آرك الممالك الأربعة: الفصل الأول

كان كلاينفير يسير بخطوات هادئة عبر السوق، يراقب بعينيه حركة الناس من حوله. أصوات الباعة تتداخل، هذا ينادي على بضاعته، وذاك يرفع صوته معلنًا عن جودة محصوله، وآخر يصرّ على الزبون أن السعر الذي يطلبه هو الأخير. رائحة الخبز الطازج تختلط بروائح التوابل القوية، وصوت العملات المعدنية وهي تُسقط في الأكياس الصغيرة يتردد في الهواء.

وبينما كان يتأمل المشهد، لاحظ تحركًا مختلفًا في الصفوف الأمامية، إذ بدأ الناس يبتعدون بهدوء إلى جانبي الطريق، مفسحين المجال لخمسة شيوخ ذوي ملامح صارمة وملابس فاخرة، يسيرون بثبات وكأن خطواتهم تحمل ثقل سنوات طويلة من التجربة والهيبة. أعين المارة تتابعهم باحترام وصمت، وكأن وجودهم وحده يفرض النظام وسط فوضى السوق المعتادة.

شعرت هان بالفضول وهي تتابع الشيوخ الخمسة بعينيها، ثم التفتت نحو التاجر الذي كان يقف بجوارها خلف طاولة خشبية مليئة بأكياس الحبوب وقطع الفخار، وقالت بصوت خافت كي لا يسمعها أحد غيره:

"من هؤلاء؟"

رفع التاجر حاجبيه ونظر إليها نظرة سريعة قبل أن يعود لترتيب بضاعته، ثم قال:

"هؤلاء شيوخ هذه المملكة… صحيح أن المملكة تضم عددًا كبيرًا من الشيوخ، لكن هؤلاء بالتحديد هم أقوى الشيوخ جميعًا… إنهم في مرحلة قبة السماء، مرحلة لا يصل إليها إلا القليلون، فهي شديدة الصعوبة."

اتسعت عينا هان وهي تسأله:

"مرحلة قبة السماء؟ وما هذه المراحل أصلاً؟"

ابتسم التاجر ابتسامة قصيرة وكأنه يستمتع بشرح الأمر، ثم قال وهو يمد يده ليشير وكأنه يرسم المراحل في الهواء:

"المراحل تدل على مدى صقل الشخص لقوته الجسدية والروحية معًا… وكلما صقل قوته أكثر، ارتفع في المراحل… والمراحل الكاملة عشرة، تبدأ من الأضعف إلى الأقوى هكذا:

أولاً: مرحلة الجذر الأول.

ثانيًا: مرحلة البراعم النامية.

ثالثًا: مرحلة الجذع الصلب.

رابعًا: مرحلة أوراق الحياة.

خامسًا: مرحلة زهور الطاقة.

ثم تأتي المرحلة السادسة، وهي مرحلة قبة السماء، حيث يصبح الشخص أقوى بأضعاف مضاعفة عمّن هم دونه، ويبدأ في التحكم في طاقته بدقة عالية.

أما ما بعدها فهي خمس مراحل لا يجرؤ معظم المقاتلين حتى على الحلم ببلوغها:

سابعًا: مرحلة الشفق السماوي.

ثامنًا: مرحلة النجم المضيء.

تاسعًا: مرحلة القمر الفضي.

عاشرًا: مرحلة الشمس الذهبية.

وأخيرًا… مرحلة القمم الخمس، وهي ذروة القوة التي يمكن لإنسان أن يصل إليها، ولا يعرف أحد من بلغها في عصرنا هذا."

أخذت هان نفسًا عميقًا وهي تستمع، وعيناها ما تزالان تلاحقان الشيوخ الذين كانوا يبتعدون ببطء وسط السوق. كان وقع خطواتهم على الحجارة يُسمع رغم الضجيج، وكأن الأرض نفسها تفسح لهم الطريق. كل تاجر كان يوقف نداءاته حين يمرون أمامه، والباعة الجدد يطأطئون رؤوسهم باحترام حتى لو لم يعرفوا أسماءهم.

قال كلاينفير: "ما اسم هذه المملكة؟"

ابتسم التاجر وهو يزيح بعض الغبار عن بضاعته قائلاً: "أنت حالياً في أضعف الممالك… المملكة الرابعة، مملكة أورفين، وهي مملكة حاكمة الجنوب."

تأملت هان كلمات التاجر ثم سألت بفضول: "أضعف الممالك؟ إذن هناك ممالك أخرى أقوى؟"

أومأ التاجر برأسه وهو يخفض صوته قليلاً كمن يروي سراً: "نعم، هناك أربع ممالك رئيسية، مرتبة من الأضعف إلى الأقوى. مملكتنا الرابعة أورفين، ثم المملكة الثالثة في الشمال، تليها المملكة الثانية في الشرق، وأقواهن المملكة الأولى في الغرب… مملكة لا يجرؤ الكثيرون حتى على ذكر اسم حاكمها."

شعرت هان بالإثارة وقالت: "ولماذا مملكتكم الأضعف؟"

أجاب التاجر وهو ينظر إلى الأفق وكأنه يسترجع ذكريات قديمة: "لأن مواردنا أقل، وجيشنا ليس بقوة الجيوش الأخرى، كما أن الشيوخ الأقوياء لدينا قلة… ومع ذلك، لدينا بعض من بلغوا مراحل متقدمة في الصقل، مثل هؤلاء الخمسة الذين رأيتهم قبل قليل."

تدخل كلاينفير هذه المرة، صوته هادئ لكن يحمل نبرة فضول: "وهل الممالك تتقاتل فيما بينها؟"

ابتسم التاجر ابتسامة خفيفة وقال: "ليس دائماً، لكنها تتنافس على الأراضي والموارد، او الإرتفاع لمراتب أعلى."

قال كلاينفير: "ما اسم الممالك الأخرى؟"

ابتسم التاجر قليلًا وكأنه ينتظر هذا السؤال منذ مدة، ثم قال: "هناك أربع ممالك تحكم هذا العالم، وكل واحدة منها تتخذ موقعًا من الجهات الأربع، ولكل منها حاكمتها الخاصة. المملكة الرابعة التي أنت فيها الآن هي حاكمة الجنوب أورفين، وهي الأضعف من حيث النفوذ العسكري والاقتصادي، لكنها تتميز بأراضي خصبة وتجارة نشطة."

رفع كلاينفير حاجبه وسأل: "وماذا عن البقية؟"

أجاب التاجر وهو يلوح بيده باتجاه الشرق: "تليها المملكة الثالثة، حاكمة الشرق فينلورا. مملكة مزدهرة بالمعرفة والتكنولوجيا، مشهورة بمدارسها الكبرى وأساتذتها الماهرين. جيشها ليس الأقوى، لكن ذكاء علمائها جعلهم قادرين على تعويض ذلك بأسلحة وأدوات متقدمة."

تدخلت هان وهي تنظر باهتمام: "وماذا عن المملكة الثانية؟"

ابتسم التاجر وقال: "المملكة الثانية، حاكمة الغرب دارفيلد، هي مملكة المحاربين. سكانها معروفون بقوتهم الجسدية وصلابتهم في القتال. أراضيهم جبلية وصعبة، لكنهم حولوا ذلك لصالحهم في الدفاع والهجوم."

ظل كلاينفير صامتًا للحظة، ثم قال بصوت منخفض: "إذن المملكة الأولى..."

تنهد التاجر وكأن الحديث عن المملكة الأولى يحمل ثقلًا خاصًا: "المملكة الأولى، حاكمة الشمال سولاريس. يقال إنها الأقوى من بين الجميع، قوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية مجتمعة تجعلها خصمًا لا يمكن لأحد مجابهته بسهولة. حاكمتها صارمة وعادلة في الوقت نفسه، ولديها جيش لا يقهر."

اقترب أحد المارة من التاجر وهمس له بشيء، فهز التاجر رأسه ثم التفت إلى كلاينفير وقال: "لكن تذكر، يا غريب، هذه الممالك الأربع ليست دائمًا على وفاق. الحروب القديمة لم تُمحَ من الذاكرة، والتحالفات قد تنهار في أي لحظة."

قالت هان وهي تعقد ذراعيها: "وكيف يعرف الناس عن هذه التفاصيل؟"

ابتسم التاجر بخبث: "من يختلط بالناس كثيرًا يسمع القصص، لكن ليست كل قصة صادقة. بعضها محرف، وبعضها أسرار لا يعرفها إلا الحكام أنفسهم."

سكت الجميع لوهلة، وكأنهم شعروا أن مجرد الحديث عن السياسة قد يجلب المتاعب، ثم عاد التاجر لترتيب بضاعته وهو يتمتم: "في النهاية، القوة وحدها هي التي تحكم هذا العالم، مهما تغيرت الأسماء أو الممالك."

2025/08/08 · 2 مشاهدة · 861 كلمة
نادي الروايات - 2025