الفراغ الأبيض انتشر في المكان كالنار في الهشيم، اجتاح رؤيته وميض ساطع وتومضت المشاهد من حوله تعرض حياته كما يعرض على الميت في آخر أنفاسه
كان يمكنك وصفه بأنه بعد آخر نظرا لأنه لايتوافق مع قوانين المكان والزمان، حيث لا أرض يقف عليها ولا سماء ينظر إليها
مد يده ببطىء محاولا التمسك بأي شيء يربطه بالواقع ولكن دون جدوى، أخذ آرون عدة أنفاس وأحس بالهواء داخل رئتيه
لم يواجه مشكلة في التنفس ولكن لم يتواجد هواء أو ربما هو لا يستطيع الإحساس به
"مرحبا هل يوجد أحد هنا؟"
رغم أن صراخه كان عاليا إلا انه كتم في مسمعه دون صدى، في مرمى البصر ظهرت شخصية لطفل صغير تركض نحوه
لقد كانت النسخة الصغيرة منه، تقدم آرون الصغير ثم مد يديه ببراءة نحو جيك مطالبا إياه أن يحمله بين احضانه
حمله دون عناء كأنه ريشة خفيفة، تأمل عينيه الواسعة وضحكته المشرقة وشعر بدفىء غريب في صدره، أراد أن يسأله اين هو؟ ماهذا المكان؟ لكن لسبب ما لم تشىء تلك الكلمات ان تخرج من حلقه وعلقت هناك كغصة خانقة
بادر الصغير بالكلام وصوته اللطيف يحمل من البراءة ما يحمله الرضع، شيء لم يدنس، لم تمسسه نقطة سوداء فتلطخ بياضه الناصع
"هل أتيت لإستعادة ذكرياتي؟"
وجد جيك نفسه يومىء دون ان يشعر وكأنه فقد إحساسه وترك عقله يتحكم به دون ان يقاوم،
صفق الصغير بيديه ثم اشار نحو وميض اسود في وسط الفضاء الأبيض،كان التناقض صارخا بين قتامة الوميض وسطوع البياض كتناقض الشمس والقمر
تحرك جيك نحوه وهو لايزال يمسك بالصغير بين يديه، خطى نحو الوميض الذي كان كثقب أسود كثيفا وجاذبا كمغناطيس، كصياد يجذب فريسته ويرفض تركها
«كراك!!!»
تشقق الفضاء وتهشم كما يكسر الزجاج، ظهر صدع مظلم يكاد يرى في الوميض الأسود ولكن قتامته الحالكة طغت على لون الوميض الذي بدا كلون اسود فاتح امامه
تغير المشهد إلى غرفة نوم، جناح واسع ذو مظهر فخم وراق، لقد كان جناح رينا المتواجد في القصر الغربي، على السرير استلقت بهدوء، بشرتها البيضاء شاحبة وفستانها الازرق ملطخ بالدماء تسيل فترسم لوحات على ملاءات السرير
وجوه الخادمات فقدت لونها من الصدمة واعينهم متوسعة من الرعب يركضن من مكان الى آخر كنحل ينتشر
على الأرض بجانب السرير ثلاث فتية دموعهم سقطت كسيل على خدودهم وانوفهم احمرت من شدة البكاء يتمسكون بفستان رينا كحبل نجاة
على الجانب الآخر وقف الإمبراطور إدوارد بتعبير بارد يظهر من اللامبالاة ما لايفهم ولايفسر، بدا الامر كأنه لايهتم ولكن رعشة يديه واهتزاز حدقتيه فضحوه فضحا
"هل هذا يوم موتها؟"
سأل جيك وهو يناظر الجثة الباردة امامه ليأتيه جواب الصغير وابتسامته المشرقة تلاشت كأحلام مندثرة
" تم إغتيالها "
شعر جيك بالفتى يرتجف بين يديه، اكمل كلامه قائلا بصوت اجش
"كان هذا عيد ميلادي، من المفروض انه يوم سعيد، ولكنه كان كابوسا"
فجاة صوت صراخ حاد لايرحم دوى في الغرفة التي اصبحت صامتة وخف ضجيجها
" ياعديم الحياء، كيف تجرء على العيش حتى هذه اللحظة، كنت انت من تسبب في موتها، كان عليك ان تموت وليس هي "
إمرأة ذات شعر فضي وعيون بنفسجية، تشبه رينا في الملامح ولكنها لم تكن تشبهها في روحها،
كانت تصرخ على آرون، الفتى الذي لم يتجاوز خمس سنوات بعد، صغير لايعرف معنى الموت او معنى الشر في هذا العالم
اكملت بدون ان يرف لها جفن كانها تسرد حقائق بدلا من اكاذيبها الجارحة
"منذ ولادتك وبسببك انت فقط ضعف جسد رينا، أنت مجرد وحش نهشتها كما تنهش الاسود اجساد فريستها، انت لعنة حلت على هذه الإمبراطورية، لم يكن يجب عليك ان تولد"
عيون الصغير المتوهجة إنطفأت كما تنطفىء نار الموقد الدافئة في الشتاء القارس، دموعه التي كانت تتساقط بلاهوادة اصبحت واديا جافا لم يعرف للمطر رائحة من قبل
نظر نحو إدوارد محاولا التشبث بوالده، هكذا هم الاطفال، دائما يرون آبائهم الملجأ الآمن والملاذ الحامي ولكن إدوارد أشاح بنظره عنه كانه لم يراه أو يسمع ماقالته تلك المرأة
الخادمات جميعهم ينظرن إليه نظرات لوم وحقد، لا احد يواسيه او يخبره ان ما قيل له مجرد كذب، الصغير الذي كان رمزا للبراءة يوما عرف معنى تجسيد الشيطان بدل معرفة الملاك
تنهد إدوارد بصمت ثم تراجع من المكان وحمل آرون الصغير بين يديه يربت على شعره، لم يقل شيئا، فقط أراد تهدئته كشخص يسكت الضجيج الذي يزعج نومه
نظر إلى تلك المرأة بملل ثم قال ببرود
"إنقلعي من امامي ولاتعودي مجددا، وانتم ايضا اخرجوا."
سحب الحراس تلك المرأة التي كانت تصرخ إحتجاجا وتشتم الصغير، أومىء الخدم برأوسهم وهرعوا خارج الجناح، لتبقى العائلة فقط تودع جسد احد افرادها
.....
إختفى المشهد الذي أقسم جيك أن قلبه كاد يتقطع لرؤيته، نعم كان يتيما لايعرف معنى العائلة او محبتها ولكنه على الأقل كان يفهم اساسيات كل عائلة لأنها تشبه الصداقة والحب، حبا نقيا لاتشوبه شائبة، هذا ماعلمه اياه عجوز في الميتم الذي كان يؤويه
نزل الصغير من بين أحضانه ثم شد ملابس جيك وقال بلطف تتخلله نبرة حزن لاتخفى على المسمع
"من هنا بدأ الجميع بمناداتي لعنة الإمبراطور، ومن هنا تم نبذي، الأمير الملعون"
...
سحب جسد جيك إلى الخلف واجتاح رؤيته نور ساطع حجب إدراكه، سقط جسده على الأرض،
" تبا، هذا مؤلم "
تذمر بعبوس وهو يحس بالألم في ظهره ورقبته إثر السقوط المفاجىء، نظر حوله ليجد نفسه في وسط الغابة تحت الشجرة الذي كان يذهب إليها في بداية ايامه في هذا العالم
نهض ببطىء يستوعب ماحصل، كان الأمر فظيعا ان يشهد طفل لم يبلغ الخامسة من عمره تلك الحادثة المروعة، مهما كان السبب لايمكنهم لومه على موت رينا فهو لم يكن الجاني من الأساس
فجاة اخترق مسمعه صوت عميق ومألوف أنزل قشعريرة حادة على عموده الفقري
" تلميذي اللطيف، هل أتيت لرؤية معلمك، يال فرحتي "
تسمر آرون من الصدمة بينما ابتسم له داريوس ابتسامة باردة لاتصل الى عينيه، لم يتوقع ان يلتقيه هنا، لا لم يتوقع انه سيراه مجددا، مهما حدث كان قد تمنى ان تبتلعه الأرض على ان يقابله
لم تكن شاشة النظام رحيمة ابدا لتظهر مؤكدة اسوء كوابيسه، صدح صوت النظام المزعج ليظهر في الهواء بلون احمر قاتم يتوهج بشدة
__________________________________
🟥 تحذير النظام 🟥
⚠️ تم رصد كيان غير معروف
اسم الكيان: [داريوس]
❌ لا يمكن للنظام التعرف على هذا الكيان.
❌ مستوى القوة: غير قابل للقياس.
❌ نسبة النجاة: 0%
📢 التوصية: اهرب فوراً.
⏳ البقاء في المكان = الموت الحتمي
__________________________________
شتم آرون تحت انفاسه، كان النظام دائماً مايظهر في اوقات غير مناسبة، اظهر بوضوح ان عليه الهرب ولكنه لم يكن غبيا جدا ليهرب عرضا كما فعل في المرة السابقة، فالمرء يتعلم من اخطائه وإلا سيكون احمقا لا فائدة منه
لم يتغير تعبير داريوس، كان متكئا على الشجرة يراقب آرون كما لو انه يعلم مايفكر به وما ينوي عليه، نظراته الجامدة وانفاسه الثابتة والمنتظمة اوضحت ان بطلنا وضع في موقف لايحسد عليه
ارتجف جسده وهو يشعر بوجود روزاليا خلفه، كان يكرهها او بالأحرى يخاف منها الى النخاع، لم يكن الامر يرتبط بروزاليا بحد ذاتها بل فقط لكونها ثعبانا فهو يمقت الزواحف، لايحتملها ولعل هذا هو السبب الذي جعل روزاليا تكرهه أيضا
"يبدو ان الهارب قد جاء اخيرا، هل ستفر كالفأر مرة اخرى ايها الجبان؟"
نبرتها الساخرة وهسهسة لسانها لم تساعد في تهدئة الاجواء، رغم ان آرون كان يمقت الزواحف إلا أنه لن يسمح لأحد بالسخرية منه، استجمع نفسه ثم استدار إليها وعلى تعبيره ثقة مزيفة
"لماذا؟ هل تخافين ان اجعلك تلتفين حول الاشجار كغصن ذابل مرة اخرى"
احتدت نظرتها وهي تتذكر كيف علقت بسببه في المرة السابقة، حيث جعلها تلتف حول الأشجار إلى أن عقد ذيلها برأسها
كشرت عن انيابها بابتسامة خبيثة وماكان الخبث سوى طبع الثعابين حتى لو تغير العالم
"سأريك الجحيم في تدريبك ايها الشقي"
هلووو قايز، عفوا على التاخير كنت احاول تعديل طريقة سردي واثرائه اكثر، كما تعلمون محاولة للتطور، رايت انني تنقصني التفاصيل ولاتوجد طريقة افضل من الوصف، لذلك هذا الفصل هو محاولتي الاولى في التحسين اخبروني اذا كان سردي ركيكا او عاميا، او اذا اردتم ان اعود لطريقتي القديمة، شكرا لأخذ من وقتكم لقراىة هذا الإعلان المزعج للبعض، حظا طيبا، استمتعوا
🧋