الفصل الأول: الصفحة التي لا يجب أن تُقرأ

ليست هذه بداية الحكاية. لكنها النهاية التي سمحت لي أن أبدأ.

لقد كتبتها، ثم مزّقتها. كتبتها ثانية، ثم مزّقتها ثانية. وفي كل مرة كنت أظن أنني أتخلّص من النص، كان هو من يتخلّص منّي.

الورقة ما تزال على الطاولة. مطويّة، كأنها تخجل مما تحتويه.

أعرف يقينًا أنني لم أكتب هذه الجملة:

> "لا تكتبني، سأكتبك."

لكنها كُتبت. بخط يشبه خطّي، وبأسلوب لا أعرفه.

سخرية سوداء؟ هل بدأت أفقد توازني؟ هل هي لعبتي مع نفسي، أم لعبته معي؟

لست مجنونًا. أو ربما كنت. أو ربما الجميع مجانين إلا هذا النص.

المشكلة ليست في الجنون.

المشكلة أن هذه الرواية بدأت تتذكّرني.

أنها عرفت أشياء لم أقلها لأحد. لا لأمي، ولا لصديقي الميت، ولا حتى لنفسي.

كتبت في الصفحة الثالثة عشرة:

> "أنت قتلت ريان."

وهذا كذب. أو هكذا أقنعتني الذاكرة.

لكنّ الرواية لا تكذب.

في الساعة الثالثة فجرًا، نهضت من فراشي كأن أحدهم أيقظني بصوتٍ غير مسموع.

الغرفة نفسها. الحائط المتقشّر. الساعة التي توقفت قبل أسبوع عند الثانية وخمسين دقيقة. لكن هذه المرة كانت تعمل.

عقاربها تشير إلى 3:13.

نفس الرقم. نفس الصفحة. نفس الجملة التي لم أكتبها.

شعرت أن الزمن بدأ ينسخ نفسه — أن كل شيء بدأ يعيد نفسه لكن بترتيب مختلف.

خرجت إلى الصالة، أحمل قلقي مثل قنبلة بلا صاعق.

جلست أمام الورقة المطوية. لم ألمسها.

لكنها كانت مفتوحة.

وكانت الجملة التالية مكتوبة أسفلها:

> "ما فعلته في القبو سيُكتب رغماً عنك."

أنا لم أذهب إلى القبو منذ شهر.

ولم يحدث فيه شيء... سوى تلك الليلة.

تلك الليلة التي مات فيها ريان.

ريان لم يكن صديقًا عاديًا. كان جزءًا من ذاكرتي، لكنه لم يكن حاضرًا في أي صورة فوتوغرافية.

كان موجودًا فقط في لحظات التشوّه — في لحظات كدت أفعل فيها شيئًا لا يُغتفر.

وكان الوحيد الذي يملك مفتاح القبو.

كنا نكتب سويًا. رواية واحدة، بدأناها ونحن في السادسة عشرة. كنا نؤمن أنه يمكن للحكاية أن تخلّدنا، أن تكتبنا في التاريخ ولو بسطر منسي.

لكن شيئًا ما حدث.

شيءٌ مزّق الرواية قبل أن تُطبع.

وشيءٌ مزّق ريان.

الشرطة قالت إنه انتحر.

أنا قلت لهم إنني لم أكن هناك.

والرواية الآن تقول:

> "لا تكذب."

يحدث أحيانًا أن تنظر في المرآة، فلا ترى نفسك.

وترى شيئًا يعرفك أكثر مما تعرف ذاتك.

شيئًا بلا ملامح، لكنه يعرف صوت أمك، يعرف اسمك الثلاثي، يعرف كم مرة كتبت "أنا بخير" وأنت تنزف.

شيئًا يعرف التاريخ الذي حاولت فيه حذف نفسك من العالم — لا بالحبل أو السكين، بل بالجُملة البيضاء التي لم تكتمل.

ذلك الشيء كتب روايتي.

ذلك الشيء... هو روايتي.

كنت أظنني الكاتب.

لكنّ الورقة بدأت تكتبني.

تتقدّم في الصفحات دون أن ألمس القلم.

كل صباح، أجد سطرًا جديدًا.

اليوم كتبَت:

> "في الصفحة 57، ستعرف لماذا لم يكن ريان موجودًا أصلاً."

هل كان وهماً؟ هل صنعته ذاكرتي ليشاركني الذنب؟

هل كتبتُ شخصًا لأرتاح من نفسي؟

أم أن الرواية بدأت تُعيد كتابة واقعي؟

ليست هذه ر

واية عادية.

إنها رواية تعيد كتابة نفسها...

وتعيدني معها.

وأنا خائف من الصفحة القادمة.

2025/06/10 · 10 مشاهدة · 476 كلمة
جو_اكس
نادي الروايات - 2025