# الفصل الرابع:
تسللت رائحة الصدأ واليأس إلى أنوفهم، تلتصق بالحناجر كغبار الموت. لم تكن عينا "كاي" تريان، بل كان يشعر بالخوف يتسلل من مسام الجلد، يرتعش في الأطراف الباردة للآخرين. لم تكن هناك صرخات، فقط أنفاس محبوسة، كل منها قصة رعب صامتة. كانت عيونهم المتسعة تحدق فيه، تعكس ظلال الوحوش التي لا يراها إلا هو. لم يكن الأمر يتعلق بالثقة، بل باليأس الذي جعلهم يتبعون أي بصيص أمل، حتى لو كان يقودهم إلى الهاوية.
خطوات ليلى كانت خفيفة كشبح، تتسلل من بين الحشود. عيناها، مزيج من الفضول والسخرية، تلمعان ببريق غريب. لم تنطق بكلمة، لكن نظرتها كانت تقول الكثير: "هل أنت حقًا منقذهم، أم مجرد مهرج آخر في هذا السيرك؟" شعرها الأسود ينسدل على كتفيها كشلال من الظلام، وابتسامتها الخافتة كانت تثير القلق أكثر من أي صرخة. كانت تقف على حافة الهاوية، تستمتع بالمنظر، بينما الآخرون يتشبثون بأي شيء يمنعهم من السقوط.
"المحطة التالية: محطة الجنون." رن الصوت الميكانيكي في أذني "كاي"، يتردد صداه في عظام الجميع. لم يكن إعلانًا، بل حكمًا. شعر بضغط هائل، ليس من الخارج، بل من الداخل. كان وعيه يتصدع، يتشقق كمرآة قديمة. هل كان هذا السيرك يدفعه نحو الجنون، أم أنه كان مجنونًا بالفعل قبل أن تطأ قدماه أرضه؟
تذكر كلمات بايك سا-هيون، السيكوباتي الذي كان يرى العالم كمسرح للعبته الخاصة. "الجنون هو أعلى أشكال الحرية، يا كاي. عندما تتخلى عن كل القيود، تصبح سيد مصيرك." كانت كلماته سمًا حلوًا، يغري الروح بالتحرر من أغلال العقل. هل كان بايك سا-هيون يرى الحقيقة، أم أنه كان مجرد انعكاس آخر لجنون "كاي"؟
بدأت الأبواب تنفتح ببطء، كفم وحش جائع. لم يكن هناك ضوء في الخارج، فقط ظلام دامس، يبتلع كل شيء. كان الهواء ثقيلًا، مشبعًا برائحة الدم والخوف. لم تكن هناك حاجة للكلمات. كانت الأجساد تتحدث، ترتعش، تتراجع. لكن "كاي" لم يتراجع. كان يشعر بقوة غريبة تسحبه نحو الظلام، قوة لا يفهمها، لكنه لا يستطيع مقاومتها.
"هل أنت خائف؟" همست ليلى، صوتها كهمس الريح في مقبرة. لم تكن تسأل، بل كانت تتحدى. كانت عيناها تحدقان في عينيه، تبحث عن أي أثر للضعف. لكن "كاي" لم يظهر أي ضعف. كان قد تجاوز الخوف. كان قد تجاوز كل شيء. كان قد أصبح جزءًا من السيرك، جزءًا من الجنون.
خرج "كاي" أولاً، خطواته ثابتة، كأنه يسير نحو مصيره المحتوم. تبعه الآخرون، أجسادهم تتبع جسده، لكن أرواحهم تتشبث بالخوف. كانت ليلى تبتسم، ابتسامة باردة، كأنها تستمتع بالعرض. كانت تعرف أن هذا ليس مجرد سيرك، بل هو لعبة، ولعبة الجنون لا تنتهي أبدًا.
تسللوا إلى الظلام، كل خطوة تزيد من حدة الرعب. لم تكن هناك أصوات، فقط صدى أنفاسهم المتسارعة. كانت الجدران تتنفس، تتلوى، كأنها كائنات حية. كانت الأضواء الخافتة تومض، تكشف عن ظلال مشوهة، ترقص في زوايا الغرف. لم يكن هناك مفر. كانوا محاصرين في هذا السيرك، في هذا الجنون.
فجأة، توقف "كاي". كانت عيناه تحدقان في شيء لا يراه الآخرون. كانت هناك مرآة، كبيرة، متصدعة، تعكس صورة مشوهة. لم تكن صورته، بل كانت صورة لوحش، يبتسم ابتسامة سيكوباتية. كان الوحش يرتدي زي مهرج، وعيناه تلمعان ببريق الجنون. هل كان هذا هو "كاي" الحقيقي؟ هل كان هذا هو مصيره؟
"ماذا ترى؟" همست ليلى، تقف بجانبه، عيناها تحدقان في المرآة. لم تكن ترى الوحش، بل كانت ترى انعكاسًا آخر، انعكاسًا لجنونها الخاص. كانت تبتسم، ابتسامة عريضة، كأنها وجدت ضالتها.
"أرى الحقيقة،" قال "كاي"، صوته أجش، كأنه يأتي من أعماق الهاوية. "الحقيقة هي أننا جميعًا مجانين. نحن جميعًا جزء من هذا السيرك. نحن جميعًا دمى في هذه اللعبة."
ضحكت ليلى، ضحكة رنانة، تتردد صداها في أروقة السيرك. كانت ضحكة مجنونة، ضحكة حرة. كانت قد وجدت رفيقًا في الجنون. كانت قد وجدت شخصًا يفهمها. كانت قد وجدت شخصًا يشاركها مصيرها.
بدأ السيرك يهتز، كأن الأرض تتصدع. كانت الأضواء تومض بشكل أسرع، تكشف عن المزيد من الظلال المشوهة. كانت الموسيقى ترتفع، موسيقى مجنونة، موسيقى الرعب. كان العرض قد بدأ للتو.
نظر "كاي" إلى ليلى، عيناه تلمعان ببريق غريب. لم يكن بريق خوف، بل كان بريق فهم. كان قد فهم كل شيء. كان قد فهم أن الجنون هو الطريق الوحيد للنجاة. كان قد فهم أن الجنون هو الطريق الوحيد للحرية.
"هل أنت مستعد؟" سأل "كاي"، صوته هادئ، كأنه يتحدث إلى نفسه. "هل أنت مستعد لتكون جزءًا من العرض؟"
ابتسمت ليلى، ابتسامة عريضة، كأنها تنتظر هذه اللحظة طوال حياتها. "لقد ولدت مستعدة."