الفصل الخامس: مرآة الدم

عندما أتم كلاينفير عامه الرابع قرر أن يكتشف المزيد من الأسرار عن هذا العالم.

كان القصر في ظلام دامس، الأضواء الوحيدة كانت خافتة من شموع متفرقة على الجدران العالية، والهواء بارد وراكد.

لذا، في منتصف الليل، والجميع كان نائمًا، دخل مكتبة القصر وكان يمر بين الرفوف حتى وصل إلى كتاب بعنوان "الناثريم".

المكتبة كانت ضخمة، الرفوف تمتد لأعلى حتى لم تصل أنظار الطفل الصغير لها، والكتب القديمة تملأ الجو برائحة الورق المتعفن.

شعر بالفضول تجاه هذا الكتاب، لذا أخذه وجلس على الأرض وفتح الكتاب وبدأ يقرأ:

《الناثريم هم أشخاص يملكون قدرات خارقة للطبيعة على عكس البشر العاديين. هناك من يخفي قدراته، وهناك من يستخدمها في الشر، وهناك من يستخدمها في الخير، وهناك من يتباهى بها...إلخ》 قال كلاينفير في داخله.

كلاينفير كان جالس على ركبته، عيونه اللامعة تلتقط كل كلمة، وجهه الصغير مغطى بضوء القمر الذي تسلل من نافذة صغيرة خلفه.

ظل كلاينفير يفكر قليلاً قبل أن يسأل:

《هينراثير، هل أنا من الناثريم؟》

صوته كان خافتًا وكأنه يهمس للظل الذي يختبئ في زوايا المكتبة، ويداه ترتعشان قليلاً من التوتر.

كان كلاينفير ينتظر الإجابة بفارغ الصبر.

"لا يا فتى، أنت لست من الناثريم. ليست لديك أي قوى، أنا هو مصدر قوتك. لكن إذا اختفيتُ فأنت لن تملك أي قوى، لذا أنت لست من الناثريم. وأيضًا، أصحاب العيون القرمزية من الناثريم، لأن عيونهم هذه تُعد من القدرات الخارقة للطبيعة."

صوت هينراثير كان عميقًا ومتجمدًا كصدى في كهف مظلم، يملأ ذهن كلاينفير بقسوة لا توصف.

أمسك كلاينفير كتابًا آخر يتحدث عن الشياطين. فتح الكتاب وبدأ بالقراءة:

《الشياطين هم عرق مجهول ظهر فجأة من العدم. لديهم قدرات خارقة للطبيعة، لكن أجسادهم تكون مشوهة، ليسوا مثل البشر، يحبون القتل وإراقة الدماء. كان هناك عشرة شياطين يحكمون هذه الشياطين، وأحد العشرة يكون هو من يحكم باقي الشياطين العشرة. الشيطان الحاكم: هينراثير》

الهواء في الغرفة أصبح أكثر ثقلًا، وكأن الظلال نفسها تستمع وتنتظر رد فعل الطفل الصغير.

"لم أتوقع أن يكون هناك كتاب يتحدث عني"، قال هينراثير بتفكير.

الصمت خلف الكلمات كان موحشًا، والكتاب كأنه ينبض بحياة شيطانية تحت أنامل كلاينفير.

《أليس من الطبيعي أن يكون هناك كتاب يتحدث عنك؟ أنت حاكم الشياطين، هذا طبيعي. ومكتوب هنا أنك دمرت مدنًا وقُرى وممالك ونشرت الفساد في كل مكان، حتى أنك كدتَ تدمر العالم. أليس من الطبيعي أن يتحدثوا عنك؟》

"ممم... حسنًا، ليس وكأني أهتم، لكن بصراحة، أنا لا أرى فائدة من هذه المعلومات، فأنت تعرف بالفعل أني الحاكم وتعرف عن الشياطين العشرة، فلماذا ما زلت تقرأ هذا الكتاب؟"

《حسنًا، لا أعرف. سأذهب للنوم قبل أن يلاحظ أحد أني لا أزال مستيقظًا》

ذهب كلاينفير إلى غرفته وغط في نوم عميق.

غرفته كانت صغيرة وبسيطة، لا يتعدى فيها سرير خشبي وفانوس صغير يتدلى من السقف. الظلام يلتهمه كحزام خانق حول عنقه.

مرّت الأيام، ثم الأسابيع، ثم الشهور، ثم السنين، حتى أصبح عمر كلاينفير ثمانِ سنوات. طوال السنين الفائتة، كان يتدرب ويقرأ الكتب عن أسرار هذا العالم، واكتشف أن هذا العالم أكثر وحشية مما تخيل، وأن القوي هو من يحكم. تبقى فقط سنتان حتى يبدأ هينراثير بالاستحواذ على جسد كلاينفير.

《هاي، هينراثير... ماذا ستفعل عندما أصل لعمر العشر سنوات؟》 سأل كلاينفير بفضول.

كلاينفير كان جالسًا في فناء القصر المهجور، الأشجار الميتة تحيط به، والرياح الباردة تمر بين أغصانها كأنها تنذر بما هو قادم. وجهه مازال بلا تعبير، لكن عيونه كانت تلمع بشيء من التحدي والخوف.

لم يجب هينراثير على الفور، لكنه في النهاية أجاب:

"حسنًا، إذا كنت متشوقًا لمعرفة ما سأفعل... فأنا أخطط لطرد روحك وأخذ جسدك."

الصوت بدا وكأنه نيران متقدة تحترق في الظلام، تقترب ببطء وتملأ الجو بالرعب.

《ماذا؟!!》

كان كلاينفير يشعر بأن جسده يرتجف من الخوف.

"لا تقلق، فأنا أراك مثيرًا للاهتمام. أنت متعطش للدماء قبل حتى أن أفعل لك أي شيء. هذا... مثير جدًا. في البداية، أخبرتك أنك ستصبح متعطشًا للدماء، لأجعلك تظن أنك ستظل في جسدك، لكن لا أرى مشكلة في إخبارك بهدفي."

صمت هينراثير قليلًا، ثم أكمل:

"أنت حقًا مثير للاهتمام... قد أتركك تظل في جسدك، لكني لن أخرج منه، مهما حدث."

صوته تمزق في عقل كلاينفير كأنها نداء من عالم آخر، يملأ كل خلية بجسده بالبرودة.

كان كلاينفير يرتعش من فكرة أنه قد يتم نفي روحه من جسده عندما يصل لعمر العشر سنوات.

《إذاً... لماذا اخترتني أنا بالذات؟》

"هممم... لأني استطعت أن أرى كم شخصًا مات على يدك. وكان عددهم ثلاثين ألفًا... هاهاهاهاهاها! أنت حقًا مجنون. عندما رأيت هذا العدد، توقعت أنك من عالمٍ آخر. فكيف لطفل وُلد للتو أن يقتل كل هذا العدد؟ لذا اخترتك... لأني رأيتُ نفسي فيك."

ضحك هينراثير كان مثل صوت قرع الطبول في معركة وحشية، ملء الفضاء بصدى مرعب.

《لا! أنا لستُ مثلك! أنا كنت أقتلهم لأنهم أعداء وطني!》

قال كلاينفير وهو يرتعش دون معرفة السبب.

وجهه المحايد كان يتلوّن بالاضطراب، ويداه تنقبضان كأنهما تحاولان الإمساك بخيوط السيطرة على نفسه.

ضحك هينراثير ضحكة مدوية جعلت رأس كلاينفير على وشك الانفجار، ثم قال:

"أيها الفتى... هذه مجرد أعذار. هل تعتقد أني لم أقرأ ذاكرتك؟

أنت قتلت والديك، وكنتَ مستمتعًا بذلك. وحتى عندما كنت تقتل أعداءك، كنت مستمتعًا أيضًا.

هذه مجرد أعذار لتبرير وحشيتك... اعترف فحسب...

...أنك مثلي."

صوت هينراثير كان ثقيلاً كأنه مطرقة تضرب على قلب كلاينفير، يدفعه للسقوط في هاوية لا نهاية لها.

صمت لثوانٍ، ثم قال هينراثير بصوت خافت كأن العالم كله ينصت له:

"البشر دائمًا يبحثون عن مبرر لأفعالهم، وكأن الكلمات تستطيع محو الدماء التي سالت من أيديهم.

لكن لا أحد يُولد بطهرٍ مطلق، ولا أحد يسفك الدماء بلا رغبةٍ دفينة.

الخير والشر ليسا سوى تعريفات اخترعها الضعفاء لحماية أنفسهم من حكم الأقوياء.

أنا لم أكن يومًا شيطانًا... أنا كنت مرآةً فقط، أريهم حقيقتهم، لكنهم كسروا المرآة واتهموها بالقبح.

الواقع بسيط:

من يملك القوة، يكتب القوانين... ومن يقتل أكثر، يُكتب عنه التاريخ.

أما أنت، يا كلاينفير...

فأنت لا تحتاج أن تصبح مثلي... لأنك كنت كذلك منذ البداية، فقط لم تفتح عينيك بعد."

الكلمات كانت كأنها صواعق تضرب في هدوء الليل، تجتاح عقل كلاينفير بحقيقة لا مفر منها.

قال هينراثير بصوت عميق

"مارأيك بأن نعقد اتفاق؟ انت تعجبني يا فتى لذا سأترك روحك ولن اخرجها من جسدك وانا سأظل في جسدك. مارأيك؟ اليس هذا اتفاق رائع؟"

صوته كان واثقًا، جامدًا، لا يقبل الرفض، كحاكم ظلام ينذر بالعاصفة القادمة.

《هل تمزح معي؟ انا اريدك ان تخرج من جسدي فوراً》

قال هينراثير بصوت غليظ وعميق

"ايها الفتى فلتعرف مكانك هل ظننتَ لأني اتحدث معكَ وكأنكَ صديقي يجعلك تتحدث معي بهذه الطريقة؟ فلتعرف مكانتك قبل ان اجعلك تدركها بطريقتي"

صوت هينراثير تحول إلى زمجرة مظلمة، كأنها وحش يستعد للهجوم في الظلام.

قال هينراثير بصوت مظلمٍ، عميقٍ كهاويةٍ بلا قاع، تتردد أصداؤه في ذهن كلاينفير كأنها صدى لصرخات أزلية:

"انت لا تدرك شيئًا بعد. هل تظن أن الجسد هو ملكك؟ الجسد ليس إلا وعاء، والروح؟ الروح ليست سوى شرارة... أنا النار. أنت مجرد عابر مؤقت، بينما أنا كُنتُ وسأظل."

الجو من حول كلاينفير أصبح خانقًا، كأن الهواء نفسه تحول إلى سلاسل تقيد أنفاسه.

اقترب صوته من ذهنه أكثر، كأن أنفاسه الساخنة تخترق الجمجمة مباشرة:

"العالم ليس بحاجة للأخيار، بل يحتاج للمهيمنين... القسوة، الفوضى، الدم، كل هذا ليس خطيئة، بل هو قانون الطبيعة الذي أنكره الضعفاء. أنت تقول إنك قتلت من أجل الوطن، لكنك لم تكن تحارب... كنت تتلذذ. وهذه ليست إهانة... بل امتياز."

كلاينفير كان يشعر بثقل الكلمات يغلق عليه كقضبان حديدية، وجهه صار شاحبًا كالرخام.

سكت لحظة... ثم قال بنبرة فيها لمحة من سخرية راقية:

"الوحش الذي يعرف أنه وحش... أصدق ألف مرة من البشري الذي يخبئ مخالبه خلف كلمة "العدالة"."

تقدم خطوة نحو عمق عقل كلاينفير، ثم همس بصوتٍ شبه شاعر:

"الفطرة يا فتى... الفطرة هي القتل. من ينكرها، يعيش عبداً للأوهام. من يعانقها... يصبح ملكاً على كل شيء. أنا أريدك ملكاً، لا عبداً. وافق على الاتفاق، وسأريك عالماً لا أحد يستطيع الوصول إليه... عالماً تصنع فيه القوانين بدل أن تُسحق بها."

ثم ختم كلامه بصوتٍ كالزئير المتحكم بالوجود:

"فكر جيدًا يا فتى... فأنا لا أكرر الفرص."

بالمناسبة يا شباب لمن يسأل عن شكل كلاينفير:

شعر اشقر مع عيون خضراء وبشرة ناعمة وبيضاء قليلا فقط

2025/07/28 · 9 مشاهدة · 1258 كلمة
نادي الروايات - 2025