الفصل السادس عشر: ثقلٌ لا تحمله الأرض

بوووووووووووم!

اهتزّ الهواء وتشققت الأرض، حين سقط كيان من السماء بقوة لا تشبه البشر، لا ضوء ولا ظلام… بل هالة غريبة، خانقة، تكاد تُرغم كل من حولها على السجود رهبة لا طاعة.

الرماد تصاعد من حوله، والهواء أصبح ثقيلاً، ثم ظهرت ملامحه ببطء وسط الضباب الأرجواني المائل للسواد.

موراكس.

جسده متناسق ومبنيّ، عارٍ من الأعلى، يُظهر عضلات كأنها نُحتت من رماد معجون بالدم.

جلده لا يوصف بالأسود أو الرمادي، بل وكأن الظلال تكسوه.

شعره كثيف، قصير، لكنّه يتطاير بخفة غير مفهومة رغم سكون الهواء.

عيناه… لم تكن سوى فتحتين مضيئتين بلون أحمر جهنمي، تنبعث منهما كراهية دفينة…

وفوق رأسه… هالة مشعة بلون بنفسجي متقطّع، وكأنها مكسورة وتُعيد ترميم نفسها كل لحظة.

ظهره لم يكن عادياً، بل يخرج من خلفه ظلال كثيفة كالأجنحة، لكنها تنفصل وتتمدد كأنها أرواح تصرخ بصمت.

كان يحمل سيفاً ضخماً، لكن طريقة وقوفه جعلت من السيف وكأنه امتداد لجسده، لا أداة في يده.

قال كروماتن، وقد ازدادت ثقته لحظة رؤيته: "لقد تأخرتَ يا موراكس…"

لكن موراكس لم يجب، بل كان ينظر إلى كلاينفير فقط، بعينين لا تنبضان بالحياة… بل بالتقييم.

تحدث أخيرًا، بصوت غليظ، وكأنّه يخرج من قبو مغلق منذ قرون: "ما الذي حدث هنا؟ لقد تلقيتُ رسالتك الدماغية، لكنني لم أكن أتصور أنك تواجه هذا الوحش بمفردك…"

ضحك كلاينفير، ضحكة قصيرة، ثم قال بنبرة متغيرة، منخفضة لكن تحمل في طيّاتها تهديدًا: 《هوه… هل طلبتَ المساعدة؟》

ردّ كروماتن بثقة وهو يتقدم خطوة: "لم أتوقع أن تصل إلى هذه القوة بهذه السرعة، لذا استدعيت أخي في السلاح."

صمت كلاينفير… ثم رفع رأسه ببطء وقال بصوت ساحق:

《أخ في السلاح؟》

صوته تغيّر… لم يكن فيه جنون، ولا عبث. بل غضب صافٍ… نقيّ… ومميت.

《كروماتن… لقد ارتكبتَ أكبر خطأ عندما نطقتَ بهذه الكلمة أمامي…》

موراكس تقدّم خطوة، كانت كافية لجعل الصخور من حوله تتكسر، ثم قال بصوت بارد:

"هاي… أنت، هل تهدد أخي؟"

لكن قبل أن يكمل، قطع كلاينفير كلامه بإشارة من إصبعه نحوه، ونبرة من نوعٍ آخر:

《أخرس.》

لم تكن الكلمة عادية… كان لها ثقل… طاقة… حتى موراكس، للحظة، توقّف.

الجو اشتعل بين الثلاثة.

نظرات قاتلة. صمت مشحون.

ولا أحد مستعد للتراجع.

ثلاث قوى… على وشك الانفجار.

والأرض… لا تبدو مستعدة لتحمّل ما هو قادم.

بدأ كلاينفير يتحرّك ببطء، خطواته ثابتة على الأرض المتشققة تحت قدميه، جسده مسترخٍ، لكن طاقته القاتمة تتسرب من حوله مثل خيوط سوداء تتلوّى بتوتر.

اقترب أكثر، ثم رفع رأسه وحدّق في عيني موراكس مباشرة، وقال بنبرة مغموسة بالعداء القديم:

《إذًا... أنت أخوه في السلاح؟ هه... أتدري؟ لقد كنتَ غير محظوظ بظهورك أمامي، لأنني… أكره الإخوة في السلاح.》

لم يرد موراكس… لم تكن هناك حاجة للكلمات.

صرخ فجأة، وقفز بقوة رهيبة، رفع سيفه الضخم بكلتا يديه، وانقض من الأعلى نحو رأس كلاينفير.

صوت الريح تمزق، والأرض تحت قدميه تفتت.

لكن…

توقّف كل شيء في لحظة.

يد واحدة… يد كلاينفير امتدّت بهدوء…

وأمسكت السيف في منتصف اندفاعه، كأنه يمسك بعصا خشبية… لا، كأنها لا شيء.

نظر موراكس بدهشة مذهولة. لم يفهم. لم يتحرك.

لكن قبل أن يفيق من صدمته، ارتفعت قبضة كلاينفير الأخرى فجأة…

بوووووووووم!

لكمة مباشرة في معدة موراكس، بلا رحمة، بلا إنذار…

لم تكن مجرد ضربة، بل كانت إعصارًا مركزًا من القوة.

طار موراكس في الهواء، جسده يلتف لا إراديًا من شدة التأثير،

لكنه لم يسقط على الأرض…

بل اصطدم بـكروماتن!

الارتطام بين الجسدين كان عنيفًا، وارتدّت موجته إلى الغابة خلفهم، مدمرةً الأشجار، ممزقة التربة، ومرسلة غبارًا كثيفًا إلى السماء.

ظلّ كلاينفير واقفًا في مكانه، لم يتحرك خطوة.

ثم مسح الدم من إصبعه، وقال بسخرية قاتلة:

《قتال اثنين؟ هيه… هذه بداية ضعيفة جدًا…》

والآن... كلا الخصمين مطروحين…

لكن الأرض لم تهدأ.

شيء ما… يتحرّك داخل موراكس.

وكروماتن بدأ يستفيق.

والجولة الحقيقية… لم تبدأ بعد.

وقف موراكس وكروماتن في صمتٍ ثقيل، الأرض تحت قدميهما تصدعت، وتحركت ذرات الغبار من حولهما كما لو أن الطبيعة ذاتها بدأت تفقد توازنها أمام حضورهما. جسداهما ارتجّا ببطء، ثم انفجرت منهما طاقة هائلة، طاقة لم تكن عادية ولا حتى قابلة للوصف بسهولة. كانت الهالة المنبعثة من كليهما تشقّ الهواء، وتسحق التربة، وتدفع ما تبقى من الحشائش الصغيرة إلى الذبول التام.

هالة موراكس كانت تتخذ شكل دوّامة قاتمة تتداخل فيها الأضواء البنفسجية والزرقاء، تنبع من جسده كأنها لهبٌ حي، أما كروماتن، فقد غمرته طاقة سوداء مائلة للرمادي، تتخللها شرارات دمويّة اللون، تتراقص حوله بعشوائية مروّعة، وكأنها تمثل شظايا الكراهية التي تشكل كيانه الداخلي.

في المقابل، كلاينفير وقف دون أن يتحرك، عيناه نصف مغمضتين، تعابير وجهه جامدة، لا يبدو عليه الذعر ولا التوتر، لكنه شعر بشيء مختلف هذه المرة. شيء ثقيل. شيء لم يكن مألوفًا.

لقد كانت الهالتان معًا تتجاوزان حدود الطبيعة، وبدأت تضغط على طاقته، حتى شعر للحظة أن طاقته الخاصة تنكمش بداخله كما لو أنها فقدت سيادتها في المكان.

لكن بدلًا من الانهيار... ابتسم.

كانت ابتسامة خفيفة، شبه باهتة، لكنها كانت تعني شيئًا خطيرًا.

وفجأة، ومن دون أي حركة يد أو تعويذة... انفجر الظلام خلفه، لتظهر أربع نسخ منه.

كل نسخة كانت تحمل نفس ملامح الوجه، نفس البرود، نفس النظرة التي تقتل بمجرد النظر.

تقدّم أحدهم للأمام خطوة وقال بصوت مطابق تمامًا لصوته:

《كروماتن… أتمنى أن تعتبرا هذا عدلًا. ففي النهاية، أنتما اثنان، أليس كذلك؟》

ثم انحنى قليلًا إلى الأمام، وابتسم:

《الآن ستواجهان أنتما أيضًا… اثنين مني. بل أربعة.》

هنا، رفع أحد النسخ يده اليمنى، وبدأت الطاقة القاتمة تتراكم حولها على شكل شفرات طويلة تدور حول المعصم، أما النسخة الأخرى فقد سحبت سيفها، وبدلاً من طاقة سوداء، خرج من جسدها وميض فضي بارد كالجليد، وكانت عيناها قد تغيرتا إلى لونٍ رمادي متجمد.

أما النسختان الباقيتان، فقد اكتفتا بالوقوف، إحداهما كانت تنظر إلى السماء، كما لو أنها تتحرى عن شيء بعيد، والأخرى بدأت تشق الأرض بقدمها وكأنها تستعد لهجوم مزلزل.

وقف كروماتن للحظة مذهولًا. لم يكن يتوقع هذا التوسع المفاجئ في قدرات عدوه. أما موراكس، فقد قهقه ضاحكًا بصوت أجشّ، ثم قال:

"أوه... إذًا أنت لا تعرف معنى القتال النزيه أيضًا."

رد كلاينفير الأصلي وهو يتقدم ببطء، صوته عاد هادئًا لكن مشحونًا بقوة لا يمكن تجاهلها:

《لا وجود للـ"نزيه" في عالمنا، موراكس. هناك فقط… من يبقى واقفًا في النهاية.》

في اللحظة التالية، اندلعت المعركة.

قفزت النسخة الأولى تجاه كروماتن، تتنقل بين الصخور بسرعة هائلة، وبدأت توجّه ضربات دقيقة بسيفها باتجاه مفاصل كروماتن، لكن كروماتن صدّها بضربات عكسية، واندفع بهجوم مضادٍ جعل النسخة تنقلب في الهواء وتتراجع.

في الوقت نفسه، اندفعت النسخة الثانية صوب موراكس، واصطدمت سيوفهما في ومضة من الضوء والشرر، ارتجفت الأرض تحت أقدامهما، وخرجت دوامة ضغط من موقع التصادم، أطاحت بالغبار والأوراق اليابسة عشرات الأمتار في جميع الاتجاهات.

أما كلاينفير الأصلي، فقد ظل ثابتًا في مكانه للحظات، يراقب خصميه، بينما النسختين الأخريين بدأتا تدوران حولهما كأنهما تنتظران اللحظة المناسبة للانقضاض.

وفجأة، قال كلاينفير بصوت منخفض لا يسمعه إلا من اقترب جدًا:

《الآن… لنرى من سيسقط أولًا.》

المعركة لم تصل إلى ذروتها بعد… لكنها بدأت تُظهر معنى كلمة "جحيم".

جحيم لا يُطفأ. ولا ينجو منه أحد بسهولة.

2025/07/28 · 4 مشاهدة · 1084 كلمة
نادي الروايات - 2025