# الفصل الخامس:
ضحكة ليلى... لم تكن مجرد صوت. كانت شقًّا في جدار الواقع. حين خمد صداها في أروقة السيرك، لم يتبعها صمتٌ بل ارتجاج خفي، كأن الجدران نفسها تهمس: "لقد بدأت الحكاية من جديد."
كاي وقف أمام المرآة المتصدعة. لكن صورته لم تعد له. الوجوه في الزجاج تتحرك، تبكي، تضحك، تذوب في بعضها... أطفاله؟ وجوه أصدقائه؟ لا، لا يعرفهم. لكنهم يعرفونه. كانوا هناك، في كل رمشة عين.
يده ترتجف. أصابعه تتقوس على الهواء. ليس خوفًا، بل كأنها تتذكر كيف كانت تمسك بشيء... أو أحد. كان يشعر أن السيرك ينهش ذاكرته. لا، لا يمحوها، بل يجمّعها مثل لعبة بازل شريرة. كل خيمة، كل مرآة، كل ضوء باهت: شظية منه.
خطوات ليلى لم تُسمع، لكنها كانت موجودة. ظهرت بجانبه كما تظهر الذكريات السيئة: فجأة، وبابتسامة.
رائحة الياسمين والدم... هل كانت دائمًا هكذا؟ كانت واقفة قريبة جدًا، أقرب من أن تكون غريبة، أبعد من أن تكون مألوفة.
لمسته.
وكانت اللمسة باردة. لمسة موت؟ لا. أشبه باعتراف. كأنها تقول له: "أنا مثلك. أنا شظية أيضًا."
ثم جاء الصوت.
"المحطة التالية: محطة الذكريات."
الصوت الميكانيكي. نفس الصوت من قبل. لكن هذه المرة بدا كأنه يتهامس معه وحده. وكأن القطار لن يتحرك إن لم يصعد. هل ركب القطار من قبل؟ هل نزل منه؟ هل نسي؟
"الذاكرة... أكذوبة فخمة."
تسللت كلمات بايك سا-هيون إلى ذهنه. قالها له حين كان الدم على يديه والابتسامة على فمه. ذلك المجنون... أو الحكيم. لا فرق.
الأبواب انفتحت ببطء. الضوء لم يكن أبيضًا، بل مائلًا إلى الرماد. ممر طويل. صور قديمة. وجوه.
واحدة تشبهه وهو طفل.
أخرى تشبه أمّه؟
ثالثة... ليلى؟
أين التُقطت؟ متى؟ من التقطها؟
ليلى تمشي أولًا هذه المرة. "هيا، كاي. لا تترك أشباحك تنتظرك طويلاً. إنهم يملّون بسهولة."
صوته لم يخرج، لكنه تبعها.
الممر يتنفس.
الجدران تنبض.
كل ظل يختلج.
الأضواء تومض. لا كفاقدة كهرباء، بل ككائن يحتضر.
ثم...
توقف.
صورة.
معلقة على الحائط.
هو.
يرتدي زي مهرج.
يبتسم.
لكن العينين؟ شيء ما فيهما ليس بشريًّا.
ليلى بجانبه. في الصورة أيضًا.
كانت تحدق فيه، الآن، كما تحدق في الصورة.
"ماذا ترى؟" همست، دون أن تلتفت.
كاي لم يجب فورًا. تنفس. ببطء. كأن كل ذرة هواء تدخل تحمل ذكرى. أو شظية أخرى.
ثم قال: "أرى البداية. لا قصتي. بل قصتنا جميعًا. هذا السيرك لا يفتح أبوابه للمشاهدين، بل للذين تحطمت عقولهم وهم يحاولون أن يكونوا طبيعيين."
ليلى ابتسمت. أخيرًا، فهم.
ضحكت. ضحكة طويلة. لم تكن ضحكة بشر، بل شيء أقدم.
الضوء احمرّ.
الأرض اهتزت.
الهواء أصبح موسيقى. موسيقى ملتوية، كأنها تعزف داخل جمجمة مشقوقة.
كاي لم يرتجف. بل ابتسم. لأول مرة، ابتسامة حقيقية.
"العرض بدأ؟" سأل.
ليلى نظرت إليه. وجهها لم يكن وجهها تمامًا.
قالت: "لقد كنا دائمًا في العرض. فقط الآن، تعرفت على دورك."
ثم مشت.
وكاي تبعها.
لا أحد يعرف من يراقب، أو من يصفق، أو من يصرخ. لكن العرض مستمر. دائمًا.