الفصل الثالث: لقاء تحت الحرير الدموي
في اليوم التالي، استيقظ كلاينفير ونظر حوله، ثم تثاءب بخفة ونزل من السرير ليخرج من غرفته. رأى مازرين ولورباين جالسين يحتسيان الشاي، فركض باتجاه مازرين واحتضنها.
《ماما أنا جائع》 قالها بحماس، وكأن شخصًا بريئًا لم يمت بسببه بالأمس.
"يا حبيبي، هناك دولة مجاورة تريد التعاون مع مملكتنا. سنأكل عندهم، هيا ارتدِ ملابسك حتى نذهب."
《ممم؟ دولة مجاورة؟ حسنًا》
...
في دولة مارثين، في قصر مورازن، امتلأ المكان بالعديد من النبلاء.
"يا فتى، أنا لا أشعر بالارتياح... أشعر أن شيئًا سيئًا سيحدث."
ضحك كلاينفير داخليًا.
《شيطان خائف؟ كم هذا مضحك》
وبينما هو يسير في الممرات الفخمة، اصطدمت به فتاة وسقطت على الأرض. مد كلاينفير يده ليساعدها على الوقوف.
{شكرًا لك! وآسفة على اصطدامي بك.}
《ممم؟ لا بأس. ما اسمك؟》
ابتسمت له بود.
{اسمي ميريكو مورازن.}
احمر وجه كلاينفير قليلًا.
《أحم... سررتُ بمعرفتك، أنا كلاينفير أثغارث.》
"أوه، ميريكو! كيف حالك؟"
قالت مازرين بلطف وهي تقترب منهما.
{أنا بخير، يا سيدتي.}
《أمي، من هذه؟》
"هذه ابنة مورازن، صاحب هذا القصر."
"يا فتى، لماذا أنت محرج؟"
《أيها الشيطان الغبي، هل تتوقع مني أن أحافظ على تعابيري وفتاة بهذا الجمال تبتسم لي؟》
بدأ الحفل أخيرًا... عزفت الأوتار أنغامها الرقيقة، وانعكست أضواء الثريات البلورية على أرضية القصر المذهبة، وكأن النجوم قررت أن تنزل لترقص الليلة مع البشر.
جلس كلاينفير وميريكو على طاولة وحدهما، طاولة وُضعت بجانب نافذة ضخمة تطل على حديقة واسعة مزينة بزهور البنفسج واللوتس، وكانت أوراق الأشجار تتمايل كأنها تحيي اللقاء الأول بين قلبين ما زالا لا يعرفان ماهية الارتجاف الساكن خلف الضلوع.
ميريكو كانت تتحدث بحماس ودفء، تبتسم بخفة، وعيناها تتلألآن كأنهما انعكاس لنور القمر على صفحة بحيرة صافية، كلماتها كانت تنساب برقة كأنها أغنية ليلية تعرف كيف تلامس الروح دون استئذان.
أما كلاينفير، فكان يشعر بتصاعد الدم في وجهه، لا يعلم إن كان ما يشعر به هو خجل، أم اضطراب، أم مجرد دهشة من مصادفة حولته من قاتل بارد في الظلام، إلى طفلٍ لا يجيد السيطرة على قلبه عندما تضحك فتاة بجانبه.
كان قلبه ينبض بقوة، كأن داخله طبل حرب يُقرع، أو ربما كان ذلك فقط همس الشيطان وهو يراقب كل شيء بابتسامة ساخرة. كيف انتهى به المطاف هنا؟ كيف اجتمع مع هذه الفتاة، التي تحمل من الرقة ما يكفي لتذيب الجليد المتراكم في قلبه؟
حتى الهواء أصبح مختلفًا، وكأن نسماته تحمل عبير الزهور وتلف حولهما خيوطًا ناعمة من خيال لا يريد أن ينتهي.
"يا فتى، أنت تعلم جيدًا أنك ستقتل هذه الفتاة عندما تصل إلى سن العاشرة، أليس كذلك؟"
《ماذا؟ أقتلها؟》
صدى الكلمات تخبط في أذنيه كصاعقة تهوي من سماء قاتمة، تعيد ترتيب مشاعره الباهتة وتزرع في قلبه غابة من الظلال والشكوك.
"هل نسيت؟ هل تناسيت أنك ستصبح متعطشًا للدماء حين يبلغ عمرك العاشرة؟ أنت وعائي، وعائي انا الشيطان الذي يسكنك، انسيت؟"
في داخله، ترددت الأصوات كأصداء في كهف مظلم، همسات هينراثير تنسج خيوط القدر المظلم حوله، تذكّره بأن الوقت يمر، وأن العدم يقترب بخطى لا تعرف الرحمة.
كانت الكلمات تتراقص كأشباح بين أضلاع روحه، تهدد أن تلتهم كل بقايا النقاء التي حاول أن يحتفظ بها، كأنها لهيب يلتهم حديقة الأمل، ويحرقها حتى لا يبقى إلا رمادٍ بارد.
كانت الفكرة تزن كجبل على صدره، ثقيلة لا تملك النجاة منها، مثل نداء ظلامي لا ينتهي، يهمس له: "استعد، يا فتى، لأن المصير لا يرحم، ولن تنتصر سوى الدم."
مرت الساعات ببطء ثقيل كأنها أنين زمني يتردد في أروقة قلب كلاينفير، وكانت أفكاره تتخبط في ظلمة لا تُرى، كأنها أمواج بحر عاتية تتلاطم في داخل روحه الهادئة.
كان هينراثير يهمس في أذنه، كالساحر الذي يزرع الخوف في بستان الأمنيات، يذكره بأن النور مهما أضاء، لا بد أن يأتي الليل ليبتلعه في ظلاله.
كلاينفير جلس وحيدًا، يحدق في فجوة لا نهاية لها من الحيرة والألم، محاطًا بسكون القصر الذي يلفه برد الخيانة والسر، يحاول أن ينسج من خيوط اليأس خيمة يحتمي بها من عاصفة القدر التي لا ترحم.
وفي تلك اللحظات، تذكّر صوت أمه، كنسمة دافئة تلمس روحه المتعبة:
"كلاينفير! هيا، انتهى الحفل، تعال معنا."
لكن الكلمات كانت تزيح عن صدره غمًا لم يكن يريد أن يتركه، كانت وكأنها موجة تهدر في قلب بحر هائج، يصارعها بصمت لا يسمعه إلا هو.
أخذ نفسًا عميقًا، كأنه يحاول أن يغسل وجهه من أثر الظلام، وبخطى ثقيلة وكأنها تجر أعباء العالم كله، نهض من مكانه، متجهًا إلى حيث الأضواء والوجوه، لكن قلبه كان لا يزال في بحر عميق من الأسئلة، لا يعرف أي شاطئ سيلجأ إليه، ولا أي نجمة سترشده في سماء غامضة بلا قمر.