الفصلُ الثاني ( أنا أكرهك )

قرب نافورةِ ماءٍ تتوسطُ الحديقة الداخليةَ للقصر ، يجلسُ كلٌ من إدوارد وماري على كرسيٍ كان هناك ، كان إدواردْ يحرِك ساقيهِ بتوترٍ لتقاطعهُ ماري قائلةً : كُف عن هزِّ قدمِيك بهذهِ الطريقة ، ذلك يوترني !

تحدَث إدوارد بإنزعاج : أنا متوترٌ حقاً

- هل بسببِ هنري ؟

- أجل ، أجهلُ سبب تصرفهِ الغريب

- آه إدوارد ، ألم تلاحظ ذلكَ أم أنني من لاحظتُه فقط ؟ هنري ...تغيرَ بعد أن عُين كحارسٍ شخصيٍ لك

- هل تظنينَ ذلك ؟ إن كان ذلك السبب ببساطة ، فسأُحدثُ أمي ثُم ستجدُ لي حارِساً آخر ، لا أحتمِل فكرةَ خسارةِ هنري بسبب شيءٍ كهذا ...رغمَ أن كونه حارِساً جعلَهُ مُلازِماً لي أكثرَ مما سبق وقد أعجبني ذلك ... لكن .. سأفعل ما يريد

نهضَ إدوارد عن الكرسيِ ثُمَ إنحنا لماري قائلاً : شكراً لك ...آنِسة ماري

إبتسمتِ الأخرى قائلةً : ثُم إعترف بي كالأختِ الأكبر

إلتفتَ إدوارد مغادِراً وهو يردد : لنؤجِل ذلك

إلتقى إدوارد بوالِدتهِ وطلبَ منها إيجادَ بديلٍ لصديقِه هنري ، بدى سعيداً وهو يطلب منها بتوددٍ لذا إستجابتْ لطلبه

خرجَ من غرفةِ والدتِه مُسرعاً وهو يفكِر بإخبارِ هنري بذلك

مَرّ بالقُربٍ من مجوعةٍ من الخدم بينما كان يبحثُ عن هنري ، شدَ إنتباههُ سماعهُ لإسمِه ، لذا إقتربَ ناحيتهم مُتخفياً وهو يحاوِل الإنصاتَ لكلامِهم

" ذلك الامير ..لقد سمعتُ أنهُ مريضٌ جداً وقد يموتُ بأي لحظة "

" لابأس بذلك ، فهذا الملِكُ وسلالتُه فاسِدة "

" لكن ...مايزالُ لديهِ المولودُ الجديد ! "

إبتعدَ إدوارد عنهم قليلاً وهو يُفكِر بما سمِعه ، منذُ أن بدأ يغادِرُ غرفتهُ ويختلِط بالعاملينَ في هذا القصر وهو يستِمعُ لكلماتٍ كهذه ...

لذا لم يكُنِ الأمرُ مفاجِئاً ...

لكنه مؤذٍ ..كسكينٍ يخترِقُ ذلكَ القلب المريضَ الذي ينبِضُ بصعوبة

منذُ خروجِه من غرفتِه وهو يجرِبُ مشاعِر مُختلفةٍ عن المشاعرِ التي إعتاد عليها ..كالحبِ والعطفِ والحنان وبمرورِ السنواتِ وبلوغِ الرابعة عشرَ من العُمر ...يرى المرءُ الحياةَ بطريقةٍ مُختلِفةٍ تماماً

توقفَ في باحةِ القصرِ وهو يحاوِلُ إلتقاطَ أنفاسِه فقد سارَ لمسافةٍ طويلةٍ نوعاً ما ، لمحَ من بعيدٍ مربيتَهُ السيدة كاثرين ، لذا رفعَ يدهُ مُلوحاً لها وهو يردد " أُماه " فقد إعتاد على تسميتها به

إقتربت ناحيتَه والإبتسامةُ تزينُ وجهها لتتحدث : أراكَ سعيداً ..ذلكَ مُطمئن

- أجل ...أنا سعيدٌ نوعاً ما ، لكن ...لتكتمِل تلك السعادة ، أحتاج لرؤيةِ هنري ..لكنني لا أجدهُ في أيِ مكان

- هنري ؟ رأيتُه يصعدُ البُرج الجانبي ، لكن لاتتبعه ..فصعودُ السلالِم مُجهِدٌ بالنسبةِ لك

إتجَه إدوارد حيثُ البرجُ الجانبيَ ليدخُله رافعاً نظره حيث ذلك السُلم الحلزوني المُلتفُ داخل البرج ، همس بيأس: اليس صعودُه مُستحيلاً ؟

عندَ قمةَ ذلك البرج ، كان هنري جالِساً وهو يضمُ ساقيهِ على مقربةٍ من النافذةِ المُطلةِ إلى الخارج ، حيث تظهرُ أنحاءُ المملكةِ بوضوح ، كان ذلكَ مكاناً مُميزاً يحبُه ويستمتِعُ بالتواجُدِ فيه

بدى شارِداً تماماً في أفكارِه حتى هبَت نسمةٌ من الرياحِ الباردةِ مُحرِكةً خصلاتَ شعرِه ، إبتسمَ بلطفٍ فذلكَ الشعورُ قد أعجبه

نهضَ بعدَ أن فكرَ في النزولِ أخيراً

في منتصفِ البرج ، توقفَ هنري بعدَ أن رأى إدوارد أمامه ، كان يحاوِل الصعود ببطىءٍ ليتوقفَ هو الآخر بعدَ رؤيةِ هنري

تحدث هنري: مالذي تفعلُهُ هنا ؟

إبتسمَ إدوارد ليتحدثَ بنبرةٍ ساخِرة : لم تَعُد تمتَلِكُ الصلاحيةَ لسؤالي ..فأنتَ الآن مُجردُ ....

( قاطعَهُ هنري ) : مُجردُ خادم .....( اكملَ هنري وهو ينزِلُ مُقترباً ناحية إدوارد ) لايحِقُ لخادِمكَ أن يسألكَ عن سببِ تواجدكَ هنا ...أنتَ حتى لاتراني كحارسٍ شخصي ..وإلا فمِن حقي أن أسألَك

بدى إدوارد مُستغرِباً ليتحدث: يبدو أنكَ تُسيءُ فهمي

- لا يوجدُ أيُ إساءةٍ للفهمِ هُنا ، أنت تذهبُ أينما تشاء ، لننزِل فقط ..وستتمُ مُعاقبتي

- ولما قد تعاقب !

- لأنك تصعدُ إلى مكانٍ قد حرمَتهُ الملكة

- سأنزِل الآن ..الأمرُ أنني ___

- أنكَ تفعلُ ما تشاء ...هذا الأمر

- مامشكلتُك هنري ؟ ألسنا أصدِقاء ؟

إقتربَ هنري ناحيةَ إدوارد فهما الآن على الدرجةِ ذاتها ، أجابَ بنبرةٍ حادة : لا صداقةَ بين سيدٍ وخادمه ...هل فهمتَ الآن ؟

هَزَ إدوارد رأسه وهو يهمس : هكذا إذاً (ثم رفعَ نبرةَ صوته ) أخبرني بالمزيدِ إذاً ! ماهي حقيقةُ مشاعرِك ..كيف تفكِرُ بشأني ؟

- إنهٌ شيءٌ واحد فقط ...أنا " أكرهك"

ألقى هنري جملتَه تلك ثم أكمل طريقَهُ نُزولاً

أسفل البرج ، توقفَ هنري بعد رؤيتِه لماري ،تحدثت ماري بتساؤل : هل رأيتَ إدوارد ؟

أشارَ لها هنري بيدِه حيثٌ السُلم

- ذلِك المتهور ! هل صعدَ حقاً ...إذاً(إقتربت ماري ناحيةَ هنري ) هل أنتَ سعيدٌ الآن ؟ فقد أزال إدوارد ذلك العائِق الذي حالَ بينكما

- مالذي ... ؟

- ألم يُخبِركَ أنُهُ سيعينُ حارِساً شخصياً بدلاً عنك ؟ ماذا ؟ هل قمتُ للتوِ بإفسادِ المفاجأةِ التي أعدها أخي ؟

كان هنري يُحدِق بإستغرابٍ وهو يحاوِل إستيعابَ ماحصل

نزَل إدوارد ليمرَ قربَه متوجهاً حيثُ شقيقته التي أمسك بيدها ساحبها ناحيتَه هامساً : فالتصمتي رجاءاً

خرجَ الإثنان من ذلك البرجَ ، كان إدوارد يسيرُ بغضبٌ وهو يلتقِطُ أنفاسَهُ بصعوبةٍ

أفلتت ماري يدها لتوقِف إدوارد قائلةً : ألم تُخبِرهُ بأمرِ تغيير الحارس ؟ ماذا ...هل تشاجرتما ؟

كانَ إدوارد يحدِقُ بشقيقتِه دونَ أن ينطِقَ بحرف ، رغمَ محاولاتِه ..التمعتِ الدموع في عينيهِ لتفضح شعوره ...همسَ إدوارد وهو يمسَح دموعه : قالَ أنهُ يكرهني

إقتربت ماري ناحية آدوارد لتعانقَه وهي تصرخ : فاليكرهك ...أنا أيضاً أكرهه ..فاليذهب إلى الجحيم ...هنريييي" أنت ميت " !

إضطرَ إدوارد لإغلاقِ أذنيهِ لفترةٍ حتى هدأت شقيقته

دخَلَ هنري إلى غرفتهِ ليستلقي على السريرِ مُغمضاً عينيه ، لم تمر ثوانٍ حتى دخلت والدتهُ مارغريت إلى الغرفة لتلقيَ سؤالها : لماذا قررتِ الملكةُ إستبدالَكَ بحارِسٍ آخر ؟

أجابَ بينما مايزالٌ مُغمضاً لعينيه : لا أعلم

إقتربت ناحيتهُ لتكمل : هل فعلت شيئاً خاطئاً ؟ ماذا لو عَلِمَ والدُكَ بالأمر ؟

فتَح هنري عينيه منتفِضاً من مكانِه بعد سماعِ صرخةِ والدهِ القائل " لقد علمت "

نهضَ هنري بتوترٍ ، إقتربَ ريتشارد ثم مدَ يدهُ مُلقياً تِلك الصفعةَ التي تركت أثرها على خدِ هنري

همست مارغريت بخوفٍ وهي تحاوِل إبعاد هنري " إهدئ رجاءاً "

دفعَ ريتشارد مارغريت بقوةٍ بكِلتا يديهِ ثم سحبَ هنري ناحيتَهُ صارِخاً : أيها الغبي عديمُ النفع ، لم أطلُب منك سِوى شيءٍ واحدٍ وقد عَجِزتَ عن تحقيقه ، أمرتُكَ أن تُبقي الأميرَ قريباً منك ...لكنكَ فاشِلٌ كوالِدتِك !

دفع ريتشارد هنري جانباً ليسقط على الأرض مصطدماً برأسِه على الجدار وسط صراخِ مارغريت وخوفها

تحدثَ ريتشارد بغضبٍ وهو يصرُ على أسنانِه : هذا تحذيركَ الأخيرِ يا عديمَ النفع ...أنتَ وأُمكَ مجردُ عقبةٍ في طريقي ..وسأتخلصُ منها

2024/06/07 · 131 مشاهدة · 1029 كلمة
White cloud
نادي الروايات - 2025