الفصل الثالث
(ستُصبِحُ مَلِكاً )
بعدَ مرورِ يومين
كان إدوارد جالِساً على سريرِهِ وقد بدى شارِداً ، همسَ بعدَ أن أطلَقَ آهةً منزعجة " أعجزُ عن نسيانِ تلك الكلمة "
إنتبَه إدوارد لمربيتِه كاثرين التي إقتربت ناحيتَه لتجلِس على السرير بقربِه وبيدِها صحنٌ مليئٌ بأنواعِ مُختلفةٍ من الفواكه ، وضعتِ الصحن جانِباً لتتحدَث بنبرةٍ متسائِلة : ما أنا بالنسبةِ لك ...إدوارد ؟
إعتدَل إدوارد في جلستِه ليجيبَ بثِقة : أنتِ أمي الثانية
- إذاً ...ألن تُخبرَ أُمكَ عن سببِ حُزنِك أو ألمِك ؟ أنتَ على هذا الحالِ مُنذُ يومين ...حتى أنكَ ترفضُ تناولَ طعامِك
- هل لاحظتِ ذلك ؟ ذلكَ جميل ...عَجِزت والدتي المَلكةُ عن ملاحظةِ مدى حُزني
- تعلمُ أنها مُنشغِلةٌ بشقيقكَ الرضيع ...هي تهتُمُ بك وبصحتِك كثيراً
- كانت هكذا قبلَ أن يولدَ حتى ، لايتعلَقُ الأمرُ بمدى إنشغالها ..بل بمدى إهتمامها بمشاعري وليس صحتي فقط
- إذاً ..ألن تُخبرني عن سببِ حزنكَ أم أنكَ ستستمِر في تغير الموضوع ؟
مدّ إدوارد يدَهُ مُمسكاً بيدِ مُربيتِه ليقربها ناحيةَ صدره قائلاً " أُماه ...هذا يؤلمني "
- هل يؤلمكَ قلبك ؟ هل أستدعي الطبيب؟
- لايملِك الطبيبُ علاجاً لهذا الألم
- هل أسمعَكَ أحدهُم كلاماً مؤذياً ؟ هل هو هنري ؟
- أصبتِ ، إنه هنري ، قالَ أنه يكرهني وأنهُ يراني كمصدَرٍ للمشاكِلِ لاغير ... وأنهُ خادِمٌ لي
- هكذا إذاً
- أُماه ، مُشكلتي الوحيدةُ أنني إبنُ الملِك ...وإلا فإنني لم أؤذِ أحدهُم مِن قبل ، لستُ شخصاً فاسِداً ولا غنياً مُغتراً بمالِه ، أنا مُجردُ شخصٍ يطمَحُ للإستيقاظِ بصحةٍ وعافيةٍ في يومِه التالي ، هذا هو أقصى أُمنياتي ( إلتمعتِ الدموعُ بعينِ إدوارد ليكمل )حلُمت ذات مرةٍ بأنني سأُصبِحُ ملِكاً ، لكن الحياة صفعتني في عدةِ مواضِعٍ حتى تخليتُ عن تِلكَ الفكرة ، قد تفكرينَ أنني ...مُجردُ طفلٍ حساسٍ ومُدللٍ يستمِرُ بالبكاء ، الأمرُ ليس كذلك ....بالنسبةِ لهنري ....كنتُ أستجمِعُ شجاعتي حين أكونُ بقربِه ، أسيرُ بثقةٍ لأنني أعلمُ أنهُ خلفي وأسقطُ أحياناً وأنا أعلَمُ أنهُ سيسندني ، لكنَهُ إختصرَ علاقتنا بكلمةِ " خادِم " ذلك مؤلِم
إقتربتِ المُربيةُ ناحية إدوارد لتعانِقهُ وهي تربِت على ظهرِه بلطف مُتحدِثةً بصوتِها المُريح : أعلمُ جيداً أن هنري يُحبك ، ربما شعرَ بالغيرةِ منكَ لسببٍ ما وربما أزعجَتهُ فكرةُ كونِهِ المسؤول عنك ، لكنه سيُدرِك خطأهُ قريباً وأيضاً ( مدت يدها لتمسَح على شعره ) ستصبِحُ أقصى أمنيةٍ لديكَ الآن نعمةً تستذكرها كُل صباح ، وستصبِحُ ملِكاً عظيماً
إبتعدت المربيةُ ببطئٍ لتمسحَ الدموع عن عيني إدوارد مُكمِلةً : أنا أراك بوضوحٍ وأنتَ تعتلي عرشَ المملكة ...وسيغني الجميعُ مُبتهِجاً بوجودِك ...ستكونُ الملِك الذي سيُسطِرُ التاريخُ ذِكراهُ وسيتعلمُ الأطفالُ سيرته
بدأتِ الدموعُ تنسابُ بغزارةٍ من عيني إدوارد وهو يهمس " مالذي ...تقولينه ! "
إبتسمت المربيةُ وهي تحدِق بوجههِ المُحمرِ وبِبارِق الأمل الذي ظهرَ بعينيهِ الدامعة لتتحدث وهي تمسَحُ دموعَه بكمِ ثوبها : هذا ما أثِقُ به ...لذا دعني أرى تِلكَ الحقيقة ، لايَجبُ أن تُخيبَ ظني
خرجتِ المربيةُ من غرفةِ إدوارد لترى هنري واقِفاً عند الباب ، تحدثَ هنري وقد بدى مُتردداً : هل إدوارد ..في الداخل ؟
مدتِ المربيةُ يدها لتمسِك بأذنِ هنري بقوةٍ قائلةً بنبرةٍ حازِمة : مالذي فعلتهُ للأمير ، ماقصةُ الخادِمِ والسيد ؟ هل هذا ماعلمتُك إياه ؟
همس هنري وهو يحاوِل إبعاد يدها التي تشدُ أُذنه : هذا مؤلم ...أنا مُخطئ ..أعترف... تسرعتُ كثيراً وكنتُ ...غيوراً نوعاً ما
أبعدتِ المُربيةُ يدها لتتحدَث بنبرةٍ منزعِجة : مالذي تفتقِرُ إليه لتشعُر بالغيرة ؟ صحتُك جيدة ، والدتك ووالدكَ بقربك ، تسكن في قصرٍ ولديكَ العديدُ من المُميزات بينما يحبكَ ويحترِمك الملكُ المُستقبليُ للبلاد ...وحتى وإن كُنت تفتَقرُ للكثير ، لايحِقُ لكَ أن تؤذي شخصاً يحبُك ويحترِمك كثيراً
- كنتُ مُخطئاً ، أعترِف بذلك ، لذا أرغب بمقابلتِه والإعتذارِ منه
- إنهُ نائِمٌ الآن ، ولا أظنُه مُستعداً لمسامحتِك في الوقتِ الحالي ، لذا حاوِل تأجيلَ ذلك ، اليوم ..هو ذكرى ميلاده الرابعة عشر ..بالرغمِ من أنني أتيتُ إلى هنا لتذكيرِه بذلك لكنني نسيت
- هل ستُقامُ حفلةُ الميلادِ هذهِ الليلة ؟
- قمنا بتوزيعِ الدعواتِ مُسبقاً وقد بدأتِ التجهيزاتُ للحفلة ، تعالَ معي ... عَلّكَ تكونُ ذا فائِدة
- أنا كذلِك بالفعل
- بعد مافعلتُه مع الأمير ...بدأتُ أشكُ بذلك
( أنهت جملتها هذِه لتسيرَ وهي تحاوِل إخفاء إبتسامتِها بينما تبعها هنري وهو يحاوِل إقناعها بكونِه شخصاً مُفيداً وبإمكانِه تحملُ الكثير )
حَلّ المساء وتزينَ القصرُ بالعديدِ من الأنوار كدلالةٍ على الإحتفالِ الذي إقتربَ موعِده
كانتِ القاعةُ الداخليةُ مُزينةً بشكلٍ مُبهجٍ وممتلئةً بتلكَ الموائِد والهدايا ، بدأ الحضورُ بالتجمِع في تِلك القاعةِ شيئاً فشيئاً ....
إقتربتِ المَلِكةُ ليديا ناحية مارغريت لتتحدث بتساؤل : هل أرسلتِ الدعوة للدوقِ مارتن ؟ فأنا لم أرى الدوقةَ أميليا وإبنها المُزعِج ويليام حتى الآن
- ذهبتُ خصيصاً لأجلِ تسليم الدعوةِ لهما ، ربما سيحضرانِ قريباً
إقتربت ماري ناحيةَ والدتِها وهي ترتدي فُستاناً أبيضاً ومزيناً بالزهور بينما قد زينت شعرها الأشقرَ بطوقٍ من الألماس ، إلتفت ماري حول نفسِها وهي تُردد : كيف أبدو ؟
إبتسمتِ المَلِكةُ لتجيبَ بفخر : فتاةُ الميلاد ...الأجملُ بالتأكيد ، لقد هزمتي والدتَكِ تماماً ، عليَ الإنسحاب
حدَقتِ الملكةُ حولها لتتحدثَ : وإدوارد ؟
تحدثت ماري بقنوط : كنتُ أحاوِل إقناعَه منذ ساعةٍ مضت ، لكنهُ يرفضُ مُغادرةَ غرفتِه
- ماذا ؟
دخلتِ الملكةُ إلى غُرفةِ إدوارد ، كانت الأضواءُ خافتةً تماماً ، فمصدَر الضوءِ الوحيدُ هناكَ هو تِلك الشمعةُ الصغيرةُ عند زاويةِ الغرفة
إقتربت الملكةُ ناحية الشُرفةِ لترى إدوارد جالساً على الأرضيةِ وهو يضمُ ساقيه
تحدثت بعدَ أن أشعلت شمعةً أخرى : لماذا تجلِسُ هناكَ ..ولوحدِك ؟
رفعَ إدوارد نظرهُ ناحيةَ والدتِه ليجيب بتردد : لا أشعرُ أنني بخير
إنتفضتِ الملِكةُ لتنخفِضَ مقتربةً ناحيتَهُ وهي تردد : مالذي يؤلِمك ؟
أجاب إدوارد بينما مايزال على وضعه : رأيتُ كابوساً ...وقد أخافني
عاودتِ الملكةُ الوقوف لتتحدث بنبرةٍ ..بدتْ ساخِرةً بالنسبةِ لإدوارد : كابوس ؟ ... لايجبُ أن يُخيفكَ شيءٌ كهذا ... الجميعُ في الخارجِ يحتفِلُ بولادتِك بينما تجلِسُ أنتَ هنا
إعتدلَ إدوارد ليِقفَ مُقابِلاً لوالدتِه قائِلاً بنبرةٍ مؤنبة : ألن تسأليني إذاً عن ما رأيته ؟ عن ماهيةِ هذا الكابوس وعن ما أخافني ؟
- لا حاجة لذلك ...فهو في النهايةِ مُجردُ حلمٍ سيء ، ثيابُك الجديدةُ على الطاوِلة فلتسرِع بإرتدائها فالجميع بإنتظارِك
إلتفتتِ الملِكةُ لتغادِر الغرفةَ بينما بقي إدوارد واقِفاً في مكانِه ، لفتَ نظرهُ إقترابُ هنري ناحيتهُ ليتحدثَ إدوارد بقلةِ صبر : أخرج
إقترب هنري أكثر قليلاً قائلاً : طلبت مني الملكةٌ مُساعدتكَ على الإستعداد
-قلتُ لك " أخرج "
- إدوارد ، أريدُ أن أعتذِر لك ____
صرخ إدوارد بقوة " أُ خر ج من هنا "
دخلت ماري إلى الغرفةِ بتوترٍ لتدفعَ هنري خارجَ الباب ثم أغلقتْه بتوترٍ وقلقٍ عارِم ، فلم يسبِق أن صرَخ شقيقها وبغضبٍ كما فعلَ للتو
إقتربت ناحيتَهُ لتأخذ بيدِه ساحبةً إياهُ حيث السرير ليجلس الإثنان ، شدت على يدِهِ بقوةٍ وهي تحدِقُ في ملامِحهِ المتألمةِ لتهمس : هل أستدعي الطبيب؟
- ليس عليكِ فعل ذلك ، سأكونُ بخير
- لم يكُن عليكَ أن تصرُخ !
- إذاً..كيفَ أعبِرُ عن غضبي ؟
- أخبرني ..وأنا سأصرُخُ بدلاً عنك !
إبتسمَ إدوارد لسماعِ ذلك ، بالنظرِ لملامِح ماري الجادة وهي تقول ذلك ، همس إدوارد " لم تفشلِ يوماً في تخفيفِ توتري "
- لا أعرفُ ما هو الفشل ...كما تعلم
كان هنري يسيرُ بضياعٍ في الحديقةٍ الخارجيةِ وهو يفكِرُ بإدوارد ، شدَ إنتباههُ صوتٌ قادِمٌ من خلفِ إحدى الأشجار المُنتشرةِ هناك ، لذا إختبئ مُحاوِلاً الإنصات لتلك الأصوات
تحدثَ أحدهم ولم يكُن شكلهُ واضِحاً لهنري " ويليام ! هذهِ فكرةٌ فاشِلةٌ حقاً ، ألن يرى الحضورُ ذلك الحبل السخيف الذي سيتعثرُ بِه إدوارد ؟
أجاب المدعو ويليام بنبرةٍ ساخرة : أخبرني إذاً بفكرتِك يا عبقري العالمِ بيتر
" بسماع إسميهما أدركَ هنري من يكونان ، فويليام ذاك هو إبنُ الدوقِ مارتن و بيتر هو صديقهُ المُخلِص "
تحدثَ ويليام بنبرتِه الساخرةِ مُجدداً : السجادةُ الحمراءُ ستكون في منتصفِ القاعة ، سيسيرُ المدللُ إدوارد في المُنتصفِ وعلى جانبيهِ الحضور ، سأدفعُك يا بيتر ...من دونِ قصدٍ بالتأكيد وأنتَ ستسقطُ بدورِك دافِعاً فتى الميلاد ارضاً ...ثُم سيضحَكُ الجميع !