الفصل الرابع: صدمة!

في اليوم التالي، استيقظ كلاينفير على صوت والده، ناعمًا كنسمة خريف تسللت من نافذة مفتوحة، لكنها حملت نداءً لا يُردّ.

"استيقظ يا كلاينفير." قالها لورباين بهدوءٍ يشبه نُذر العاصفة.

فتح كلاينفير عينيه ببطء، كان ما زال بين الحلم والواقع، وبين الكوابيس التي لا ترحل.

《ماذا هناك يا أبي؟》

"سأعلمك فن المبارزة، يا ابني... قد حان الوقت."

تردد الاسم في أذنيه كجرسٍ في معبد قديم: فن المبارزة...

كان الصوت يحمل رهبة، لا لأنه فن الحرب، بل لأنه طريق لفهم من يقف أمامك...

وطريق لفهم من تكون.

في ساحة التدريب، حيث الرمل لا يزال رطبًا من مطر الأمس، وحيث الأشجار تنحني كأنها تراقب المشهد بحكمةٍ صامتة، وقف كلاينفير وأمامه لورباين.

السيفان الخشبيان في أيديهما لم يكونا مجرد أدوات تدريب... بل كانا نُسَخًا باهتة عن قدرٍ يتربص في ظلال الحديد الحقيقي.

أمسك كلاينفير السيف بيدين ثابتتين، لكن قلبه لم يكن كذلك.

《لدي خبرة في المبارزة، قد أستطيع التفوق على أبي من حيث الحركات، لكن... البنية الجسدية؟ فرقٌ شاسع... سأحاول الصمود أمامه فقط، لأحلل حركاته... أدرس أنفاسه... وأتعلم.》

لورباين لم يكن يتكلم. كان جسده يتكلم نيابةً عنه.

وقف ثابتًا كجبلٍ صامتٍ حفر في قلبه النار والحديد.

عيناه مثل سيفين لا يرحمان، وعضلاته تتحرك بتناسقِ وحشٍ يعرف تمامًا متى يضرب... ومتى يقتل.

ماضي لورباين – الدم الذي لم يجفّ بعد:

حين كان في سن العاشرة، لم يكن إلا طفلًا يحب اللعب، يركض في الممرات، يضحك على أشياء تافهة.

حتى أتى ذلك اليوم... حين دخل والده عليه، ومعه رجلٌ غريب الملامح، يحمل سيفًا أطول من ظلّه.

ومنذ ذلك اليوم، اختفى الطفل، وبقي فقط الجندي.

مرت السنين، واختلطت الأحلام بصرير السيوف، والأمنيات بعظام الأعداء.

في الحرب، لم يكن لورباين مجرد مقاتل... بل كان كابوسًا يمشي.

١٥٠ قتيلًا... رقم لا يُذكر بصوتٍ عالٍ في البلاط الملكي، لكنه محفور على ظهر كل جندي عاش تلك الحرب.

أما جرحه الوحيد...

كان في ذراعه، لكن الجرح الحقيقي كان موت أمه بين يديه،

واغتيال والده...

على يد خادمٍ، كان يبتسم له بالأمس.

وحين جلس على العرش، لم يكن يبحث عن القوة، بل عن حضن.

وجده في مازرين، خادمة القصر التي مسحت دمه ذات مساء... فغسلته من ماضيه.

{♧المؤلف=معلومة بسيطة يا شباب اسم كلاينفير الكامل هو كلاينفير لورباين فانذين أثغارث لكن كإختصار ممكن نقول كلاينفير أثغارث او كلاينفير فقط اسم أثغارث هو اسم العائلة♧}

العودة إلى الحاضر – رقص الظلال في ساحة الرمل:

بدأ القتال.

ركض كلاينفير بسرعةٍ مذهلة، خطواته تخترق الهواء، كأن الريح نفسها انقسمت لتفسح له الطريق.

انقض على والده، ضربة مستقيمة، خاطفة، لكن لورباين لم يتحرك... سوى في اللحظة الأخيرة، تفاداها بانزلاق جانبي كراقص قاتل.

ثم استدار، وردّ الهجوم بضربةٍ جانبية، اصطدمت بسيف كلاينفير، فتردد الصوت في الساحة كصرخة خشبٍ تألم.

اشتعلت المبارزة.

كانت كل ضربة مثل بيت شعرٍ غاضب،

كل تفادٍ كقافيةٍ لم تكتمل،

كل دورانٍ بين الاثنين كرقصةٍ على إيقاعٍ كُتب بالدم.

كلاينفير يلهث، لكنه لا يتراجع.

كلما تراجع، يتذكر ميريكو، يتذكر هينراثير، يتذكر أنه لا يريد أن يكون مجرد وعاء.

《لن أكون مجرد سلاح في يد الظلال... لن أكون عبدًا للموت.》

أغلق المسافة بينه وبين والده، قفز في الهواء كأميرٍ غاضبٍ يهاجم التاج،

لكن لورباين انحنى بخفة، ووجه ضربة نحو ساقه.

سقط كلاينفير على الرمل، وابتسم رغم الألم.

"أنت سريع، لكنك تفكر كثيرًا قبل أن تضرب."

قالها لورباين، ومد له يده.

《أفكر كثيرًا... لأنني لا أريد أن أندم.》

امسك بيد والده ونهض من جديد.

كان جسده مرهقاً...

لكن في عينيه،ولدت شرارة جديدة.

شرارة... قد تحرق العالم ذات يوم.

انتهى وقت التدريب، وذهب كلاينفير إلى غرفته.

كان الوقت قد كُسِر كمرآةٍ سقطت على أرضية القصر،

كل دقيقة تتفتت إلى شظايا من أفكارٍ مسمومة،

وكل ثانية تنزف من عقله ذكرى ميتة.

جلس على سريره العريض،

حيث المخدّات معطرة، والستائر تتمايل كأشباحٍ منهكة.

لكنه لم ير شيئًا…

بل شعر بشيءٍ واحد فقط: الثقل.

ثقل ما رآه، ما شعر به، وما فقده.

كانت العتمة تزحف بهدوء، لكن في داخله، كانت صاخبة.

ثم، وكأن الزمن أفرغ صدره من الهواء… تذكّر.

تذكّر خيانة تلميذه، الذي ربّاه كابنه.

ذلك الذي علّمه كيف يمسك القلم، ثم كسر به عنقه.

وتذكّر أخاه في السلاح، الذي كان يتقاسم معه الخبز في ساحات الموت،

ثم باعه لأجل مقعدٍ في وليمة النبلاء.

أغمض عينيه ببطء، كمن يفتح بوابة لجحيمٍ قديم.

ثم قال... بصوتٍ هامسٍ، لكنه عميق كقاع محيط:

《الثقة؟ هي أكبر كذبة صدقها الحمقى.

القرب؟ لعنة تُمنَح للضعفاء، ليشعروا بالأمان قبل أن يُذبحوا.

الحب؟ اسمٌ آخر للجريمة التي لم نملك شجاعة الاعتراف بها.》

《لقد فهمت الحقيقة...》

《أن كل قلبٍ نبض، كان يخفي خلف نبضه سكينًا.

وكل ابتسامة، كانت ثقبًا في قناعٍ سقط قبل الأوان.

وكل يدٍ امتدت إليّ... كانت تبحث عن موضعٍ مناسبٍ لتطعنني فيه.》

《الناس لا يتغيرون... بل ينزعون الأقنعة حينما يقررون أن الطعن بات أسهل من الانتظار.》

《أنا لا أكره البشر... فقط لم أعد أؤمن بخرافة أنهم بشر.

هم طفيلياتٌ ترتدي جلد الصدق لتخدع الزمن.

يتكلمون عن الشرف، لكنهم لا يذكرونه إلا حين يُداس.

يتحدثون عن الوفاء، لكنهم لا يعترفون به إلا إذا مات.》

《أما أنا... فأنا لست ملاكًا.

لكنني لا أستبدل خيانتي بالابتسام،

ولا ألبس الطهر لأسكن القبور.》

ثم ابتسم بسخرية، وهو ينظر للسقف كمن ينظر لحقيقة معلقة في السماء منذ قرون:

《أحب أن أكون وحيدًا،

فالظلام الذي في داخلي، لا يجرؤ على خيانتي،

بينما الضوء... خذلني حين احتجته.》

سكت، ثم مرر أصابعه على السيف الخشبي بجانبه، وكأنه يتأمل تمثالًا منحوتًا من الماضي.

وفي عقله... لم يكن صوت.

بل كان هناك فقط همسٌ يقول له:

《ما زلت على قيد الحياة... فقط لأثبت أن الخيانة لا تقتل، بل تلد شيئًا أقوى منها.》

ابتسم كلاينفير… لكنه لم تكن ابتسامة عادية، بل كانت كأنها طقوسٌ شيطانية تنبع من عمق روحه المشوهة.

لم تكن شفتاه تنفرجان ببساطة،

بل تراقصتا على أنغام عقلٍ فقد توازنه منذ سنين.

ارتفعت زوايا فمه ببطء… ببطءٍ مريب كأن الزمن نفسه توقف ليراقب.

شفاهه ارتجفت كأنها تصرخ دون صوت،

لكن صمته كان صاخبًا، وكان الهواء من حوله قد أثقلته نوايا لا يُغتفر لها.

ثم مد يده ببطء، ليغطي نصف وجهه،

وكأن يده كانت قناعًا يحجب الانحراف عن العالم،

لكن العالم كله كان قد بدأ ينهار في داخله منذ زمن.

كانت الابتسامة تحمل طيفًا من السخرية، ظلًا من الحقد، ووميضًا شيطانيًا لا يُفسَّر.

وكأن جزءًا من قلبه يُمزق، وآخر يُولد من رماده.

لم تكن مجرد تعبير، بل ولادةٌ لفوضى مقدسة.

ثم قال بهمسٍ باردٍ كالموت، لكنه مشحونٌ بجمرٍ خفي:

《هينراثير… بما أنك أقوى شيطان من الشياطين العشرة… هل تملك القدرة على السفر إلى عوالم أخرى؟》

سكتت الأرض للحظة.

كل شيء حوله صمت، كأن الزمن ذاته خاف من السؤال.

ثم… ضحك هينراثير.

ضحكته لم تكن ضحكة… بل كانت زلزالًا من الجنون.

صوتٌ عميق، متشقق كجدران معبدٍ مهجور،

ضحكة بدت كأنها تأتي من مئات الحناجر التي بُقرت ذات مرة في طقوسٍ محرمة.

ضحكة شيطانٍ لا يرى في العالم إلا هشاشة،

ولا في البشر إلا طينًا يصلح للتلاعب.

"هاهاهاهاهاهاهاهاهااااااهه…

لقد فهمت ما ترمي إليه، أيها الوريث الملعون."

"أجل… أنا أستطيع السفر بين العوالم،

أتنقل بين الأكوان كما يتنقل الضوء في أعين الموتى.

لكن… هذه القدرة، لا تُهدى.

بل تُنزف."

"ستحتاج أن تدرب جسدك حتى يتكسر،

وعقلك حتى يتبخر،

وروحك حتى تعتاد الصراخ في العدم."

"لكن… أتعلَم؟

أنا أعشق هذه الفكرة.

أعشق هذا الولد الذي يبتسم كمن عرف الحقيقة.

أعشق هذا الطفل الذي لفظ النور واحتضن الظلام طوعًا."

"أنت… تريد الانتقام؟

هذا حسن.

هذا رائع.

هذا… نقي."

"أغرق يا كلاينفير…

اغرق أكثر… في هذا المستنقع الأسود،

افتح صدرك للجنون، ودع الظلام يُرَبِّيَك."

"ففي النهاية… طريق الظلام،

هو الطريق الوحيد الذي لا يخون.

هو الطريق الذي لا يطلب الغفران،

ولا يتظاهر بالرحمة.

هو طريقك… الجديد."

كان كل حرف ينطقه هينراثير كأنه طعنٌ في قلب كلاينفير،

لكن الطعن لم يؤلمه… بل أيقظه.

بدأت عروقه تنبض بشيء جديد… ليس دمًا، بل شيئًا أكثر كثافة.

شعورٌ بالاتجاه.

شعورٌ بالقوة.

شعورٌ بأن الحياة لم تعد انتظارًا… بل مشروع موتٍ هائل.

أغلق كلاينفير عينيه ببطء، والابتسامة ما زالت تحت يده،

لكنها الآن كانت قد نمت، تمددت، وتحوّلت إلى علامةٍ لا يمكن إزالتها.

ليس لأنه يضحك…

بل لأنه بدأ يرى العالم من تحت جلد الأكاذيب.

2025/07/28 · 12 مشاهدة · 1260 كلمة
نادي الروايات - 2025