الصمت غلف المكان، كان الجو غير مريحا خاصة بالنسبة لآرون لأن الجميع ينظر إليه بنظرات غريبة،
ابتلع ريقه بصعوبة وإلتقت نظراته بتلك التي تأسره وتقيمه شبرا شبرا
تكلم الإمبراطور أخيرا بصوت رتيب ينم عن الملل
"أنت لازلت حيا إذن"
توجهت انظار الجميع نحوه تنتظر ردة فعله، رفع آرون حاجبه والأفكار تعالج في عقله بسرعة ليجيب بعد عدة ثوان بنفس النبرة الرتيبة التي سُئِل بها
"لم أرد أن اموت وأرضي توقعاتكم"
رفع أليكسيوس حاجبه في مفاجأة وسقط فك أليريون من الصدمة، كان آرون معروفا بجبنه وشخصيته الضعيفة حيث لم يتجرأ على الرد على أحد من قبل ولكنه الآن نسخة اخرى تماما
لم يتغير تعبير الإمبراطور وحافظ على نبرته
"أيا يكن، هل إستعدت ذاكرتك"
حدق به آرون لوهلة هو قد استعاد القليل فقط، لم يكن متأكدا مما يجب ان يقوله
" تذكرت أمي"
لمحة خافتة عبرت عيون الإمبراطور ولكنها اختفت بسرعة ليعود لتعبيره الرتيب
كان الجو متوترا، تناقلت نظرات آرون بين الحضور الى ان سقطت على صاحب الشعر الأبيض، كان يشبه رينا باختلاف لون عينيه، استنتج انه احد الأمراء ولكنه لم يعرف اي واحد بعد
كسر الإمبراطور الصمت قائلا
"نظرا للحادثة الأخيرة سيتم نقلك للقصر الرئيسي، سيكون لديك خدم وجناح خاص بك"
تفاجىء للحظة وضاع في احلامه، خدم وجناح اي رفاهية مطلقة، كان بالفعل قد مل من طعام جمجمة الذي كان غير متنوع
تخللت ذهنه عدة تساؤلات عن سبب نفيه الى القصر الغربي و نبذ عائلته له، في حياته الشابقة كان يتيما لم يعرف طعم العائلة لذلك هي لاتهمه ولاتشغل باله
ولكن في عائلة امبراطورية لما قد يتم نبذه إن لم يرتكب خطأ او تكون مكيدة لإخراجه من خط الخلافة، كانت هذه مجرد احتمالات لا أساس لها ولكن دائما ما يكون للفرضية نتيجة
قد يبدو من النوع الغبي ولكنه في الحقيقة مجرد ثعلب داهية كسول لتشغيل ذكائه، طبيعته اللامبالية سمحت له بالتخلي عن التفكير والإكتفاء بالشرح البسيط
قطع سيل أفكاره الإمبراطور الذي لوح بيده رافضا
"أخرج من امامي"
ضاقت عينا آرون لنبرة إدوارد التي توضح شعوره بالضجر، ابتسم بجانبية ثم وضع يديه في جيوبه واعتلى محياه نظرة استعلاء
"لست تواقا لرؤيتك ايها العجوز"
استدار آرون وخرج من الغرفة بكل هدوء و غطرسة وكأنه لم ينعت الإمبراطور لتوه بالعجوز
للحظة لم يبدي أحد رد فعل ، عم هدوء ثقيل على المكان، الأمير ذو الشعر الأبيض الذي لم ينظر لآرون منذ دخوله وضع كتابه ببطىء على الطاولة واعتدل بجلسته
نظف أليكسيوس حلقه بارتباك ولمحة من التسلية عبرت شفتيه التي تحاول كتم ضحكاته،
اما أليريون فقد انفجر غضبا
"ذلك الشقي، يجب ان يعاد تربيته، عليك سجنه بتهمة الخيانة للعائلة المالكة"
تحولت كل الانظار إلى الإمبراطور ينتظرون أمره وحكمه، تنهد إدوارد بضجر ثم اجاب بعدم اهتمام
"انه ليس مثيرا للإهتمام كما اعتقدت"
توقف قليلا وعيونه الذهبية تصرخ بملل
"دعوه، لا اهتم بالاشياء الغبية"
..
في البهو الواسع، كانت هناك مواجهة اخرى لآرون
امامه وقف الخادم ذو بشرة بيضاء وعيون زرقاء، شعره ازرق كثيف مسرح إلى الخلف، ربطة عنق وبذلة سوداء انيقة مخصصة للخدم زينت جسده
نظرة الإزدراء الواضحة لم تخفى على بطلنا، إنحنى الخادم قليلا ثم قدم نفسه ونبرة صوته تبث الإشمئزاز في الهواء
"أنا رئيس الخدم، سيباستيان"
احتدت اعين آرون ثم اجاب باستفزاز
"اوه، لقد تذكرتك يا وجه الخنفساء"
صدم سيباستيان وصك اسنانه بغيض لكنه سرعان ما اعاد تعبيرات رسمية ومحايدة
"سأرشدك الى جناحك، اتبعني من فضلك"
اومىء له آرون ثم اتبعه من الخلف، كانت نظراته تجوب المكان ذهابا وايابا محاولا ان يحفظ الطريق حتى لا يتوه فيما بعد
وصل الى جناح فخم، سرير أحمر واسع بأربعة اعمدة يتوسط الغرفة مع غرفة جانبية، الاثاث فاخر ونظيف عكس جناحه السابق في القصر الغربي الذي امتلأ بالغبار والأوساخ
كان تصميم الجناح مشابها لجناح رينا ولكن هذه المرة بزيادة طفيفة وهو حمام، في القصر الغربي كان يوجد حمام منفصل لكل جناح في نفس الرواق ولكن هنا كان الحمام داخل الجناح بالفعل
'سحقا لرفاهية الأغنياء، ترى هل علي الهروب كما يفعل بعض ابطال القصص'
تمتم آرون وهو يتذكر كل الكنوز القيمة التي رآها على طول الطريق لجناحه، لكنه نفى الفكرة فورا
'لا، لم ينجح اي بطل في الهروب من قبل، بل جذبوا الانتباه لا اكثر'
استلقى على السرير وكلمات الإمبراطور تلتف داخل رأسه بسرعة
"كيف بقيت حيا حتى الآن؟"
في القصر الغربي لم يتواجد طعام او شراب او خدم، حتى الملابس كانت شبه منعدمة، كان من حظه ان المياه ذات جودة عالية وغير متعفنة
'هل هو حظ مبتدئين؟ ام انها رغبة المؤلف'
التفكير في انها رغبة المؤلف هو اكثر الاحتمالات منطقية، حيث أنه ربما يهيء بيئة مناسبة لولادة ملك الشياطين المستقبلي، امير منبوذ ومحتقر ويطلق عليه *لعنة الامبراطور*
في مثل هذه البيئة تتضخم الاحاسيس البشرية والمشاعر الساخطة كالحقد والغضب واليأس والحزن، كلها أمور يتولد مسعى الإنتقام التي يسير عليه الأشرار
نفض آرون الافكار من رأسه ثم قام بإستدعاء جمجمة
"اجبني، لماذا بقيت حيا في ظل هذه الظروف في القصر الغربي؟"
صدم جمجمة من السؤال المفاجىء لكنه قرر الإجابة، تنهد ثم قال
"لأنه كانت لديك خادمة تعتني بكل الأمور التي تحتاجها"
خيم الصمت على المكان سامحا له باستيعاب دهشته من هذه المعلومة المباغتة، كان من غير الطبيعي بالفعل ان يعيش طفل لوحده دون رعاية لذلك استنتج آرون انه نبذ بعد سن الخامسة، ولكن ان يكون لديه خادمة هذا يجعل الامور واضحة
السؤال الاهم الآن اين هي هذه الخادمة؟ ولماذا ذهبت بعد تجسده في هذه الرواية
فهم جمجمة الاسئلة التي تخالج آرون ليقرر إجابته قبل ان يسأله
"بعد ان تم اكتشاف انك خطفت وتم بيعك في دار المزاد، وقع اللوم على خادمتك وتم سجنها بتهمة الإهمال وسوء الخدمة"
ابتسم آرون بسخرية على الموقف، هم من نبذوه ولم يهتموا به وفي الأخير عندما حدثت العواقب ألقوا باللوم على شخص آخر وجعلوه كبش الفداء للمحافظة على سمعتهم امام بقية النبلاء
"لم يقتلوها، سجنوها، هذا يعني انها في سجن في القصر، صحيح؟"
ضحك جمجمة بمتعة مندهشا من ذكاء آرون، لطالما ظن انه مجرد سيد سخيف وأخرق ولكنه فاجأه بذكائه مرة اخرى، اولا عندما احترق الجدار دون سحر والآن استنتج شيئا لايعرفه سوى مسؤولوا القصر دون ادلة
'طبعا فهذا عالم فانتازيا يدور حول ؤحلة الأبطال للقضاء على الشرير وبالطبع لن تذكر قصة الشرير إلا في شكل فلاش باك قصير اطوله قد ياخذ صفحة فقط'
قد لايكون جيك ملما بالروايات ولكن دائما ماكانت الفانتازيا مرتبطة حتى بالأنمي والألعاب المختلفة، لذلك لديه مايكفيه من الخبرة التي تؤهله للحياة في هذا العالم بسلام
"جمجمة، مارأيك بالقيام بعمل خيري"
........
وسط الغابة الكثيفة، مرت نسمات الرياح تداعب الأوراق الخضراء، والسماء الزرقاء زينت بغيوم متناثرة وبأشكال متنوعة
جلس داريوس إلى جانب الشجرة يستمع لصوت الطبيعة بهدوء غريب، ملامحه مسترخية تحت اشعة الشمس الذهبية
وضعت روزاليا راسها في حضنه تستمتع بوقع لمساته التي تمسح على رأسها بلطف، تطلق خرخة قطط من وقت لأخر دليلا على رضاها
نظر بعينيه السوداء اتجاهها ثم قال بصوت اجش خشن يحمل لمحة من الدفىء
"يبدو ان صغيرنا اللطيف لاينوي العودة"
رفعت الثعبان رأسها ببطىء وعيونها ترمقه باستياء واضح
"لماذا تفكر به الآن، انسى امره فقط"
أطلق ضحكة خفيفة على موقفها المعارض، منذ ان رأت آرون وهي تتذمر رافضة رؤيته
"أظن أن علينا إعادة جرو صغير"
تنهدت روزاليا بحنق ثم قالت
"حان وقت الصيد إذن"
_________________________________
بارت خفيف زعلت لانو مو لطيف بس عادي اعوضكم ببارتات لطيفة في المستقبل (✷‿✷)