي ملابس أنيقة، لكنها كانت متسخة وممزقة. "أنا في العشرينات! أنا المناسب!"
تجمعت العيون عليه، عيون تحمل مزيجًا من الأمل واليأس. هل هذا هو الحل؟ هل هذا هو الخلاص؟
لكنني عرفت الحقيقة. لقد قرأت الرواية. لم يكن الأمر بهذه البساطة. لم تكن مجرد عين عشوائية. كانت هناك خدعة، فخ، اختبار آخر.
"انتظروا!" صاح صوت حاد، صوت يقطع الضجيج كالسيف. التفت الجميع. كان الصوت يأتي من زاوية مظلمة، حيث كانت تقف شخصية غامضة. كانت ترتدي معطفًا أسود طويلًا، وقبعة عريضة الحواف تخفي معظم وجهها. لكنني رأيت عينيها، عينيها اللامعتين في الظلام، كعيون قطة مفترسة.
كانت "ليلى"، أو هكذا عرفتها من الرواية. شخصية غامضة، لا يمكن التنبؤ بها، تحمل في طياتها مزيجًا من الجمال والجنون. كانت تُعرف باسم "ساحرة الظلال"، وقيل إنها تستطيع رؤية ما لا يراه الآخرون.
"لا تتسرعوا أيها الحمقى!" قالت ليلى، صوتها يحمل نبرة سخرية. "هل تعتقدون أن الأمر بهذه السهولة؟ هل تعتقدون أن هذا السيرك سيعطيكم الخلاص على طبق من ذهب؟"
توقف الناس، ينظرون إليها بشك. كانت كلماتها تحمل وزنًا، وزنًا من المعرفة التي لم يمتلكوها.
"العين ليست مجرد عين." تابعت ليلى، وخطت خطوة إلى الأمام، كاشفة عن ابتسامة خافتة على شفتيها. "إنها اختبار. اختبار للولاء، اختبار للذكاء، اختبار للجنون. العين الحقيقية ليست مجرد قطعة لحم. إنها تحمل سرًا، سرًا لا يمكن أن يراه إلا من يمتلك البصيرة."
"ماذا تقصدين؟" سأل الرجل الضخم، قبضته لا تزال مشدودة على القضيب الحديدي.
"سترون." قالت ليلى، وعيناها تلمعان ببريق غريب. "سترون عندما يحين الوقت. لكن تذكروا، في هذا السيرك، لا شيء كما يبدو. وكل شخص، حتى أقرب الناس إليكم، قد يكون قناعًا يخفي وحشًا."
تراجعت ليلى إلى الظلال مرة أخرى، تاركة وراءها موجة من الارتباك والشك. كانت كلماتها كافية لزرع بذور الشك في قلوب الجميع. لم يعد أحد يثق بالآخر. كل شخص أصبح عدوًا محتملاً.
وفي خضم هذا الارتباك، ظهر "بايك سا-هيون". كان يتقدم ببطء، خطواته واثقة، وعيناه تلمعان ببريق غريب. كان يرتدي بدلة أنيقة، لكنها كانت ممزقة وملطخة بالدماء. لم يكن دمه، بل دم الآخرين. كان يُعرف باسم "الأفعى السامة"، ليس لسمه الجسدي، بل لسمه النفسي. كان سيكوباتيًا، يستمتع بالتلاعب بالآخرين، ورؤيتهم يتألمون.
"أنا... أنا الشخص المناسب!" قال بايك سا-هيون، صوته يحمل نبرة درامية، كأنه يلقي خطابًا. "أنا أطابق جميع الشروط! فصيلة دمي A، وأنا في العشرينات!"
تجمعت العيون عليه مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت تحمل مزيجًا من الخوف والترقب. هل هذا هو الخلاص؟ أم أنه مجرد فخ آخر؟
"لا داعي لكل هذا القلق." قال بايك سا-هيون، وابتسامة خبيثة ارتسمت على شفتيه. "إذا كانت عين واحدة تكفي للهروب والنجاة، فلماذا التردد؟"
وفي لحظة، قبل أن يتمكن أحد من فهم ما يحدث، انقض بايك سا-هيون على الشاب النحيل الذي ادعى أنه يمتلك فصيلة الدم A. كانت حركته سريعة، قاتلة. ضربة واحدة، قوية، دقيقة، باستخدام زاوية هاتفه الذكي. صوت تمزق مروع ملأ الهواء. صرخة مكتومة، ثم صمت.
سقط الشاب على الأرض، وعينه اليسرى ممزقة، والدماء تتناثر على الأرضية الباردة. لم يكن هناك وقت للبكاء، لا وقت للندم. كان هذا هو الواقع.
"الأبواب تفتح الآن." أعلن صوت آلي، صوت الدوكايبي، صوت القدر. "القطار يغادر محطة الغضب."
قفز بايك سا-هيون فوق الجثة، وخرج من القطار، وعيناه تلمعان بانتصار مجنون. "أيها الأغبياء!" صرخ، صوته يتردد في أروقة السيرك. "إذا كانت عين واحدة تكفي للهروب والنجاة، فلماذا التردد؟"
تأخر رد فعل الجميع. صدمة، ذهول، ثم غضب. "ماذا فعلت؟" صرخ الرجل الضخم، قبضته ترتعش.
"لقد قالوا أننا نستطيع النزول!" رد بايك سا-هيون، وابتسامته تتسع. "من الصعب توقع ذلك من أشخاص يلقون بمسؤولية حياتهم على الآخرين."
كانت كلماته كافية لإشعال فتيل الغضب في قلوب الجميع. لكن الأبواب كانت قد أغلقت بالفعل. القطار بدأ بالتحرك، يبتعد عن المحطة، تاركًا وراءه الجثث، والدماء، واليأس.
نظرت إلى بايك سا-هيون من خلال النافذة. كان يلوح بيده، وابتسامته لا تزال على وجهه. كان يعتقد أنه انتصر. كان يعتقد أنه وجد الخلاص.
لكنني عرفت الحقيقة. لقد رأيت ما لم يره. لقد رأيت العين الحقيقية. لم تكن العين التي أخذها بايك سا-هيون. كانت العين التي وجدتها أنا.
وبينما كان الجميع يركزون على بايك سا-هيون، وضعت يدي خلسة على صندوق الأمتعة في الخلف. لقد رأيتها بالتأكيد من قبل. وبينما كنت أبحث بشكل أعمق، أمسكت بشيء ما كان مختبئًا في منطقة عمياء، وكأنه اختفى بغرابة. سحبت يدي للتحقق من الغرض. داخل وعاء عدسات محمول غريب، كانت هناك عينٌ واحدة. وعلى الملصق. [فصيلة الدم: A / الجنس: أنثى / العمر: 27 / R].
هذا كان... إشعارًا عن الغرض المفقود. في المقام الأول، الأشياء المفقودة لن تكون أغراضي، بل هي ما فقده الآخرون. في الحقيقة، كان هذا الإعلان بمثابة لعبة بحث عن الكنز، حيث يجب أن تأخذ معك الغرض المفقود الحقيقي الذي يتطابق تمامًا مع الوصف من بين عدة أشياء في حقيبة الأمتعة.
صحيح أن هناك حالات نادرة نجح فيها أشخاص في الهرب بمجرد تسليم ما يملكونه. الآن، بايك سا-هيون سيكون واحدًا منهم. لكن ماذا لو علم أنه لم يكن عليه التخلي عن عينه اليسرى؟
الأبواب كانت قد أغلقت بالفعل. لذا، في اللحظة التي كان القطار على وشك المغادرة، التفتُّ نحو الرصيف، ثم التقى نظري مع بايك سا-هيون للحظة. رفعتُ وعاء العدسات الذي يحتوي على العين بوضوح نحو الباب. لقد أخفيتُ الملصق، لذا لن يظهر سوى شيء واحد بوضوح: مقلة العين فقط.
—...…!!
خلف الباب، تغير تعبير وجه بايك سا-هيون عندما أدرك ما كان بين يدي. ولكن الوقت كان قد فات. [القطار يغادر محطة الغضب.]
نظرت إلى الشاب الذي هاجمه بايك سا-هيون. لقد فهمتُ الأمر الآن بعد أن رأيتُ عينه اليسرى مصابة - لقد كان بايك سا-هيون يحاول التخلص من الغرض المفقود الحقيقي (الذي كان يجب تسليمه) بدلاً من عينه هو. ربما فعل هذا لأنه اعتقد أن هناك غرضًا مفقودًا واحدًا فقط سيتم الاعتراف به. لا أستحق أن ألومه على محاولته الهروب بنفسه، فالجميع هنا يحاولون إنقاذ نفسهم. لكن... هذا كان تجاوزًا للحدود.
التفتُّ مجددًا نحو الباب. خلفي سمعتُ صوت ضربات قوية متتالية على الأبواب الزجاجية. ثم، من الرصيف البعيد، وصلني صدى صرخة غريبة لشخص يعاني من ألمٍ مروع.
[تم تسليم الغرض المفقود بنجاح إلى موظف المحطة.]
انتهى الفصل الثالث.