في عمق جوفٍ خامدٍ، حيث لا تسمع السماء أنين الأرض، وحيث الصمت ليس سكونًا بل حكمًا نهائيًّا بالموت... وُلد هو.
لا اسم. لا أمّ تبكيه. لا يد ترتجف احتضانًا له.
كان الوجود نفسه يرفضه.
جاء إلى الحياة مثل شرارة نُفيت من جحيم، تائهة تبحث عن وقود لتلتهمه.
أطلق عليه الرُعاةُ اسمًا ارتجاليًا: "ذئب الجحيم".
لكن من عاش بجانبه لم يرَ ذئبًا... بل نارًا تمشي على قدمين.
---
تربّى "لي شوان" في أرض لم تكن يومًا وطنًا لأحد.
أرض الرماد، حيث تموت الأشجار واقفة، وتبكي الريح بأصوات لا يسمعها إلا من عاش ألف موتة وهو لا يزال على قيد الحياة.
في ذلك المكان، لم تُزرع المحاصيل، بل زُرعت الأحقاد، والأجساد، وأوهام النجاة.
كان جسده هزيلًا، لكن النار تسكنه.
نار لا تُشعلها الحطب، بل الألم.
كلما جاع، اشتعلت.
كلما بكى، احترق.
حتى الدموع كانت تُتبخَّر قبل أن تُولد.
لم يتعلم أن يبتسم، لم يكن لديه متّسع لتلك الترهات.
كان عليه أن يتعلم كيف يبقى،
ولكي يبقى... كان عليه أن يتعلّم كيف يقتل.
---
في هذا العالم، لا تُمنح القوة... بل تُنتزع.
السماء لا تُبارك أحدًا، إلا بعد أن تتأكد من أنه قادر على لعـنها.
ومع الوقت، أدرك "لي شوان" ما لم يدركه غيره:
الزراعة، ذلك الطريق الذي يسلكه الحمقى نحو الخلود، لم تكن سوى وهمٍ آخر، لعبة بيد من يتحكمون في قوانين الحياة والموت.
أصحاب الطُهر؟ قديسو السماء؟
كلهم مجرد وجوه تبتسم بينما تُخفي السكاكين خلف ظهورهم.
أما هو، فكان مختلفًا.
لم يتغذَّ على الأعشاب ولا على تعاليم الطُهر،
بل على العدم نفسه.
كان كل ما فيه يتشكّل من فراغٍ ملوّث بالألم، ومن جحيمٍ لا يحتاج إلى حطب.
من بين اللهب، خُلقت روحه.
روحٌ لا تُصنَّف: ليست طاهرة، ولا شيطانية... بل متحوّلة.
---
كان والده الروحي رجلاً لا يبتسم.
كل ما منحه لـ"لي شوان" كان حكمة واحدة، قالها في الليلة التي انطفأت فيها عينيه للأبد:
> "القوة لا تعني الطهارة، بل القدرة على الاحتراق... ثم أن تولد من رمادك من جديد."
كلمات ظلّت ترنّ في رأسه، كلما وقف على حافة السقوط.
لم تكن حكمة... بل نبوة.
---
في مساءٍ غريب، حين انقسمت السماء إلى دمٍ ورماد، جلس "لي شوان" على حافة البركان الذي شهِد ولادته.
كان هناك صمت، لكنه لم يكن راحة.
كان توترًا عظيمًا، كما لو أن الأرض ذاتها تحبس أنفاسها.
فجأة... اخترق الأفق شهاب.
لا، لم يكن نيزكًا عادياً.
بل شيئًا آخر، يحمل ظلالًا تمشي مثل رجال، وعينين تتوهج كجمرة لم تُطفأ منذ ألف عام.
ومن بين الضوء، ظهر رجل...
مغطّى بالسواد، صوته خافت، لكن صداه اخترق كل شيء:
> "أنت لست ما يظنونه."
"سيرتفع سيد الجحيم، لكن ليس كما يتوقعون."
---
كان يمكن له أن يسأل: من أنت؟ ماذا تعني؟
لكنه لم يفعل.
لأنه يعرف.
يعرف أن هذا العالم لم يكن يوماً بحاجة لأبطال.
بل لـشرارة واحدة... تُشعل الحكاية من جديد.
وهو؟
لم يكن سوى بداية اشتعالها.
---
ليس مجدًا ما يطلبه، ولا انتقامًا.
بل حقيقة واحدة:
أن النقاء كذبة،
وأن السماء... ليست سوى سجنٌ ناعم.
وبين الرماد والجحيم، بين أقنعة الطُهر وسياط الحقيقة،
كان لي شوان...
هو الشرارة.
هو الهادم.
هو سيد الجحيم القادم.
نهاية الفصل.